ومضت السكين .. وأعشت الشمس العيون .. وسقط شعاع الشمس فى عينيها .. فانتفض قلبها بعنف ، وصار التنفس أمراً عسيراً .. فاندفعت كأرنب مذعور إلى داخل المنزل .. وارتقت الدرجات وثباً إلى حجرتها ، وأغلقت الباب بإحكام .. وأنشأت تفك أزرار بلوزتها .. ومضت دقيقة تهاوت بعدها على الفراش تنهش عقلها وتجول فيه طولاً وعرضاً .. كأنه حمى مستباح .. وامتدت الأنياب إلى الفراش وتحولت إلى سكاكين حادة .
قفزت من فوق الفراش ، وعيناها تدوران فى سرعة محمومة .. وغشت الحجرة رائحة الدماء .. صحبها ضباب أحمر ثقيل يهبط ببطء يلازمه انقباض شديد بمعدتها .. وشعرت أنها ستتهاوى على الأرض .. وتلمست الجدران حتى وصلت إلى الباب .. واندفعت صارخة .
وظلت تحاول أن تحفظ توازنها على الدرجات .. وقبل النهاية تعثرت فسقطت .. دارت دورتين ثم تدحرجت واصطدمت بالمقعد .
راحت تلتقط أنفاسها ، بينما تمد يديها تتساند على المقعد .. لتقف قبل أن تواصل اندفاعها نحو الباب الخارجي .. وقبل أن تصله ارتدت مذعورة إلى الباب الخلفي .. وخرجت منه ركضاً .
فتحت صديقتها الباب .. راعها شحوب الوجه وتسارع الأنفاس والدموع .. مدت يديها تتلقاها قبل أن تسقط .. وحملتها إلى أقرب مقعد .. وأسرعت تعد لها كوباً من الليمون .. وأجلستها بهدوء ، ومازالت هدى تهذى .....
( ذبحوا سعد .. طاوعهم قلبهم أخيراً )
ومضت تغمغم والعبرات تتساقط على الوجنات .. أرغمتها صديقتها على تناول قطعة من البسكويت .. وناولتها رشفة ماء .. ثم أعطتها منديل ورقى .. وبهدوء وضعت لها اسطوانة موسيقى هادئة .. ثم انسحبت تاركة إياها فى الحجرة وحدها .. وأغلقت الباب برفق .
مضت الأنغام الهادئة تشق طريقها ببطء فى عقل هدى .. حتى استطاعت أن تفتح طاقة صغيرة تتسلل منها إلى النفس .. وشيئاً فشيئاً ، زحفت الأنغام فى فضاء الحجرة .. وأصبحت هدى محاصرة بكل ما يغرى بالهدوء .. فمالت برأسها على كفها .. وطوت ساق وثنت الأخرى تسند عليها اليد الحاملة لتلك الرأس .. التي لانت ملامحها الآن .. واستردت شيئاً من لونها الطبيعي .. وانسدل الشعر فى نعومة فغطى اليد .. فانفتح الباب السحري لمكامن الذكريات .....
كان أول ما فعله سعد عندما وصل إلى المنزل .. احتمى بها عندما بدأ هاني فى التحرش به .. ومد يده يجتذبه ليرغمه على اللعب معه .. فتصدت لأخيها ، الذي أخرج لسانه ليغيظها وانصرف يغمغم .. واستدارت هي إلى سعد .. ربتت على رأسه بكل حنان كامن فى نفسها .. فرفع نفسه قليلاً وحك جبهته بصدرها .. فاحتضنته ومررت أصابعها سريعة فى شعيرات رأسه وهى تسأله :
عطشان .. حالاً .
وأسرعت تحضر له الماء .. وظلت تسقيه حتى ارتوى .. ثم وضعت له الطعام ، ومضت تستحثه على ابتلاع أكبر كمية ممكنة .. وعندما يترك الطعام ، كانت تعيده إليه قسراً .. وعندما كان يمعن فى الرفض تمعن هي فى تدليله ، حتى يرضى .. وبعد أن اكتفى ، قضت ما يقرب من الساعة فى تمشيطه .. وعندما أصبح منظره أكثر جمالاً .. جلست على الأرض ، وأسندت جذعها إلى باب حجرتها .. وانطرح هو إلى جانبها ، ووضع رأسه فى حجرها .. ومضت تربت على رأسه وتتفحصه فى هدوء .. كل عيونهم سوداء .. لماذا هو عينيه زرقاء ..؟ يا سبحان الله .. أطربها هذا الذي اكتشفته فاقتربت أكثر وغرست نظراتها فى عينيه الزرقاء .. ما أبدعها من بحيرة صافية ، شديدة الغور .. تتباهى على السماء بهذه الزرقة الجميلة .. نادت والدتها كثيراً من الداخل ، ولكن لا مجيب .. فخرجت من المطبخ تستطلع السبب ، وجدتها على الأرض .. ورأسه فى حجرها ، وقد انسدل شعرها فغطاه حتى رقبته .
