عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 12/09/2011, 13h47
الصورة الرمزية starziko
starziko starziko غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:510608
 
تاريخ التسجيل: avril 2010
الجنسية: مغربية
الإقامة: المغرب
المشاركات: 129
افتراضي رد: العود بين الصوت واللون والطبيعة الإنسانية

- العود والطبيعة الإنسانية والطبوع :
عنيت كتب الطب العربي بالطبيعة الإنسانية وصنفتها أربعا وهي :الطبيعة السوداوية ،والطبيعة البلغمية، والطبيعة، الدموية .
وانطلق الأطباء العرب في تصنيفهم هذا من العناصر المكونة للكون وهي: الماء والهواء والنار والتراب ؛والتي يتولد عنها أخلاط في جسم الإنسان هي: البلغم والدم والصفراء والسوداء ، وبينوا مواقعها من الجسم ، وما ينتج عن كل منها من الانفعالات والحالات النفسية .
وانتهوا إلـى رصد مجموعة من الانفعالات تكون سمة رئيسية لكل طبيعة على حدة ،إلا أن أكثرهم لم يذهب بعيدا في رسم الحالة النفسية لكل طبيعة ،بينما وفق البعض و منهم العلامة جلال الدين عبد الرحمان السيوطي المتوفي سنة 911هجرية ـ صاحب كتاب " الرحمة في الطب والحكمة " –كما قام بهاته المهمة الكاتب الموسوعي ابن عبد ربـه صاحب كتاب العقد الفريــد .
فذو المزاح الصفراوي عند السيوطي يتميـز بسرعة حركاته في جميع الأحوال ، والإقدام ، والشجاعة ، والغلبة ، وجودة الفهم ، ونحافة الجسم ، وقلة النوم ، وهو عند ابن عبد ربه من نفسه غضبية ويقول فيه " أن همه منافسة الأكفاء ومغالبة الأقران ومكاثرة العشيرة " .
وذو المزاح الدموي عند السيوطي عبل البدن ،كثير اللحم كثير الدم، طيب النفس ،حسن الأخلاق، متوسط الفهم .
وذو المزاح البلغمي عبل البدن كثير الشحم كثير الرطوبة ،كثير النوم كسلان بطيء الحركة ،بليد الفهم كثير النسيان ،لا يكاد يفهم شيئا وهو عند ابن عبد ربه من نفسه بهيمية " همه طلب الراحة وانهماك النفس في الشهوات ".
وذو المزاح السوداوي نحيل البدن، نحيف اللون نحيف الجسم، كثير الكد قليل النوم ، وهو عند ابن عبد ربه من نفسه "ملكية " همه اليقين في العلوم وإدراك الحقائق والنظر في العواقب " وقد ذهب علم الطبيعة الإنسانيـة "caractérologie " إلـى عدة تصنيفات للطبيعة مستفيدا من التقدم العلمي ؛كتحليلات الدم، ووسائل أخرى ؛كالإستنطاقات والاستجوابات .
وقد كان التصنيف الأقرب للتصنيف العربي؛ تصنيف الطبيب اليوناني ايبوقراط - الذي يميـز بين " Le sanguin " ( الدموي ) و Le bilieux ( الصفراوي ) Le nerveux ( السوداوي ) Le lymphatique ( البلغمي ) - ، وكذا من سار في دربه من المحدثين كالعالمين ،Sigand , Mac Auliffe الذين يميزان بين Le musculaire , respiratoire ,le digestif , Le cérébral.
وقد استفاد العود العربي القديم من التصنيف العربي، وشكلت أوتاره وفق طبائع الإنسان ،هذا العود الذي بقي علـى تشكلته هاته في المغرب إلـى نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين من بين آلات الجوق التقليدي تؤدى به نوبة الآلة .
فكل وتر في العود القديم يرمز لطبيعة ما ،يوافقها من حيث تأثيره ،ولذلك صبغ كل وتر بلون معين .
فوتر البم صبغ أسود اللون ويرمز للسوداء ،والزير صبغ أصفر اللون ويرمز للصفراء ،والمثلث عطل من الصبغ ويرمز للبلغم ،والمثنى صبغ أحمر يرمز للدم .
وقد تحدث عن رمزية أوتار العود المقري صاحب كتاب "نفح الطيب في غصن الأندلس الرطيب " ج 4ص117إلـى 129الخاصة بحياة زريـاب ، و هو نفس النص الذي أورده الكاتب الإسباني أنخيل جنـزالس بلنـسيـا . ANGEL GONZALES PALANCIA
بينما تكلم العلامة أبو بكر بن باجة في رسالته في الألحان -( الواردة في مخطوطه المشتمل على رسائل أخرى، والموجود بمكتبة البودليانا بأكسفورد، هذا المخطوط الذي أورده الأستاذ جمال الدين العلوي في كتابه " رسائل فلسفية لأبـي بكر بن باجة " ) - عن تأثير كل وتر في طبيعة من الطبائع .
ورغم الزيادة التي عرفها العود القديم من طرف الموسيقى النابغة زرياب إلا أن المغرب حافظ على هذه التشكلة الوترية و رمزيتها والتي لها صلة بطبوع نوبة الآلة .
فإذا كان العود قد صنفت أوتاره وفق الطبيعة الإنسانيـة كما عرفها الطب العربي ، فإن طبـوع نوبة الآلة – التي نسجت عليها تلاحين هاته الموسيقى الصامتة منها والمغناة والتي تعزف على هاته الآلة العريقة – صنفت إلـى أصول أربعة كل أصل يوافق طبيعة من الطبائع ويتفرع عن هذا الأصل طبوع متعددة .
فطبع – " مقام" – المزموم ،وفروعه: غريبة الحسين والمشرقي الصغير وحمدان يوافق الطبيعة الصفراوية ، وطبع الماية ،وفروعه :رمل الماية وانقلاب الرمل والحسين والرصد يوافق الطبيعة الدموية ، وطبع الزيدان ، وفروعه الإصبهان والعشاق والحجاز المشرقي والحجاز الكبير والحصار والزور كند يوافق الطبيعة البلغمية ، وطبع – أو مقام -الذيل، وفروعه: رمل الذيل واستهلال الذيل وعراق العجم وعراق العرب ورصد الذيل ومجنب الذيل يوافق الطبيعة السوداوية.

