عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 14/03/2014, 13h13
الصورة الرمزية بحري
بحري بحري غير متصل  
طاقم الإشراف
رقم العضوية:31885
 
تاريخ التسجيل: mai 2007
الجنسية: سوري _ حلب
الإقامة: سوريا
العمر: 54
المشاركات: 576
افتراضي رد: عالم مقام الشوق أفزا

وأقول لهؤلاء :
بأنه من البراعة بمكان , أن تنظمَ شعراً , وتَسْبُكَ شعوراً , وتضمّن معانياً و بحريّة تامة , وبما لا تتقيّد مع ربطه بميزان ولا بكثير من الضوابط ..

ولكن الأبرع منه والأنبغ , والأكثر إعجازاً هو أن يأتي آخرُ فينظمَ بمثل ما نظمتَ به وبنفس القوة والتأثير مع رقصه في ذلك ولعبه ضمن قيود ومواثيق , وضوابط وموازين وشروط .....

تقيّد من حركته , وتحد من مساره , وتلاحقه بمثقلاتها ومن كل صوبٍ ومكان .
أيهما أشدُّ إعجازاً وبرأيكم ؟ وأدعى للبلاغة والنباهة والتفرد والإبداع ؟
ألا يدل الأول على نقص وضعف وفي أحد جوانبه , والثاني على القوة والكمال , والتمكن والسيطرة , والبراعة والتفوق الكامل ومن كل الجوانب

والأمر أشبه ما يكون أو هو أقرب , من لاعب يقدم ألعاباً بهلوانية , وفيها ما فيها من الحركات الفنية والعويصة الخطرة ولكن من فوق جدار بسماكة 30 سم وبين آخر يقوم بنفس الحركات وعينها ولكن من فوق حبل رفيع .. هل يستويان مثلاً ؟

هل يستوي الحال بين ملحنين :
الأول قد قام بصناعة بشرف على مقام الحجاز مثلاً وعلى ميزان بسيط كالواحدة الكبرى ذات الأربع أزمنة , 4/4 أو على ميزان ثنائي , ولا ننكر أنه برعَ وأجاد ,ووفق في إظهار تلحينه جيّداً
وبين ملحن ثان قد لحن بشرفاً على مقام الحجاز أيضا ( ولن أقول على مقام الأويج آرا أو الفرحفزا أو الشوق أفزا ..) وعلى ميزان الزنجير 120/4 ؟
وكان لحنه بنفس القوة والتأثير والبراعة , ولكن شتان فيما بينهما من حيث القدرات
فاللحنان جميلان وعذبان , ولكن واحد منهما سار على مشي بسيط ,ورقص في نطاق سهل يقدر عليه الجميع .
والأخر قد وضع لحنه الجميل ذاك , وبنفس قوة وتأثير الأوّل ولكن مع وجود العائق الكبير , والعويص وهو الميزان الإيقاعي الضخم والكبير
إيقاع الزنجير والمكون من 120 علامة سوداء في الدقيقة.
فما بالكم بمن يضيف على ذلك ثقلاً أخر وهو تقيده وتلحينه لمقام يشترك في بنائه وهندسته خمسة أو أربعة مقامات ؟
كمقام السوذدلارا , والدلكش حوران , والفرحفزا ...
هل يستويان مثلاً ؟
وعلى النقيض : ما بالكم بمن يخلط بين المقامات , ويصوغها على إيقاعات مهلهلة ومرتبكة وضعيفة , مع نظم سخيف وتافه , وغناء أقبح وأنكر ثم يسمي كل ذلك
( لحناً وغناء)
عندما يتقن الفنان الموسيقي صناعته , ويبذل الجهد الحقيقي في تعلم المقامات الموسيقية وموازينها الفنية , ويكدّ ويجتهد , وينصب ويتعب في الطلب والتحصيل , والبحث والمدارسة
فستخرج ثمار فنونه من أكمامها , وستصير تلك التي يظنها قيوداً ومواثيق تعيقه وتعرقله ..
هي سجيّة من سجاياه , وطبع من طباعه , ولن يرى أدنى مشقة , ولا أية صعوبة , وحينما يفكّر بأن يضع ويهندس لحنا ما على مقام كالشوق أفزا واليكاه أو المستعار أو الدلكش حوران أو الأوج وهو مربوط وموقع بإيقاع كالشنبر أو المخمس أو الستة عشر أوالبرفشان ...
فكل ذلك لن يعيقه أو يجعل فيما بينه وبين التأليف حاجزاً وبرزخاً
ولكن عُذَيري من أناس قد تَطَفّلوا على صناعة التلحين , فلم يتعلموا من علمه ما ينبغي ويجب عليهم تعلمه , ولكنهم هرعوا ومن فورهم للتلحين والتأليف وهم يجهلون بعض أساسيات هذا العلم الموسيقي فضلاً عن فروعه ووحشيّه , وفنون غرائبه
فكيف لا تكون تلك الشروط والقيود العلمية المقامية حاجزاً وعائقاً , وعبئاً ثقيلاً عليهم.
ولو أنهم تعلموا لهان الأمرعليهم , ولملكوا ناصية كل شيء , ولكنّهم للأسف عادَوْا ما جهلوا به , والإنسان عدوٌ لما يجهل .
ويتوهَّمُ البعضُ أنَّ مجرَّدَ تركيب أصواتٍ موزونة , مرتبطة بأزمنة فاقدة للضغط الإيقاعي , فسيتكون لديه ويتشكل قطعة موسيقية أو لحناً من الألحان
وفاتهم أن كل جسم بلا روح هو مما لا قيمة له , والأغاني التي تسمى بأغاني الألبومات والفيديو كليب قد ملأت الدنيا , شرقاً وغرباً , ضوضاءً وقرقعة , وصعوداً وهبوطاً .
والحقيقة أنها قمة في الإزعاج , وغاية عظمى في السخافة والتفاهة , ومن جميع النواحي وعلى كافة الأصعدة .
فالجمل اللحنية التي فيها , هي مجرد طنطنات ودندنات وهي خاوية من أي معنى أو هدف نبيل أو غاية سامية , ولا تستجلب إلا غوغاء أبناء هذا الزمن , وسابلة الناس وسوقتهم .

