عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 07/08/2008, 01h10
charafantah8 charafantah8 غير متصل  
ضيف سماعي
رقم العضوية:152743
 
تاريخ التسجيل: janvier 2008
الجنسية: جزائرية
الإقامة: الجزائر
المشاركات: 7
افتراضي الغيوان ... قراءة في تجربة فنية من الهامش ( بحث لنيل الاجازة) 2

بحث الاجازة...الجزء الثاني

5 3 - عمر السيد :

ازداد في الدار البيضاء سنة 1947 وفي سنة 1963 شارك مع جمعية المسرح -رواد الخشبة - ليلتحق سنة 1967 بالجوق الجهوي بالدار البيضاء وفي سنة 1968 عمل كممثل محترف بالمسرح البلدي وبالتلفزة المغربية، عمر ينحدر من أسرة فقيرة من أب عامل بسيط وأم بدوية، يعترف عمر أنه كان كسولا في كل المواد ماعدا الكيمياء فهو لم يستمر طويلا في الدراسة حيث ثم طرده لشغبه ولكونه كان لصا كذلك. بعد ذلك عمل حمالا في ميناء الدار البيضاء، ثم عمل في معمل "الليمون" لينتقل بعدها إلى مدرسة العهد الجديد كمدرس مكان أخيه محمد الذي غادر المدرسة وهنا مارس السيد الموسيقى والمسرح مع تلامذته .

بعد أن شب عود عمر السيد أسس رفقة أصدقائه مجموعة ناس الغيوان وكان عمر رئيس الفرقة بعد ذلك وهو امر ليس من السهل لأي كان أن يقوم به خصوصا وأن الفرقة تتكون من فنانين مجانين -جنون الفن- فهو كمن يروض السباع، مارس السيد إلى جانب الغناء المسرح والتمثيل السينمائي والتلفزيوني واعد وصلات إشهارية كما أشرف على إعداد ديوان يضم معظم أغاني ناس الغيوان وهو ديوان وثق كتابيا لا غان شفهية، كما أن أصالة وعتاقة بعض كلمات المعجم الغيواني التي لم تكن تخلوا من غرابة في السياقات اللغوية المغايرة للعصر الجديد لم تكن تسمح دائما لجميع المستمعين بادراك وفهم القصائد الغيوانية على الوجه الصحيح[1]. وترديد ألفاظ بعض الأغاني بشكل صحيح، فهذا الديوان من شأنه فك اللبس وإزالة الإشكال عن معظم الكلمات.

-5 4 - علال يعلى :

ولد علال سنة 1941 بالبيضاء وفي سنة 1957 عمل كعازف موسيقي مع بعض الأجواق البيضاوية. يعني احترف الموسيقى وسنه لا يتجاوز 16 سنة. في سنة 1960 لحن عدة مقاطع كانت تتخلل مسرحيات بعض فرق الهواة، ليلتحق بالمسرح البلدي سنة 1967 كموسيقي حيث ثم اتصاله هناك مع باقي أفراد المجموعة (عمر، العربي، بوجميع). يعترف عمر السيد بقوله "… فلما جاء علال إلى الفرقة نظمنا موسيقيا، هذا هو الواقع فاغلبنا لم يكن يعرف المبادئ الأولى للموسيقى حيث كنا نغني اليوم الأغنية في شكل لكنها تأخذ في اليوم الآخر شكلا آخر ومع مجيئه بدأ عملنا يأخذ شكله المنتظم[2].

علال رجل تأثر بالموسيقى مند صغر سنه يقول عنه رفيقه العربي باطما "… توجهت أنا وبوجمعة إلى دكان الأخ "يعلى علال" العازف على العود و"البانجو" والكمان والقانون والغيطة ولوتار والإيقاع، فهو وحده يعد جوقا يمشي على رجليه، وكان ولايزال يدرس الموسيقى في ذلك الدكان"[3].

ويعترف أصدقاؤه أنه عصامي، غريب الأطوار وصعب المزاج يركن إلى الصمت أكثر مما يتكلم. من ميزات علال الموسيقية أنه يلعب الإيقاع بالبانجو وهو ما يتيح له إمكانية إعادة الفرقة برمتها إلى الإيقاع إذا ما انزاحت عنه. "و(علال) سريع الحفظ وله قدرة خارقة على حفظ الموسيقى والألحان حيث أنه من الممكن أن يسمع مقطعا مرة واحدة ثم يعزفه ولا ينساه حتى وإن مر على ذلك زمن طويل …"[4]

ويشكل هؤلاء -بوجميع، باطما، عمر السيد وعلال- في نظر الكثيرين أعضاء ناس الغيوان لكن الحقيقة لا يمكن أن تحجبها الشمس أو كما يقول الغيوانيون أنفسهم : وشعاع الشمس ما تخزنو لسوار. فهناك أناس مروا من المجموعة كان لهم فضل كبير وكبير جدا في إشهارها واعلاء مكانتها، بل أعطوا كل ما في وسعهم من أجلها فمنهم من غادرها طواعية أو لسبب ما ليؤسس مجموعة أخرى كمحمود السعدي ومولاي عبد العزيز الطاهري فهم من مؤسسي فرقة "جيل جيلالة" ثم هناك رضوان ريفق الذي قضى مع المجموعة أيام قلائل بعد أن غادرها عبد الرحمان قيروش الملقب ب "باكو" أو "باكا" هذا الأخير الذي انفصل عن المجموعة أو انفصلت عنه المجموعة

-5 5 - عبد الرحمان باكو :