وقد اهتم الناظرون في علم الموسيقى من المغاربة بصلة الطبوع – المقامات – بالطبائع سواء في إطار الأرجوزة – كما هو الحال بالنسبة "لأرجوزة كشف القناع عن وجه تأثير الطبوع في الطباع " لأبي الربيع سليمان بن عبد الله بن محمد بن علي بن موسى العلمي الحسني المعروف بالحوات .
أو في بعض الرسائل في الموسيقى كرسالة محمد الصغير بن محمد بن عبد الله الإفراني المراكشي في كتابه " المسلك السهل إلى شرح توشيح ابن سهل " في باب نفحة الريحان في ذكر الطبوع والألحان .
فتحصيل الارتياح عند المستمع لنوبة الآلـة ينطلق من الطبيعة الإنسانيـة ليصل إلى التشكلة الوترية لآلـة العود ورمزية اللون، والهدف هو البعد العلاجي لنوبة الآلـة – وهو ما يعرف الآنLa musicothérapie أو الموسيقى العلاجية والتي تفرض ليس فقط هاته العلاقـة بين الطبيعة والعود و الطبوع ولكن أيضا تقنيات للأداء تسير في نفس هذا المنهاج، ومعرفة عميقة بعلم الموسيقى .
وهذا ما سنعرفـه في المبحث الموالي عند كل من العلامة البوعصامي ، وعبد العزيز الوزكاني.
العــــود المـغـربـي

نتناول في هذا المبحث العود المغربي كما عرفه الموسيقى النابغة أبو عبد الله سيدي محمد البوعصامي – عاش بين 1056هـ و 1139هـ من خلال رسالته في الموسيقى الواردة في كتاب " الأنيس المطرب فيمن لقيه مؤلفه من أدباء المغرب " وهو كتاب ذو طبعة حجرية مضمن بسجلات مكتبة القرويين وبجدداتها تحت رقم 166- هاته الرسالة يتناول فيها طبوع – مقامات – نوبة الآلـة ، وصلتها بالطبائع الإنسانيـة وبالأبراج الفلكية ، وآلـة العود المغربي وكيفية استخراج النغمات الثمانية منه ، والنوبة وميازينها – وكذا من خلال رسالة العلامة عبد العزيز الو زكاني " تحفة الودود لطالب صناعة العود " وهي تختص بالعود كما يظهر من تسمية الرسالة .

