مقالتي بجريدة القاهرة في 18 فبراير 2014
الحقيقة والخيال في السينما والمسرح
يحكون أن عزيز عيد – المخرج المسرحي الكبير – قد أختار فاطمة رشدي التي لم تكن قد مثلت من قبل لبطولة مسرحيته " القرية الحمراء "، ويوم العرض، حضرت أمها، وجلست في الصف الأول بجوار محمد تيمور وأمين صدقي.
وصاحعزيزعيدوهويرتديالملابسالريفية: ياسماءأرعدي.
وخرجصوتفاطمةمشروخاومتقطعاأولالأمر:
- أرجوكياعمدة، أرجوكياعمدة.
- اقتربييافتاة،اقتربيمني.
- أنا فتاة مسكينة.
وازدادصوتهعلوا: اقتربييابنت.
وبكتفاطمة،اندمجتفيالدور:
- أرجوك،إننيخائفةمنعينيك.
- اقتربي.
ونظرتْفاطمةإلىالجمهوروصاحت:
- أرجوكم،أحمونيمنهذاالرجل.
ووقفتأمفاطمة رشدي وسطالمشاهدينوصاحت:
- جننتيارجل،تطاردفتاةصغيرةفيسنبناتك؟!
ضحكالمشاهدونووقفبعضهممنشدةالتأثر، وأسرعأمينصدقيإلىمحمدتيمور:
- الحقهذهالمرأةقبلأنتفسدكلشيء.
وسألعزيزعيدفاطمة بصوت خافت: منهذه؟
قالتفاطمة بنفسنبرةالتمثيلوبصوتمرتفعسمعهكلالمشاهدين:
- إنها أمي، أمي.
كانتمندمجةفيالدور؛فلمتستطعالخروجمنه، فزادهذاالصالةضحكاوسخريةممايحدث، واقتربعزيزمنحافةالمسرحوصاحبالأم:
- اهدئيياسيدتي، إننانمثل، ماترينهالآنتمثيلاوليسحقيقة.
وقالتفاطمةبعدأناستعادتنفسها:
- اهدئيياأميولاتخافي،إننانمثل.
وجلستْالمرأةوجلسالمشاهدونواستمرالعرض.
هذا الخلط بين الحقيقة والخيال يحدث كثيرا، فقد حكي الممثل الراحل حسن عابدين بأنه في إحدى المسرحيات، كان عليه أن يتلقى طعنة بالخنجر من ممثل – زميل له – وحضرت أمه العرض المسرحي، فإذ بها تصرخ وتصيح وتولول من أجل أبنها الذي طعن بخنجر أمامها.
ويحكون أن المخرج السوري الأمريكي العالمي الراحل مصطفى العقادقد أقام في أحد فنادق طرابلس بليبيا، استعدادا لإخراج فيلم " الرسالة " عن الرسالة النبوية التي جاءت بالإسلام، وكان يفكر بمن سيقوم بدور وحشي الذي ستستأجره هند بنت عتبة لكي يقتل لها حمزة – عم الرسول – في غزوة أحد، وبالصدفة رأي أمامه شاب أسود، جسده ضخم وقريب جدا من الشكل الذي تخيله لـ " وحشي" فاستدعاه وقربه منه، وسأله عن اسمه، فقال:
- اسمي سالم القدرة.
وعرض عليه أن يمثل دور وحشي. فتردد الشاب، وقال:
- أنا لست ممثلا، أنا أعمل فني كهرباء بالفندق.
فطمأنه المخرج الكبير، بأنه سيجعله يمثل باقتدار، وتم الاتفاق، ومثل سالم القدرة بإتقان شديد. وعندما شاهدت أمه الفيلم، غضبت عليه، وطردته من البيت.