كان عضوا في مجموعة جيل جيلالة ثم انتقل بعدها إلى مجموعة ناس الغيوان بعد أن غادر الطاهري والسعدي ناس الغيوان نحو جيل جيلالة. قضى باكو مع ناس الغيوان قرابة 20 سنة كانت كلها عطاء وصبر ومثابرة …، فنان ينحدر من مدينة الصويرة فهو المتورع في عوالم كناوة عازف على آلة "السنتير" أو"الهجهوج" هذه الآلة التي شكلت حضورا قويا لدى المجموعة، وفي مجموعة من الأغاني، باكو لعب قبل ذلك مع فرق موسيقية عالمية كفرقة "ليفينك تياتر" "LEVING THEATRE" كما عزف في فرقة المغني الشهير "جيمي هاندريكس" كعازف على "الباس". لقد وظف أغاني عديدة على الطريقة الكناوية والإيقاع الكناوي : غير خدوني، النادي أنا، زاد الهم، الصدمة، واش جرى ليك … وأغاني أخرى اشتهرت بها ناس الغيوان لكنه غادر هذه الأخيرة وثم تعويضه أولا برضوان ريفق ثم حميد باطما لكن قيمة باكو الفنية لا يمكن تعويضها خصوصا وأن الرجل أصبح بعد وفاة بوجميع من الركائز الأساسية داخل المجموعة وتختلف الأقاويل حول أسباب هذا الانشقاق فعمر السيد يعزي التخلي عن عبد الرحمان باكو إلى كون هذا الأخير رفض أن "يخدم على باطما" ولم يراع ظروفه الصحية … أما باكو فيفند هذا القول ويؤكد أنه بعد مرض العربي باطما طلب من الفرقة أن تقف وقفة تأمل من جهة لانتظار إلى أين ستصل حالة العربي الصحية وعلى أثرها يتم تحديد مستقبل المجموعة يقول باكو "كان علينا أن نتوقف بعض الوقت والا نتمادى في المشاركة في السهرات وقد اقترحت أن نسجل شريطا جديدا بعد أن نتصل بالعربي ويمدنا بالنصوص اللازمة لذلك، فالرجل كان على فراش الموت لم يكن أي رجل فهو دينامو الغيوان وعليه يجب أن نتريث قبل أن نقدم على فعل أي شيء فهذه الغيوان ستفقد أهم أعمدتها -ماشي اللعب- لكن الإخوان رفضوا اقتراحي وفوجئت بالمجموعة تستمر من دوني ومن دون باطما"[5].

إن الملاحظ أنه لم تكن هناك خلافات في الرؤى الفنية لكنها مجرد خلافات قد تحصل بين أعضاء مجتمعين حول مشروع معين، إما لأسباب مادية أو غيرها لنستنتج أن المشكل أكبر من كل هذا الكلام فهو كامن في نفسية أحدهما: باكو أو المجموعة وبين طرح عمر السيد وتفنيد با

يبقى الجمهور أول الضحايا الذي لم يستفد من هذا الطرف أو ذاك وهو يرى بأم عينيه تجربة رائدة تخبو…

وصدق الشاعر قديما حين قال :

وظلم دوي القربى أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهند

لأن القناتين التلفزيونيتن الأولى والثانية بين الفينة والأخرى تديع سهرات للمجموعة وتتخللها أحيانا حوارات ومناقشات بين أفراد المجموعة ثم أناس مهتمين باحثين في الظاهرة الغيوانية إضافة إلى برامج وثائقية خاصة عن المجموعة لكن خلال هذه الأحاديث والبرامج فكثيرا ما يتحاشى البعض الإشارة إلى أولئك الذين ساهموا في تأسيس المجموعة كما أنهم لم يقوموا بشيء لناس الغيوان وللأغنية الشعبية عموما.

وهو أمر مؤسف ويحز في النفس كثيرا فإغفال الحديث ولو بإشارة بسيطة عن باكو أحد الأهرامات التي أعطت الكثير للمجموعة وأفنت زهرة شبابها في البحث والتنقيب لصالح المجموعة، لا يخدم بأية حال مصداقية هذه الحوارات والبرامج، وقد يساهم في طمس بعض الحقائق من تاريخ هذه المجموعة .

1 - بيبليوغرافيا غيوانية :

سنحاول في هذه البيبليوغرافيا الإحاطة بكل "الريبرتوار" الغيواني أو ذلك الرصيد الغنائي الذي وقعته مجموعة ناس الغيوان منذ تأسيسها إلى اليوم .

الصينية - قطتي الصغيرة - جودي برضاك - الماضي فات - حدية - هولوني - واش حنا هما حنا - الحصادة - سبحان الله - يا صاح - يوم ملقاك - ماهموني - فين غادي بيا - الله يا مولانا - يا بني الإنسان - مزين مديحك - غير خدوني - حن واشفق - الشمس الطالعة - أنادي أنا - تاغنجة - نرجاك أنا - القسم - الرغاية - صبرا وشاتيلا - مهمومة - لهمامي - زاد الهم - مكواني - ضايعين - السيف البتار - لبطانة - الجمرة - المعنى - الصدمة - السلامة - رد بالك - آها فين - ندم - باسمك - احنا أولاد العالم - يا جمال - الأمة - لماذا يا كرامة - لسقام - الانتفاضة - السمطة - ناضمي - أنا ماعييت - اش جرى ليك - السايل - دلال - علي وخلي - يا من جانا - خضرة - الدم السايل - غادي فحالي - لهموم حرفتي - ف رحاب معاليك - ما يدوم حال - قالت - تعالى - علام القبيلة - دكة - هاجت الأحزان - علولة - الضر الواعر - شوفو لعجب - ما نكدانا - حوض النعناع - ناس المعنى - لمعيزة - سامحوني - خليني - حنين الروح - لكفيفة - نرجاوك على الدوام - شاب راسي - مردومة …

2 - بناء الأغنية الغيوانية :

على مستوى الإيقاع لا يختلف الإيقاع الذي وظفته ناس الغيوان في أغانيها عن الإيقاع السائد في التراث الشفوي والشعبي المغربي، إنه إيقاع معتاد يمتح قيمته الفنية من أصوله فهو يعتمد على البحر السريع والبسيط وأبعادهما فهذان الايقاعان متواثران في التراث الشعبي، فطبيعي أن تكون ناس الغيوان بعودتها إلى الأصول والجدور أن تعود إلى هذه الإيقاعات بكل حمولاتها، فأعادت الارتباط بها من خلال هذا التراث وهذا الايقاع بعيدا عن التنميط التعسفي للدوق والايقاع .

