عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 25/03/2009, 01h35
الصورة الرمزية أبوإلياس
أبوإلياس أبوإلياس غير متصل  
مشرف منتدى فريد الأطرش
رقم العضوية:165965
 
تاريخ التسجيل: février 2008
الجنسية: مغربية
الإقامة: المغرب
المشاركات: 2,064
افتراضي تحليل رائعة يا طيور لمحمد القصبجي وأسمهان

تحليل رائعة يا طيور لمحمد القصبجي وأسمهان
للاستماع إلى أغنية يا طيور وتتبع هذا التحليل
اضغط هنا

لو لم يلحن محمد القصبجي طيلة مسيرته إلا أغنية يا طيور لكفته ليخلد نفسه في تاريخ الموسيقى العربية ، إنها الرائعة غير المسبوقة والعمل الذي لم يقدر أي أحد من أساطين التلحين العرب من إن يقترب منه إلى اليوم ، كيف ولدت الأغنية ؟ ومن أين استلهمها القصبجي ؟ ما هي العوامل التي توفرت لهذا اللحن وخلدته إلى الأبد ؟ وما هي مظاهر التجديد التي انطوى عليها ؟ وما هي الإضافات التي أضافها اللحن للموسيقى العربية ؟
وضعت الأغنية على قالب المونولوج الرومانسي الذي يعتبر القصبجي فارسه الأول بلا منازع ، لحنت في عام 1940 ، واجتمعت لها كل أسباب النجاح من ملحن مجدد هو فارس القالب الذي لحن فيه الأغنية ، وكاتب كلمات من نفس الطينة فبعد أحمد رامي رائد الرومانسية في الشعر الغنائي العربي والعامي ، جاء كاتب كلمات الأغنية يوسف بدروس إلى القاهرة يحمل ثقافة فرنسية عالية وإطلاع واسع على الشعر الرومانسي الفرنسي ، بجانبهما كانت العملاقة أسمهان بإمكاناتها الصوتية الخارقة قوة وتعبيرية وفي قمة عطائها ونضجها الفني .
الاستلهام وميلاد الأغنية
في كتابها محمد القصبجي الموسيقار العاشق ، تحكي الدكتورة رتيبة الحفني أن الأغنية ولدت في بيت والدها الدكتور محمود أحمد الحفني فتقول : « فمن بين ما تضمنته مكتبة والدتي الموسيقية ، أسطوانة فالس « غابات فيينا » ، وهي من مؤلفات يوهان شتراوش ( الموسيقار النمساوي الأصل ، ومؤلف فالس الدانوب الأزرق ) . كان هذا الفالس مسجلا على أسطوانة بصوت مغنية نمساوية شهيرة ، هي ارنا زاك صاحبة الصوت الجميل من طبقة السوبرانو الحاد ( كوليراتورا) .. وكان ختام هذا الفالس يأتي بجزء استعراضي صوتي رائع ، تقلد فيه المغنية تغريد الطيور .. بالآهات ، بينما تبادلها في الأداء آلاة الفلوت .
أعجب القصبجي بموسيقى هذا الفالس ، وبأسلوب أداء المغنية ، وخاصة الجزء الأخير منه ، فكان يطلب من والدتي إعادة هذا الجزء عدة مرات ، ومع كل تكرار كان ينفعل بالصوت الرائع لأداء المغنية ، وللتوافق الجميل بين صوتها وبين نغمات آلة الفلوت ، فيضرب بيده على رأسه .