أخذ يقسم لها بأنه لم يقتل الحمزة حقيقة، وإنما قتله في السينما، يعني الموضوع كله تمثيل في تمثيل، لكن الأم لم تقتنع، وأصرت على طرده من البيت ووصمته بالكفر، وإنه لم يتمكن من العودة إلى المنزل ومصالحة أمهإلا بعد أن استعان بشيوخ دين وإناس معروفين من المنطقة حيث أقنعوهابأن ابنها لميقتل الحمزة عم الرسول وإن ما شاهدته على الشاشة مجرد تمثيل.
والممثلة زيزي البدراوي ظهرت في أول أدوارها على الشاشة عام 1959في فيلم " إحنا التلامذة " من إخراج عاطف سالم، قامت فيه بدور ابنة الطباخ ( شفيق نور الدين ) الذي يعمل في فيللا أسرة غنية مكونة من التاجر الكبير فؤاد شفيق وزوجته ميمي شكيب، وابنهما الشاب يوسف فخر الدين، وقد استعان الطباخ شفيق نور الدين بابنته زيزي البدراوي لكي تعاونه في العمل بالفيللا، فحدث بينها وبين يوسف فخر الدين لقاءًا، أدي إلي أن حملت منه، وماتت في عملية الإجهاض.
أدت زيزي البدراوي الدور بإتقان، وكانت قد سبقتها نادية لطفي عندما قامت ببطولة فيلم " سلطان " من إخراج نيازي مصطفى عام1958.ومثلت سعاد حسني بطولة فيلم حسن ونعيمة في عام 1960، في نفس العام الذي مثلت فيه زيزي البدراوي بطولة فيلم البنات والصيف من إخراج فطين عبد الوهاب، فتفوقت عليهما ومن يشاهد فيلم البنات والصيف، يجد أن اسم زيزي البدراوي كان يسبق اسم سعاد حسني التي قامت بدور أخت عبد الحليم حافظ التي تبارك حب أخيها لجارتهم في المصيف (زيزي البدراوي)، وكانت تحرضه لكي يحدثها، ويطلب مقابلتها، لكنه كان خجولا ولخمة، مما اضطر الجارة إلى ألا تهتم به، وانغمست في علاقة غرامية مع شاب آخر هو يوسف فخر الدين.
تنبأ نقاد السينما لزيزي البدراوي بأنها ستكون خليفة فاتن حمامة، لكن هذا لم يحدث، فتراجع دورها بعد بطولة فيلم البنات والصيف، وتقدمت عليها نادية لطفي وسعاد حسني، على غير المتوقع، وتُرجع زيزي البدراوي هذا لدورها في فيلم البنات والصيف، إذ سببت حزناً وألماً لعبد الحليم حافظ، عندما رآها وهي برفقة الشاب يوسف فخر الدين، غير مهتمة بحبه ومعاناته من أجلها. وغني لفقدها أغنيته الحزينة " راح ".
انصرافها عن حب عبد الحليم حافظ، أدى إلى انصراف الجمهور عنها.
وفي فيلم معبودة الجماهير من إخراج وإنتاج حلمي رفلة عام1967. تحب شادية – الممثلة المشهورة - عبد الحليم حافظ - الممثل المغمور الذي يعمل كومبارس في الفرقة المسرحية التي تعمل بها - وقد حذرها كبار الصحفيين الذين يتعاملون معها من مغبة هذا الحب، لكنها لم تهتم وقررتأن تستجيب لرغبات قلبها وأن تتزوجه، مما جعل صاحب ومخرج الفرقة المسرحية التي تعمل بها ( يوسف شعبان) أن يلجأ إلى الخيانة والكذب، وأن يأتي براقصة مغمورة ( نادية عزت ) ويدفع لها لكي تمثل دور فهيمة زوجة عبد الحليم. فتأتي ليلة الزفاف، وهي ترتدي ملابس ريفية، وتتظاهر بالمرض، وتدعي إنها زوجته، وأن عبد الحليم هو والد أطفالها الصغار الذين تركهم بلا طعام، فتضطر شادية أن تتخلى عن حبها، وأن تلغي الزواج في آخر وقت، بل وتحرج الممثل المغمور أمام كافة المدعوين للحفل، وتدعي بأن ما فعلته معه من تمثيل الحب كان من باب الدعاية لمسرحيتها الجديدة، مما أثر على نفسيته، وكان مادة للسخرية على صفحات الجرائد والمجلات، لدرجة أن أطلقوا عليه اسم " القرد أبو صديري "
دور نادية عزت هذا، جلب لها المشاكل وأخرها فنيا، فقد كان الجمهور يهاجمها ويكاد يعتدي عليها إذا قابلها في الشارع، ويقول لها:
- أنتِ التي فرقت بين عبد الحليم وشادية، حرام عليكِ.
