* : وردة الجزائرية- 22 يوليو 1939 - 17 مايو 2012 (الكاتـب : سماعي - آخر مشاركة : عاصم المغربي - - الوقت: 18h49 - التاريخ: 03/09/2025)           »          حفل غنائى من إذاعة الأغانى (الكاتـب : د.حسن - آخر مشاركة : جواد كاظم سعيد - - الوقت: 17h05 - التاريخ: 03/09/2025)           »          محمد الكحلاوى- 1 أكتوبر 1912 - 5 أكتوبر 1982 (الكاتـب : Talab - آخر مشاركة : وليدابراهيم - - الوقت: 15h48 - التاريخ: 03/09/2025)           »          يونس شلبي (الكاتـب : لؤي الصايم - - الوقت: 15h37 - التاريخ: 03/09/2025)           »          فايدة كامل- 12 يوليو 1932 - 21 أكتوبر 2011 (الكاتـب : Talab - آخر مشاركة : لؤي الصايم - - الوقت: 14h36 - التاريخ: 03/09/2025)           »          عبدالمجيد عبدالله (الكاتـب : abuhany - آخر مشاركة : لؤي الصايم - - الوقت: 10h17 - التاريخ: 03/09/2025)           »          فارس عوض (الكاتـب : رضا المحمدي - آخر مشاركة : لؤي الصايم - - الوقت: 10h10 - التاريخ: 03/09/2025)           »          عبدالله رشاد (الكاتـب : azizan - آخر مشاركة : لؤي الصايم - - الوقت: 09h24 - التاريخ: 03/09/2025)           »          فن التوقيعات (الكاتـب : لؤي الصايم - - الوقت: 09h01 - التاريخ: 03/09/2025)           »          الفنانة الراحلة ربــاب 1947 - 2010 (الكاتـب : abo hamza - آخر مشاركة : لؤي الصايم - - الوقت: 08h42 - التاريخ: 03/09/2025)


العودة   منتدى سماعي للطرب العربي الأصيل > مجلس العلوم > الدراسات الأكاديمية في الموسيقى العربية

رد
 
أدوات الموضوع طرق مشاهدة الموضوع
  #1  
قديم 13/02/2025, 14h38
الصورة الرمزية عثمان دلباني
عثمان دلباني عثمان دلباني غير متصل  
ابوهنية
رقم العضوية:42597
 
تاريخ التسجيل: June 2007
الجنسية: جزائرية
الإقامة: الجزائر
المشاركات: 1,570
افتراضي دراسة في متغيّرات الوعي الجمالي الموسيقي-د. محمد عزيز شاكر ظاظا

بحث على حلقات أهديه لأصدقائي المهتمين بالفن والثقافة والعلاقة بينهما وبين المجتمع:

