[أمير بلان]

الأطلال..

وهي الملحمة الشعرية التي جسد فيها ابراهيم ناجي ألامه وعذابه وأحاسيسه المشتعلة جراء الوقوف على أطلال الحب والمعاناة الأبدية من مفارقة الحبيب الذي لا نصيب للإنسان معه , وهذا من أصعب المواقف والمشاعر التي قد يصادفها الإنسان في حياته وهذا العمل الفني الذي اختارت منه ام كلثوم بمساعدة أخرين عظماء ,أهم وابرز الأبيات من قصائد ابراهيم ناجي ليغزلوا ثوب الأطلال الذي طلاه بألوانه الموسيقار الخالد رياض السنباطي , ولبسته لتظهر ملامحه الست أم كلثوم .
هذا العمل الخالد تم تصنيفه ضمن أفضل مائة عمل فني للقرن الفائت لأنه كان عصارة سنين من عمر رياض السنباطي ومن ذكائه الموسيقى وقد جسد فيه بأعلى صورة واضحة , فنه وميزته في تلحين المعاني لا الكلمات ,وهذا من العوامل التي أنجحت الأغنية بغض النظر عن روح أم كلثوم التي تطير في فضاء المعاني والكلمات ثم تغطس في بحار اللحن والنغم لتصطاد قلوب السميعة والعاشقين بشباك صوتها .
الأغنية مستعمل فيها أغلب المقامات العربية الدارجة وهذا يعتبر حصاد سنوات من عظمة السنباطي .
فقد أختار السنباطي مقام الهزام أو راحة الأرواح ليكون أساس الأغنية , فالبداية والوسط والنهاية مرتكزة على هذا المقام . (تحليل اللحن سيكون حسب المقامات الطبيعية وليست الحقيقية).
يبدأ لحن المقدمة وهو لحن غير عادي لأنه حر غير مقيد بإيقاع فيبدأ السنباطي بمقام الراست على الري ويمكن الإعتبار بأنه مقام فرحناك (يبدأ على سي) إذا أردنا ربطه مباشرة مع راحة الأرواح الذي يليه (يبدأ على سي).
ثم ينتقل إلى مقام أوج ويستعمل فيه جنس النهوند على الري في القسم الذي يكون مع إيقاع .
بعدها يعود يصعد مجددا بصورة تدريجية في راحة الأرواح مع فرقة الكمان , ثم يأتي صولو قانون في مقامات راحة الأرواح ثم البياتي الدوغاه ثم ينتقل إلى مقام البياتي الشوري لينهي في مقام العراق المقدمة ويتم التسليم للغناء .
مقدمة طويلة , مركبة وصعبة التحليل لإحتوائها على شبكة مقامات متماسكة تظهر دهاء السنباطي وعبقريته في التلحين ومزج المقامات .

تبدأ أم كلثوم من :"يا فؤادي" على مقام راحة الأرواح بعد إنتهاء المقدمة على مقام العراق .
في جملة :" وبريق يظمأ الساري له " يتم تغيير بسيط بالإنتقال إلى مقام أوج مرة أخرى ثم العودة لراحة الأرواح في جملة :"أين في عينيك ذياك البريق ".

مقدمة موسيقية للفقرة التالية , صعود لأوج مقام الكرد على الري ثم الهبوط على مقام الصبا ,
وهذه من الفقرات المحببة لأنها تلامس الروح بشجنها وحزنها والغناء :"يا حبيبا زرت يوما أيكه …" حتى والثواني جمرات".
يتم الأنتقال من الصبا إلى النواأثر في المقدمة ثم إلى النهوند على الري ويسلم للغناء :"أعطني حريتي أطلق يدي" على النهوند .
في جملة :"ما إحتفاظي بعهود.." ينتقل المقام من نهوند على الري إلى راست على الري .
يليه لحن في مقام السوزناك , ينتهي مرة أخرى على مقام الراست وتبدأ الست الغناء في جملة :" أين من عيني حبيب " …تذهب للسوزناك في جملة :" عبق السحر كأنفاس الربا " .

مقدمة موسيقية على القانون من مقام الشهناز ثم الكرد بعدها غناء :" أين مني مجلس أنت به ؟ "
ثم تنتقل في جملة ومن الشوق رسول بيننا إلى مقام اليكاه (الراست على الصول) حتى تبدأ بالمقطع الذي يلهب الجمهور :" هل رأى الحب سكارى مثلنا ؟" وهذا المقطع على مقام راحة الأرواح الذي هو أساس الأغنية , وهو قريب إلى القلب لجمال اللحن والإيقاع ولأن أم كلثوم تظهر بصورة واضحة عضلات صوتها وقوته الخيالية , في جملة :" ومشينا في طريق مظلم " تنتقل للحجاز على الري تعود لراحة الأرواح " قبلنا" ..ثم تنزل للبيات على الري في :"وضحكنا ضحك طفلين معا وعدونا فسبقنا ظلنا " .
في الإعادة الثانية لهذا المقطع يكون اختلاف في أدائه بحيث الشطر الأول متشابه لكن عند إعادة كلمة :"سكارى" تقولها في بطأ وعلى مقام البيات وليس راحة الأرواح .

هدوء ثم مقدمة موسيقية هادئة بدون إيقاع كالأدليب على مقام فرحفزا (نهوند الصول) :"وانتبهنا بعدما زال الرحيق "…
تأتي جملة :" يقظة طاحت بأحلام الكرى " ليرتكز اللحن على مقام الحجاز .
"واذا النور نذير طالع …" على البيات لتكمل على هذا المقام المقطع المؤثر :" أيها الساهر تغفو .." .
"جد بالتذكار جرح " عودة لراحة الأرواح , ثم مقدمة موسيقية من هذا المقام لمقطع النهاية ,
تبدأ أم كلثوم "يا حبيبي كل شيء بقضاء" على راحة الأرواح لجملة "ربما تجمعنا أقدارنا" على راست الري ثم تعود لراحة الأرواح وتنهي القفلة "فإن الحظ شاء " القفلة الرهيبة التي دام القتال عليها بين السنباطي وام كلثوم ما يقارب 3 سنوات وأقنعها بعدها بأن القفلة يجب أن تكون عالية وليست منخفضة كما هي أرادتها وهذا أدى لإنجاح الأغنية .

أرجو أن تستمتعوا بهذا التحليل المختصر بشدة , لأن الأطلال قد يكتب عليها كتاب كامل وليس صفحتان .
تقبلوا الأخطاء إذا وجدت وصححوها رجاء .