عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 27/03/2018, 04h33
عبدالرحمن عبدالله عبدالرحمن عبدالله غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:752831
 
تاريخ التسجيل: juillet 2015
الجنسية: سعودية
الإقامة: اختر الدولة
المشاركات: 220
افتراضي رد: اذكريني كلما الفجر بدا

وهنا اقتبس مقالا تحدث كاتبه فيه عن القصيدة الغنائية. وعن أحمد رامي. ثم اسهب بالحديث عن اذكريني كلما الفجر بدا


""

قصيدة " أذكريني " للشاعر احمد رامي

مهدي الشمسي

لا يختلف اثنان على حقيقة فحواها إن الأدب والفن يؤرخان لتاريخ الشعوب التي أبدعتهما ، بحيث أضحى كل منهم عاكسا للحقب الزمنية المختلفة وشاهدا على أحداثها المتوالية ، سواء كانت تلك الأحداث عاصفة ، أو تتصف بالهدوء والاتزان . والأدب والفن هما نتاج النخب المثقفة الواعية ، وعادة تكون هذه النخب مدركة لحقيقة ضرورة التعبير عن الواقع بأسلوب يختلف عن المتداول أو الهامشي والذي لا يرقى إلى ولوج جوهر الحدث ، في حين تكون للمتداول السهل ، القدرة على صياغة أو ابتداع نسق توثيقي مشوش وهزيل يفتقر إلى الروح الجمالية الواجب حضورها من اجل أغناء التعبير عن ذلك الواقع واكتسابه صفته الإبداعية .

فالشعر ، والقصة ، والغناء ، والرسم ، والمسرح ، وغيرهم من نتاجات النخبة، يعبرون عن واقع أو حدث ما ، سواء كان في الماضي أو الحاضر وحتى المستقبل ، ولكن ضمن زمن له معالمه المميزة وشروطه ، التي يجب أن يمتثل لها ذلك المنتج . لذا تولدت لدى النخب المبدعة فكرة كسر طوق العزلة والتكرار ومغادرة المألوف بشروطه الرتيبة والمملة وصولا إلى هدف التعبير عن الواقع بطريقة مكثفة وأكثر عمق تغازل إبداعات ونتاجات شعوب العالم .

ومن ثمار تلك المغادرة والمغازلة ، ولد الشعر الحديث ، والمسرح الجاد ، وترجمة النصوص الإبداعية العالمية ، وفنون الرسم بألوانه ، والنحت ، والموسيقى ، وتبدل الأساليب الغنائية التعبيرية ، وغيرها من الانتصارات .
ولا يمكن لنا حصر جموع المبدعين أو ما اسميهم بالمغادرين ، والذين تحملوا مسؤولية التغيير فهم كثر ، إلا إني سأختار نموذج مبدع حلق عاليا بعيدا عن المألوف وعبر عن واقع عاشه بحلاوته ومرارته ، فكان صادقا في تعبيره
وحلقة وصل مهمة بين الماضي والحاضر ومؤسس لمستقبل ثري بالإبداع والعطاء . ذلك هو الشاعر الغنائي احمد رامي ، والذي لقب بشاعر الحب والشباب ، ترجم هذا الشاعر ما يدور في خلجات الأحبة وما يعتري النفوس من فيض الشوق والفراق ترجمها بأسلوب فذ نادر ، وكانت الكثير من ترجماته هذه تكتسي حلة غنائية عذبة يفوح منها عبق الرومانسية المخلوط بعناية فائقة بشك وشوق وخوف وهيام وندم ويأس وأمل ووصال وهجران الأحبة ، ويعتبر الكثيرون سيرته الشعرية سيرة شخصية له ، صبها في قالب شعري مخملي فريد، وقد شاءت الأقدار أن ترافقه ثلة من العباقرة والمبدعين في مسيرته هذه كان في مقدمتهم كوكب الشرق أم كلثوم ورياض السنباطي ومحمد القصبجي والشيخ زكريا احمد ومجموعة محترفة من الموسيقيين والعازفين ، مكنت رامي من إيصال تراجمه إلى القلوب ونال محبة العشاق ، وتعلق عامة الناس بشعره ، ناهيك عن أدبائهم ومثقفيهم .

وأبدع رامي بصياغة القصيدة الغنائية ، وهي بمثابة قصة رومانسية منسوجة بحنكة أدبية فائقة الجمال ومهيأة لمشاركة الآلة الموسيقية والصوت الغنائي لسرد أحداثها والدلالة على خبايا نفوس أبطالها والذين هم من المحبين والمظلومين والمحرومين ، ومن الذين فاض بهم الشوق وأوصدت أمامهم أبواب الرجاء .
ويعتبر نسج القصيدة الغنائية مهمة ليست بالسهلة ، إذ تتطلب ثقافة موسيقية وغنائية خاصة ، وخيال تصوري خصب
ناهيك عن القدرة على السرد المقتضب والذي يعطي صورة سردية متكاملة ذات بداية ونهاية واضحة . لكن رامي عاش في بيئة ووسط شغوف بالموسيقى مما يسر عليه مهمة السرد الغنائي الشفيف المتماسك البناء .

