عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 07/08/2008, 00h58
charafantah8 charafantah8 غير متصل  
ضيف سماعي
رقم العضوية:152743
 
تاريخ التسجيل: janvier 2008
الجنسية: جزائرية
الإقامة: الجزائر
المشاركات: 7
افتراضي «ناس الغيوان» .. أربعة عقود من العطاء الفني


خرجت مجموعة «ناس الغيوان» إلى العلن أواخر عقد الستينات من القرنالماضي، في أوج الصراع السياسي العالمي، وتطاحن الإيديولوجيات، والحرب الساخنةوالباردة بين المعسكرات السياسية والتيارات الفكرية. وكان طبيعيا أن يتأثر مسارهاالفني بالأجواء الفكرية والسياسية السائدة آنذاك محليا ودوليا. وبما أن فترةالستينات والسبعينات عرفت في المغرب، مخاضا سياسيا وفكريا، فقد كان طبيعيا أن تكون «ناس الغيوان» ابنة بيئتها ونتاج لحظة التجول الاجتماعي في المغرب.
خضعتالمجموعة لمحاولات تصنيف كثيرة، فاليسار المغربي، بمختلف ألوانه، حاول تبنيها،ودعاة الثورة والتغيير وجدوا في أغانيها شعارات تحريك مناسبة لدعاواهم السياسية،والنقاد مارسوا على كلمات وألحان المجموعة قراءات وتأويلات مختلفة وصلت أحيانا حدالعسف وإخضاع مضامينها قسريا لتمثلات جاهزة، والمواطن البسيط انجر وراء الخطابالفني «الغيواني» المرتكز على مكوني البساطة والعمق في المبنى والمغنى. كلمات بسيطةموغلة في عمق التراث المغربي، وألحان اجتمعت فيها مختلف الاهازيج والالوانالموسيقية المغربية، مما سهل تحريكها لسواكن ومكنونات الجماهير التي اقبلت بكثافةعلى سهرات المجموعة واحتضنتها.

وإذا كانت الغيوان خضعت لمحاولات التبنيوالتوظيف السياسي، فإن أعضاءها، سيما عمر السيد، عميد المجموعة حاليا، ظل ينفي أيتسييس لأغانيها، معتبرا ان «الفنان فنان والسياسي سياسي» رافضا الخلط بين المهمتين،وفي مناسبات عديدة أصر السيد على أن الأغنية «الغيوانية» تنويرية تسعى لأن تصبحإنسانية في أحسن الأحوال.

اعتبر كثير من المهتمين أن «ناس الغيوان» عاشتالحصار الفني خلال سنوات الاحتقان السياسي بالمغرب، والأكيد أن هذه المسألة تزدادلبسا عندما يستحضر المغاربة مفارقتين، من جهة كانت أنشطة وسهرات «الغيوان» وكلماتأغانيها تخضع لرقابة واضحة في أجهزة الاعلام الرسمية وتطوق مصالح الأمن حفلاتهاالتي كانت تعرف حضورا جماهيريا يفوق التجمعات الحزبية الجماهيرية، ومن جانب ثان حينيقرأ الناس ما يقوله عميد المجموعة عن علاقات متميزة ربطت بين «الغيوان» والملكالراحل الحسن الثاني الذي كان يستقدم المجموعة لإحياء سهرات داخل
القصر الملكي. ويزداد الموضوع لبسا إذا استحضرنا الموت الغامض للمؤسس «الغيواني» الراحل بوجمعةأحكور المعروف بـ «بوجميع»، حيث تحدثت أول أغنية للمجموعة بعده عن «خيي مات البارحواليوم لازم نفدي تاره»، وفهم من الأغنية أنها موقف من طريقة موت أو (قتل) بوجميعوضرورة الأخذ بثأره، وهو الموضوع الذي وجد صدى في الآونة الأخيرة لدى هيئة الانصافوالمصالحة المغربية التي عهد لها بالبحث في ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسانبالمغرب وجبر الضرر المادي والمعنوي الذي خلفته لدى الضحايا وذويهم، وضمنهم أسرةبوجميع التي رفعت شكاية في الموضوع. وهذه المعطيات إذا اضيفت إلى تصريحات عمر عنالراحل الحسن الثاني الذي سأله ذات سهرة عن أسباب موت بوجميع فأجابه السيد «إنهاالقرحة يا مولاي»، فتحسر الحسن الثاني وقال «مسكين»، شارحا للسيد أن علاج قرحةالمعدة ممكن.

