عرض مشاركة واحدة
  #22  
قديم 22/04/2008, 11h31
الصورة الرمزية Karim Samaali
Karim Samaali Karim Samaali غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:487
 
تاريخ التسجيل: février 2006
الجنسية: تونسية
الإقامة: كند
العمر: 54
المشاركات: 143
افتراضي «حبيبـــــة مسيكـــــة» بين الواقع والأسطورة (1)

بقلم الموسيقار: د. محمد القرفي

لا تزال حياة هذه المغنية اليهودية (1896 ـ 1930) محاطة بهالة من التفخيم والتمجيد حتى أن وزارة الثقافة التونسية دعّمت عام 1995 انتاج شريط سينمائي عن حياتها من اخراج سلمى بكار جعل منها بطلة أسطورية ومناضلة وطنية كان لها مواقف ضد الاستعمار الفرنسي؟!
شغلت حبيبة مسيكة المجتمع التونسي في العشرينات وكانت حديث الرجال والنساء وربما الاطفال أيضا. الرجال كانوا يعشقونها لأنها تمثل مقاييس الجمال الانثوي في ذلك العصر: البياض والاكتناز والغنج، والكرم الجنسي.
النساء كُنّ يهبنها وربما يغرن منها لأنها صائدة الرجال ومُفلسة الاغنياء دون رحمة. ويقول فيها الشاعر محمود بورقيبة «ومن أسرار تفوّقها ما كان يتجلى في ملامحها من اللطف الذي هو غريزي فيها وما كان يبدو في نفسها من مظاهر الاحسان وآيات البساطة الفاتنة».
وقد أدركنا في أواخر الستينات بعض عشاقها وهم في سن الشيخوخة وقصّوا علينا مغامراتها الغرامية التي كانت تنتهي دوما بمئات من الفرنكات (!!) وهو مبلغ خيالي في ذلك العصر. وآخر هؤلاء كان المرحوم الحاج أ.ط. ـ أحد عسكر الليل ـ الذي جالسناه بمقهى «الديوان» في نهج القصبة العتيق حيث كان يتلذذ برواية علاقته الحميمة مع «حبيبة الكل» ويتحسّر على زوال تلك الايام السعيدة. وكان يقول عنها «إنها كانت تختار عشّاقها من الوجهاء والأغنياء دون تمييز عرقي أو ديني الشيء الذي أغاظ أحد أبناء دينها فقضى عليها حرقا وهي في عز الشباب والعطاء».
ولدت مارغريت سنة 1896 في حارة اليهود بالعاصمة من أبوين فقيرين وتلقت نزرا قليلا من التعليم في المدرسة الاسرائيلية بحارة (الحفصية) ثم انصرفت الى بعض الاشغال في دكان أبيها مثل بقية أتراب جاليتها. وما إن برزت مفاتنها وبدأت ملامح الجمال تبدو على جسدها حتى صار الشبان والكهول يراودونها فقرر أبوها تزويجها لكن الصبية رفضت باصرار لأنها اختارت بعدُ طريق الفن وقررت أن تسير فيه حتى النهاية.
واستغلت خالتها المطربة المتقاعدة ليلى سفاز ـ التي كانت تمسك محلا للطرب الرخيص ـ جمال قريبتها وشغفها بالغناء والرقص لترمي بها في حانات نهج سيدي مردوم تغني للزبائن السكارى وتلبي رغباتهم. كما كان لخالها عازف الكمان الشهير «خيّلو» سهم في تشجيعها على الغناء واشراكها في الحفلات التي كان يقيمها في بيوت الاعيان وحصص رقي المصابات بالكبت الجنوني.
وسط الفراغ الثقافي والفكري الذي ميّز الثلث الأول من القرن العشرين وقلة النساء المغنيات ـ وخاصة الجميلات منهن ـ وشيوع الاغاني الرقيعة والمثيرة للعواطف مثل (يشوي دمّك يا محلاك / على سرير النوم دلّعني)، ذاع صيت الجميلة الشابة وتخاطفها وجهاء المسلمين واليهود وأعيانهم لاحياء أفراحهم وخاصة الحفلات الرجالية التي كانت تقام في فناء البيوت (وسط الدار). ولم تكد تبلغ سن العشرين حتى صار لها صيت في دنيا الرقص والغناء وأصبحت تتحكم في قلوب المولعين بحياة الليل والفرجة.
وكان من الطبيعي ان تبالغ الجرائد والمجلات القديمة في الثناء عليها لأنها كانت لؤلؤة نادرة الجمال مقارنة بزميلاتها. ويكفي أن نلقي نظرة على صور مطربات النصف الأول من هذا القرن حتى نتبين أنها كانت أجملهن وأسخاهن تعرية على الاطلاق، زيادة على ممارستها للرقص الشرقي بثبات تكشف عن مفاتنها لمجتمع مكبوت يبيع فيه الرجل طربوشه من أجل نظرة أنثى. فلا غرابة إذن أن نرى أحد الصحفيين المعاصرين لمجدها يؤبنها بهذا الاطراء الذي يقارب الغزل: «لقد مضت حبيبة بلا رجوع وإننا لن نسمع بعد اليوم صوتها الرنان العذب الذي طالما أدهشنا واستولى على مشاعرنا وقد غمضت الى الأبد جفونها الفاترة وعيونها الساحرة التي كانت تأوي شيئا من الروح الشرقية النزاعة الى الخيال والتفكير».
وقد صوّر الزجّال الشعبي عبد الرحمان الكافي في ملزومة «جولييت» مدى تأثير هذه المغنية على كبار القوم الذين استحوذت على عقولهم ومالهم، وكشف صورتها الحقيقية الداكنة المخفية وراء شهرتها البرّاقة:
بيكُم غفلة ** مليون راجل تعشقوا في طفلة
إذا سمعتوا باسمها في حفلة ** تمشو وترموا المال في مسكوكة
عملتوا صايا ** لوحدة **** مالهاش غاية
إلا كيف تبقوا ميزرين عرايا ** ورقابكم لأهل الربا مملوكة
وتجاري مجلة العالم الادبي الزجال فيما ذهب اليه من نعوت: «كانت فنيّة دقيقة، وكانت غويّة تُشبع أنصاف المتهتكين غيّا يُنسيهم أنفسهم... فكانت لا تمنع عواطفهم وآمالهم الالتهاب والهيام ولكنها لم تكن لها شراهة بل كانت تُبدي معاكسة في أكثر الأحيان حتى الى الذين لا يبخلون عليها بأموالهم الطائلة وثروتهم ينفقونها عليها حليّا وغيرها».

التعديل الأخير تم بواسطة : سيجمون بتاريخ 07/11/2009 الساعة 17h34 السبب: تم حذف كلمة غير أخلاقية في المقال - مخالفة لشروط المنتدى
رد مع اقتباس