ومن أمثلة تلك القصائد الغنائية : قصيدة ذكريات -1954 (مقام نهاوند ) ، قصيدة رباعيات الخيام - 1949 (مقام رست ) ، قصيدة أيها الفلك – 1935 (مقام نهاوند ) ، قصيدة أذكريني – 1939 ( مقام نهاوند ) ، قصيدة الصب تفضحه عيونه – 1924 ( مقام بيات ). ومن الشعر الغنائي الراقي أغنية ( سهران لوحدي – 1957 (مقام نهاوند) ، وفي هذه الأغنية الجميلة تصوير فريد لوحدة المحبين وما يعانوه من آلام الوجد وغربة الروح ، لم يتقمص رامي سباكة بنائها السردي أو استعارة ما يقض مضاجع العشاق من لوعة وشوق وآلام ، بل كان محب ونديم وشريك ، سكن الحب أعماقه ، أسره ، أثار في دواخله نزعة الإبداع والعطاء ، فكان صادق وأمين في نقل ما يدور في خلجات النفوس المعذبة العاشقة، مسخرا المفردة السهلة المعبرة ذات الدلالة التصويرية البليغة والتي تنسجم مع الأداء الغنائي الموسيقي ليعلن عن ولادة نص غنائي راقي ، وهذا ما دأب عليه الشاعر الغنائي الكبير احمد رامي منذ مطلع العشرينيات من القرن الماضي وحتى قبيل وفاة رفيقة دربه الإبداعي السيدة أم كلثوم عام 1975 م .

ويعتبر رامي رائد للقصيدة الغنائية الحديثة ، منحته ام كلثوم بجمال أدائها وعذوبة صوتها حسا شفيفا استثنائيا وشهرة واسعة يحلم به الكثير من معاصريه ، إضافة إلى نضوج دور الموسيقى العربية في مشاركة الشعر وصولا لولادة القصيدة العربية الطويلة المغناة ، والنحي بها بعيدا عن الطقطوقات القصيرة والتي كانت رائجة لعشرات السنين ، ومن رواد المدرسة الموسيقية تلك رياض السنباطي ، ومحمد القصبجي ، واللذان رافقا رامي طيلة مسيرته الابداعية ومهدا له درب كتابة الشعر الغنائي ، حيث ترك كل منهم بصماته على تاريخ الاغنية العربية المعاصرة .

في قصيدة أذكريني ، والتي شدت بها كوكب الشرق عام 1939م ولحنها رياض السنباطي من مقام نهاوند ، برزت مقدرة احمد رامي التصويرية ، وقابليته الواسعة على ترجمة ما يخالج القلوب من حب ومتعة ،يثملانها تارة برحيق الوصال والإخلاص والعاطفة النبيلة ، وبين ما يعتريها من خصام وهجران ، يحيلان ذلك الحب إلى ذكرى تارة أخرى وكأن شيء لم يكن . تمكن رامي وبعبقرية المحترف من بناء قصيدة غنائية حديثة مفعمة برومانسية عذبة ، وكأنها أذنت بفتح عصر غنائي جديد ، اتسم بالرصانة والبلاغة والغنى ، وهيأ أرضية واسعة وثرية لاقرانة الشعراء ليحذوا حذوه ، وتنهال بعدها القصائد الغنائية على كوكب الشرق ام كلثوم ، فكان شوقي في قصائده الشهيرة ( سلو كؤوس الطلا هل لامست فاها ) ، ( ولد الهدى ) ، ( نهج البردة ) ، ( سلو قلبي ) ، وكان إبراهيم ناجي في ( الأطلال ) ، وعبد الله الفيصل في ( ثورة الشك ) وغيرهم من الشعراء . ولولا حنجرة أم كلثوم الذهبية لما كتب لهذه القصائد الشهرة والخلود يشاركها رياض السنباطي فقط من الملحين الكبار وبدون منافس .

وبقليل من التأمل والإصغاء لصوت كوكب الشرق أم كلثوم وهي تشدو برائعة رامي ( اذكريني ) وموسيقى السنباطي ، يجد المستمع انه يصغي إلى سيمفونية ناطقة ،تتحدث عن الفجر ، والليل ، والصبح ، والضياء ، والطير والغناء ، السهد ، الوحدة ، الدمع ، والشدو ، الأوفياء ، الفراق ، الذكرى . وضعها رامي في نسق شعري مبهر، صدحت بها حنجرة أم كلثوم لتصل إلى أعماق النفوس معلنه عن عصر شعريا غنائيا باذخ الجمال والمتعة ، أدهشت المتذوق لما تتصف به من دقة الأداء، وجمال التنقل بين السلالم الموسيقية الأخاذة .




""
رد مع اقتباس