الحلقة الأولى من :
" دراسة في متغيّرات الوعي الجمالي الموسيقي "
أ.م.د. محمد عزيز شاكر زازا
بحث قدّم إلى الملتقى الدولي حول (( المتغيرات في موسيقات شعوب العالم العربي )) الذي انعقد بالجزائر العاصمة خلال الفترة التي كنتُ فيها رئيساً لقسم الموسيقى بالمدرسة العليا للأساتذة بالجزائر العاصمة.
----
لا يمكن تصوّر أية عملية إبداع موسيقية بمعزل عن المحيط الاجتماعي العام الذي تتم فيه هذه العملية. فلهذا المحيط غالباً دور كبير في تحديد الاتجاهات الفنية ، وتقرير مدى " الجديد " الذي أتى به المبدع. وبالنسبة لظروف مجتمعاتنا فإن للمحيط الاجتماعي ربما الدور الحاسم .
وإذا اتفقنا على أن الفنون الجميلة (ومن ضمنها الموسيقى) يمكن أن تكون مؤشراً، أو مقياساً لمدى تحضر ورقي مجتمع معيّن لتوجّب علينا أيضاً أن نعترف بالعلاقة الوثيقة المتبادلة مابين الموسيقى والحياة الاجتماعية، والتاريخ السياسي، والأحوال الجغرافية، إلى جانب اللغة .. وبالإضافة إلى كون الموسيقى تستند إلى معطيات علمية تتضمن الطبيعة والرياضة، فإن ّ بينها وبين كل من الأدب وسائر الفنون روابط وثيقة [انظر إلى الرقم 1] .
وباختصار : فإنّ للموسيقى علاقة وثيقة بمجمل الوعي الاجتماعي بشكل عام ، وبالوعي الجمالي لهذا المجتمع بشكل خاص . ولا يتشكل الوعي الجمالي الاجتماعي بين ليلة وضحاها ، بل يتشكل عبر مئات السنين من خلال تراكمات متواصلة لعناصر عديدة ، منها : الأساطير والحكايات ، والأغاني الشعبية ،والمعتقدات الدينية والدنيوية ، والعادات والتقاليد ، والأمثال والملابس ، والدّمى ، والرسوم ، والمنحوتات ، والألعاب ... وغيرها من العناصر التي تشكل معاّ ذاكرة الشعب . يضاف إلى هذه العناصر ما يتم إنتاجه من فنون " فنّية" في القرى والمدن ، والمراكز الحضرية ، وبلاطات الملوك ، وقصور الأمراء...ويكون النتاج في النهاية ما يطلق عليه اصطلاحاً : الوعي الجمالي الاجتماعي .
ويحدّد شارل لالو مراحل تشكل العملية الفنية من خلال ثلاثة محاور :
1 ـ الشروط الاجتماعية الحيادية جمالياً للفن .
2 ـ الشروط الاجتماعية الجمالية للفن .
3 ـ الارتكاسات المتبادلة بين الحوادث الجمالية ، والحوادث الحيادية إجمالا.
بالإضافة إلى ذلك ، فإنَّ للمعطيات الجزئية المستمدّة من التجارب والمدارس ذات النزوع الفردي أو ( الذاتي ) دورها في تشكل العملية الفنيّة [انظر إلى الرقم 2].
ويقول الدكتور زكريا إبراهيم في كتابه ( مشكلة الفن ) بأن الشروط العامّة التي تتحكّم في تطور الوقائع الجمالية وتَرَقْي الأعمال الفنيّة، هي بعينها تلك الشروط التي تخضع لها شتّى النشاطات البشرية الأخرى وهي: الجنس أو السلالة، والبيئة أو الوسط الاجتماعي، والعصر أو المرحلة التاريخية [انظر إلى الرقم 3]. ومن ثمَّ فان الفنون ـ ومن ضمنها الموسيقى تتكون بطريقة تدريجية في ذهن إنسان ينتمي إلى حضارة بعينها .
إنَّ الوعي الجمالي كجزء من الوعي العام للمجتمع ما هو إلاّ انعكاس صادق لتفاعلات البُنية التحتية للمجتمع ، ببنيته الفوقية . فأنماط معينة من أساليب الإنتاج والعلاقات الإنتاجية ( الاقتصاد ، الزراعة ، الصناعة، التجارة، الخدمات .... الخ ) تفرز تشريعاتها الخاصة، وقوانينها، وعقائدها، وثقافتها، وأعرافها ... وتتحدّد هذه العلاقات مابين بعضها البعض في العصر الحاضر ضمن إطار مؤسسات الدولة : التشريعية، والتنفيذية، والقضائية بالإضافة إلى وسائل الإعلام التي تلعب دوراً كبيراً في المجتمعات الديمقراطية.
وبطبيعة الحال فإنّ متغيرات البنية الفوقية للمجتمع ليست انعكاساً فورياً مباشراً، لمتغيّرات البنية التحتية فيها، فعلى الأغلب يتأخر تشكل البنية الفوقية"الجديدة"عن تشكل البناء التحتي " الجديد " .
إذن لا يمكن بحث المتغيّرات في موسيقات العالم العربي بدون فهم المؤثرات التي تنال من البناء الفوقي لمجتمعـات البـلدان العربيـة والتي تؤدي ـ فيما تؤدي ـ إلى خلق الوعي الجمال لهذه المجتمعات.
فلنأخذ بعض الشواهد من الموسيقى الأوروبية باعتبارها حَظيَتْ ـ ولا تزال ـ بالكثير من الدراسات:
