(( فلسفة الحكم من وجهة نظر الغلابه )) .... قصه قصيره
(( فلسفة الحكم من وجهة نظر الغلابه ))
(( فلسفة الحكم من وجهة نظر الغلابه ))
_ كم كبير من المتاعب يقع على الأنثى حال فقدان الرجل .. ويال ما تعنية كلمة رجل من معانى بها كل الأمان لها .. وما الذى تفعله تلك السيدة كبيرة السن وقد صارت بلا رجل ... مات عنها من كانت تلتحف به فى برد الليل القارس .. مات ولم يترك لها إلا عباءة الحزن والعوز والحاجه .. خاصة بعد فشلها فى تسوية معاشه مع الجهة الحكومية .. صارت الأن بلا سكن بعد أن مات عنها السكن وسجد المنزل لخالقه فلا مأوى ولا مفر من عذاب اليوم وعيشه .. كانت تتوسد أمنا صارت تتوسد حجرا أسفل سلم فى مدخل منزل به تستريح عليه رأسها من أوجاع اليوم الطويل المتعب ..تضع راسها على الحجر وقد دوت فيه عبارات كانت لا تعرفها أصلا تتكرر رغما عنها فى صدى صوت غريب ... (( الورور ... الجرجير الطازه .... )) ويهل البرد ولا غطاء ولا أمان ... ولا مفر .. هى حياة الموت إذا ولكن لا مفر !!
_ فى صبيحة يوم أخر خاطبها أحدهم _ وكان شابا ممن وصفوهم على قدر تعليمهم بوصف أفندى _ بأنه سوف يصف الحال لحاكم البلاد .. سيراسله فى خطاب صغير يصف ما تعانيه الأم بلا رجل وبلا مأوى .. بل قل وبلا وطن ... وهل من خطاب مثل هذا يكفى أن تتبدل به الحال إلى سيرها ثانية فى خضم الإنسانية الواسع الرحيب بما يحفظ عليها كرامة الأدمى وبما يهب من جديد حروف كلمة الوطن ؟؟!! ..وما الذى يمنع هذا الشاب الأفندي من التجربة ؟؟!! أليست فعلا في رقبته أمانه توصيل حال الأم ومظلمتها إلى الحاكم والأخير سيسأل عنها أما الرحمن الرحيم ؟!!
_ كتب القلم وسطر ووصف حال الأم وحالتها بوصف دقيق خالجته مشاعر الحزن على حالها بصدق .. بدأت مفرداته بعبارات صريحه .. (( سيدي الحاكم .. لي عليك عتب أوضحه كي أجذبك من نار جهنم إلى جنة الله ... أرى عجوز حزينة تلتحف الهواء وبرد الليل القارس وقد وجدت حجرا تحت رأسها كوسادة .. كيف تنام أنت وتهنأ فى نومك وهى على حالها هذا لا تنام ؟! .. قل لى بالله عليك كيف ستضع الطعام فى فمك وحال هذه الأم المنكوبة كهذا الحال ؟! .. وإذا إستطال الطعام فمك كيف ستمضغه وكيف ستحس طعمه وهناك من دعوات الصمت تنطلق منها صباح مساء إلى الله تعالى وهى المظلومة التى ليس بين دعائها وبين الله حجاب ؟ كيف سترسم البسمة على شفتيك وقد علمت بمرار تلك العجوز وأناتها وعذاباتها ؟! .. كيف وكيف .. وكيف .. سيدى الحاكم إن أردت أن ترى رؤية العين فإليك العنوان ...... ... .. . وطار الخطاب بأسرع مما يتخيل مرسله إلى الحاكم الذي قرأه بعناية وأعاد قراءته ببكاء ولم ينتظر ضوء النهار يحل على أرض الحكم بل قام منتفضا من جلسته ليتنكر على قدر إستطاعته هاربا من عيون حراسه ومرشديه حاملا مصباحا تديره بطارية إلى حيث تنام تلك الأم متوسدة حجرا ولا تلتحف سوى الحزن الذى حل عليها فى مدخل منزل .. وتحت السلم يضئ مصباحه ليرشده كيف أن الله تعالى سوف يحاسبه على هذه الأم العجوز التي تنتفض منزعجة من نور البطارية هذا وتصرخ (( مين ... مين ؟؟ ))
_ هو الحاكم يا أمى فانهضى وسامحينى وسامحى لى غفلتى عنك ... يقولها ودموع من العينين تتسابق تعالى معى يا أم وسامحينى تعالى ... توقن ساعتها أنه قد عاد إليها الرجل ... معنى الرجل ..هى فى أمان الأن معه ..إصطحبها إلى حيث داره ليصدر لها فى صبيحة اليوم التالى قرار حاكميا بمأوى وعيش شهرى .. عادت إليها الأن أدميتها .. لم تكن تعلم أن خطابا يطوى ورقة صغيرة للحاكم سوف يهديها أدميتها ووطنها ..أنت الأن فى أمن يا أم فاسعدى بعث الله لكى الرجل ..
_ وتمر سنون لا يغفل عنها أبدا .. يأتيها فى عيدها ويعانق بعينيه معها فرحتها بأدميتها التى عادت إليها وتدعوا هى له ... قول واحد لازم شفتيها تقوله دائما فى صدق ( ربنا ينعم عليك يابنى برحمته وكرمه ويقدرك ويسعدك وينور بصيرتك وطريقك )) يسبق به قلبها شفتيها صباح مساء ... يأتى خطاب الحاكم فتنصت إليه وترددها مبتهجة وراءه ... الأن صرنا أدميون ... لن نستسلم ...أحرار تخلصنا من السخرة .. تتوضأ وتصلى وتكرر وتدعوا بها حال السجود ... إلى أن أتى أيلول.. عام الحزن العربى ... مات الرجل .. وإرتدت كل حروف الأبجدية اللون الأسود الحزين .... أعلنت كل كلمات الأبجدية الحداد ... وعادت حياتها بفقده بلامعاش وبلا أمن وبلا أمان وبلا وطن ... فقدت بفقده أدميتها ... وعادت ثانية مطرودة من هديته لها إلى حيث شقاء ذات الكلمات الرنانة التى طالما دوت فى رأسها صباح مساء .. سيطر الن على تلك الكلمات نحيب وعويل ... لم تعد قادرة على نطقها .. تتردد فقط فى داخلها.. (( الورور ... الجرجير الطازه .... )) تقولها الأن بلا صوت ... ولا لتبيع ... فقط ذهبت إلى حيث مدفنه باكية عليه وأمامها أعواد الجرجير تنظر فقط إلى ضريحه ودموعها تتسابق من عينيها ترثى فى صمت بليغ ذلك الرجل الذى حملت صورته فى يديها قابضة عليها بأصابعها المرتعشة وكأن صورته هى كل ما تملك من أمان فى هذا العالم وعند حدودها فقط تعود أدميتها .. تطبق بيديها على صورته أكثر وتبكى أكثر وتنعى صمتا ذلك الشهيد الذى سقط شهيدا كى يستبدل أحد الفقراء رغيفا بجريده ... الأن مات الرجل مات أخر الرجال المحترمين كما وصفه تابعوه .. وماتت هى على حالها هذا قابضة على صورته وقد سقطت رأسها على قبره وكأنما تقبل فى شكر رأس هذا الرجل مقرة وبكل الصدق أنه كان منهجا للرجولة .. وأن كلمات الحق إذا ما أتت من حاكم تصبح بالفعل صوتا يشبه ترانيم الأذان