هذه المقالة نشرت فى جريدة المصرى اليوم فى الاسبوع الماضى ..... رأيت ان انقلها الى المنتدى .... و اتسائل عن جهابذة الغناء الشعب عدوية و الاسمر و شعبان ...على حد تعبير اصحاب المقالة ...... هل سيأتى يوم و يتكلم فيه اخرون عن جهابذة الفن الشعبى فى القرن الـ 21 ... سعد و حكيم و بعرور ..... و الاسماء الجميلة التى ستجدونها فى المقالة
العالم «السفلي» للغناء الشعبي في مصر١
أعد الملفهبة حسنين - شيماء البرديني - محسن محمود
المطربون أنواع: نقاش وسماك وسائق تاكسي.. وعامل بوفيه وعامل يومية.. أما الطرب فـ«سلامتك يا دماغي»
قبل خمسة أعوام لم تكن أسماؤهم تعني شيئاً بالنسبة لهم أو للآخرين، ولم يمض وقت طويل حتي أصبحوا جزءًا من أزمة الغناء في مصر، ومن حالة التدني العامة التي ساهموا في صناعتها وأصبحوا أبطالها.
في سوق الغناء الشعبي يصبح اللحن هو البطل وما عدا ذلك مجرد «كمالة» لا تعني شيئاً بالنسبة لمن يغني أو لمن يسمع، ومن السهل أن يصبح أي شخص مطرباً شعبياً طالما توافرت لديه النية والإمكانيات.
عندما اقتربنا أكثر من عالم المطربين الشعبيين أو مطربي الـD.J كما يسمون أنفسهم، وتعاملنا معهم عن قرب تبين لنا أن مصطلح «مطرب شعبي»، في حد ذاته يتجاوزهم بكثير، إذ لا يمكن وضع أي من هؤلاء في سلة واحدة مع جهابذة الطرب الشعبي مثل محمد العزبي ومحمد طه وأحمد عدوية، ووصولاً إلي حسن الأسمر وشعبان عبدالرحيم وغيرهم. اكتشفنا أننا مضطرون لتسمية هؤلاء «مطربين شعبيين» لحين العثور علي مصطلح يليق بـ«فنهم» وجماهيريتهم وثقافتهم وبيئتهم الاجتماعية.
لم تكن المسألة بالنسبة لهؤلاء صدفة أو ضربة حظ أو أغنية «علقت» مع الناس.. بل رحلة طويلة، شاقة لم يعرفهم خلالها أحد، حاولوا خلالها إثبات وجودهم بأي طريقة. أغلبهم لم يكن يرغب في الحديث عن نشأته وجذوره الاجتماعية ربما خوفاً علي نجوميته التي وصل إليها «بطلوع الروح»، وهو ما جعل مهمتنا صعبة: كيف سنصل إليهم»
. وكل ما نعرفه عنهم أن محيط عملهم يقتصر علي أفراح الأحياء الشعبية وكازينوهات شارع الهرم؟ وإذا وصلنا إليهم فكيف سنخرج من الحديث معهم عن أغنياتهم «اللي كسرت الدنيا» إلي الغوص في بداياتهم وخلفياتهم.. وهو الهدف من موضوعنا؟
لم نكن نعرف عن هذا العالم سوي أنه بضعة ألحان عشوائية راقصة.. لا اسم مطرب معروف، ولا صوت مميز، ولا شركة إنتاج كبري، بعضنا اتجه إلي العتبة حيث موقف الميكروباص وباعة الأشرطة علي الرصيف. وعن طريق العناوين والتليفونات المدونة علي الأغلفة - وبعضها كان «مضروباً» - وصلنا إلي طرف الخيط وهو الشركات المنتجة.
وعن طريق هشام جوهر مدير أعمال «عماد بعرور» صاحب أغنية «العنب» استطعنا الوصول إلي المطربين أنفسهم، وكأنهم بكرة خيط أمسكنا بطرفها فإذا بها «تكر» بلا نهاية. ولا ننكر أن اسم «المصري اليوم» كان عائقاً في بعض الأحيان، فمجرد سماع أي منهم اسم الجريدة لا يصدق أننا نرغب في محاورته ومعرفة بدايته، وبعد حديثه معنا كنا نسمع تلك العبارة «أرجوكم لا تشتمونا».