وبعد رحيل عدد من رواد المجموعة المؤسسين، سواء بسبب المرض أوالموت، خفت صوت المجموعة وحضورها بسبب تقدم أفرادها في السن ووقوع آخرين فريسةالمرض مثل حالة عبد الرحمن باكو، المنشق عن «الغيوان» قبل سنوات والذي يوجد حالياطريح الفراش، أصبح الجمهور المغربي، بمختلف أجياله، يعيش على الذاكرة، كلما حضرسهرات «الغيوان»، ذاكرة الماضي الجميل الذي ما زالت تؤرخ له عشرات الألبومات، وهوالأمر الذي أقر به عميد «الغيوان»، بعد رحيل العربي باطما، ومن بقي من «الغيوان» (علال يعلى وعمر السيد) يحاولون حفظ تلك الذاكرة وصونها من التلف، وكانت اولىالخطوات في ذلك الاتجاه إصدار كتاب محقق شمل كل أغاني «الغيوان»، وقد تحمل عمرالسيد مصاريف الكتاب من دون أي دعم رسمي.

وبعيدا عن تاريخ الغيوان ومتعرجاتالسياسة، يحلو للعديد من المغاربة استحضار بورتريهات رواد الغيوان ومؤسسيها، فمنيكون بوجميع وباطما والسيد وباكو وعلال؟ ماذا قال عنهم الآخرون وماذا قالوا عنأنفسهم؟ هل ثمة امكانية لمحاولة تجميع ملامح فنية وانسانية لهؤلاء الفنانين واعادةرسم صورهم مثلما هي في الواقع وفي المخيال الشعبي والفني المغربي؟

بوجميع: ابن الصحراء الذي حمل دعدوعه (آلة موسيقية تراثية) وغنى في مسرح الطيب الصديقي ثمدلف ذات صباح لمقهى بالدار البيضاء كان يرتاده المثقفون وهناك التقى بالقصاصالمغربي الراحل، محمد زفزاف، وحدثه عن حلم كان ما يزال ساعتها جنينيا، تأسيس مجموعةفنية بتصور جديد ونمط مختلف لحنا وأداء وكلمات. لم يثبط زفزاف من عزم بوجميع، ولكنصاحب قصة الثعلب الذي يظهر ويختفي أدرك بالمقابل، حجم التحدي الذي ينتظر مجموعةتريد التجديد والقطع مع الماضي وثوابته الفنية المتحجرة. أسس بوجميع وغنى «فين غاديبيا خويا» و«الصينية» وغيرهما من الروائع، ثم ذات يوم حزين أسلم الروح بعد أن تقيأدما. رحل الرجل وبقي صداه إلى اليوم في مسامع عشاقه، ولعل سر هذا الفنان هو بالضبطما لخصه شقيقه محمد حين قال «ربما كان بوجميع يريد قول أشياء أو إيصال أمور وقضاياأكبر من مجرد حمل الدعدوع والصدح بالغناء»، وبرحيل بوجميع دشنت الغيوان بدايةعلاقتها مع مصيبة الموت التي ستطارد كثيرا من أعضائها.