والألفاظ والكلمات فيها هي حقيقة مما لا معنى له والغالبية الساحقة منها هي
مكتوبة من أردئ وأشنع اللغة العامية والمحليّة ومما لا يصح ولا يصلح أصلاً للغناء وللتداول التلحيني .
وأما المقامات التي تلحن عليها فمعظمها إن لم أقل كلها لا يلحن إلا على المقامات العاطفية كمقام الكردي والنهاوند .
ويا ليتهم أحسنوا استخدام تلك المقامات , وعملوا عليها بالوجه اللائق والحضاري والراقي , والداعي للفضيلة والأخلاق , والغناء والطرب ...
ولكنهم استخدموها وبأسلوب غرائزي بويهيمي , وبمستعرض نسائيٍّ صبيانيّ
لا يمتّ ُللفضيلة بنسب , ولا يتصل بأيٍ سبب من أسباب الغناء والطرب , والذوق الموسيقي الفطري والعالي , ناهيك عن أنهم يسرقون من بعضهم البعض تلك المازورات اللحنية القصيرة والتي تتشكل منها أغانيهم ويتهمون بعضهم البعض في ذلك , وكأنّ المسروق قد ابتكر واخترع شيئا عظيما وذا أهمية متناهية في الغلو والمكانة والقيم الموسيقية

مما آسف له أن جلّ موسيقيينا قد أهملوا تلك القطع القديمة الجليلة من بشارف وسماعيات ولونغات وتحميلات وما كان من قالب السيرتو
والبستات والموشحات والأدوار .. واشتغلوا بالتافه والحقير من الألحان والغناء .
ففئة من الموسيقيين والملحنين والمغنّين العرب قد أفنوا عمرهم في العزف أو التلحين أو الغناء في دور الملاهي ونوادي الكباريهات ومحلات الخمر والزنا والفسق والفجور وبين جمهرة مبتذلة لا تأتي إلى تلك الأماكن إلا لأغراض باتت معروفة من الجميع , ولا شأن لها بعلم الموسيقي ولا الأصالة
فأيُّ فن سيكون بين أيدي هؤلاء ؟