أما في بعض الأغاني وخاصة الصوفية منها، استفادت ناس الغيوان من إيقاع الحضرة ذلك الايقاع الذي يفضي إلى الحال أو الحضرة إن صح التعبير فهو حال منفصل عن طقوسه الأصلية يقع خارج الزاوية وفوق خشبة المسرح وتنتقل مضامينه من الصوفية إلى السياسة والنقد الاجتماعي…

وهذا التأرجح بين الرصيد الشعبي والحداثة أدى إلى تراكم المعني وكثافة الدلالة كما أنتج تركيبات إيقاعية ولحنية غير معهودة بواسطة آلات غريبة عن بعضها في المعتاد فنجد الكنبري الكناوي (الهجهوج / السنتير) يجاور الهزاز الحمدوشي وطبيلة عيساوة وبندير الأطلس ثم البانجو ذو الصوت المعدني المقلق والحاد[6].

2- 1 - الآلات الإيقاعية :

لا تقوم أية مجموعة غنائية ولا يستقيم غناؤها وفنها بالأساس ما لم توظف آلات موسيقية تضبط من خلالها الإيقاع وتسايره وهكذا كانت الغيوان، فبعد أن تكاملت عناصر المجموعة وقفت أمام اختيار الآلات "وكان علينا نحن في ذلك الوقت اختيار آلات شعبية مغربية"[7] .

لقد حارت المجموعة في أمرها كثيرا في مسألة اختيار الآلات فهو أمر صعب ومعقد جدا إنه سيف ذو حدين إما أن تجد نفسك على السكة وتكون على الطريق الصحيح وإما أن تجانب الصواب فتنتج الرذئ والرذاءة، لكن في النهاية انصب الاهتمام والاختيار على الآلات المغربية، فثم اختيار "الطبل"و"والهزاز"و"والبندير" إلى جانب آلات أخرى "فكرنا في أقرب آلة بغض النظر عن موطنها الأصلي، تقرب أصواتنا وعالمنا الغنائي"[8] .

وهكذا استعملت المجموعة "السنتير" الذي ينتمي إلى إفريقيا وكذلك "البوزق"، لقد أعطت ناس الغيوان قيمة لهاته الآلات التي كانت مغمورة "فهي آلات تخص البيوت وحفلات النساء كالحضارات فيما يتعلق بالطبلة أو في أغاني الملحون … أو السنتير - الذي يعد آلة كناوية - آلة يحملها الكناوي ويطوف بها في الأزقة مادا يده طالبا ريالا أو خبزا وكذلك "الهزاز" كنا لا نراه إلا فوق كتف شحات أو هداوي يطوف في الشوارع ويردد أغانيه … مادا يده للمارة … أما البندير فلقد كان من أحقر الآلات المغربية لأنه كان من ضمن آلات الشيخات كالطعريجة … وما أدراك بنظرة الجمهور للشيخات في ذلك الوقت"[9]، فهذه الآلات كان الجمهور ينظر إليها نظرة مغايرة فهي آلات مغمورة وليست كالكمان والعود … أي الآلات العصرية كما كانت تسمى في ذلك الزمن.

إن الجديد الذي برز مع ناس الغيوان ناهيك عن الموضوعات التي تطرقت إليها أعادت الاعتبار لهذه الآلات وأعادت توظيفها حتى صارت مهيمنة منذ ذلك الزمن فما أن تظهر مجموعة غنائية على نهج ناس الغيوان إلا ومعها هذه الآلات.

2-2 - الأداء : الغناء .

المجموعة ظهرت مكونة من أشخاص قليلون لا يتعدون الخمسة كإطار سهل القيادة وأكثر نجاعة من الفرقة الكبرى المتسمة بإنتفاء الحركية والحيوية وبعد أن كانت الفرقة لدى الاتجاه الأول الذي كان سائدا أو المسمى بالجوق تتكون من مجموعة كبيرة تردد اللازمة وشيخ وسطهم يردد تلك الأغاني التقليدية النمطية المتسمة بالسكون والتي عادة ما تدور حول الحب والشوق والحنين… أصبحت المجموعة تتكون من أشخاص يتناوبون على الغناء والاداء … فهم يوزعون فيما بينهم الأغنية حتى تصير كشكولا تتداخل فيها أصوات مختلفة بآهات قادمة من تخوم البوادي، فإذا كانت الأجواق تجلس على الخشبة مرددة تلك الأمداح وشكاوي الحب والحنين صارت الآن الأغنية مع ناس الغيوان بشكل جديد قوامه الزي أو شكل اللباس حيث صار للمجموعة زي موحد وبسيط من الأزياء المغربية التقليدية ثم الوقوف على الخشبة وهذا الأخير هو ما يضيف إلى الأغاني حركية ونضال مستمرين … كذلك الاعتماد على نصوص التراث بشتى صنوفه وبطريقة لا تبتعد عن اليومي والمعتاد، ولا تنساق في الآن نفسه مع اليومي اللغوي المهترئ المتآكل ومع الأشكال التعبيرية السابقة[10]، فكانت الكلمات العتيقة المستوحاة من التراث متنا ومسرحا لكل الأغاني فكانت "الصينية"، "الدوار"، "الكندرة"، "التليس"، "المهماز"، "النخلة"، "الخلخال"، "الكمية"، "الخيل"، "الكافلة"، "النوار" … عناصر الهوية المحلية التي غدتها نزعة الاستعادة والتذكر والحنين[11].

