قارئ المقام
الأستاذ عبد القادر النجار
معلوماتي الشخصية
لم يكن الاستاذ عبد القادر، اذا توخينا الدقة ، نجارا . بل كان دوشمجي قنفات . وهي غير مهنة دوشمجي السيارات. كان مقر عمله هو موبليا السعدون الحديثة في شارع الشواكة قرب الاذاعة عبر ساحة جمال عبد الناصر. وكان صاحب المصنع الاستاذ جبار الحديثي النجار صديقا وجارا له.
الا ان عبد القادر كان يعمل ايضا مستخدما بعنوان نجار في مستشفى الرمد المقابلة لدار الاذاعة في الصالحية.
كان بيتهم ، وربما لايزال ، في منطقة الداودي في الزقاق الذي يقع خلف جامع الداودي مباشرة. عائلة كريمة. وكان والده العم عبد اللطيف متدينا ولم يكن يعترض على هواية ابنه للمقام بقدر ما كان يعترض على ان قدوري - وهذا هو اسمه - قد قارب الثلاثين ولم يجمع بعض المال لنفسه ولم يتهيأ للزواج والاستقرار.
كان قدوري يكبرنا بحوالي عشرة سنوات الا انه كان يختلط بمجموعتنا من الشباب لكونه اعزبا ولا التزامات له .
وكان، رغم محدودية دراسته بالمقارنة بنا كطلاب ثانوية وجامعة ، كان لبقا متزنا عميق الفهم للمواضيع الثقافية والاحداث الدولية. الا ان اهم ماكان يميزه هو طريقة كلامه . فليس فقط اسلوبه البليغ الذي تحسبه استاذ جامعة لكن ايضا كان صوته قويا رنانا حتى في الكلام الهادئ وكان كلامه العادي يصدح بين الجالسين فتعرف ان هذا لديه صوت مطرب عظيم
وكنا احيانا ما نسهر حتى ساعات الصباح الاولى في بساتين الحارثية على الشط او في قهوة الداودي الكبيرة اذ كان صاحب القهوة صديقنا فكان يترك لنا ، بعد اغلاق القهوة في الثانية عشرة ، يترك لنا الحصران على التختات ليالي الخميس و عطلة المدارس . وكما هو معلوم كانت الفترة آمنة جميلة في بغداد وليالي الصيف جميلة زاهية.
كان بيننا بعض هواة قراءة المقام الاخرين مثل الاستاذ رياض السامرائي ( شقيق وزير التصنيع العسكري فيما بعد)
في تلك الليالي كان قدوري يقرأ - اكثر ما يقرأ - الجهاركاه والصبا والخنبات ولم يكن قدوري يقرأ المقام فقط بل كان يقرأ سويحليات وعتابات واحيانا قراءات دينية
بصوت غاية في الجمال والقوة
عدة مرات اشتكي قدوري من ان المسؤولين في الاذاعة ضده شخصيا ويغارون منه فيمنعونه من العمل بالاذاعة . وكنا نتألم لهذا. فقام احد اعيان المنطقة ، وهو قريب لمدير الاذاعة، بالاعلان عن نيته زيارة قريبه مدير الاذاعة للتحقق من تعسف الاذاعة الظالم ضد قدوري.
بعد ايام عاد هذا الشخص ، وقال ان الاذاعة اكدوا له بأنهم ، على العكس ، يتمنون زيادة اعداد قراء المقام فهم بحاجة ماسة لهم ، وان الاستاذ قدوري امتحن عدة مرات ورسب لأنه - رغم صوته وادائه الجميل - لا يكلف نفسه بحفظ التفاصيل النغمية الدقيقة للمقام ويسترسل بالقراءة على هواه بدون التمسك حرفيا بالنص النغمي. وانهم يتمنون على قدوري ان يحفظ جيدا قبل ان يأتي للامتحان.
لم يكن الكاسيت موجودا في الستينات فانه لم يصل الا في حدود السبعين او نحو ذلك. لكن مسجلات البكرة كانت متوفرة لكنها غالية الثمن. وكان لدى احد شباب المنطقة مسجل فيليبس مستعمل يسمع عليه اغاني عبد الوهاب القديمية - على حد قوله يقصد القديمة - التي اقتناها جميعها ، وكان ملازما وحدته في الشمال لا ياتي الا مرة كل شهر او شهرين. فقال لقدوري خذ مؤقتا هذا المسجل وادرس عليه للامتحان فانا ذاهب للشمال ولا احتاجه حاليا.
بعد مدة قال قدوري انه استفاد من المسجل لانه لم يدرك سبب رسوبه الا بعد ان سجل قراءاته للمقام واعاد سماعها فاندهش من بعض النواحي
بعد هذه الفترة انشغلت انا بالجامعة وانقطع ترددي على المنطقة الا نادرا ولم اعرف ماحصل فيما بعد
هذا اهم ما اعرفه والبقية عبارة عن اخبار شخصية عن قدوري ومواقف ونكات الخ خارجة عن موضوع المقام.
تحياتي والشكر لباني القسم الاخ نجم وللاستاذين القبندي ونور على فتح الموضوع