وذات يوم ، وبعد أن استمع القصبجي كعادته إلى هذا الفالس أكثر من مرة ، طلب مني إحضار عودي الصغير ، وبدأ يعزف عليه لحنا جميلا .. مصريا أصيلا .. وكان يصاحب تلك النغمات ببعض الكلمات .. وفي ختام اللحن جاء القصبجي بجزء صوتي استعراضي بنفس الأسلوب الذي كانت تؤدي به المغنية النمساوية ختام الفالس .. وكانت هذه الليلة مولد أغنية ياطيور . »
تتبعت رواية الدكتورة رتيبة الحفني التي لا أكذبها ، فوجدت أن الفالس الذي تحدثت عنه ليس للموسيقار الألماني الشهير يوهان شتراوس وإنما لموسيقي أمريكي آخر له نفس الاسم يدعى ريتشارد شتراوس ، وغنته بالفعل المطربة النمساوية الشهيرة ارنا زاك تحث عنوان Frühlingsstimmen التي تعني باللغة الألمانية صوت الربيع ، وقد رفعت هذه المقطوعة كاملة أنظرالمرفق الصوتي والصورة ، ومن يستمع إليها يتوقف على مدى التأثر الشديد للقصبجي بهذا اللحن وتأثر أسمهان الواضح بأسلوب المغنية النمساوية ارنا زاك في تقليدها لصوت الطيور فقد حاولت محاكاتها بصوت السوبرانو الحاد ووفقت إلى حد بعيد إلا أنها لم تستطع أن تصل إلى أداء ارنا زاك في منطقة الأصوات الحادة ومجاراتها في النفس الطويل وهو أمر طبيعي لأن هذه الأخيرة سوبرانو محترفة ، ويظهر التقليد باديا في أجزاء مختلفة من فالس صوت الربيع ومونولوج ياطيور، وقد حاول القصبجي وأسمهان في ختام أغنية يا طيور محاكاة ما نفذه ريتشارد شتراوس و ارنا زاك في ختام فالس صوت الربيع عن طريق التناوب بين المغنية والآلآت الموسيقية على تقليد تغريد الطيور .
التحليل الموسيقي لرائعة يا طيور
تبتدئ الأغنية بمقدمة موسيقية حاول فيها القصبجي تحقيق مبتغا كان هاجسا لدى جميع ملحني الأربعينات وهو مطابقة الموسيقى لمعاني كلمات الأغنية بهدف تحقيق تعبيرية اللحن ، فالمقدمة الموسيقية تعبر عن تحرك أسراب الطيور بأشكالها المختلفة ، وتقول الدكتورة رتيبة الحفني أنه استعان لإبراز ذلك بالسلم الكروماتى صعودا .. مما يعطي الإيحاء بصعود الطيور إلى أعلى الفضاء مع زيادة في السرعة . ثم يقوم القصبجي بإدخال إيقاع جديد على المقدمة يوحي بحركة أجنحة الطيور، وفي ختام المقدمة يمهد اللحن للغناء بإعطاء الإحساس للمستمع بإرساء الطيور على الأشجار، ولتحقيق هذه التعبيرية غير المسبوقة يقول الدكتور سعد الله آغا القلعة في برنامجه التلفزيوني عن أسمهان أن القصبجي استعمل الفرقة الموسيقية الكبيرة و التوزيع الهرموني الذي يرمز إلى ألوان الطيور المتنوعة في توافقات جميلة .
في هذا اللحن مزح القصبجي بين ثلاثة عناصر صنعت خلود هذا العمل في تاريخ الموسيقى العربية ؛ مقولة الشاعر أو الكلمات وتؤديها أسمهان بصوت الحنجرة ، صوت أو تغريد الطيور وتؤديها أسمهان بصوت السوبرانو الكوليراتورا الحاد ، ثم حركة الطيور وتقدمه الفرقة الموسيقية عن طريق التوزيع الهارموني .