إنّ معظم الدراسات التي تتناول متغيّرات الموسيقى الأوروبية، لا تتجاهل علاقة هذه المتغيّرات بالمتغيّرات التي طرأت على إيديولوجية الكنيسة نفسها، نظراً لاعتماد الكنيسة للفنون الجميلة ـ منذ القرون الأولى لنشأة المسيحية ـ كوسيلة رئيسية من وسائل نشر الفكر الديني ، وكذلك في ممارسة الشعائر الدينية. وعندما تمَّ إعلان الدين المسيحي ديناً رسمياً للإمبراطورية الرومانية أثناء حكم قسطنطين (272 ـ 337 ميلادية) حشدت الكنيسة الرومانية في الحال جهودها لتوحيد نظامها وعقيدتها في العالم الروماني بأجمعه. إذ أدرك آباء الكنيسة بأن الاختلافات في ممارسة الشعائر الدينية، خاصة في الجزء الموسيقي منها ، قد أدّت إلى خلافات عقائدية خطيرة [انظر إلى الرقم 4].
وتنقلنا هذه القضايا إلى قضية أخرى أهم وهي:
ـ إنَّ كل المتغيّرات في الإيديولوجيا الرسمية للكنيسة قد ارتبطت بالمتغيّرات المتحققة على الأرض، في العالم الدنيوي، خارج إطار الكنيسة. وخاصة مجمل التطور، والتغير في أساليب الإنتاج والعلاقات الإنتاجية. ومع نمو وتطور أساليب الحرفيات (المانيفاكتورا) والتقدم الصناعي الحاصل خلال القرنين الثامن عشر، والتاسع عشر، ونشوء المجتمعات البرجوازية، ثم ما تلا ذلك من ظهور للحركات القومية، أصيب المركز الديني للفاتيكان في الصميم. ووّلى ذلك العهد الذي كان باستطاعة البابا أن يعزل ملوكاً، وينصّب آخرين بقرار من عنده. وقد تغلغل تأثير هذه المتغيّرات إلى داخل المؤسسات الدينية نفسها. وتعتبر حركة الإصلاح الديني التي قادها مارتن لوثر ( وهو رجل دين ) تعتبر خير معبّر عن المأزق الذي وجدت الكنيسة نفسها فيه مع متغيّرات العالم الخارجي ( الدنيوي )، وقد أدّت حركة لوثر هذه إلى إحداث تغيرين أساسيين وكبيرين في ممارسة الشعائر الدينية:
• اعتماد اللغة الألمانية بدلاً من اللغة الرسمية اللاتينية.
• اعتماد الموسيقى الألمانية ( الأقرب إلى الشعبية ) في ممارسة الشعائر.
ويَعتَبِرُ هوغو لايخنتنتريت بأن النتائج التي تمخّضت عن عهد الإصلاح (..والموسيقى البروتستانتية .. ) هي من بين أهم العوامل التي أثّرت في الموسيقى الحديثة، وأقواها أثراً. ويشير إلى أن الفترة حوالي عام 1500 م ، عندما كان لوثر في شبابه يعدّ العدّة لثورته: إلى أن الطبقة الوسطى التي تتكوَّن من المواطنين والبرجوازيين هي التي كانت عصب الدولة في ذلك الوقت لا الإقطاع. وهي الفترة التي ازدهرت فيها التجارة والصناعة والفنون.
وقد مهّد هذا التراث الديني الموسيقي البروتستانتي الأرض التي أنبتت يوهان سيباستيان باخ.
إن النتائج التي تمخّضت عن الحركة الهوسية ( نسبة إلى يان هوس ) في بوهيميا (تشيكوسلوفاكيا اليوم)، والغالفانية، والبيوريتانية .. وتأثيرات هذه الحركات مباشرة على الموسيقى، ما هي إلاّ جوانب أخرى من جوانب العلاقة الوثيقة ما بين الفن والأيدولوجيا.
ولم تكن علاقة الإيديولوجيا بالفن علاقة إيجابية دوماً، بل كانت نتائج هذه العلاقة مأساوية على الثقافة والفن في كثير من الحالات. وفي القرن العشرين شواهد كثيرة لهذه العلاقة: الهتلرية، الستالينية [انظر إلى الرقم 5] ، ماو والثورة الثقافية، المكارثية [انظر إلى الرقم 6] في الولايات المتحدة الأمريكية، الخميني و الثورة الإسلامية في إيران، الدكتاتوريات الفردية و الجماعية على غرار نموذج صدام حسين في العراق ... الحرب الباردة – التي اتخذت لها مظاهر ووجوها جديدة، والصراع الأبدي للأيديولوجيات والثقافات عالميّاً ومحليا، دخول الاحتكارات الضخمة ميدان الثقافة والفن مسلحة بالتكنولوجيات الحديثة ( دور النشر و الشركات السينمائية والتلفزيونية العملاقة، البث المباشر بواسطة الأقمار الصناعية لبرامج التلفزيون والثورة الكبيرة، المتنامية، يوما بعد يوم في ميدان المعلوماتية والاتصالات التي يتراوح الموقف منها بين السلب والإيجاب - مع ما يشوب ذلك من تخوف مبالغ فيه- في كثير من المجتمعات .. الخ ) كل ذلك ترك آثاره الكبيرة على مجمل الثقافة والفنون.
ولكن ماذا عن علاقة الفنون (ومن بينها الموسيقى) بالإيديولوجيا في المجتمعات العربية و الإسلامية؟
* * *