وفئة أخرى صرفوا معظم أوقاتهم , و أغلب أعمارهم في دول الخليج العربي من أجل العزف أو التلحين خلف بعض المغنين الخليجيين ممن يؤدون ألحاناً وأغان هي بسيطة في مجموعها ولا تعني شيئاً هاماً للموسيقى الشرقية العالمية والمعتبرة . ومع كامل تقديري لموروثهم
وما كل ذلك إلا لجني المال , والركض وراء المعاش والدنيا , وليذهب العلم الموسيقي والفن من بعدها وأهله للجحيم .
وفئة منهم تعلموا شيئاً من أبواب الفن والموسيقى وجهلوا منه الكثير , وصاروا يخوضون ويعيثون , ويفتون ويستفتون, وبما لا علم لهم فيه .. فضلّوا وأضلوا , وصار حالهم أشبه بما قال فيه أبو الطيب المتنبّي :
يا أيها المدّعي في العلم معرفة ..... حفظتَ شيئاً وغابت عنك أشياءُ

مما يحزن ويثير الموجدة , ويصيب النفس بالخنق , أنك ترى ملحنا وموسيقيا كبيرا ً , مما يشار إليه بالبنان , يسعى وراء مطربة خليعة , ماجنة
ليس لها من شؤون الغناء والموسيقى إلا لحم جسدها العاهر , وغرائزها البوهيمية , وبراعتها بالتفنن في عرض جسدها , وإخراج آهاتها , وإظهار فتنها وبشتى صوره , أمام جمهور قَدِمَ من أجل ذلك , ومستعد للمقابل والدفع ومهما كان الثمن , وذلك الموسيقي والمايسترو هو محشور معهم بالطبع , لاهثاً وراء المادة والمال
غايات رخيصة , ومناشد مبتذلة , ومبتغيات وضيعة ...
فيا ليت شعري أي فن سيكون مع هؤلاء , وقد جعلوا من الموسيقى النبيلة جسراً وضيعاً لسفالة غاياتهم ودناءتها
والغريب أن ذلك المايسترو أو الموسيقي الكبير والذي لا يخجل ولا يستحي من أن يظهر مع تلك الفنانة الخليعة , وهو يدرك ما هي عليه من انعدام القدرات ونشاز الصوت ورداءة الأداء ... ولكن كل ذلك لا يهم ما دامت أنها تبيض له في كل يوم بيضة من ذهب .
تجري معه القنوات الفضائية و الإعلانية والتلفزيونية والإذاعية , والصحف والمجلات , الكثير من اللقاءات والمقابلات وتجعل منه رمزاً من رموز الوطن , وصرحاً من صروحه العلمية والفنية والموسيقية .
ألا يدعو ذلك للضحك والسخرية ؟
فئة أخيرة :
ليست من تلك ولا ذاك , غير أنها مقتت الفن الموسيقي التراثي الكلاسيكي العريق , وحاربته بشتى الوسائل , وبدعوى التجديد والتحديث والتطوير , ومواكبة الرقي والازدهار والحضارة , وبعد أن تشربت من معين الموسيقى الغربية الأوربية , وعاشت في ربوعه وبين أحضانه , وانتسبت إليه مع أنها ليست من صلبه ولا من موروثاته .
فجاءت لموسيقاها الشرقية الأصيلة وأمها الحق , وراحت تعادي فيه كل موروث وتراثي معتق وأصيل , وتنعته وأهله بالجهل والتخلف والرجعية
وتسعى السعي الحثيث لمسخه وتشويهه , وإظهاره بالثوب الأوربي والغربي
وتجهل بأن الله سبحانه وتعالى قد قال :
ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة , ولا يزالون مختلفين ولذالك خلقهم
وفات هؤلاء بأن الله قد خلق الشرق شرقا , والغرب غرباً , ويستحيل عقلاً الجمع بينهما وفي حال واحدة .
فللموسيقا الغربية عالمها ولذتها ونكهتها , وللموسيقى الشرقية كذلك لها طابعها وشخصيتها وبيئتها الخاصة بها , والذي لا ينبغي مسخها بتوليف غربي هجين , يضيع لها معالمها ويشوه بذلك حقيقتها وخلقتها
__________________

الموسيقى رسالة سماوية مقدسة
تخرج من أفواه الملائكة
لا من أفواه الشياطين
رد مع اقتباس