"العم زيدان"

منذ خمس عقود أو يزيد في تلك القرية البعيدة التي يحتضنها النيل بغموضه جاء في إحدى المراكب الخشبية العتيقة المصنوعة من خشب السنط والتي كانت تأتي محملة بجرار العسل الأسود هذا الرجل الغامض وكان اسمه العم "زيدان" رجل ذو بنيان قوي أبيض الجبين بإشراق ولحية أصابها بعض الشيب الخفيف وعيون حادة كالصقر يرتدي قفطان ويتمنطق عليه بحزام كأنه شال حريري وفوقه جبة كحلية اللون وعلى رأسه عمامه كبيرة وكان هذا زيه الذي أراه به دائما .
وأقام بجوار المسجد العتيق في خص قديم من البوص وكان يتقن أعمال الخوص والتي كانت مستخدمة في ذاك الوقت في كل بيت إلا أن هذا الرجل قليل الحديث ولم يٌعْلم عنه أي شئ سوى أنه رجل مبروك !! فما دعا لأحد بخير إلا وأصابه هذا الخير وكان كل شهر يضع في صندوق تبرعات المسجد كل شهر جنيها مصريا كاملا وكان هذا مبلغا قيما في هذا الزمن القريب البعيد ولما سألوه لماذا تدفع هذا الجنيه قال هذا نظير استخدامي لمياه المسجد !!
ألهذا الحد كان عفيفا ولا يرتضي السحت ؟!!
وفي يوم سوق القرية كان يأتي باعة الأقمشة يفترشون جانبا من السوق فذهب إليهم واشترى منهم قماش كان يسمى "قُطنية" يستخدم للقفاطين والصديري وجعله لفافة ودخل المسجد ورفع أذان العصر وأقام الصلاة وبعد انتهاء الصلاة وجدوه ساجدا وقد أسلم الروح وبجواره هذه الأقمشة السالفة لأنها كانت آخر ثوب له كانت كفنه .أبى أن يأخذ معه لدار الخلد كفنا صدقة !!!! لو خليت الدنيا من هؤلاء لخربت