عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 13/09/2006, 19h19
adham006
Guest
رقم العضوية:
 
المشاركات: n/a
افتراضي مشاركة: الأندلس تغني على أنغام زرياب :وجهة نظر أخري

إسحاق الموصلي وزرياب
طالعت (العربي) العدد (550) سبتمبر 2004 مقال (ماذا بقي من تراث الأغنية الأندلسية?) حيث ذكر الكاتب في ص142 ( زرياب عبد حديث العتق, أسود البشرة, تجرّأ بعفوية على اختراق مملكة إسحاق الموصلي بفضل إمكاناته الفنية الخارقة, وأصبح حديث الناس وعلى كل لسان إلى حد نجاحه في الوصول إلى بلاط الخليفة وفتنه بموهبته الاستثنائية, فأثار قلق وحسد إسحاق الموصلي, حيث شعر بمخاطر وجود زرياب في القصر على مكانته لدى الخليفة الذي أظهر إعجابًا كبيرًا به, وخصوصًا أنه اشتهر بذوق جمالي رفيع, وبحسّ موسيقي رهيف, ويقال إن إسحاق صارح زرياب بقلقه وتخوّفه من استمرار وجوده بقصر الخليفة الإسلامي هارون الرشيد, وبلغ به الأمر أن هدده بالموت إذا لم يغادره, ويبتعد كليّة عن العراق). ولنا هنا وقفة, فالحقيقة أن في تاريخ الغناء العربي أكذوبة شائنة عجيبة التصقت بأكبر أقطابه - إسحاق الموصلي - المغني والملحن الأعظم الذي رسخ بعلمه وعمله قواعد التلحين والغناء, وكان الملحنون والمغنون بإزائه - أقل من التراب - على حد تعبير واحد من أكبرهم في زمانه, وهذه الأكذوبة تدخل في جملة الأساطير التاريخية, وأوّل مَن رواها المؤرخ - المقري - في كتابه الشهير (نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب) نقلاً عن كتب أندلسية غير موثوقة لم تصلنا, حيث يذكر المقري أنه نقّاها من خط من يثق به. هذا الفنان العظيم - إسحاق الموصلي - لحقته تلك الأكذوبة أو التهمة الباطلة, فظل بعض مؤرخي الأدب والغناء يردّدونها بعد رحيله عن الدنيا بزمان طويل, وانتقلت من كتاب إلى كتاب حتى صارت كأنها من الحقائق, ووجدناها حتى في الكتب التي صدرت في العصر الحديث, والتي تؤرخ للغناء العربي في عصوره المختلفة, والأكذوبة مفادها أن زرياب الملحن المغني الذي اشتهر في الأندلس خلال الثلث الأول من القرن الثالث الهجري, إنما هاجر من بغداد إلى المغرب, ثم إلى الأندلس في أواخر القرن الثاني الهجري خوفًا من بطش إسحاق الموصلي, وتآمره عليه وتهديده له بالقتل إن لم يغادر بغداد ويسافر إلى أقصى مكان في الأرض يرزق فيه. والقصة أن إسحاق كان تعهّد بالتعليم والتثقيف في الغناء والتلحين غلاما للخليفة المهدي اسمه - زرياب - حتى برع الغلام وصار من أمهر الملحنين وأضرب الضاربين بالعود, فضلاً عن جمال صوته وقدمه إلى الخليفة الرشيد, فبهرته عبقرية المغني الملحن الضارب, فقال لإسحاق معاتبًا: كيف سمعت منه هذه الروائع كلها ولم تخبرنا? وصرفهما الرشيد, فلما صارا خارج القصر, أمسك إسحاق بخناقه وقال له مغيظًا محنقًا إنهما لا يجمعهما مكان, فلما استعطفه زرياب لم يلتفت إليه, ورفع عقيرته مهدّدًا بالويل والثبور. فخشي زرياب أن يغتاله إسحاق, فرحل عن بغداد, هكذا تصور هذه القصة المنحولة, الفنان الشاعر الأديب العالم المتفقه في الدين المشهور بالعفة والاستقامة وكمال المروءة كأنه أحد عتاة الشطار وقطّاع الطرق في بغداد!! وهو - كما وصفه الخليفة المأمون - أكثر دينًا وعلمًا وعفافًا ومروءة من بعض كبار القضاة والعلماء, وقال له إنه لولا اشتهاره بالغناء لأسند إليه القضاء في دولته لشدّة تمسّكه بالعدل, وكان يدخل مجلس الخلافة مع الفقهاء قبل أن يدخله مع المغنين والملحنين, والمتتبع لأحداث القصة يجدها تناقض نفسها بتواريخها وغرابتها.
إن كتب التراث والأغاني منها لا تذكر أن - زرياب - قد تعلم شيئًا من فحول رواة الغناء القديم منذ كان طفلاً في عهد المهدي أو صبيًا صغيرًا أو شابًا إلى أن هاجر إلى المغرب, ثم إلى الأندلس. أما (العقد الفريد) وغيره من كتب الأندلسيين, فضلاً عن كتب المشرقيين, فلا تعتد بهذه القصة ولا تذكر أن عود - زرياب - كان يختلف عن عيدان بغداد لا في أوتاره الحرير, ولا في أوتار المصران, فالثابت عند الثقات أن أول من أدخل التعديل والتحسين على العيدان هو - زلزل - ضارب العود الأشهر. فانقرض العود الفارسي الذي كان يستعمله المغنون, ولم يبق في أيديهم إلا عود زلزل بأوتاره الأربعة, ويقال إن زرياب أدخل وترًا خامسًا على العود بعد استقراره في الأندلس, أي بعد رحيله عن بغداد بثلاثين عامًا تقريبًا, ولا دليل على أنه فعل ذلك إلاّ قول الرواة. وإن كان معروفًا أن الوتر الخامس دخل على عيدان الأندلس قبل دخوله على عيدان المشرق. مع أن الثابت تاريخيًا أن إسحاق الموصلي تحدث عن هذا الوتر غير مرة حديثًا نظريًا, ولم يكن يحتاج إليه الغناء العربي في ذلك الزمان.
صلاح عبدالستار
طنطا - مصر
رد مع اقتباس