يُنظَرُ إلى علاقة الإيديولوجيا بالوعي الاجتماعي ( والجمالي منه بطبيعة الحال) في المجتمعات العربية و الإسلامية ـ من خلال أحد أوجه الاستقراء التاريخي المتعددة المدراس ـ على الشكل التالي :
كانت منطقة الجزيرة العربية في القرن السابع الميلادي واقعة تحت نفوذ إمبراطوريتين كبيرتين هما: الإمبراطورية الفارسية الإمبراطورية البيزنطية. وكانتا تسيطران على ثروات ومقدرات شعوب المنطقة، وتستند كل إمبراطورية منها إلى جيش قوي، ودعائم حضارة مادية وروحية قوية، وكانت الفنون (من رسم وتصوير ونحت وموسيقى ومسرح وتشريع وأدب، ومعتقدات) هي البناء الفوقي (أو الجانب الروحي) لقوّة هاتين الإمبراطوريتين.
إنّ قوة الإمبراطورية البيزنطية قد أدت إلى تغيّر كل وجوه الحياة السياسية والاقتصادية لشبه الجزيرة العربية. (.. فخراب المدن العظيمة في سهول العراق بسقوط إمبراطوريتي بابل وآشور قبل قرون عديدة ) كان له تأثير على الممالك العربية التي كانت قد بسطت سلطانها على المسالك التجارية الفينيقية، وعندما فتح الرومان طريق التجارة البحري عبر البحر الأحمر في القرن الأول الميلادي، أدّى هذا إلى تحطيم تجارة القوافل البرية الجنوبية تحطيماً تامّا، وهي التجارة التي كانت عماد ممالك العرب في الجنوب وسندها. ثمًّ ازدادت الأحداث سوءاً .... وجاءت نهاية الشمال حيث كان (النَبَط) يسيطرون على مراكز أسواق القوافل الشمالية، فأعمل الرومان السيف في رقاب سكان تدمر في السنة / 272م /. ولم تنج الممالك العربية من الهيمنة الاقتصادية و السياسية، فأصبحت الهجرة بمثابة الأمر اليومي، وتُركَتْ المـدن العظيـمة تنعي من بناها [انظر إلى الرقم 7]. وعنـدما ولـد محـمــد ( ص ) كان مجتمع قريش يعيش على هامش التاريخ، واقتصاده الضعيف يعتمد على التجارة شمالاً وجنوباً (رحلتا الشتاء والصيف) وعلى رعاية الأغنام والإبل، والغزوات، واقتصاده ذاتي بالدرجة الأولى، والديانة وثنية، وكان الوعي الاجتماعي العام والجمالي يتمثل في فنون الكلام ( الشعر بالدرجة الأولى )، وإلى العادات والأعراف والتقاليد السائدة المنبثقة عن النظام القبلي.
ويجب أن نتوقع بأن أية دعوة لتغيير أوضاع الجزيرة العربية للتخلص من هيمنة الإمبراطوريتين القويتين ستضع نصب أعينها هدم كل مرتكزات الآيديولوجيا السائدة بكل تجلياتها ورموزها.
و هو ما حصل.
----------------------------------------------
[1] - هوغو لايختنتريت : الموسيقى والحضارة .
[2]- شارل لالو : مبادىء علم الجمال
[3]- الدكتور زكريا إبراهيم : مشكلة الفن .
[4]- تيودور م . فيني : تاريخ الموسيقى العالمية .
[5]- كان جدانوف ( المنظّر الثقافي لستالين ) يستمع بنفسه إلى أعمال الموسيقيين ، ويقرر مدى صلاحية، أو عدم صلاحية هذه الأعمال للطبقة العاملة، ووضع جملة من المقاييس الجمالية والإيديولوجية للأعمال الفنية، بل لقد اقترح مخططاً يشبه الخطط الخمسية الاقتصادية للنتاجات الفنية، فهذا عام للأوبرات، وذاك للسيمفونيات، وآخر للكانتاتات .. ويكلف الموسيقيين بتنفيذ ذلك بشكل دوري ....... وهكذا.
[6]- كشفت صحيفة ( النيويورك تايمز ) في مقال كتبه هربرت ميتانغ صاحب كتاب (الملفات الخطيرة ) الصادر عام 1989، كشف معلومات عن البطاقات والملفات التي كانت الـ ف . بي . آي . ( F .B . I ) تجمعها حول أبرز الكتاب العالميين القاطنين في الولايات المتحدة الأمريكية وخارجها، ومنهم عدد من حملة جائزة نوبل للآداب مثل: سانكلير لويس وأرنست همنغواي، و وليم فولكنر، وجون شتاينبك. والمفارقة تتعلق بالرسام الأسباني بابلو بيكاسو، فمع أنّه لم يضع قدميه أبداً على التراب الأمريكي ، ورغم أنه توفي عام 1973 إلا أن الحكومة الأمريكية شكلت ملفاً سرياً مفصلاً حول شخصيته، لأنها تعتبره فنّانا ذا قدرات تدميرية وتهديمية ، ولا تزال الـ ( اف . بي . آي f . B .I ) تحتفظ ببطاقة تفصيلية عنه (المصدر : جريدة المساء 13 نوفمبر 1990) ولمزيد من المعلومات يمكن مراجعة كتاب: المكارثية والمثقفين .
[7]- - هنري جورج فارمر: تاريخ الموسيقى العربية .
(البقية في الحلقة الثانية التالية)
__________________
ما ندمت على سكوتي مرة، لكنني ندمت على الكلام مرارا. عمر بن الخطاب