وقفت الأم لحظات والغضب والغيظ يتسللان إلى نفسها ثم صاحت :
هدى .
نعم يا أمي .
قومي إلى الغذاء .
لن آكل .
استدارت الأم عائدة إلى المطبخ .. كان يتملكها الغيظ .. لها الله هذه الابنة .. لن يوافق أو يقبل الأب على ما تفعله أبداً .. مر الوقت سريعاً ، وعندما نادوها من أجل العشاء ، قامت سريعاً وهى تشعر بالجوع الشديد .. وانطلق هو فى إثرها .. لكن الأب منعه من الدخول معها .
بعد انتهاء الطعام .. تحلقوا حول الأب وأكواب الشاي ترتشف فى هدوء واستمتاع .. وحل موعد النوم .. فتفرقوا إلى مضاجعهم .. وبعد أن اطمأنت إلى نوم الجميع ، تسللت بهدوء وخفة وذهبت إليه .....
( سعد )
فلوي وجهه عنها ، وهو يئن بصوت خافت .. ثم هز جسده كله .. واستدار عنها فاستدارت هي حتى صارت فى مواجهته .. ومدت يدها إلى رأسه تتخلل شعيراتها بأصابعها وهى تهمس برقة :
سعد أرجوك لا تغضب .
وظلت تنظر إليه باستعطاف تريد أن تعبر بعينيها عما لم تستطع قوله .. فأدار رأسه ونظر إليها بعينيه الزرقاء .. سرتها الزرقة الصافية .. فشاع الصفاء .. وسرقها الوقت وهى تسامره حتى أطلت الشمس عليها تحذرها افتضاح أمرها .. فأسرعت إلى حجرتها وأبدلت ملابسها وتأبطت كتبها .. وظلت طوال اليوم سعيدة مرحة تتقافز حول الجميع .
عادت إلى البيت يسبقها قلبها وشوق شديد إلى سعد .. وكان أو من استقبلها هو .. حيته تحية سريعة ، وبادلها التحية على طريقته الخاصة .. رفع نفسه قليلاً فاحتضنته وغاصت فى عينيه الزرقاوين .. ولكن بحذر حتى لا يسرقها الوقت .. ثم انطلقت إلى حجرتها ، فأبدلت ثيابها وتناولت غذائها سريعاً .. وطارت إليه .. اتخذا الوضع المعتاد .. ومضت هي تحكى له كل ما حدث فى يومها .. وعندما انتهت من كل الأحداث اليومية .. حدثته عن نفسها وأفاضت .. ثم تدرجت إلى أسرارها وهو فى هذه الجلسة خير مستمع ، صبور ، شديد الإنصات .. لا يقاطعها وإذا توقفت استحثها بهزة من رأسه فتفيض .. وتهاوى الحديث كفراشات ملونة .. وأصبح البرنامج اليومي لهدى .. سعد .. المدرسة .. البيت .. سعد ..
وعندما تحدثت الأم إلى الأب :
أنتِ من جعلها تفعل ذلك .
أنا ..؟
مشغولة دائماً عنها .
وأنتَ الست بعيداً ..؟
على كل حال .. فترة وسوف تمر .
هذه الفترة قد طالت أكثر من اللازم .
اقترب الوقت .....
انتهت الاسطوانة .. فتوقفت الموسيقى الحالمة .. وأفاقت هدى على صوت صديقتها تدلف إلى الحجرة بكوب من الشاي .. راح يتصاعد منه البخار فى غمامات بيضاء لطيفة .. واقتربت منها وناولتها إياه ، ثم عادت الاسطوانة فتصاعدت فى الحجرة الأنغام الهادئة .....
اشربي يا هدى .
لن أذوق شيئاً .
لماذا ..؟
لقد ذبحوا سعد .
وما فى هذا .. إن أمثاله يذبحون كل يوم .. خروف لا أكثر ولا أقل .....
كده يا عم احمد !!
بأه جناب حضرته طلع خروف
لأ .. وعينيه زرقا
دى مش براءه .. ده منتهى البراءه
ملعوبه وبإتقان ولا تحتاج إلا لقليل من الحذف للحروف الزائده من حرف واو العطف وكلمة "عندما"
وكلها أمور ثانويه لكن تعطى للنص قراءه أكثر سلاسه كأنك ماشى على طريق ناعم
بسم الله الرحمن الرحيم
الأستاذ أحمد عطيه
مازالت لذعات يوميات حمار فى مخيلتى والأن اصل الى لذعات أطرف وأجمل مع الخروف الذى أوهمت الجميع بأنه إنسان يخاطب ويتفاعل مع انسان
خاصه العيون الزرقاء
هذا النوع من القصص مع الحيوانات مطلوب وله ناسه وقليل من يكتب فيه لصعوبته
وأنا أشكرك على اهتمامك بهذا النوع الجميل القليل بمنتدانا
كتبتها فى براعه متناهيه وحبكتها وخالت علينا
شكرا لحضرتك وفى انتظار المزيد
تحياتى