أنغــــام المــدافـــــع
الأغنية الشعبية سلاح المقاومة والتأريخ
كتب محـمــــــد الشــــافعــــى :
الأغنية الشعبية جزء شديد الأهمية من تراث أية أمة لأنها تحمل بكارة الإبداع وعفويته وصدقه أيضا والاهم أنها تحظى بإجماع واتفاق (الجماعة الشعبية) مما يجعلها أغنية كل الشعب حيث أبدعها وتبناها واحتضنها وتوارثها على مدى الأجيال والأزمان ..
وقد تحولت الآلات الموسيقية مثل السمسمية والناى والربابة إلى أدوات للمقاومة، تصمد وتدعو وتبعث الأمل فى النصر النهائى وقد تواجد هذا السلاح المصرى الخاص فى مراحل التاريخ المختلفة، ولكنه أصبح أكثر فاعلية وأكثر تواجد اً منذ بداية عملية حفر قناة السويس عام 1859. حيث وقع المصريون تحت ضغوط أليمة ورهيبة من الظلم والعدوان والسخرة.
ومن السهل على أى باحث فى التراث أن يكتشف تلك الثروة المصرية العظيمة من أغانى المقاومة وخاصة فى مجال الأغنية الشعبية وتوجد آثار لهذه الظاهرة منذ العصر الفرعونى حيث خرجت جموع الشعب لتستقبل البطل أحمس بعد طرده للهكسوس بالنشيد الحماسى الذى يعتبر أقدم الاناشيد الوطنية المعروفة ويقول مطلعه «هذا الجيش عاد منتصرا .. هذا البطل له الخلود».
ويمثل سلاح الأغنية الشعبية جزءًا مهماً من الأسلحة غير التقليدية يتمتع بها الشعب المصرى والتى تتمثل فى سرعة البديهة وخفة الظل والقدرة على الابتكار.
وكما ذكرنا فإنه سلاح الاغنية الشعبية بدا واضحاً وجليا مع بداية عملية حفر قناة السويس عام 1859 حيث فقد المصريون، 120 ألف شهيد طوال فترة الحفر التى استمرت عشر سنوات فزفر المغنى الشعبى شكواه الساخرة :
على الكنال جالس
تحكم وبتوالس
دمك خفيف خالص
وروح يا الغريب
تانى معايا تانى
شيل العلم تانى
فوق الصارى تانى،
وجاء افتتاح قناة السويس ليزيد عملية (الاستهداف) لمصر. ولذلك سارعت بريطانيا بقمع ثورة عرابى واحتلال مصر وخرج عبد الله النديم خطيب الثورة وأحد زعمائها بالعديد من المنظومات التى رددها كل الشعب المصرى مثل
بدال ما أقلد أوربى
فى أكلى وشربى
م اعيش أنا عيشة بلدى
وأرضى ربى
ويقول أيضا :
كانت بلادنا لنا جنة
وشنه ورنه
صبح لأهليها نيران
شرم برم حالى غلبان
وعندما استطاعت الخيانة أن تقهر ثورة عرابى نشر يعقوب صنوع فى مجلته أبو نضاره قصيدة أصبحت لسان حال الشعب كله يقول فيها:
يا راوى الدهر حدث عن أبى العجب
واندب زمان التعافى يا أخا العرب
هذا (العزيز) تخلى عن سيادته
بالإنجليز ولم يقبض سوى الكذب
وبعد أن أصبح الاحتلال الانجليزى واقعاً مراً خرج الفن الشعبى ليقول :
ساكن بلادى بالقوة وعدو الدين
أنا مصرى ودمى مانيش بايعه ولا بالملايين
ونيجى نفاتحه فى حقوقنا يعمل مسكين
وده يده حش بيت الكلوه بأحمى السكاكين
وبدأ الفن الشعبى فى السخرية من قادة الانجليز من خلال اغانيه مثل .. ياسيمور يا وش القملة ..مين قال لك تعمل دى العملة) وسيمور هو قائد الاسطول الانجليزى الذى دك قلاع الاسكندرية.
وتمضى أحداث الاحتلال حتى تحدث مذبحة دنشواى عام 1906 تعلو صيحة وينطلق المغنى الشعبى فى موال درامى معبر عرف باسم : (موال شنق زهران) ويقول فيه:
من بعد حكم المحاكم والشاويش والباش
غلايين (وسجها) كرومر مخرب
والانجليز فرعنوا بعد ما كانوا أوباش
نزلوا على دنشواى ماخلو نفر ولا أخوه
اللى (إتشنج) مات واللى فضل جلدوه
واللى فضل من الجلد جوا سجنهم ورموه
يوم (شنج) زهران كانت صعب (وجفاته)
أمه بتبكى عليه (فوج) السطح وأخواته
لوكان له أب ساعة (الشنج) لم فاته
صبرك علينا يا ظالم بكرة راح تندم.
ويتمتع الفن الشعبى بذاكرة قولة لا تنسى أبداً ثاراتها ولذلك نجد هذا المغنى يستعيد حادثة دنشواى بعد أن استردت مصر حريتها بعد قيام ثورة يوليو 52 بقيادة جمال عبد الناصر حيث يقول المغنى الشعبى :
أمانه يا دنشواى إذا عاد الزمان تانى
شاورى على الظلم وابكى دم من تانى
شاهد وخصم وحكم ايه راح يكون تانى
وبعد خمسين سنه جاد الإله بجمال
وخد بتارنا وطرد خصم البلد منه
وصبحت دنشواى تقول
جدد حياتنا يا جمال
المهم أن الأحداث تسارعت بعد حادثة دنشواى حيث قامت الحرب العالمية الأولى ووجد المصرى نفسه بين شقّى الرحى : الاحتلال والقصر فلجأ المغنى الشعبى إلى موال يس وبهية وأسقط من خلاله على الاحتلال وظلم القصر ولم ينس أيضا وجود الشوام فى أتون هذه الحرب فقال المغنى الشعبى :
يا وابور الساعه 12 يا مجبل ع الصعيد
سلم لى على الحبايب وبزايد ولدى
وزغروطه يا شاميه غربة ومروحين
http://www.smartwebonline.com/NewCulture/cont/016100070005.asp