FACEBOOK - ATHMANE
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 16/02/2025, 08h21
الصورة الرمزية عثمان دلباني
عثمان دلباني عثمان دلباني غير متصل  
ابوهنية
رقم العضوية:42597
 
تاريخ التسجيل: June 2007
الجنسية: جزائرية
الإقامة: الجزائر
المشاركات: 1,570
افتراضي رد: دراسة في متغيّرات الوعي الجمالي الموسيقي-د. محمد عزيز شاكر ظاظا

الحلقة الثانية من:
"دراسة في متغيرات الوعي الجمالي الموسيقي"
يتم تناول العلاقة بين الأيديولوجيا والوعي الاجتماعي (بما في ذلك الوعي الجمالي) في المجتمعات العربية والإسلامية من خلال إحدى العديد من المقاربات الاستقرائية التاريخية كما يلي:
في القرن السابع الميلادي، كانت شبه الجزيرة العربية تحت تأثير إمبراطوريتين عظيمتين: الإمبراطورية الفارسية والإمبراطورية البيزنطية. كان كل من هذين الإمبراطوريتين يسيطر على ثروات وموارد شعوب المنطقة، مدعومًا بجيش قوي وحضارة مادية وروحية متينة. كانت الفنون (بما في ذلك الرسم، والنحت، والموسيقى، والمسرح، والتشريع، والأدب، والمعتقدات) تشكّل البنية الفوقية (أو الجانب الروحي) لقوة هاتين الإمبراطوريتين.
أدت قوة الإمبراطورية البيزنطية إلى تغييرات كبيرة في الحياة السياسية والاقتصادية لشبه الجزيرة العربية. فقد أثرت تدمير المدن الكبرى في سهول العراق، مثل بابل وآشور قبل قرون، على الممالك العربية التي كانت قد مدّت سلطتها على الطرق التجارية الفينيقية. وعندما فتح الرومان الطريق التجاري البحري عبر البحر الأحمر في القرن الأول الميلادي، تسبب ذلك في انهيار تجارة القوافل الجنوبية، التي كانت العمود الفقري للممالك العربية الجنوبية. ازدادت الأمور سوءًا عندما انتهى نفوذ الأنباط في الشمال بعد أن ذبح الرومان سكان تدمر عام 272 ميلادية. لم تستطع الممالك العربية الإفلات من الهيمنة الاقتصادية والسياسية، مما أدى إلى هجرات يومية وتخلي عن المدن الكبرى التي باتت تبكي بُناتها. وعند ولادة النبي محمد، كانت قريش تعيش على هامش التاريخ، باقتصاد ضعيف يعتمد على التجارة بين الشمال والجنوب (رحلتي الشتاء والصيف)، وتربية الأغنام والإبل، والغزو. كان اقتصادهم في الغالب مكتفيًا ذاتيًا، وكان دينهم وثنيًا، وكان وعيهم الاجتماعي والجمالي ينعكس في فن الخطابة (وخاصة الشعر) والعادات والأعراف والتقاليد القبلية السائدة.
يمكن توقع أن أي دعوة لتغيير أوضاع شبه الجزيرة العربية وتحريرها من سيطرة الإمبراطوريتين العظيمتين ستسعى إلى تفكيك جميع أسس الأيديولوجيا السائدة بمختلف مظاهرها ورموزها.
وهذا ما حدث بالفعل.
جعل الإسلام العلاقة بين المؤمن وربه مباشرة، دون تماثيل، أو رسومات، أو رفاهية، أو زخرفة مفرطة، أو أيقونات، أو لوحات في أماكن العبادة، ودون أدوات موسيقية في الممارسات الدينية (باستثناء الأذان بصوت جميل). كان تحطيم الأصنام والتماثيل في الواقع تدميرًا لرموز المعتقدات الدينية الوثنية. أما استبعاد الفنون المختلفة وعدم استخدامها كوسائل لنشر الرسالة أو لممارسة الشعائر، فقد كان في جوهره استبعادًا لمظاهر الأيديولوجيا الفارسية والبيزنطية. فبينما كان المسيحية تعتمد على مفهوم الثالوث (الأب، الابن، والروح القدس) وما ينبثق عنه من رموز ومعانٍ—كقصص الصلب، والعشاء الأخير، والإنتاج الفني الواسع من لوحات السيدة العذراء، والأيقونات، والمذابح، والقداديس، والترانيم الدينية، والفنون الموسيقية والمسرحية داخل الكنيسة—فإن الإسلام اكتفى بالأذان بصوت جميل لتحديد أوقات الصلاة، وبمكان للعبادة يجمع المؤمنين (المسجد)، وبمحراب بسيط يشير إلى اتجاه الكعبة، وبنية للصلاة.
وعلى الرغم من أن القرآن لا يحتوي على آيات تحدد موقفًا صريحًا من الموسيقى والغناء، فإن الأحاديث الصحيحة تشير إلى التسامح الذي أبداه النبي محمد تجاههما. وقد سُمح للموسيقى بأن تتطور وفق قوانينها الداخلية ووظائفها الاجتماعية دون تدخل ديني مباشر من المؤسسات الدينية [انظر رقم 1].
وبمجرد أن اشتد عود الإسلام وترسخت دعائم الإمبراطورية الإسلامية، مُحرّرة من سيطرة الإمبراطوريتين الفارسية والبيزنطية، أصبح موقف الخلفاء والقادة الدينيين تجاه الفنون أكثر إيجابية، لا سيما تجاه الموسيقى والغناء، بينما بقي الموقف السلبي تجاه الرسم والنحت قائمًا حتى القرن التاسع عشر. فما سبب هذا التمييز في الأحكام؟
يقول الباحث أنور الرفاعي في كتابه تاريخ الفن عند العرب والمسلمين:
