عرض مشاركة واحدة
  #21  
قديم 07/08/2008, 00h42
الصورة الرمزية tarab
tarab tarab غير متصل  
عيسى متري
رقم العضوية:2256
 
تاريخ التسجيل: juin 2006
الجنسية: فلسطيني مع جنسيه مكسيكيه
الإقامة: المكسيك
العمر: 67
المشاركات: 4,180
افتراضي رد: توثيق حفلات أم كلثوم من عشرينيات حتى سبعينيات القرن العشرين

مسرح "الأنجا" تحتفظ بذكرى حفلة "الآنسة أم كلثوم" عام 1931
هنا يرقد مسرح تاريخي قديم عمره أكثر من قرن من الزمن"، قال سليمان لأصدقائه وهو يشير الى مبنى من طبقتين الأولى يشغلها موقف سيارات لنقل الركاب والثانية شبه مدمرة. ويضيف سليمان تأكيدا لكلامه: "أنظروا الى الحديد والمقصورة التي تظهر من خلال نوافذ المبنى".
أشلاء الصف الأمامي الأول والمقصورة العليا هما الشاهدان الوحيدان على مسرح كان قبل زمن في هذا المكان شبه المدمر، حيث نبت العشب والشجر. إنه مسرح "الأنجا" أو "الباروكة" الذي بناه حسن الأنجا أواخر القرن التاسع عشر. الوصول الى المسرح اليوم يتطلب رحلة طويلة محفوفة بالمخاطر.
مفاجآت!
ويقول مسؤول موقف السيارات في طابق المبنى الأرضي: "لا درج هنا يوصل الى الطابق العلوي" ردا على سؤال عن وسيلة الصعود الى المسرح، وينفي وجود أية طريقة للصعود. إلا أن إصرار الشبان أبى إلا أن يصعدوا الى المسرح. وبعد تفكير قرروا أن يحاولوا الصعود من المبنى المجاور لرؤية المسرح من مكان مرتفع. وبعد طلب الإذن من شخص يشغل محلاً لبيع المأكولات في المبنى المجاور وهو فندق قديم مهجور وشبه مدمر، يسمح لهم بالصعود، وهو يقول : "إحذروا لأن الدرج غير سليم وربما تسقط أي درجة تحت أقدامكم". وبحذر شديد صعد الشبان وبدأت المفاجآت مع هذا المبنى الأشبه بقصر زينته النقوش مع سقف غاية في الإبداع الهندسي تعلوه في الوسط قبة من زجاج مميز.
يتقدم الشبان باتجاه المبنى الآخر، ولكن لا مجال لرؤية المسرح من هذا المكان لتعذر الصعود على الدرج الى سطحه. وحتى لو وصلوا الى السطح فإنه لن يتحملهم وسيسقط بالتأكيد كما يبدو. وهنا ومع مخاطرة بسيطة حاول الشبان السيرعلى الردم وبقايا الدمار في الحديقة خلف القصر ـ الفندق ليستطيعوا أخيراً النفاذ الى قاعة المسرح من خلال حائط مدمر.
جمهور المكان!
ما زالت هياكل "عظمية" لكراسي الصف الأول قائمة على الرغم من مرور الزمن وتآكل الأعمدة ودمار السقف وبعض الحيطان، إضافة الى أن الصف الخلفي احتلته الحشائش والأشجار التي نمت تحت المقصورة، حيث كانت تحرك وتوضع ربما الإضاءة أو آلة عرض الأفلام. أمام الكراسي فسحة واسعة تليق بأن تكون مكاناً لخشبة المسرح، والى جانبها الأيمن باب صغير يبدو أنه كان باب دخول الممثلين وخروجهم.
وقف الشبان مسحورين بعظمة هذا المكان الذي أبى أن يتخلى عن طابعه الخاص على الرغم من مر الزمن وسني الحرب الطويلة. وما زال المكان يحافظ على شكله العام على الرغم مما أصابه. المسرح الذي يحمل ذاكرة الفن في مدينة منذ أكثر من قرن يشهد اليوم أسوأ حالاته. هو الذي استقبل الفرق المسرحية العربية والغربية في النصف الأول من القرن الماضي، يقبع في عزلة مميتة وغياب تام مع غياب رواده.
..مرة واحدة فقط
يحاول الشبان استرجاع التاريخ وتخيل كيف كانت الأمور تسير في هذا المسرح. يبدأون بالتنقيب في أنحائه عن كل ما يدل على تاريخه. واذ بأحدهم يصرخ وهو يرفع حقيبة جلد متآكلة، وجدها بين الحشائش والردم تحت المقصورة، حيث كانت الأفلام: "أنظروا ماذا وجدت". يفتح الشبان الحقيبة ليجدوا فيها ورقة ما زالت على شكلها، كتب عليها حرفياً:
"بشرى عظيمة لأهالي طرابلس الكرام، حفلة واحدة فقط ليلة واحدة فقط، الثلاثاء 15 أيلول سنة 1931 الساعة 9 مساء،