فإلى جانب الاشتغال على التراث وظفت المجموعة حكما وأمثالا شعبية أدت في غالب الأحيان وظيفة المثال والاستشهاد قصد الاعتبار والتدبر فمثلا في أغنية "لبطانة" :

حدبة في ظهر الجمل ولهاتـه تلهيــه[12]

3 - الموروث الشعبي في أغاني ناس الغيوان :

استثمرت ناس الغيوان الثرات الشفوي الشعبي واستفادت منه بشكل جيد في معظم أغانيها كما استفادت من اللغة اليومية المتداولة التي شكلت بها صورا منتزعة من واقع الجماهير … أما على مستوى الموسيقى الشعبية فهناك اهتمام غيواني بالمنابع اللحنية القريبة إلى روح الشعب ثم اهتمام بالتراث الشعبي بمختلف شعبه، إنها محاولة لتجديد الارتباط بالجدور ثم تجدير هذه الجدور. ففي وقت كان هذا التراث الشعبي مهمشا وفضاءات ممارسته محدودة كالبيوت والمناسبات العائلية (والحلاقي) … خرج مع ناس الغيوان إلى الخشبة وأصبح له جمهور واسع تعدى محيطه الذي نما فيه. فهذه العودة إلى التراث هي عودة إلى المنابع الأصلية وهكذا تماهت ناس الغيوان مع مآثر الشعب بشكل جديد وإيقاع جديد قوامه التحرر من التنميط التعسفي للدوق والتعددية الفنية .

وتبرز بشكل جلي في الأغنية الغيوانية هذه المآثر حيث نجد : العيطة، الملحون، إيقاع كناوة، أنغام الجنوب (الصحراء)، عبيدات الرمى، اللحن الشرقي …

وسنقدم هنا محاولة - مقاربة - لتبويب بعض الأغاني وفق مرجعياتها الشعبية التراثية :

العيطـة الملحـون

- الحصادة - الصينية - الشمس الطالعة - - الله يا مولانا - لهمامي - مزين

فين غادي بيا - جودي برضاك - الرغاية - مديحك - هولوني - حن واشفق -

غادي ف حالي - علام القبيلة - ندم - سبحان الله ..

السيف البتار - لسقام - أنا ما عييت - لمعيزة ..

إيقاع كناوة أنغام الجنوب (الصحراء)

- زاد الهم - الصدمة - اش جرى ليك أنادي أنا - ضايعين - حدية

- أولاد العالم - غير خدوني - لبطانة - "موال" - غير خدوني..

مهمومة ..

إيقاع عبيدات الرمى عيساوة (الحضرة) لحن الأغنية المشرقية

- دكة .. - السلامة.. - لماذا يا كرامة .. [13]

لقد أعادت ناس الغيوان مساءلة التراث قصد إنتاج نصوص وأغاني جديدة تتعلق بالمجتمع والقضايا المجمعية. اجتماعية، سياسية … ثم صياغة نصوص ملتزمة تتعدى الإطار المحلي. وهكذا انتجت المجموعة عدة أغاني في موضوعات مختلفة وبإيقاعات مختلفة. حيث تستمد الألحان من الملحون وقصائده (مثلا قصائد الشخصيات المعروفة في هذا المجال كسيدي قدور العلمي، سيدي عبد الرحمان المجدوب، الغرابلي، ومن الرصيد الشعبي للبادية ومن الغناء الكناوي والعيساوي والجلالي والحمدوشي وتقاليد العيطة وعبيدات الرمى وانغام الصحراء.. فهذه الألحان هي الأقرب إلى النفوس وبذلك هي السهلة إلى النفاد إلى دواخل الأفراد من جهة، ومن جهة أخرى مدى قدرتها وجاهزيتها لتحمل موضوعات في قضايا متعددة والتوظيف في مناحي مختلفة .

4 - الأغاني الصوفية (الدينية) :

لا تخلوا الأغنية الغيوانية من نفحات دينية / صوفية، مستحضرة بذلك قدرة الخالق وعضمته ومتضرعين إليه وراجين شفاعته وعطفه .

سبحان الحي الباقــي سبحانك يا اله جود أعلي

بك عمرت السواقـي ونحلتي في نواورك مرعيـة

ولا تجعلني شاقــي حرمة ودخيل ليك بالصوفية[14]

وبعد هذا الاستحضار والتضرع تحفل الأغنية بمساحة واسعة لخير خلق الله مستحضرين مقامه العالي وراغبين في زيارة قبره وزيارة كافة البقاع المقدسة الأخرى وطامعين في شفاعته يوم القيامة.

النبي يا جيرانــــي لو صبت الزاد من غدا نمشي له

نشاهد نور عيانـــي ونطوف بالكعبة نزورها ونلبي

يا زوار النبــــي لله ديوني نزور معاكــم[15]

وفي أغنية "ف رحاب معاليك" التي لا تختلف كثيرا عن أغنية "الله يا مولانا" في موضوعها :

بغيث نمشي دابـا نشوف مقامه سيدي

ونسلم يا بـابـا على المحراب ونـراه

بين الصفا والمروة نمشي ونجي يا سيدي

في اجبل عرفــة تما غرضي نلكاه[16]

في هذه المقاطع تعداد لمجموعة من البقاع المقدسة التي يطمح المرء إلى زيارتها والتبرك ببركاتها، الصفا والمروة، جبل عرفة، مقام النبي(ص)..