أول ما لفت انتباهنا أن شبرا الخيمة هي مسقط رأس معظم مطربي الميكروباص، ففيها «ترعرع» عماد بعرور، ومنها صعد إلي شارع الهرم، وبفضلها وصل إلي السينما والتليفزيون، لتصبح أغنيته «العنب» في فترة وجيزة علي لسان المحبين للفن الشعبي السائد حالياً أو الرافضين له. سار بعرور علي نهج صديقه سعد الصغير - الشبراوي أيضاً - ويبدو أنه اقتنع من داخله أن مطربي شبرا الخيمة قادرون علي الوصول إلي المجد والشهرة.
ورغم وجود مطربين أكبر سناً أو أكثر خبرة من بعرور في شبرا الخيمة، منهم «هوبا» و«أحمد صلاح» و«سكسكة» وغيرهم، إلا أن الصدفة وحدها لعبت دورها عندما غني بعرور للعنب فلاقت الأغنية قبولاً كبيراً لدي الشباب وسائقي التاكسي والميكروباص، وبفضلها انطلقت حنجرته من كازينو الليل في شارع الهرم إلي فيلم «أيظن» ليظهر لأول مرة علي شاشة التليفزيون، ضمن كليب أغنية العنب والبرومو الخاص بالفيلم، بينما «أقرانه» عبدالوهاب الأسمر المعروف في شبرا الخيمة باسم «هوبا» وأحمد صلاح صاحب أغنية الأفراح الشهيرة «سلامتك يا دماغي» وسكسكة صاحب أغنية «كعبو.. كعبو» لا يزالون في منتصف الطريق «يناضلون» بثبات للحاق بسعد الصغير وعماد بعرور «ولاد حتتهم».
ولعب الحظ دوره مرة أخري مع عماد بعرور عندما أخذ اسم قصيدة تغنيها «نجاة الصغيرة» وهي «أيظن» وألف ولحن عليها كلمات أخري، وساهم الهجوم الذي شنه عدد كبير من النقاد وجمعية المؤلفين والملحنين علي الأغنية في اتساع شهرة بعرور. بدأ بعرور في منطقة بيجام في شبرا الخيمة،
وبعد حصوله علي الإعدادية ظل فترة طويله بلا عمل سوي الجلوس علي المقهي والوقوف علي النواصي مع أصدقائه، وأثناء بحثنا في حياته لم نجد ما يبرر لجوءه فجأة إلي الغناء في الأفراح وتكوين فرقة من أصدقائه للعمل معه، وتغيير اسمه من مصطفي بعرور إلي عماد بعرور، ليبدأ مرحلة جديدة من حياته،
وافتتح محلاً صغيراً لبيع السمك بمساعدة زوجته نهاراً، ويغني في شارع الهرم ليلاً تاركاً زوجته في مرحلة «التشطيب». وقال صديقه «هوبا»: قبل أن نشتهر كنا نساعد بعضنا، وأنا وسعد الصغير كنا «ننفع بعض» يعني نروح نشتري شريط كاسيت للصغير عشان توزيع ألبومه الأول يزيد، ونروح نشتري سمك من عند بعرور عشان دخله يزيد.
ويكفي أن يقف أحدهم مستشهداً علي شهرته بقوله « أنا جار سعد الصغير في شبرا، وأنا اللي كنت باشغله، لكن ربنا كرمه أوي» العبارة جاءت علي لسان سعيد سكسكة، الذي اقتحم الميكروباصات والأفراح البلدي ورنات المحمول بأغنيته الشهيرة «كعبو.. كعبو» والتي أخذ مطلعها من علي لسان ابنته الطفلة، وطلب من المؤلف سمير محمد أحمد أن يعمل عليها أغنية، وخرجت كعبو لتصنع شهرته، لدرجة أنه يستعد لتصويرها فيديو كليب.
سكسكة فوجئ باتصالنا به، ولم يخف سعادته فانطلق في الحديث دون حتي انتظار للأسئله، فهو يحلم بمن يجري معه حواراً صحفياً، حتي يحصل علي الشهرة التي يستحقها، والتي لا تقل من وجهة نظره عن شهرة سعد الصغير، التي قال سكسكة إنه صنع جزءاً منها، فهو الذي اكتشف سعد، وكان بيشغله نمره في الأفراح التي يحييها.
