[نور عسكر]

أنس القلوب
جارية مغنية الأمير المنصور بن أبي عامر ، المشهور بلقب الحاجب المنصور
(838م – 1002م) ، وكان المنصور غيوراً عليها فقد غنت في مجلسه :
قدم الليلُ عند سير النهارِ
وبدا البدرُ مثل نصفِ السوارِ
فكأن النهار صفحة خدَّ
وكأن الظلام خط عذارِ
نظري قد جنى عليّ ذنوباً
كيف مما جنته عيني اعتذاري
وقد اعجب بغنائها الوزير الكاتب ابو المغيرة بن حزم وكان حاضراً
وقد مال إليها وقال :
كيف كيف الوصولُ للأقمارِ
بين سُمر القنا وبيضِ الشفارِ
لو علمنا بأن حبكِ حق
لطلبنا الحياة منكِ بثارِ
فثار المنصور بن ابي عامر غيرة وبادر الى حسامه واغلظ في كلامه
وقال لجاريته أنس القلوب ، قولي واصدقي إلى من تشيرين بهذا
الشوق والحنين !؟ فقالت :
إن كان الكذب أنجى ياسيدي ، فالصدق أحرى وأولى .. والله
ماكانت إلا نظرةً ولّدت في القلب فكرة ، فتكلم الحبُ عن لساني،
وبرح الشوق بكتماني ، والعفو مضمون لديك عند المقدرة ، والصفح
معلوم منك عند المقدرة .. ثم بكت فكأن دمعها در تناثر من عقد
او طل تساقط من ورد .. وأنشدت :
أذنبتُ ذنباً عظيماً … فكيف منه إعتذاري
والله قدَّر هذا … ولم يكن باخــــــــتياري
والعفو أحسن شيءٍ … يكون عند اقتدارِ
فلما سمع المنصور ادائها ، صرف وجه الغضب عنها الى الوزير إبن حزم
فقال الوزير : أيدك الله تعالى إنما كانت هفوةٌ جرهَّا الفكر وصبوةٌ ايدها
النظر .. وليس للمرء إلا ما ماقدر له ، لاما اختاره وامله .
فأطرق المنصور قليلاً ثم عفا عن الوزير ، ووهبه المغنية أنس القلوب .
* من كتاب : نفح الطيب ، للمقري (احمد بن محمد التلمساني)