وتحفل أغاني أخرى بمقدمات دينية شأنها في ذلك شأن مجموعة من الأنواع الفلكلورية الشعبية التي تفتتح إيقاعاتها بمقدمات دينية وذلك اعتبارا لدورها أنها تفسح المجال للمبدع وتعطيه إمكانيات واسعة للتعبير وتجعله يدخل إلى صلب الموضوع دون مشقة أو عناء.

مفتاح الكلام الصلاة على نبينا

المصطفى يا خاتم الرســول

طه يا خاتم الرســــول

بعد الصلاة على نبينــــا

كون عويني ف ما نكـول[17]

5 - الأغاني القومية :

5-1 - فلسطين

كغيرها من المجموعات عملت ناس الغيوان بكل ما أوتيت على توظيف القضية الفلسطينية في أغانيها محاولة بذلك إبراز أن الفنان هو الآخر يحاول من جانبه لفت الانتباه إلى قضايا الأمة، لهذا غنت ناس الغيوان أغاني لأجل فلسطين ومن أجل فلسطين موظفة بذلك كل الأحداث التي مرت منها هذه البقعة من الأرض منذ النكبة مرورا بمجزرة "صبرا وشاتيلا" إلى الانتفاضة..

نبدأ بأغنية "القسم" فهي حافلة منذ بدايتها إلى نهايتها بمناشدة صريحة إلى دعم فلسطين ومساندة أهاليها. فهي بقعة عربية إسلامية لا يجوز نسيانها.

عتقوها أمي فلسطين لا تدوزوها دركوها جنة الخلد لا تفوتوها

حبوها كيف لحياة كاملة جعلوها

يـا حيفـا يـا يـافـا طول الغربة وطول العدوان[18]

وبعد أحداث المجزرة الشنيعة التي شنتها إسرائيل واتت على الأخضر واليابس حيث شردت الكثير وقتلت العديد جاءت أغنية "صبرا وشاتيلا" اسم على مسمى، عنوانا للأغنية ومسرحا للمدبحة التي رغم الدمار والخراب الذي خلفته وعدد القتلى والمشردين لم يحرك احذ ساكنا وينطق بكلمة حق على ما آل إليه الوضع، فما بالك بأن يندد أحد أو يشجب هذه الكارثة، بل صمت الجميع وكأنهم أمام منظر عادي لا يستحق الكلام .

الدنيا سكتـــات لعداء دارت ما بغـات

الدنيا سكتـــات صهيون دارت ما بغات

ف صبرا وشاتيــلا المجزرة لكبيــــرة

أطفال تدبحــات شيوخ وعيـــالات

السوايع وقفــات لرواح تحصـــرات

ف صبرا وشاتيــلا كثرات لقتيلـــة[19]



وبواسطة الانتفاضة الباسلة أرغمت المقاومة العدو على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، وبالفعل جلس الطرفان لمرات عديدة منذ النكبة إلى الآن … ولكن كان الفشل مآل معظمها لأنه ليس كل من يجلس إلى طاولة المفاوضات بالضرورة داعية إلى السلام، كما أنه ليس كل من يحمل بندقية إرهابي … وبين هذا وذاك واصلت إسرائيل تعنتها وجبروتها مما دفع بالفلسطينين إلى الخروج في انتفاضة عارمة سنة 1988 ضمت كل شرائح المجتمع وسخرت لأجلها كل الإمكانيات كما تفاعل معها المسلمين من المحيط إلى الخليج، بل من المحيط إلى المحيط. ناهيك عن تعاطف العالم مع الفلسطينين في مسيرات مؤيدة لهم، ومنددة في الآن نفسه بطغيان وجبروت الآلة الإسرائيلية… ناس الغيوان بدورهم تألموا لهذا المنظر المضني لأنهم في نهاية المطاف يغنون ما يسحون به أو كما يقول عمر السيد في حوار مع شبكة Islam on line. Net الإليكترونية إن مجموعة ناس الغيوان انغمست في آلام المجتمع[20]. لهذا أهذت المجموعة أغنية إلى الانتفاضة وإلى أبناء الانتفاضة ويتجسد هدف ومبتغى الغيوان من الشطر الأول من الأغنية "الانتفاضة"

دومـي دومـي يانتفاضة دومي[21]

وقف الجميع بما فيهم ناس الغيوان إلى جانب الانتفاضة وأرادوا لها الدوام والاستمرار بكل ما تملك رجال: أطفال، نساء، أحجار، جماد، شعر، أغان … فهذه الوسائل كلها في خدمة الانتفاضة وهدفها استنهاض الهمم .

دومي يا انتفاضة دومي

بحجارك دومي

بصغارك دومي

ضد جيوش الاحتلال

الشهادة بالله غيرك ما يكون منظومي

فليلي ويومي

سمايا وغيومي

حجرة وطفل بهم هجومي


ضد الاستعمار …

ضد جيوش الاحتلال

طيري وقومي

ضد أصحاب الفيل

------------------------------------------------------------------------------------------

بحث الاجازة.. الجزء الثالث

5-2 - إفريقيا :

تمتد جدور المغرب بعيدا في إفريقيا باعتبار الجغرافيا والتاريخ المشترك في كثير من المجالات، ومعلوم أن تاريخ إفريقيا تاريخ صراعات وتطاحنات بكل تنوعاتها، صراعات على السلطة وصراعات على الثروات … حتى أضحت إفريقيا مطمحا لكل القوى الغربية، فأفلحت هذه الأخيرة في استعمارها ونهب خيراتها وكسرت أجنحة كل من ينادي بجلاء المستعمر وإرجاع الخيرات لأهاليها فقتلت بعظهم وسجنت البعض الآخر وطرف ثالث عذب. ناهيك عن العديد ممن طردوا وثم نفيهم خارج بلدانهم … هذا الواقع المرير حال أغنية "الدم السايل" التي تعتبر بحق وثيقة مهمة تصف ذلك الجرح العاري الذي لم يندمل بعد .