العربي باطما: ابنمنطقة الشاوية المغربية، ارتبطت حياته بالرحيل، فهو ابن رحال ومؤلف سيرته الذاتية «الرحيل»، قبل أن يرحل العربي عن دنيانا، ظهرت مواهبه المتعددة في المسرح والسينماوالغناء والزجل.. وبدت الساحة الفنية المغربية كما لو كانت عاجزة عن احتضان كلمواهب هذا الفنان الذي رغم الشهرة التي حققها والحب الذي أحاطه به جمهوره الواسع،ظل يحمل داخله ذلك الفلاح المبدع الذي لم يجد عنوانا لملحمته الشعرية سوى «حوضالنعناع».

عمر السيد: يجمع بين ميزتي الفنان والمسير الاداري للمجموعة، اتسعصدره اربعين سنة لنزوعات وأمزجة أعضاء المجموعة. بسيط الهندام والكلام. لم تكنعلاقته في البداية جيدة بوسائل الاعلام. كان الجمهور يصعد إلى الخشبة ليلتقط صورامع باقي أعضاء المجموعة من دون ان يلتفتوا إليه. كانت قامته وملامحه توحيان للناسبعكس ما يختزن قلبه. عمل بنصيحة أحد الاصدقاء واحتك بالتلفزيون الى أن صار وجهايتهافت عليه العشاق في الشارع وفي السيارة والمسرح

علال يعلى: إنه مجنونالموسيقى، كما يصفه الكثير من الملحنين، صامت أبدا أمام الكاميرا أو الميكروفون.لايتحدث إلا قليلا إلى الصحف. جاء إلى البيضاء من منطقة هوارة (جنوب)، تعلم الموسيقىبطرق عفوية في البداية لكنه سرعان ما انكب على دراستها ليصبح أستاذا تحج إليه أفواجالمريدين. علال، أكبر أعضاء المجموعة سنا، يعرف باتقانه العزف على آلة البانجو التياستخرج منها ألحان خارقة، لكنه يعزف أيضا على عدد كبير من الآلات وبالاتقان ذاتهالذي يبين عنه مع الآلات الوترية.

عبد الرحمن باكو: فنان كناوي من عيارثقيل. حين يغني تأخذه الجذبة ويغمض عينيه تماما. قبل التفنن في الألوان الكناويةو«ملوك الحال»، كان باكو يتفنن في النقش على خشب العرعار. كان الراحل بوجميع يبحثعن عازف ماهر على آلة «هجهوج» فقصد مراكش. كان يريد الاتصال بفنان آخر لكن الأقدارجعلته يلتقي بباكو، فاقترح عليه الاشتغال مع المجموعة. حمل باكو سنتيره وسار خلفبوجميع. لم يناقش ولم يشترط. يحكي باكو في مذكراته أن لقاء جمعه بالمطرب اللبنانيمارسيل خليفة فطلب منه الأخير أن يشرح له جملة من أغنية للغيوان تقول:«سنتير يزيرانغامو على الحصير، سكب وتعبير»، أي أن آلة السنتير تزأر وتسكب أنغامها وتعبيراتهاخلال جلسة يفترش جلساؤها الحصير.فهم مارسيل المعنى وقال له: «لو غنيتم هذه الجملةفقط، لاستحقت الغيوان كل هذه الشهرة». بعد وفاة العربي باطما، فضل باكو أن تلوذالمجموعة بالتأمل وقراءة الذات، بينما دفع الباقون في اتجاه مواصلة المسيرة الفنية. وقع الخلاف وانصرف باكو. هو يقول إنه طرد، وعمر يقول إنه غادر. اختلفت الروايات،لكن الذي لا يختلف فيه الجمهور هو أنه المجموعة أعطت للساحة الفنية المغربيةالكثير، وأنها أكبر من أن تصبح مجرد ذكرى. لو كانت «الغيوان» ظاهرة فقط لطواهاالنسيان، لكن أن تجد شبانا ومراهقين يحفظون أغانيها ويجذبون وراء أنغامها.. فذلكمربط الفرس «الغيواني
رد مع اقتباس