بين استحضار ''ريحة زمان'' وبصمة ''الشياخ''
أغنية الشعبي تبحث عن استعادة مكانتها المفقودة

رغم الانطباعات السلبية حول راهن أغنية الشعبي، إلا أن المعاينة الموضوعية تكشف أنها ما تزال تفرض حضورا وإن كان متواضعا نسبيا. وتواصل تأكيد مكانتها بين مختلف الأنماط الموسيقية المتداولة في الساحة الفنية الجزائرية. صحيح، لا يمكن لأحد الإنكار أن أغنية الشعبي فقدت خلال مدة تعدت العشرية من الزمن كثيرا من بريقها، لغياب الأذن المتذوقة وعزوف المغنين عن أدائها، وتحوّلهم إلى أداء الأغاني الريتمية والراقصة، إلا أنها ورغم الظروف تمكنت من العودة من جديد، وإن كانت العودة تدريجية، مع غياب ''شيخ'' من الجيل الجديد، يواصل في درب ''الأعمدة''.
الشعبي في حاجة إلى شيخ يحمل مشعل أعمدتها
شهدت أغنية الشعبي في فترة التسعينيات ولمدة تجاوزت عقدا من الزمن تراجعا ملحوظا، غابت فيه عن مسامع عشاقها ومحبيها الذين لطالما استمدوا أفكارهم وبنوا قراراتهم على ضوء الحكم التي تحملها بين طيات تلك الأبيات المنظومة بكثير من الدقة، ذات الأوزان المحكمة والقوافي الموحدة.
وساهم أفول نجم الفنان الشامل محبوب باتي، في تراجع أغنية الشعبي، بما فيها ''الطقطوقة''، خاصة وأن هذا الأخير ساعد على استمراريتها وحمايتها من الاندثار. فعلى الرغم من إعادته النظر في طريقة تلحينها وكذا في فحوى كلماتها، إلا أنه استطاع جمع عدد كبير من الجماهير التي التفت حولها. ولما كان لهذه الأغنية المستمدة من التراث والإرث الجزائري العريق من أهمية، حاول الكثير من ''الشياخ'' إعادة بعثها من جديد ونفض الغبار عليها للحيلولة دون طيها في أدراج الماضي رغم الضربات الموجعة التي تلقتها على يد التيارات الموسيقية المختلفة، على غرار موجة ''الراي'' التي وارتها مدة من الزمن، إضافة إلى ظهور مجموعة من الدخلاء على هذا النوع من الفن الأصيل. ورغم كل الجهود المبذولة إلا أن أغنية الشعبي وإن عادت للظهور، لم تتوج بـ ''شيخ'' جديد، يحمل مشعل ''الشياخ'' السابقين الذين شيدوا أساسها، ومن بينهم الشيخ الناظور، الحاج امحمد العنقى، الحاج مريزق، الحاج منور، سعيد المداح، دحمان الحراشي، سليمان عازم، الصادق بجاوي، عمر العشاب، الحاج حسن السعيد، بوجمعة العنقيس، رحمة بوعلام، معزوز بوعجاج، عمر مكرازة، إضافة إلى الهاشمي فروابي، عبد القادر شاعو، عمر الزاهي، عبد الرحمان القبي، عزيوز رايس، عبد القادر شرشام، عبد القادر قسوم، محمد طوبال، رضا دوماز، كمال مسعودي وديدين كروم.
صحيح أن الكثير من العوامل ساعدت على إعادة بعث هذا الفن الأصيل، الذي يمثل هوية الشخصية الجزائرية وإرثها المكنون عبر مرور الزمن، ومن بينها إدراك الكثيرين بأن ''الرجوع إلى الأصل فضيلة''، وأن الأصل في أغنية الشعبي هو ''القصيد''، وخاصة منه ''الجد'' أو ما يعرف بـ ''المديح''، إضافة إلى المهرجان الوطني لأغنية الشعبي الذي أضحى موعدا سنويا لتلاقي المواهب الشابة المؤدية لهذا النوع الغنائي، إضافة إلى سلسلة الحفلات المبرمجة من قبل المؤسسات الناشطة في الميدان الثقافي والفني. لكن لا زلنا اليوم نطرح العديد من التساؤلات، باحثين عن موطن الداء الذي أصاب أغنية الشعبي، وعن مكان الخلل تحديدا، ما دامت هذه الأخيرة لم تتمكن بعد من إيجاد ''شيخ'' جديد، يواصل حمل مشعل ''الشياخ'' السابقين، الذين أمتعوا واستمتعوا بأداء أغاني تحمل من الحكمة والمعاني الشيء الكثير.
المصدر: جريدة الخبر، هيبة داودي، 1 أفريل 2010