ودور الخيانة هذا حدث في الكثير من الأفلام المصرية القديمة.
حدث في فيلم ورد الغرام بين محمد فوزي وليلي مراد، إذ اتفق نور الدمرداش مع سميحة أيوب لتمثل دور زوجة محمد فوزي أمام حبيبته ووالدها سليمان نجيب. مما حدا بليلى مراد أن ترفضه زوجاً. وحدث هذا في فيلم بشرة خير بين شادية وكمال الشناوي، عندما يلجأ عبد السلام النابلسي الذي يريد أن يتزوج شادية لسرقة مالها بالاشتراك مع استيفان روستي الذي يعمل مديرا في شركة والد شادية، مع الراقصة زوزو شكيب لتمثل دور زوجة كمال الشناوي، وحدث أيضا في فيلم " كل دقة في قلبي " لمحمد فوزي وسامية جمال " عندما يلجأ المطرب الذي يحب سامية جمال مع ممثلة لكي تدعي إنها زوجة محمد فوزي، والاستعانة بطفلة ( ابنة محمد شوقي في الفيلم ) على إنها ابنتهما، وتصدق سامية جمال هذا، وتترك محمد فوزي إلى أن تكتشف المطربة نازك التي كانت تغني مع محمد فوزي؛ الخدعة، وتعيده إلى سامية جمال.
الغريب أن يلجأ مخرجو هذا العصر إلى هذه الخدعة الساذجة كثيرا في أفلامهم المتكررة، دون حياء ولا خشية من أن ينتقدهم أحد لسذاجة الفكرة وتكرارها.
ولنعد إلى الخلط بين الحقيقة والخيال في السينما المصرية، فقد شاهدت فيلم الخطايا كثيرا في سينما الجمهورية القريبة من بيتي، ودهشت لازدحامها بالنساء والبنات، وعندما يصفع عماد حمدي؛ عبد الحليم في المشهد المشهور جدا، ننظر حولنا فإذ بالسيدات والبنات يبكين وبصوت مرتفع، ويعلو صوتهن في غضب سابين عماد حمدي: إلهي إيديك تتشل. أو إلهي إيدك تتقطع.
وقد أثرت الأدوار على شهرة ومكانة الممثلين والممثلات لدي الجمهور، فقد أحببنا إسماعيل يس لطيبته وكذلك أحببنا نجيب الريحاني لأنه كان مظلوما، وكرهنا محمود المليجي، وزكي رستم لقسوتهما، وقد مثل الفنان الكبير عبد الرحمن أبو زهرة دور الحجاج بن يوسف الثقفي في إحدي المسلسلات التليفزيونية، وأدى أفضل أدواره، لكنه لم يحقق الشهرة التي حققها عند تمثيله لدور الحاج سردينة في مسلسل " لن أعيش في جلباب أبي" لأنه كان طيبا، وساعد الشاب الريفي الغلبان ( نور الشريف ) وحماه من غدر الآخرين.
وقد أحببت فاتن حمامة في صغري، وكنت مغرما بها، لكنني كرهتها في فيلم " لا أنام" لأنها أدت دورا يخالف أدوارها السابقة، الفتاة الشريفة العفيفة المغلوبة على أمرها، فقامت في لا أنام بدور فتاة شريرة تؤذي من حولها، تؤذي والدها وزوجته وعمها. وللآن لا أطيق مشاهدة هذا الفيلم.