يا الدم السايل

يا الورد الذابل

يا أم البلدان … يا إفريقيا

واش هاد الحالة

نارك شعالة

يا شمس الأمل … يا إفريقيا



فيك الغرب ينهب

في خيرك يحطب

في أولادك يرهب

ب الجوع ولحزان … ياإفريقيا

الجوع ولحزان

ليام تنادي … يا إفريقيا

لمرض والعذاب

في عيون الصبيان … يا إفريقيا [1]

ومهما يكن من أمر فإن أي أرض مستعمرة لابد وأن ترجع لأهلها الأصليين ومالكيها القدامى. وهكذا عادت البلدان الإفريقية إلى أهاليها لتنهض بعد ذلك مشكلة الصراعات على السلطة حيث طفت على السطح تطاحنات ومواجهات عنيفة خلفت قتلى ومشردين ودمارا في البنيان، وإذا كانت هذه الأزمات يكون فيها الإنسان المصدر الأساس في افتعالها فإن هناك أزمات أخرى ناتجة عن غضب الطبيعة …

6 - الأغاني الوطنية :

الفن في خدمة الوطن، هكذا استشعرت ناس الغيوان الأمر. أنه حب الوطن حب متجدر في الأعماق لا يقدر بثمن ولا يمكن وصفه بأي حال من الأحوال، إنه حب بلاد أحبها أهلها فأحبتهم ومنحنهم الأمن والسلام ناهيك عن خيراتها … وهذا ما جعلهم يتوحدون للدفاع عن هيبتها وكرامتها زد على ذلك صد كل الأعداء والطامعين في النيل منها.

خضرة يا بلادي

حبك في لعماق … ماليه توصاف

يا جنة الله في أرضه



حده ف قده يا بلادي

وما يقضي كيد الطامعين ولو يجهدو

في كيدهم ينكدو يا بلادي

يا نجمة في سمايات العالم

حبك يا بـــلادي في لعماق راه طايف

وعليك أنــــادي يا مولات الخــالة

أولادك تنــــادي بحبك يا عز لوطان

السايح اللي يجي عادي عادي وما يعادي[2]

كل إنسان كيفما كان لا يرضى بديلا عن وطنه، بل يريده ملاذا آمنا مستقرا، وفي هذا الصدد سعت الغيوان إلى لفت الأنظار إلى بعض التغور المغربية التي لازالت محتلة وتعد اليوم من أقدم الأراضي المحتلة في العالم ويتعلق الامر بمدينتي سبتة ومليلية المدينتين اللتين تصفهما المجموعة بالمدن المسجونة اللتين طالت غربتهما كما طالت غربة بعض المدن الفلسطينية كحيفا ويافا.

يا سبتة ومليلية المدن المسجونـة يا حيفاء ويافا طول الغربة وطول العدوان[3]

7 - أغاني من الشجن والأسى :

من مخلفات المرض الخبيث الذي ألم بالمرحوم العربي باطما هو تلك النفسية المتدهورة لهذا الأخير حيث ظل ينتظر أجله المحتوم في كل لحظة وحين "أنا لم يبق لي الحق من الأمل" عبرات تكررت مرات عديدة في سيرته الذاتية الرحيل. فكان كل يوم يمر يعتبره العربي ربحا لوجوده وزيادة يوم من حياته. إن المرض وانتظار الموت والنفسية المتدهورة موضوعات تبلورت بأشكال متعددة في مجموعة من الأغاني التي أنتجتها المجموعة في هذه الفترة .

مكواني مكوانــي ما نضحك أنا بحال الناس

مكواني مكوانــي ما نضحك أنا مع الناس[4]

ففي أغنية "لهموم حرفتي" التي منها هاذين البيتين تبدو معالم المرض والحزن واضحة وهو مرض يصفه باطما بأن الطب عجز عن السيطرة عليه حتى أنه سلب منه تلك المهجة والابتسامة المعهودة منه وتركه وحيدا يصارع قدره بعيدا عن أعين الناس لكن رغم كل هذا العذاب لم يستطع المرض أن يثني العربي عن كتابة الأشعار وكل ما يخطر بباله:

لا طبيب داوا علتـــي كيف نساعف هاد البـــــاس

ولات الهموم حرفتـــي وتقادى جهدي يا النـــــاس

كيف اعمالي وحيلتــي مع السالب مهجتي زاد عليا نــار

هو يمحي ف لوحتـــي وأنا نتمنى ف راحة نكتب الاشعار[5]

لكن في النهاية يتضرع الفنان إلى الله طالبا منه الشفاء فهو القادر على معافاة عباده :

يا من بلاني بحركتي اطفي هاذ النار[6]

أما أغنية "غادي ف حالي" فهي تصور نفسية أكثر حزنا واسى نفسية متدهورة جدا مليئة بالأحزان والآلام حتى صار العيش في ظلها نكد ومر، فالعنوان "غادي ف حالي" فهو ذهاب إلى الموت ليس إلا، لأنها على الأقل استراحة أو كما يسميها العربي قتل المرض وإعلان نهايته .

