أزمة مع يوسف عمر !!!
يعرف الموسيقيون العراقيون ما يعرف بالمقامات العراقية بأنها أصعب ألوان الغناء العراقي.
فلا يستطيع أداءها غيرأصحاب الأصوات الكاملة التي تستطيع الارتفاع إلى أعلى درجات السلم الموسيقي، وبلغة أهل الموسيقى لابد أن يكون مغني المقام قادرا على الصعود إلى الجواب وجواب الجواب ثم يهبط إلى القرار. وكل مقام من المقامات العراقية يبدأ من التحرير، من أدنى درجات السلم الموسيقي ليتدرج في الصعود إلى أن يبلغ الطبقات العليا، بشرط ألا (ينشز) وأن يكون جميلا ومقبولا
في الصعود وفي الهبوط.
ويوسف عمر كان أهم وأبرز وأشهر مطرب عراقي تميز بجمال الصوت وقوته وبتمكنه من غناء
جميع تلك المقامات، وخاصة منها الصعبة التي يتحاشى غيره التصدي لغنائها. ومن جماليات هذه المقامات أن تغنى بمصاحبة (الچالغي البغدادي) ، وهوعبارة عن تخت شرقي بسيط يتكون من الجوزة
والسنطور والإيقاعات. ويمكن غناؤه مع الفرق الموسيقية الحديثة التي تتضمن الكمان والعود والقانون
والإيقاعات. إلا أن الأجمل والأكثر متعة لعشاق هذا اللون من الغناء أن يغنى مع الفرق الشعبية البسيطة
التقليدية.
وكان يوسف عمر يعشق غناءها مع الجوزة والسنطوروصادف أن العراق كله لم يكن فيه سوى عازف سنطور واحد هو الحاج هاشم الرجب، المؤرخ والمغني والعازف الماهر الذي لا يشق له غبار. إلا أن الخلاف دب، لسبب من الأسباب، بينهما وفشلت محاولاتى كلها في إصلاح ذات البين.
وانفرط العقد، وقاطعنا الحاج وأصر على عدم الاشتغال وحرصاً مني على الحفاظ على كنوز يوسف عمر والاستمرار في تسجيل ما يمكن تسجيله من المقامات برفقة (الچالغي) فقد جمعت كبار الموسيقيين
والملحنين، منهم أحمد الخليل وعباس جميل ومحمد عبد المحسن وكريم بدر وناظم نعيم ويحيى حمدي
ورضا علي، لأبحث معهم عن حل لهذا المأزق. سألتهم عما إذا كان في أقاصي الأرض عازف سنطور جيد غير الحاج هاشم الرجب فأجمعوا على عدم وجود من يسد فراغه. وفجأة نطق عباس جميل وقال:
كنت أعرف عازفا ماهرا على آلة السنطور، إلا أنه هاجر من سنوات إلى إيران، ولا أعرف مكانه
ولا حتى اسمه. وعلى الفور حصلت على موافقة المدير العام ووزارة الإعلام على إيفاد ثلاثة أشخاص إلى إيران للبحث عنه وطلبنا منهم عدم العودة إلا بعد أن يجدوه. وبالفعل سافر الثلاثة وبعد بحث شاق
عثروا عليه وأتوا به إلى بغداد وكان اسمه عبد الله حسن .
ومن حسن الحظ تبين أنه كان ماهراً فعلاً، وعالماً بالمقام وقادراً على الانسجام مع الآلات الأخرى لإرضاء يوسف عمر وإعادة الحماس إليه. بعد أن علم الحاج هاشم الرجب بما فعلت عاتبني بشدة
وتنازل عن خلافه مع يوسف عمر وعاد إلى العمل بالتناوب مع العازف الجديد. وقد علمت بأنه درب مجموعة من الشباب الجامعي على الآلة لئلا تندثر
من كتاب دولة الإذاعة لإبراهيم الزبيدي