تدخل أسمهان في الغناء بصوت الحنجرة مبتدئة بياء النداء يا طيور بمد مشبع ، ثم تأتي لازمة موسيقية بعد النداء مباشرة تتميز بالضغوط القوية على كل نغمة لتعبرعن استدارة الطيور لكي تستمع إلى الصوت الذي يغني وتلبي النداء ، وتعود أسمهان للغناء في مقطع غني حبي وأنشدي بعده تدخل الأوركسترا بلازمة موسيقية أخرى تعبرعن حالة الطيور وهي تستمع لغناء أسمهان في حالة توثب وحيوية تعكسها الموسيقى وهي ظاهرة تكررت في العمل كلما انتقل اللحن من غناء أسمهان بصوت الحنجرة إلى حركة الطيور التي يعبر عنها التوزيع الهارموني ، وعندما تعود أسمهان إلى لازمة يا طيور مرة أخرى تنتقل من صوت الحنجرة إلى صوت السوبرانو لتعبر عن تغريد الطيور بيسر عجيب يذكرنا بأداء المطربة النمساوية ارنا زاك ، وعند مقطع غنت الأطيار تنفذ أسمهان نفس الحركة بحرفية وإقتذار كبيرين حيث انتقلت من صوت الحنجرة إلى صوت السوبرانو معبرة عن صوت الطيور في تصاعد أعلى من الأول دون أن ترصد أذن المستمع أي اختلال لتعود في انتقال عجيب يتخافض معه اللحن إلى صوت الحنجرة عند مقطع أعذب الأشعار ، ومما حققه القصبجي في هذا اللحن الأسطوري أنه عندما يأتي الحديث عن الحنان والأغاني ، يتحول اللحن في غناء أسمهان على مقام البياتي الشرقي الذي تؤديه أسمهان بحرفية كبيرة ، لكن عندما يكون هناك عودة للموسيقى مع أسمهان ومقام البيات الشرقي يغيب التوزيع الهرموني ، وعندما تعود الموسيقى مجردة عن الغناء يعود التوزيع الهارموني في توافق الأصوات التي يعبر عن توافق الألوان في الطيور، وهنا يمزج القصبجي بين مقام البيات الشرقي وبين الموسيقى التي لا تعتمد في بنائها المقامي على الأرباع وإنما على التوزيع الهارموني دون أن يحس المستمع بالتنافر وهذه إحدى ومضات عبقرية هذا الملحن الكبير. ولا ينسى القصبجي التعبير عن معاني الكلمات فعندما تغني أسمهان الغدير يتخافض اللحن مع غناء أسمهان معبرا عن انسياب الماء من الأعلى إلى الأسفل .
وتتوالى المقاطع الغنائية ، وفيها نلاحظ تغيير القصبجي للموازين الموسيقية والإيقاعات ، كذلك الانتقال بين المقامات ، ليصور أشكال الطيور في حالاتها المختلفة ولينقل مختلف الحالات التي كانت عليها نفسية أسمهان وهي تغني محققا تمازجات بديعة بين أشكال موسيقية متنافرة في ظاهرها ومترجما لمعاني كلمات الأغنية.
وتختتم أسمهان الأغنية بمحاكاة بين صوتها وآلة الكمان والفلوت التي تعبر عن صوت الطير ، بتسلسل سلمي صاعد وهابط مع بعض القفزات ، وتتم محاكاة صوت أسمهان لآلة الكمان بنفس النغمات فيما يشبه التدريبات الصوتية للغناء العربي فتردد أسمهان نفس نغمات الآلة الموسيقية بالآهات في استعراض واضح لإمكانياتها الصوتية الخارقة ، لقد نفذ القصبجي وأسمهان في استلهام واضح ما قام به الموسيقار ريتشارد شتراوس و ارنا زاك في فالس صوت الربيع حين كانت ارنا زاك تتبادل تقليد تغريد الطيور مع آلة الفلوت .
الإضافات التي حققها لحن يا طيور للموسيقى والغناء العربيين
- لأول مرة في تاريخ الغناء العربي ، يضع القصبجي لحنا حقق التطابق التام بين الموسيقى ومعاني الكلمات في جميع مراحل اللحن ، لقد جاء اللحن بحق مرآة لما جاء به النص ، وقبل هذا العمل حقق كثير من الملحنين كسيد درويش ومحمد عبد الوهاب وفريد الأطرش قاعدة مطابقة اللحن للكلمات لكن في بعض المقاطع فقط وليس في اللحن كله .