نكول كلامــي وغاذي ف حالي

ف هاد الزمــان كلشي غضبـان

المرض ولحــزون وأنا مخــزون

ودموعي تنــزل جارية ويـدان

الصبر ف صدري جنوي مدفـون

الليل بنهـــار عيشة لـمرار[7]

8 - أغاني الهم والانساني :

الجمرة، باسمك، السيف البتار، السايل، أش جرى ليك، هولوني، قالت، يا بني الإنسان، مهمومة … أغاني عديدة وعديدة تصور بشكل فني هموم الإنسان. لأن الفن لم ينفصل أبدا عن إعادة إنتاج وصياغة الأحزان والأزمات الذاتية وتصويرها في قالب فني غنائي، وهذه الهموم لا تخص فردا أو جماعة بعينها وإنما هي إسقاطات على دواث جماعية إكتوت بنار هذه الأحزان، وناس الغيوان حاولت تجسيد هذه الهموم من خلال الفساد الإداري، الهجرة السرية، المفارقات الإجتماعية، التزوير، الفقر، الغربة والمتغربين، الهجرة … فعبر هذه المضامين استجابت المجموعة لرغبة وافق انتظار أوسع القطاعات التي سئمت أكوام الكلام الملحن المنمق حول الحب والهجر والهيام … والمتناولة غالبا برؤية تبسيطية وسادجة … لهذا عمدت المجموعة بذكاء إلى إلتقاط مختلف الهموم والقضايا الإنسانية والاجتماعية وطرحها برؤية إنسانية متقدمة وبواسطة كلام من صلب المجتمع وإيقاع من إنتاج هذا المجتمع، هذه الهموم وصلت أحيانا حد الاحتجاج والصراخ (قضايا الفقر، الظلم، التفاوتات الطبقية …) وهكذا عبرت أغاني هذه المجموعة بقوة وسهولة إلى أذهان وعقول آلاف بل ملايين المستمعين … حيث صارت آلاف الشفاه تدندن بأغان تعتبر اليوم وبكل امتياز تحفا غنائية حقيقية في الذاكرة الشعبية[8].

ويمكن أحيانا بسهولة رصد هذه الهموم في الأغنية الشعبية كما يمكن رصد التفاوتات الطبقية وكل المضامين الأخرى داخل الأغنية على عكس ذلك هناك مضامين تحتاج إلى إعادة النظر مرات ومرات عديدة إذاك يمكن الوصول إلى المعنى المبتغى وأحيانا لا يمكن أو يصعب الوصول إلى أي معنى .

8-1 - التفاوتات الطبقية :

عبر ثنائية الغني / الفقير تضعنا ناس الغيوان أمام صورة درامية تشخص واقع الغني / الفقير واقع يتجسد من خلال المفارقة الواضحة بين المسكن والمشرب، بين رجل يقطن العمارات ورجل متشرد بين الأكواخ، بين رجل يقطن "القيلا" وآخر لا مأوى له سوى "نوالة" يتستر فيها إلى أجل غير مسمى، أما الأكل فحدث ولا حرج ...

فعبر هذه الثنائية الغني / الفقير تتجسد هذه المفارقات والتناقضات وتعتبر أغنية "لكفيفة" واحدة من الأغاني التي جسدت هذه الطبقية والبون الشاسع بين أساليب العيش في مجتمع واحد، مجتمع يزداد فيه الغني عنا والفقير فقرا، ولا مجال فيه ليرتفق الغني بالفقير ويتقوى الفقير بالغني :

شي بالشوا فطوره وعشاه شي يصول بسيفه واممضاه

شي لكفيفية غالبـــاه الأرض فراشه والسما غطاه

عايم ف الغيس من كدامه لكفاه [9]

إن هذا المقطع يضعنا أمام عملة ذات وجهان : وجهها الأول الغني ونوعية طعامه ومأكله في تحد صارح لكل من يريد أن يتحداه، أما الوجه الثاني فهو يتضمن الفقير الذي لا يستطيع سد حاجياته الخاصة والضرورية من مأكل ومشرب أما السكن فليس له سوى الأرض فراشا والسماء غطاءا، في احالة إلى الفقر المدقع ونفس المعنى تحمله الصورة الأخيرة من المقطع "الغيس" فهي دليل على كثرة الهموم والمشاكل والأحزان ولا طاقة لهذا الفقير على حلها ومواجهتها.

وتأتي في نفس الإطار (الغني / الفقي) أغنية "علي وخلي" وهذه المرة بصورة أكثر مرارة تجسد حال الغني الذي يعتمد على أساليب خارج القانون من أجل الحصول على المال ثم الظلم الذي يمارسه على الفقير وسلب كل حقوقه :

تبني وتعلـــي وتمشي وتخلــي

غقلك مدنــي يا خايب الحالـة

تبني الحيطــان تشرب الكيسـان

تسكن ف الفيلا وغيرك ف نوالـة

تحكر الفقيــر وتكول التغييــر

وأنت شفيفيــر ما تسواش نعالـة

تزور لــوراق وتشهد بالنفــاق

تسـيء الآداب وتتكلم بجهالــة

أصلك بخيــل وشانك نعيـــل

عيشك قليــل يا عصيد النخالة[10]

وتأتي في نهاية الأغنية حكمة وعبرة تستلهم روحها من وقائع التاريخ الإنساني ومآل البشرية هدفها .

