تمدد فوق سريره .. ألقى برأسه إلى الوراء .. تعلقت عيناه بسقف الحجرة .. جال في خاطره قصة خلافه مع شقيقته .. الشقيقة الكبرى التي لم تنجب .. كان ذلك منذ ثلاث سنوات .. فقد مات زوجها وأوصى لها بما يملكه .. بناية شاهقة في حي راق .. وأوصت هي بهذا الإرث ـ حين وفاتها ـ مناصفة بين شقيقتها الصغرى وشقيق زوجها .. تعجب يومها كيف لها أن تفعل ذلك ؟ .. لماذا استبعدته ـ من وصيتها ـ رغم حبها له ؟ .. غضب منها أشد الغضب .. قاده غضبه الأعمى إلى القضاء .. ثلاث سنوات والقضية متداولة .. ابتسم في حزن وهو يجتر تلك الذكريات المؤلمة .. تذكر زوجته التي أججت خلافه مع شقيقته .. هي من أقحمته في كل هذا .. كيف له أن يستمع لها ؟ .. لعنها في سره .. إنه ليس معدماًً بل لديه بناية هو الآخر .. لديه ما يكفيه هو وأولاده .. تململ في فراشه .. غفلت عينيه قليلاً .. وجد نفسه أمام مجلس عزاء .. تلمس طريقه إلى الداخل .. استمع إلى حوار الحضور .. هاله ما سمع .. إنه مجلس عزائه هو .. كيف ذلك وهو حي يرزق ؟ .. الحوار يدور ويدور ومعه تزداد دهشته .. لقد ماتت شقيقته التي كان يقاضيها .. رحلت وهى غاضبة منه .. ولم تمض إلا أيام قليلة حتى وافته المنية هو الآخر .. لم يأخذا من هذه الدنيا إلا ما قدر الله لهما .. شعر بغصة مؤلمة في حلقه .. استيقظ مذعوراً من غفوته .. وجد نفسه ما زال في فراشه .. راح يفرك عينيه وهو يبكى في حرقة .. نهض مسرعاً .. أحكم إغلاق باب حجرته .. ثم فتح صندوقاً خشبياً قديماً .. أخرج منه أوراقاً كثيرة تخص القضية .. يتأملها وقد اقشعر بدنه .. تقهقرت به الذكرى إلى الوراء .. حيث تبدو كل الأشياء ضبابية .. إلىزمن الطفولة .. تذكر كيف كانت تحنو شقيقته عليه .. يهتز كيانه كله عندما يسمع صدى كلماتها .. يهتف في صمت .. كيف له أن يخسرها ؟ .. ما الذي حدث ؟ .. ما الذي تغير ؟ .. ألطف بنا يا الهي .. يرتحل إلى حيث يهزه الشوق والحنين .. ثم يخرج من حجرته .. عازماً على أمر ما .. وشعاع خاص يومض في عينيه .