> "الفن المكاني (كالتماثيل) يشير إلى منطقة مكانية واضحة تثير أعظم الشكوك والريبة في النفس البشرية، وتستفزها باستمرار. وهو لا يعبر إلا عن الحالة المقصودة لذاتها. في المقابل، فإن الموسيقى والغناء الشعبي يعبران عن النفس البشرية والوعي الجماعي للأمة. لقد كان وجود التماثيل والآثار عند العرب القدماء يهدف إلى تجسيد الآلهة والمعتقدات الدينية، في حين أن الغناء والموسيقى (وخاصة الفلكلورية) يجسدان ويعبران عن الهوية الإنسانية والحياة اليومية."
كانت محاكاة قدرة الله الخالقة تُرى دائمًا بنوع من الحذر، وكان الفن المكاني هو الذي يذكّر بهذه المحاكاة، خاصة عندما يتعلق الأمر بتصوير الكائنات الحية (البشر والحيوانات). أما الأصوات الموسيقية، والشعر، والأغاني، فمادتها الأساسية هي الصوت، وهي غير موجودة في الطبيعة بشكل محسوس. لذلك، إذا لم يقترن الغناء والموسيقى بالخمر أو الفجور أو الكلمات البذيئة، فإنهما يظلان في مأمن من الشبهات حتى لدى أكثر المؤمنين تشددًا. (ولم يكن انتقاد القرآن للشعراء بسبب كونهم شعراء، بل لأنهم كانوا يروجون للشرك والوثنية) [ انظر رقم 2].
على أي حال، لا تزال مسألة موقف الشريعة الإسلامية من الفنون مطروحة حتى اليوم، تتراوح بين الحياد والرفض والقبول، وفقًا لاجتهادات العلماء الدينيين أنفسهم. فهناك العديد من المراكز الدينية التي تصدر فتاوى حول: الموسيقى، الأدب، السينما، تنظيم النسل، زراعة الأعضاء، الديمقراطية، الزواج المؤقت، القضايا السياسية، بل حتى دوران الأرض من عدمه، وغيرها.
ساعدت الفترات المستقرة خلال الخلافات الأموية والعباسية، والازدهار الناتج عنها، واهتمام الخلفاء بالعلوم والترجمة والفلسفة، في خلق بيئة ملائمة لازدهار الموسيقى والغناء. وقد ظهرت أعمال الفارابي، وابن سينا، وابن رشد في مجال نظرية الموسيقى والجماليات. كما أبدى الصوفيون (مثل إخوان الصفا) والعديد من الفلاسفة والعلماء والأئمة اهتمامًا بالموسيقى، مما يعكس الانفتاح الاجتماعي والوعي الجمالي العام في تلك الفترات.
لم يكن الاهتمام بالموسيقى نظريًا فحسب، بل كان رياضيًا أيضًا. وقد نشأت أجواء فكرية منفتحة في بغداد، ودمشق، والأندلس، والمغرب، سمحت بمناقشة القضايا الفنية والجمالية والفلسفية، بل وحتى الأيديولوجية الأكثر حساسية.
لكن بعد منتصف القرن التاسع الميلادي، بدأ الانحدار بسبب عوامل داخلية كالثورات، والحروب الصليبية، والغزوات المغولية والسلاجقة. ولم يتغير الوضع إلا في القرن التاسع عشر، مع تأثر المجتمعات العربية والإسلامية بالظروف الاجتماعية والثقافية الحديثة.
وعلى أية حال: لا تزال قضية موقف الشرع الإسلامي من الفنون تطرح إلى اليوم، وتتراوح ما بين الحياد، والسلب، والإيجاب، وذلك حسب قناعات رجال الدّين أنفسهم، و ( ....ضمن ما يسمى بالاجتهاد، هناك مراكز دينية متعددة ومتنوعة تصدر فتاويها تجاه: الموسيقى، الأدب، السينما، تحديد النسل، زراعة الأعضاء، الديمقراطية، زواج المتعة، القضايا السياسية، بل وحتى دوران ( أو عدم دوران ) الكرة الأرضية .. الخ ) [ انظر رقم 3] .
---------
[1]- لقد كانت مكانة الموسيقى فريدة في الحضارة الإسلامية . وقد أحصي عدد الكتب التي عنيت كلياً أو جزئياً بالموسيقى ( حتى القرن السابع عشر لا أقل من 353 كتاباً ، بقي معظمها مخطوطاً ، وضاع قسم منها .
وقد ذكر جورج فارمر هذه الكتب في كتابه ( مصادر الموسيقى العربية ) الذي ترجمه إلى العربية الدكتور حسن نصّار بتكليف من الإدارة الثقافية لجامعة الدول العربية ونشرته : مكتبة مصر ( 3 شارع الفجالة ـ القاهرة) .
[2]- أول صورة رسمت لحاكم إسلامي كانت للسلطان العثماني سليم الثالث المتوفى سنة /1808 /، وتلاه محمد علي باشا. وأفتى الإمام محمد عبده بإباحة التصوير عام / 1903 / م، ومن الغريب أنه كانت تـُرسمُ صورا للنبي (ص) والإمام علي وولديه الحسن والحسين مع إحاطتها بهالات التقديس في إيران. المصدر مجلة العربي، العدد / 193 / عام / 1974 /.
[3]- انظر الملف الفقهي القيِّم الوارد في نهاية البحث، الذي أعدّه الدكتور عبد الحليم عويس و تناول فيه موضوع الغناء والموسيقى بين التحليل والتحريم، و نشر في جريدة الشرق الأوسط في سبع حلقات يومية بدءاً من يوم السبت 5 . 2 . 1983 .
في الحلقة الثالثة سنناقش الموسيقى تحديدًا.
__________________
ما ندمت على سكوتي مرة، لكنني ندمت على الكلام مرارا. عمر بن الخطاب