العود عند سيدي محمد البوعصامي

كان البوعصامي عازفا لنوبة الآلـة ومدركا لأبعادها الأدبية والعلمية ، وكان متقنا لآلـة العود ،و لعلم الموسيقى بالإضافة إلـى إتقانه لعديد من العلوم العربية كعلم النحو والمنطق والبديع والبيان والتفسير والتاريخ ، رحل إلـى المشرق فنهل من علومه ثم رجع إلـى فاس ودرس بها واستقر في مدينة مكناس ودرس بـهـا .
ابتدأ محمد البوعصامي جلسته مع صاحب " الأنيس المطرب … " وصاحبه أبي العباس سيدي أحمد الشريف بأن مد يده إلـى العود واستخبر العشاق بتوشيته ، أي افتتح الجلسة بمقدمة موسيقية وهي توشية نوبة العشاق ، وغنى من هاته النوبة ما غنى وكان متقنا لما أداه منهــا .
فكانت فرصة سأل فيها العلمي صاحب كتاب " الأنيس المطرب …" العلامة البوعصامي عما يمكن أن يعين المبتدئ للوصول إلـى علم الموسيقى .
فذكر أن ما يجري من الألحان أساسه نغمات ثمانية ،وهي تستخرج من الأوتار الأربعة لآلـة العود على الترتيب بالضرب والدس ويرمز إليهـا بحروف أ ب ج د ه و ز ح .
فيكون الضرب على وتر الذيل و الرمل وتستخرج منهما نغمة واحدة لكل واحد ، بينما وتر الماية والحسين ، تستخرج منهما ثلاث نغمات لكل واحد . واحدة بالضرب ، وواحدة بالدس بالسبابة ، و الثالثة بالدس بالبنصر .
فتكون نغمة الذيل هي أخفض النغمات ، وتكون أعلاها هي النغمة المستخرجة من وتر الحسين بالدس بالبنصر وهي شاب الذيـل .
ولاستخراج هذه النغمات من الأوتار الأربعة بالنسبة للمبتدئ ، لابد وأن يجري مجموعة من التمارين تساعده على الانتقال في الأوتار بكل سهولة ، وتكون هاته التمارين على بحور الشعر وبالضبط على بحر الرمل لسهولتـه .
وبحر الرمل مكون من ستة أجزاء سباعية :
فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن
دخل الحذف في عروضه وضربه فتحول جزؤها السباعي إلـى خماسي فصار فاعلن وترتب حروف أ ب ج د عوض التفعيلات .
ويلاحظ استدراك في هـامش الرسالة ، يشير إلـى أن العادة جارية في ابتداء التعلم ببحر المجثت من نغمة قدام الرصد ، والمقصود هنا تصدرة هذا الميزان وهي " الليل ليل عجيب…" وهي المقطوعة الغنائية الأولـى فيـه .
وبإجراء هذه التمارين يصير المتعلم بارعا في استخراج النغمات ،وعارفا بتقويم العود من غير أن يحتاج إلـى ضابــط .
إلا أن البوعصامي وللمساعدة ذكر طريقتين لكيفية تقويم العود ، أي تسوية أوتاره.
الطريقة الأولـى : تعتمد على تسوية وتر الماية على طبقة معتدلة ، ثم تضع سبابتك موضع البنصر منها ، ثم البنصر حيث تقتضيه المرتبة فيكون بعد الرمل فتقوم وتر الرمل عليه حتى يصير مثله في الطبقة ، ثم تضع سبابتك على الرمل لتحصل على بعد الحسين ، فتقوم وتر الحسين لتحصل على شاب الذيل ـ فتقوم وتر الذيل عليه حتى يصير مثلـه .
والطريقة الثانية : أن تبدأ بوتر الذيل وتقومه على طبقة معتدلة وتضع سبابتك بموضعها منه لتحصل على بعد الماية وهكذا .
يستنتج من الطريقتين أن البوعصامي استعمل المحطات في الطريقة الأولـى ،و استعمل كلمة البعد وهو مصطلح علمي استعمله عوض النغمة .
ويزيد في الإيضاح لتبيان أنواع الأبعاد ، فهناك البعد الطني؛ الذي هو موجود بين الذيل و الماية وبين الرمل والحسين ، والبعد الذي بالأربع الذي هو موجود بين الماية والرمل .

ورغم أن كيفية استخراج النغم الثمانية قد توحي أن تركيب الأوتار يكون على الشكل التالي : الذيل ، الماية ، الرمل ، الحسين ، إلا أن تركيبها رمز إليه بالعبارة التالية : دحمر أي أن وتر الذيل هو الأول ثم الحسين ثم الماية ثم الرمل ورمز لهم بحرفهم الأول .
رد مع اقتباس