مالك اوا مالــك أش طرى وجرى لك

ضنيتي راسك خالد وانت للزوالـــة

ما دامت لعــاد ولا ورثها شــداد

آخرها لقبـــر وحر السوالــة[11]

وتصور ناس الغيوان الأغنياء بأسماء وصفات قوامها البخل والشح والطغيان والفساد، ففي أغنية "السمطة" يغدو الغني أحد الوحوش الضارية حيث أنيابه ممدودة لقضم كل من يأتي أمامه كما يعمد إلى نزع حقوق الآخرين، فالأغنية تعترف ضمنيا بوفرة الخيرات والثروات لكنها في أيدي جماعة من الوحوش تستغلها لوحدها مبعدة كل واحد ليس في مستواها المادي ومستواها المركزي، واستعمال الأنياب هنا له دلالة مهمة فهي كناية عن القتل والإعدام فكل من سولت له نفسه التفكير فقط في هذه الثروات والخيرات مآله الموت :

العمارات عاليــة لكواخ مردوميـن

لمسابح دافقـــة لفدادن محروقيـن

أرضي عاطيـــة كنوزها مفتوحيـن

لوحوش الضاريـة أنيابها ممدوديــن

شمسي ضاويــة لبيوت مغموقيــن

بحوري عامــرة وحنا جيعانيـــن

الدنيا غادية يا هلي ب حال المسكين[12]

إذن التفاوتات تتجلى بتمظهرات عديدة في الحياة لكنها تلازم الإنسان حتى بعد الموت، وهو في طريقه إلى مثواه الأخير ليوارى الثرى، فالغني ما أن يعلم الجميع بوفاته حتى يهرع الكل إلى بيته، فقهاء يقرءون عند رأسه وناس آخرون يهللون قرب جثته وآخرون أيضا يحصون أعماله في الدنيا وحشد هام يتبع جنازته بتكبير وتهليل، فقط لأنه غني شغل الدنيا بماله. أما المسكين إن بقي حيا أو توفي فهما سيان لا يذهب في جنازته إلا أهله ودويه فقط لأنه لا يملك في دنياه شيئا. هكذا تأتي إذن أغنية "السيف البتار" :



مات الغني يا حبابــي طلبة وعوام تابعـــاه

شي يقرا عند راســه شي شاد السبحة حـداه

تبعوا لكنازة يهللـــو وريح الوارث شــاداه

لاغاو لقسام بالجملــة كلها يلغي ب لغــاه

خلى الديور والـدواور خلي ليشاشرة معــاه

كان بايت ف التجـارة وظن الموت ناسيـــاه

كلها يكول حبيبــي وريح النفاق سابقــاه

راس ماله غير حرقة … حفرة … وشبر ما سواه

مات المسكين يا حبابـي حتى واحد ما مشى معاه

قرا طالب عند راســه بزر عليه ما قـــراه

خلى الميمة عميـــا على خياله حاضيــاه

كان مفرش لحصيــرة واليوم هي غطـــاه

لاغى الهموم بالجملــة والغني ساكن حـداه[13]



لتنتهي الأغنية مرة أخرى بحكمة هي أن الموت عدل، وهي تساوي بين الغني والفقير فهما سواسية في القبر لا تمايز إلا بالعمل الصالح :

خويا وظلام لقبـر مع لميسر ساواه[14]

ويمكن استجماع كل التمظهرات السالفة الذكر في الترسيمة التالية :

العمارات الكــوخ
القيــلا النـوالـة
الشــوا اكل بسيط
المــال الفقـــر
الغني الفقير
جنازة كبيرة جنازة صغيرة

فقهـــاء فقيه واحـد

عامة الناس أهله ودو

8-2 - الرشوة والفساد :

تفشت ظواهر عديدة في الإدارة المغربية بعد الاستقلال واستفحلت كثيرا في السنوات الأخيرة لتنتج عنه ظهور جمعيات ومنظمات لمحاربة هذه المظاهر الدنيئة ولعل أهمها الرشوة والفساد الإداري، فناس الغيوان قبل ظهور هذه الجمعيات كجمعية ترانسبارنسي مثلا أول من ندد بالرشوة فعبر اغان عديدة حوت في معضمها إشارات عن هذه الآفة .

ففي أغنية "باسمك" عبارات صريحة عن الرشوة والفساد :

تخلطات لشياه بلا نظام والذيب رعاها كثرات لهموم يا المولى والعين بكـات

الهم سيطر عل ليام وجاب خلاهــا الرشوة ولفساد ف الدنيا جات المحنات

الشر والتزوير … لحرام والقتل باهـا عمات لقلوب يا المولى مشات الحياة[15]

ناس الغيوان في حديثها عن الرشوة والفساد والتزوير لم تتكلم فقط عن الموظفين الصغار الذين يقومون بهذه الأعمال بل تجاوزتهم إلى الحكام ودوي النفود وصناع القرارات فهم أيضا لهم نصيبهم من هذه الأعمال حيث جاء في أغنية "سبحان الله" :

جور الحكام زادنا تعب وقسـوة لا راحة ولعباد ف نكد وتعسيــف

والحاكم كايصول كايقبض الرشوة والشاهد كايدير ف الشهادة تحريف[16]

ما أن خرج الاستعمار من المغرب حتى استولت طبقة / نخبة على المناصب والثروات والخيرات وهمشت أبطال المقامة وجيش التحرير وعملت على اعتقال وقتل كل من يطالب بالتغيير وكل من يطالب بحقه. وقامت بكل ما في وسعها على إفساد الإدارة ونهب الخيرات فجاءت أغنية "المعنى" حاملة لهذا التنديد :

طبقة رسات راسها فوك الطبقـات حطت وفرخت جرادها تما بقات[17]

وارتباطا دائما بالفساد تحمل أغنية "الجمرة" مسؤولية الفساد إلى الطبقة الحاكمة :

عم الفساد يا لعباد الناس خوتنا فضحونـا

ب لجمر الوكـاد وسط صدورنا وشمونا[18]

يمكن القول أن الرشوة والفساد والتزوير مواضيع تجلت بكثرة وفي مواقع مختلفة في الأغاني الغيوانية ويمكننا ختم هذا الباب بمقطع من أغنية "دلال" هذا المقطع يحمل إشارة واضحة إلى تلك الطبقة التي رست فوق الطبقات فقامت بالنهب والسلب والقتل وأقامت مشاريع لصالحها على حساب الضعفاء والمستضعفين :

كترتوا رشاوي ايا قوم الطغيان بنيتو الخاوي ف زمان الغفلـة
رد مع اقتباس