FACEBOOK - ATHMANE
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 16/02/2025, 08h30
الصورة الرمزية عثمان دلباني
عثمان دلباني عثمان دلباني غير متصل  
ابوهنية
رقم العضوية:42597
 
تاريخ التسجيل: June 2007
الجنسية: جزائرية
الإقامة: الجزائر
المشاركات: 1,570
افتراضي رد: دراسة في متغيّرات الوعي الجمالي الموسيقي-د. محمد عزيز شاكر ظاظا

الحلقة الثالثة من :
"دراسة في متغيرات الوعي الجمالي الموسيقي"
منذ عصر أبي الفرج الأصفهاني (القرن العاشر) الذي طالما أمتعنا في كتابه " الأغاني " بأخبار الموسـيقى والموسيقيين، ضَعُفَ فن الغناء والتأليف. وبغزو المغول وهدم بغداد عام 1258 ميلادي، خسر الفن الموسيقي أحد ألمع مراكـزه وأكثرها حركة، ومع وصول الأتـراك الحكـم ابتداءً من عـام 1517 ميلادي وانتقال مركز الخلافة إلى إستانبول، دخلت التأثيرات التركية في موسيقات المجتمعات العربية الإسلامية. أما الموسيقات المحلية والأشكال التقليدية للموسيقى العربية الإسلامية فقد بقيت فقط في تكايا الشيوخ والدّراويش والمساجد، وفي بعض حلقات الموسيقيين العارفين، وأصبح التراث التقليدي في عهدتهم.. وفي القرن العشرين رجعت الرّوح إلى الموسيقى والغناء، وكان الدّعاة لها هم من الدّراويش والمشايخ، وبعض الفنانين الذين تتلمذوا عليهم.
وبالمقابل ظهر اتجاه جديد من الخارج (متأثر بالموسيقى الأوروبية) ابتدأ مع محمد علي باشا بتأسيسه لأول معهد للموسيقى العسكرية، وذلك ضمن جهوده الرّامية إلى تحـديث مؤسسات الدّولـة. وتلاه الخديــوي إسماعيل، وكان طموحه أن تتغلغل الموسيقى الأوروبية في الأوساط الاجتماعية شيئاً فشيئاً. وشهد الشطر الأول من القرن العشرين تزايد دخول الموسيقى الأوروبية، وتزايد تأثيرها عندما أصبحت تدرّس في معاهد موسيقية متعددة. وبإنشاء أول معهد لتدريس الموسيقى العربية (عام 1929 وهو معهد فؤاد الأول) ترسخت دعائم "الازدواجية الموسيقية" في الفكر الموسيقي.
لقد حرص العراق وسورية وبلدان المغرب العربي على الأصول الموسيقية بلا شك، ولكن مصر بأهميتها الثقافية والجغرافية والسياسية والديموغرافية، استطاعت أن تـُحدِّد اتجاهات الفن وتحوّلاته بترؤسها لحركة التجديد. ومع ذلك فقد تمّت المحافظة على (المقام العراقي) الذي يرجعه البعض إلى الغناء العبّاسي القديم، والخاضع لتأثيرات فارسية وكردية وتركية، ولكنّه احتفظ بجوهره الكامل، كما حافظت مدينة حلب في سورية على أصول الغناء العربي ألأصيلة تـَجَسَّـدَ خصوصاً في الموشحات (ورقص السماح) المشتقّ على الأغلب من رقصات لمتصوفين اتخذوا في حلب تكية شهيرة بما يشبه معهداً موسيقياً تقليدياً. واشتهرت مدينة حلب بمغنّيها. وبفضل أولئك الفنانين اللذين لجأوا إلى مصر، قـُدِّرَ للقسم الأكبر من الموسيقى السورية أن تكون أساس الحركة الموسيقية التي جدّدت الغناء التقليدي في مصر فيما بعد.
وفي عـام 1932 تمّت الدعـوة إلـى مؤتمـر عالمي للموسيقى العربيـة (بغية دراسة أساليب تنشيط الموسيقى العربية، مع المحافظة على طابعها ومميزاتها). وفي عام 1940 أنشئت الاوركسترا الغربية بإذاعة الدولة وأُوكِلَ لها تقديم الموسيقى السيمفونية. وطوال الشطر الأول من القرن العشرين تابع غزو الموسيقى الأوروبية تقدّمَهُ، فقد كانت تدرّس رسمياً في المعاهد العلمية على يد أساتذة ومربّين تعلّموا في معاهد العواصم الأوروبية الكبيرة، وبهذا تمًّ ترسيخ دعائم "الازدواجية" في الفكر الموسيقي أيضاً، ودخلت معارك دعاة التراث ودعاة التجديد الميدان الموسيقي أيضاً، تحت تسميات مختلفة كما هو الشأن في المسرح والرواية والشعر والفلسفة والسياسة والعلوم الاجتماعية.... الخ.
وفي الوقت الذي كانت مصر تعاني فيه من وطأة الاستعمار البريطاني اكتسب الصراع بعده الإيديولوجي - وإن بشكل فيه الكثير من المغالطات أحياناً- ما بين دعاة العصرنة والانفتاح على أوروبا، وما بين رفض مجمل الشعب لذلك من خلال وعيه الاجتماعي العام والجمالي الذي يُفَضِل الاستماع والإحساس بموسيقاه، والذي تحدَّدَتْ من خلال ذلك (أي الوعي الاجتماعي العام والجمالي) حاجاته الجمالية خلال أجيال طويلة، وكذلك رفضه المساس بقيمه الحضارية واللغوية والأدبية والدينية. وقد حَمَلَ لواء الرفض المشايخ والعلماء المتصوفون.
وفي أجواء هؤلاء نشأ عبده الحامولي، والشيخ سلامة حجازي، وسيد درويش.
ماذا عن الأجواء الاجتماعية والسياسية في مصر ...؟
لقد تزايد تأثير دعاة الإصلاح والنهضة وعلى رأسهم (الشيخ محمد عبده)، وتوالت نتاجات (دار الألسن) التي تولت الترجمة من اللغات الأوروبية إلى العربية، ولعبت البعثات الدراسية العديدة دورها الإيجابي وتبيّن بأنَّ العالم الخارجي كان قد قطع أشواطاً بعيدة، ودخلت أفكار العدالة الاجتماعية وتعميم التعليم الحديث إلى المجتمع المصري. ومسًّت ثورة عرابي باشا، ونضالات سعد زغلول، وجدان رجل الشارع، ولم تنج مصر من تأثيرات الحرب العالمية الأولى، وظهرت الأفكار والإيديولوجيات القومية، والدينية، والماركسية، والليبرالية. ( .... واكتشف الجميع مع نهاية الحرب العالمية مدى زيف الإستقلالات التي حصلت عليها الدّول العربية، إذ لم تتعدّ القشرة الهشّة من الزخارف الدّستورية، كالأعلام والأناشيد والسفراء أحياناً، ولم تستطع أن تحجب حقائق الحياة البشعة.