الحفلة الغنائية الفريدة من مطربة الشرق الوحيدة
الآنسة أم كلثوم
على مسرح وتياترو زهرة الفيحاء بمدينة طرابلس الزاهرة
منكم يريد أن يكون سعيد طروباً متمتعاً بلذة الحياة... طبعاً كلكم تريدون. إذاً عليكم بسماع هذا الصوت السحري الذي يملأ القلوب انشراحاً والنفوس بهجة
تغني على أشهر تخت آلات الطرب محمد القصبجي وابراهيم عريان وكريم حلمي المشهود لهم بالكفاية والمقدرة الفنية
حيوا الفاتنة الآنسة أم كلثوم التي تطربكم بكل جديد مدهش يملك على السامع شعوره نابغة الشرق في الغناء وعروس هذا الفن وكفى بصوت أم كلثوم مطربا وكفى به ساحراً
ونحن بدورنا نشكر أحمد افندي الجاك للمشقّة التي قام بها في السنين الماضية لإحضار الآنسة أم كلثوم الى لبنان وسوريا
ملحوظة: نعلن الى العموم الأهالي الكرام بأن يبادروا بقطع التذاكر من شباك التياترو من الآن حيث شباك التذاكر لا يفتح ليلة إحياء هذه الحفلة فبادروا من الآن لأن الزحام سيكون شديداً فوق العادة
متعهد الحفلة خضر النحاس".
الصمت وعلامات الدهشة تسيطر على الشبان الذين يقفون دقائق من دون أي كلمة. "الآنسة أم كلثوم.. في زهرة الفيحاء.. مرة واحدة فقط..."، يردد أحدهم هذه الكلمات متقطعة ليكسر الصمت والدهشة أمام هذه المفاجأة التي لم تكن لتخطر في بالهم، ولمّا تمضِ بضع ساعات بعد على معرفتهم بوجود هذا المسرح التاريخي في مدينتهم، وإذ بهم يكتشفون أن مدينتهم استقبلت أيضا كوكب الشرق في صباها وأوائل صعود نجمها أي في بداية الثلاثينيّات من القرن الماضي.
الآنسة أم كلثوم في..طرابلس!
يغادر الشبان المكان بحذر شديد، خوفاً من أن يسقطوا في حفرة خفية على الدرب الوعر أو أن ينهار بهم السقف. ينزلون على درج الفندق وهم يحملون أسئلة عديدة لعل أبرزها :"هل صحيح أن الآنسة أم كلثوم غنت في طرابلس؟". ليأتي الجواب من أبو أحمد أحد المعمَّرين فيروي للشباب: "عندما كنت في العاشرة، أتت أم كلثوم الى طرابلس، والمدينة بأكملها تحدثت عن حفلتها التي لا تُنسى". ويردف قائلا: "ويروى أن أم كلثوم بعد انتهاء حفلتها وقعت وهي في طريقها الى سوريا في المنطقة التي تعرف اليوم بالحدود، وأصيبت رجلها برضوض خفيفة".
من جهة أخرى، يؤكد الدكتور عمر عبد السلام تدمري أن "مسرح الباروكة هو نفسه الأنجا أو زهرة الفيحاء"، ويتابع القول رداً على سؤال عن مكان مسرح زهرة الفيحاء وإن كانت السيدة أم كلثوم غنت في طرابلس: "أكيد غنت السيدة أم كلثوم في هذا المسرح، ولا مجال للشك".
ربما أجاب أبو أحمد عن أحد أسئلة الشبان، وأكد الدكتور تدمري زيارة كوكب الشرق. ولكن لولا هذه الوثيقة "الإعلان" لما عرف الشبان بزيارة أم كلثوم لمدينتهم، ولما دغدغت مخيلتهم مجموعة كبيرة من الأسئلة. ولكن يبقى أن باقي الأسئلة ظلت من دون جواب ولعل أهمها: "من المسؤول عن تغييب هذا التاريخ الفني الكبير في عاصمة لبنان الثانية؟". والأهم، هل لحظ ترميم مسرح الأنجا من أموال القرض الدولي الأخير؟ وهل يأتي يوم يتم فيه استكمال نفض الغبار عن تاريخ وتراث مدينة عريقة جفف النسيان أوراق روزنامتها الفنية؟


طرابلس لبنان المستقبل - الاربعاء 2 حزيران 2004 - العدد 1608
الصور المرفقة
نوع الملف: jpg b7-n1.jpg‏ (5.7 كيلوبايت, المشاهدات 129)
نوع الملف: jpg b7-n2.jpg‏ (13.6 كيلوبايت, المشاهدات 665)
نوع الملف: jpg b7-n3.jpg‏ (5.9 كيلوبايت, المشاهدات 85)
نوع الملف: jpg b7-n4.jpg‏ (7.2 كيلوبايت, المشاهدات 67)
نوع الملف: jpg b7-n5.jpg‏ (6.6 كيلوبايت, المشاهدات 74)

التعديل الأخير تم بواسطة : tarab بتاريخ 25/10/2009 الساعة 21h08
رد مع اقتباس