- قدم القصبجي في هذا اللحن حركة الطيور عن طريق الموسيقى وعبر التوزيع الهارموني ، وكانت هذه أول مرة في تاريخ الغناء العربي تأخذ فيه الموسيقى دورا بطلا في العمل الفني ، وقبل هذا اللحن كانت الموسيقى في الغناء العربي موظفة لمرافقة صوت المطرب والتعبيرعن المعاني المغناة.
- قدم القصبجي في هذا اللحن الأسطوري ما يمكنني أن أسميه بالألحان التجريبية في الموسيقى العربية ، وهي نادرة جدا ، لكن مع الآسف توقف عن هذا الخط التجديدي لعاملين أرجحهما وهما ابتعاد السيدة أم كلثوم عن هذا اللون وعدم قدرته على إيجاد صوت مقتدر بديل لصوت أسمهان ؛
- استطاع القصبجي في هذا اللحن أن يمزج بين المقامات العربية الأصيلة والتوزيع الهاموني في صلب الأغنية ، وقبله كانت هنالك محاولات محتشمة في هذا المجال ، وكان التوزيع الهارموني يوظف في أحسن الحالات في المقدمات الموسيقية الطويلة التي تسبق الغناء ؛
- رغم أن اللحن مستلهم ولا أقول مقتبس ، فإن القصبجي حقق معادلة صعبة ، وفي هذا السياق يقول فيكتور سحاب في كتابه السبعة الكبار في الموسيقى العربية المعاصرة: « فأغنية يا طيور التي تحس في مقدمتها أنها مكتوبة بطابع سمفوني ، لا ينتابك – لحظة – أي شك في طابعها العربي ، ومزاجها القومي الواضح . »
- حقق القصبجي في هذا اللحن إحدى نظرياته في الإلقاء الغنائي ، فقد انتقل من الإلقاء الغنائي التقليدي إلى الأسلوب الغربي ، لأنه من وجهة نظهره ، أقدر على التعبير وعلى إظهار ملكات الصوت الإنساني وطاقاته ،
- في هذه الأغنية قدمت أسمهان صوت السوبرانو الأوبيرالي الذي لم تقدمه أية مطربة عربية في الغناء العربي الكلاسيكي قبلها ، ولم تنجح أية مطربة عربية حتى اليوم في أن تقدمه ، ونستثني من المقارنة طبعا مطربات الأوبرا العربيات التي يتغنين بالأوبرا الغربية بكلمات عربية لأن هن لسن طرفا في المقارنة ولا يجدن الغناء العربي الكلاسيكي ، لذلك صدق الناقد الفني كمال نجمي حين قال : « أسمهان هي الحاجز الصوتي الذي لم تستطع مطربات عصرنا اجتيازه حتى الآن ، إنهن يقفن وراءها بمسافة كبيرة ، برغم أنها غير موجودة بينهن !! »
المراجع المعتمدة في إنجاز هذه الدراسة :
رتيبة الحفني : محمد القصبجي الموسيقي العاشق دار الشروق القاهرة 2006
صميم الشريف : السنباطي وجيل العمالقة ، دار طلاس دمشق 1988
فيكتور سحاب : السبعة الكبار في الموسيقى العربية المعاصرة دار العلم للملايين بيروت ، 1987
سعد الله آغا القلعة : البرنامج التلفزيوني أسمهان ، التلفزة السورية ، 1995
مواضيع من شبكة الأنترنيت



الصور المرفقة
نوع الملف: jpg erna sack Frühlingstimmen.jpg‏ (44.4 كيلوبايت, المشاهدات 2238)
الملفات المرفقة
نوع الملف: mp3 erna sack Frühlingsstimmen.mp3‏ (2.17 ميجابايت, المشاهدات 723)
رد مع اقتباس