وقد عجزت الأنظمة العربية عن تلبية الاحتياجات الاقتصادية لشعوبها أو تطوير اقتصادها. ولم يتعرّض البناء الاجتماعي القديم ببيكواته، وملاّكه وتجاره) إلى أي تغيير مهم. وبدأت تظهر بوادر إقطاع جديد من أبناء الطبقات والفئات الوسطى والدّنيا أو الصغيرة، كانت تتكوّن من أبناء الفلاحين بدرجة أساسية. وتزايد عدد الدارسين والمثقفين المنحدرين من الطبقات المحرومة في أدنى السلم الاجتماعي، ولم تكن تمارس أي نفوذ في ظلّ النظام القديم (ما قبل 23 يوليو ـ تموزـ 1952) ولعلّ تقسيم ميراث الإمبراطورية العثمانية إلى دول يسهل التحكّم فيها قد طرح فكرة الوحدة العربية بين مختلف الأوساط الاجتماعية. وفي ظلّ هذه الأوضاع برزت القضية الفلسطينية التي مثّلت بالنسبة للكثير من الأحزاب ذات الإيديولوجيا القومية على أنّها تهديد لأعماق الروح العربية.
وفي ظل هذه الأوضاع أٌطيح بالملكية عام 1952 وظهر جمال عبد الناصر الذي أٌعتُبِرَ وريث كل الحركات والأفكار الدّاعية إلى التغيير.
لقد أدّت الأحداث التي تلت حرب السويس (حلف بغداد، الهجوم الأمريكي على المنطقة، حركات التحرر الوطني في أفريقيا وآسيا، مدّ الجسور نحو المعسكر الاشتراكي، التطلع نحو تحقيق العدالة الاجتماعية في مصر) أدّت كل هذه الأحداث إلى إحساس عبد الناصر بضرورة خلق مناخ اجتماعي وثقافي يتناسب وأهداف القيادة. وقد تمّ التعبير عن ذلك في القول التالي: ((الثورة الثقافية هي أساس الثورة السياسية، وأساس الثورة الاجتماعية.)) ((وتصوّر المرء على هذا النحو يجعل قضية التغيير الثقافي قضية قائمة بذاتها)).
ونُظِرَ إلى الثقافة والفنون على الشكل التالي: ((إنّ الثورة الثقافية تضع نفسها في خدمة الثورة السـياسـية، وفي خدمـة الثورة الاجتماعيـة.)
(المصدر: الميثاق)
وهكذا فقد أُعطيت للثقافة والفن دور كبير في أيديولوجيا النظام. وبقدر ما كانت أهداف النظام على الصعيد الاجتماعي والسياسي والاقتصادي هي مطلب الجماهير العريضة، بقدر ما اكتسبت الآلة الإعلامية والثقافية والفنيّة شرعيتها، وذلك على الرغم من طابع أجهزة الدولة القمعي، المتسم بهيمنة رجال المخابرات (الأمن السياسي) على كل مرافق الدّولة والمجتمع.
(إنّ السلطة- في أحسن الأحوال- تـُقنـِّنُ وتراقب جميع ظواهر الاجتماعية، وتعيد كل نشاط إنساني إلى صورة واحدة، بينما الثقافة والفن هي الانطلاقة المبدعة نحو كل خلق جديد. والسلطة، في أحسن الأحوال، هي في طبيعتها توازنية، تراعي دوماً الوضع الراهن. لذلك فإن القوى الثقافية ـ كما يرى هربارت ريد ـ (هي في حالة تمرّد دائم. وهي وعياً أم لا وعياً تحاول كسر القوالب الجامدة التي تعيق نموّها الطبيعي، أو تسدّ منافذ انفتاحها.).
فكيف سيكون عليه حال الثقافة والفن إذا لم تمّ توجيههما من قبل السلطة؟ لن تكون النتيجة في صالح الثقافة والفن دوماً، خاصةً في ظل غياب الديمقراطية والتعددية السياسية.
ومع ذلك، فقد خـَطـَتْ الدولة المصرية في عهد عبد الناصر، خطوات جبارة في بناء العديد من المؤسسات الثقافية والفنيّة، وفي الاهتمام بخلق قاعدة عريضة كان يمكن أن تكون أساساً لتطوير شامل. فبنيت المراكز الثقافية في عشرات المدن الصغيرة والكبيرة. وظهرت العديد من المجلات المتخصصة في شؤون المسرح والسينما والفنون التشكيلية والآداب والموسيقى. وتمّ دعم وتأسيس العديد من المعاهد والأقسام الموسيقية والمسارح، وعقد المؤتمر الدولي الثاني للموسيقى العربية عام 1969، وتعايشت عدّة مدارس غنائية جنباً إلى جنب، وكذلك العديد من الفرق الموسيقية، والتجارب الموسيقية الجادّة ( أبو بكر خيرت، عزيز الشوان، جمال عبد الرحيم، سامي حافظ محمد ... وآخرون). ولا شك أن حضور عبد الناصر بنفسه لحفلات موسيقية وغنائية، وعروض مسرحية جديدة، وكذلك تخصيصه للجوائز والأوسمة الرفيعة لرجالات الفكر والثقافة والفنون، هي أمور لها دلالاتها حقاً. لقد أدرك عبد الناصر مدى أهمية الثقافة والفن في تشكيل الوعي الاجتماعي العام.
إنّ إيمان السلطة بأن توجهاتها هي اشتراكية (... ولكن اشتراكية خاصة تناسب واقعنا ........؟) قد قاد بالضرورة إلى دراسة الاشتراكية الماركسية والاطلاع على أدواتها الإيديولوجية والثقافية والفنيّة، وتمت محاولات تطويع أو خلق اشتراكية ذات مضمون قومي، ولا تتعارض مع مبادئ الشريعة الإسـلامية، وذا ما عرفنا ما كان عليه الـوضع الفكري والثقافـي (والديمقراطي) في العالم الاشتراكي بجذوره الستالينية ، لأدركنا كيف كان يتم صنع الوعي الاجتماعي الثــــقافي والفني في مصر خلال الستينات.
وبهزيمة حزيران 1967، ثمّ موت عبد الناصر في فترة تميّزت بأحداث عصيبة، ومجيء السادات بعده: تغيّرت الصورة رأساً على عقب في جميع المجالات. وبالنسبة للفنون فقد سادها الانحطاط والانحلال التامّين.
__________________
ما ندمت على سكوتي مرة، لكنني ندمت على الكلام مرارا. عمر بن الخطاب

FACEBOOK - ATHMANE
رد مع اقتباس
رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع إلى


جميع الأوقات بتوقيت GMT. الساعة الآن 04h24.


 
Powered by vBulletin - Copyright © 2000 - 2010, Jelsoft Enterprises Ltd