كفاح سكسكة في سبيل الغناء بدأ منذ صغره حينما كان يحيي الأفراح في منطقة شبرا هو وزملاؤه في الثانوي، لم يكن وقتها لقب بـ «سكسكة» إذ كان لقب صديقه «الانتيم» الذي توفي، فاختار سعيد أن يحمل لقبه ويكمل مشواره، كما خرج للعمل وهو طالب ليساعد والده علي نفقات إخوته التسعة وانتقل بين أكثر من مصنع للألومنيوم والكارتون ثم عمل علي آلة كاتبة، حتي ابتسمت له الدنيا،
وعرض عليه صاحب شركة للإنتاج الفني «نيو ستارز» أن ينتج له شريط كاسيت، لم تسعه الفرحة ووافق دون مليم واحد تقاضاه وكان منطقهم وقتها «حتعمل الشريط واحنا وحظنا يانكسب يانخسر» وطبعًا نجح الشريط، فكان الألبوم الثاني بشروط سكسكة، إلي أن تعرف علي شركة إنتاج محترمة «من وجهة نظره»، صاحبها محمد الشريف «جاجوار» وهو أساسًا صاحب مصانع خلاطات وأدوات صحية، أعجبه صوت سكسكة وشجعه علي الاستمرار، وسيقوم بإنتاج ثالث ألبوماته وتصوير كليب «كعبو».
ولم ينس سكسكة أن يؤكد لـ «المصري اليوم» أنه في الخدمة، ويمكن أن يغني في أفراحنا، ويقوم عن طريق منتجه جاجوار بتشطيب حماماتنا وتجهيزها «هدية» منه نظير مجهودنا الصحفي معه.
لعنة البحث عن الشهرة التي أصابت قاطني شبرا الخيمة امتدت إلي هوبا واسمه الحقيقي- عبد الوهاب الأسمر- الذي لم يحالفه الحظ.
بدأ «هوبا» حياته الفنية بعد حصوله علي دبلوم تجارة، لكنه لم يوفق في البداية فاتجه إلي أعمال أخري لينفق علي اخوته وحسب قوله: «طلع عيني في تجارة الكرتون والخردة والنقاشة، لأن أهلي رفضوا عملي بالفن، لكني اضطررت إلي شق طريقي بنفسي، والوقوف وحدي لاحقق أي نجاح حتي لو حصدت نتيجته بعد فترة طويلة».
ترك «هوبا» أعماله وكون فرقة من أصحابه وجيرانه في شبرا الخيمة، واشتغل في البداية بلا مقابل، يعني «شغل مجاملات» حتي يعرف الناس بنفسه وفرقته، و«بعد فترة المجاملات جابت شغل حقيقي واللي ببلاش جاب فلوس»، وعندما ذاع صيته في شبرا الخيمة وضواحيها، فوجئ بمحاربة سعد الصغير له الذي أخذ ١٥ فردًا من فرقته وخفض سعره في الأفراح حتي يسد الطرق أمام «هوبا».
ورغم المساعدات التي قدمها هوبا لصديقه في بداية حياته، إلا أن الشهرة قلبت سعد علي أصحابه، ويذكر «هوبا» أن أول شريط لسعد الصغير وهو «عاشور» لم يحقق نجاحًا فقام بشراء حوالي ٥٠ نسخة منه وباعها لأصحابه في المقهي ليخدم صديقه، وعندما مر سعد بأزمة مالية وسحب منه البنك أول سيارة اشتراها بالتقسيط، قام «هوبا» وأصدقاؤه بإقامة فرح وهمي في عزبة عثمان في شبرا الخيمة وجمع منه سعد «نقطة» بمبالغ ضخمة سدت العجز للبنك.
ولأن زوجة «هوبا» منتقبة وميولها بعيدة عن الفن نصحته كثيرًا بالابتعاد عن هذا المجال لكن إصراره دفعه لمواصلة الطريق الذي بدأه، وبالتعاون مع إحدي شركات التصدير والاستيراد أنتجوا له كليب «بص وشوف» الذي يقول فيه «بص وشوف ع المكشوف اوعي تعيشهم مرة علي.. اوعي دنا قصدي شريف وصافي النية.. تعمل حكاية، مايكلش معايا ولا إيه ولا آه، دنا شاب خلاصة مش بلبانة ولا مصاصة».