مذكرات مجنون تحف ونوادر
-( كتاب "وصف مصر" ام "سلب وهدم مصر" )-
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عندما كنت في الجامعة سافرت الي فرنسا وعشت فترة في باريس، واحببت كل شيئ
فيها وازداد حبي لها بعد أن عشقت التحف الفرنسية التي تعتبر الاجمل والاغلي والاشهر
في العالم ولا ينافسها في الجمال ولا في القيمة سوي التحف المصرية القديمة التي
يعشقها الفرنسيين انفسهم ..
وخلال السنوات السابقة استطعت الحصول علي بعض اللوحات الأصلية (صفحات) من
كتاب وصف مصر الذي وضعه علماء الحملة الفرنسية، واستطعت أيضا شراء بعض
لوحات النسخة الخاصة التي كانت تحمل خاتم المكتبة الملكية .
فعندما قدم نابليون بونابارت الي مصر اصطحب معه فريقًا من العلماء من كافة
التخصصات ليسجلوا ملاحظاتهم، وبعد عودتهم إلي فرنسا قام "جان-انطوان شبتال"
وزير الداخلية بتشكيل لجنة ضمت ثمان أعضاء لجمع ونشر كافة المواد العلمية الخاصة
بالحملة والتي كانت عبارة عن 10 مجلدات للوحات، منها 74 لوحة بالألوان، وأطلس
خرائط، و 9 مجلدات للدراسات..
لكن كل هذا الجهد العظيم لا يمكن ان يعوض مصر عما سلبه الفرنسيين من تحفها
وكنوزها .. فعندما غادر بونابارت مصر في 21 ربيع الاول سنة 1214 شحن في السفن
الثلاثة التي صحبته الي فرنسا عددا كبيرا من الصناديق التي امتلئت بالجواهر الثمينة
والأسلحة النادرة والتحف النفيسة والامتعة القيمة، والاف الكتب والمخطوطات النادرة
التي كانت في خزائن الجوامع الجامعة والمساجد العامرة ومعظمها كان مؤلفا من عدة
اجزاء كل هذا غير المصاحف النادرة ..
وقد سلب الفرنسيين كل ما وصلت اليه ايديهم بحجة الفقرة الاخيرة من المادة رقم (11)
من اتفاقية الصلح التي وقعوها مع الانجليز والعثمانيين والتي يقول نصها :
" أرباب العلوم والصنائع (الفرنسيين) يصحبون ويأخذون معهم الأوراق والكتب ليس
التي تخصهم فقط بل كل ما يرونه نافعا لهم " ..
وهذا ما حدث بالفعل فقد حمل الفرنسيين الي بلادهم اثمن الكتب والمخطوطات في
مختلف العلوم والفنون في الرياضة والميكانيكة والفلك والموسيقي والطبيعة والكيمياء
والطب وعلم الفراسة وتعابير الرؤي والنباتات، ولم تسلم كتب الشريعة الاسلامية الثمينة
فأخذوا الكثير من متونها وشرحها وحواشيها وخاصة مذهب الامام مالك.. كما اخذوا
مخطوطات مسيحية نفيسة وايقونات ولوحات نادرة من الكنائس ..
ومعظم الكتب التي اخذها الفرنسيين كانت موقوفة علي الجوامع والمساجد التي اخذت
منها كما هو مدون بقائمة الكتب العربية المخطوطة المحفوظة بالمكتبة الاهلية بباريس
المطبوع سنة 1883 وورد نسخه منه لدار الكتب المصرية رقم 19069 .. حيث ذكر في
السطر التاسع والعشرون بصفحة 103 علي المصحف النادر رقم 351 ما نصه :
(حبس موقوف محرم مؤبد في الجامع العتيق (عمرو) لا يحل أن يغيره ولا يبدله ولا
يبيعه ولا يهبه ولا يورثه حتي يرث الله الارض ومن عليها) .
أما ما دمره جيش بونابارت من المباني التاريخية والمساجد وغيرها بحجة تحصين
القاهرة وعرقلة تقدم الانجليز والعثمانيين فأكثر مما نستطيع احصاءه فقد هدموا كل ما كان
خارج باب الفتوح من الحمامات والمساجد والمزارات والزوايا والتكايا وبركة جناق وما
بها من قصور، وجامع الجمبلاطية بباب النصر وهدموا أيضا عددا من المدارس الرائعة
مثل مدرسة القانبية وجامع السبع سلاطين وجامع الشركسي وجامع خوند بركة
بالناصرية، وهدموا كذلك ابنية باب القرافة ومدارسها ومساجدها، ومئذنة الجامع
الناصري وقبابه وحولوا جامع الزمر لقلعة
كما دمروا دور الاذبكية وخربوا منطقة بركة الفيل وهدموا بيوت الامراء واخذوا
اخشابها وما بها من معادن ورخام ، كما خربوا جامع الرويعي وحولوه الي خمارة
ودمروا جزء من جامع عثمان كتخدا وجامع خير بك بدرب الحمام وجامع البنهاوي
والطرطوشي والعدوي، وهدموا جامع عبد الرحمن كتخدا المقابل
لباب الفتوح وحولوا جامع ازبك الي سوق وهدموا مصاطب الحوانيت عند باب زويلة،
وقطعوا اغلب الاشجار والبساتين والجنائن الموجودة بكل انحاء مصر تقريبا فذبحوا
اشجار بولاق ومصر القديمة والروضة والحسنية وبساتين بركة الرطل وارض الطبالة
وبساتين الخليج، لعمل القلاع وتحصين الاسوار وعمل العربات والمتاريس والمراكب
والسفن ..
وبذلك يكون كتاب وصف مصر الذي اهدته لنا الحملة الفرنسية رغم اهميته وروعته
شيئا تافها اذا ما قورن بما سلبوه ودمروه، لكن ما اهداه بونابارت حقيقة لمصر ودون
قصدهو محمد علي الذي قدم الي مصر مع الجيش التركي لمحاربة الفرنسيين والتي
ستشهد مصر علي يديه بعد ذلك ازهي عصورها .
التحفجي
عمرو الخربوطلي