عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 12/09/2011, 14h16
الصورة الرمزية starziko
starziko starziko غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:510608
 
تاريخ التسجيل: avril 2010
الجنسية: مغربية
الإقامة: المغرب
المشاركات: 129
افتراضي رد: المكونات البنائية للموسيقى الأندلسية

هذه النوبات ـ ولا أريد أن أطيل بذكر معلومات تفصيلية عنها ـ كل منها تؤدى على طبوع معينة، وهي خمسة طبوع: البطايحي، القائم ونصف، القدام، البسيط، ثم الدرج.

نتيجة انتقال الموسيقى الأندلسية إلى المغرب الكبير، تظهر ثلاث مدارس متميزة، كانت هناك المدرسة الإشبيلية التي ازدهرت في ليبيا وفي تونس والتي سيتجلى من خلالها المالوف، ث المدرسة الغرناطية التي ستزدهر في الجزائر، ثم المدرسة التي عرفت في المغرب الأقصى وهي المدرسة البلنسية التي ازدهرت فيه إلى جانب المدرسة الغرناطية.

عند الحديث عن هذه المدارس وما نقلت من نوبات وطبوع، تثار ملاحظة مهمة وهي أن المغاربة لم يقتصروا على ما وصلهم من الأندلس، ولكنهم أضافوا إليه نوبة وميزانا، أما النوبة التي أضافوا فهي الاستهلال، مع أننا نجد الكلام عن الاستهلال في كتب تاريخ الموسيقى وفي كتب التراث الموسيقي، كان بهذا الإسم وكان موجودا في القرون الأولى بالأندلس، قبل أ تتشكل النوبة، ويقع الحديث عن الاستهلال مع ابن باجة ـ بصفة خاصة ـ ومع ذلك يقال إن المغاربة في العصر السعدي هم الذين أضافوا نوبة الاستهلال، ويقال إن الذي أضاف هذه النوبة هو علال البطلة. أما الميزان الذي أضافه المغاربة، فهو ميزان الدرج. ويؤكد مغربية هذا الميزان وجود ظاهرة تتعلق بالبراول وهي عبارة عن مقطوعات ملحونة باللهجة العامية المغربية، ليست من الزجل الأندلسي ولا من الموشح ولا من القصيدة الفصيحة المعربة، البراول تكاد تكون كلها قطعا من الملحون والذي يثير الانتباه أن أغلب ما ينشد في الدرج ويقال فيه، هو من البراول.

بقي أن أشير وأنا أتحدث عن النوبات وميازينها إلى أن الموسيقى في أعلى مظهرها هي موسيقى "الخمسة والخمسين": يقال مثلا أن السلطان قد نصر وضربت عليه موسيقى "الخمسة والخمسين"، وهذا معناه الموسيقى الكاملة أي إحدى عشرة نوبة مضروبة في خمسة ميازين، وهذه هي موسيقى "الخمسة والخمسين".

المغاربة حين انتقلت إليهم هذه النوبات ضاعت منهم بحكم الشفوية والارتجال مع مرور السنين وتتابع التداول، ضاعت بعض الميازين، وبعض الصنائع، وبعض الطبوع…إلخ.ومن ثم أخذوا يفكرون في شئ مهم ، وهو تدوين هذه الموسيقى، فاهتدوا إلى تدوين نصوصها الشعرية التي هي المكون الشعري (الهيكل ). وهنا يذكر الحايك التطواني الذي جمع "كناش الحايك"منذ قرنين، جع النوبات التي كانت معروفة في عهده، من خلال نصوصها الشعرية موزعة على هاته الميازين التي تؤدى عليها.

بطبيعة الحال، تعرض "كناش الحايك" لبعض التطوير، كما فعل المختار الجامعي إذ وضع تعديلا في الكناش، وهناك كنانيش متعددة، لكن بعضها مختصر وبعضها فيه تعديل. ويبقى "كناش الحايك" التطواني هو الأساس والمرجع.وقد طبع مترجما إلى اللغة العبرية، واهتم به الإسبان وغيرهم ، كما كانت هناك محاولات كثيرة لطبع كتاب الحايك، منها محاولة امبيركو الذي كان يطبع كل نوبة في سفر، ثم كانت محاولة ازويتن، والمحاولة التي قام بها عبد اللطيف بلمنصور،وآخرون. ونظرا لأهمية الكتاب فإن أكاديمية المملكة المغربية منكبة على طبعه وعلى إخراجه إخراجا علميا، وتم تكليف الأستاذ مالك بنونة، من قبل الأكاديمية، للقيام بهذا العمل تحت إشرافي أي بتحقيق الكناش بعد أن تجمعت لديها نسخ مخطوطة كثيرة.

ثم إن هناك ملاحظة أخرى، وهي أن "كناش الحايك" بهذه النصوص التي كانت في أصلها نابعة من مجالس الغناء، يضم أشعارا متصلة بالنسيب وبالغزل وبمجالس الخمر وما إلى ذلك، والسؤال الذي يطرح هو: لماذا ليست هناك موضوعات أخرى؟ إن الأنماط الموسيقية الأخرى التي عرفها المغرب مثل الملحون الذي يتضمن كثيرا من هذه الموضوعات هو نفسه سار في أدائه على ميازين النوبات الأندلسية، الأمداح النبوية، هي أيضا سارت على ذلك، بل إن بعض رجال المديح النبوي قلبوا نصوص الحايك، وكل ما هو في الغزل وفي الخمر وما إلى ذلك، وحولوها بأن وضعوا أشعارا في المديح النبوي، وهذا ما كان معروفا حتى عند الشعراء الوشاحين، لأن التوشيح ـ حين بدأ ـ بدأ بالغزل وبالخمر ولكن بعد ذلك دخل إلى مجال التصوف، وبدأ الشعراء يضعون موشحات في الغرض الصوفي، وأحيانا تكون على نمط موشحة أخرى في الغزل، ويسمون هذه الموشحة "المُكَفِّرْ"كأنهم حين يضعون موشحة يكفرون بها ما كان من قبل، ولهذا توجد لدينا كنانيش من نوع "المكفر"، ولعل أول كناش في هذا المجال هو الذي جمعه محمد أحضري المراكشي وكان معاصرا للحايك أو هو يعد كذلك وكناشه للأسف غير منتشر وغير معروف وكله في المديح النبوي ومقسم حسب النوبات والطبوع المعروفة.


رد مع اقتباس