عرض مشاركة واحدة
  #13  
قديم 30/09/2008, 01h48
abdelaati abdelaati غير متصل  
ضيف سماعي
رقم العضوية:292654
 
تاريخ التسجيل: septembre 2008
الجنسية: سودانية
الإقامة: السودان
المشاركات: 4
افتراضي معلومة بنت الميداح : ثورة في الغناءوالسياسة .

تشكل الفنانة والناشطة والسياسية الموريتانية معلومة بنت الميداح احدى قمم الطرب الموريتاني الأصيل؛ ومحطة فارقة لانتقال الأغنية الموريتانية للحداثة والعالمية؛ ودمج تراثها الشعبي الأصيل في الاتجاهات الحديثة للتطريب.

ومعلومة بنت الميداح قد لا تكون معروفة في السودان؛ ولكنها معروفة في موريتانيا والمغرب العربي كأحد أهم المغنيات الموريتانيات؛ جنبا الى جنب وربما متقدمة على زميلاتها المبادرات ديمي بنت أبه والنعمة بنت الشويخ وعليـــة بنت أعمر تيشيت وغيرهن من الفنانات الموريتانيات اللاتي يشققن طريقهن بقوة في عالم الطرب الموريتاني.

التراث والتمرد :
ومعلومة تنتمي الى بيت طرب وفن وأدب؛ فابوها هو مختار ولد الميداح؛ احد اشهر الموسيقيين الموريتانيين . أما امها عائشة بنت المبارك؛ وفي لقاءاتها الصحفية تحكي معلومة عن هذا التأثير الفني الذي تشبعت به؛ وكذلك عن تأثير الايقاعات الافريقية للموريتانيين السود أو قل بقايا الرقيق الموريتانيين والذين كانوا يعملوا في بيوت الاسر الحسانية مثل اسرة معلومة؛ قبل انطلاق حركة تحررهم وإعادة اعتبارهم التي لعبت معلومة دورا كبيرا فيها.

في هذا البيت الفني نشأت معلومة؛ وبدأت الغناء في عمر سبع سنوات؛ ولكنها من البداية كانت ترى لنفسها طريقا جديدا يختلف عن اعادة انتاج تراث القبيلة وغناء المقامات التقليدي؛ تقول معلومة عن نفسها: ((تعلمت الفن بالفطرة‏ وكان حلم عمري أن أنجح يوما في تأسيس توجه جديد يخرج الأغنية الموريتانية من طابعها التقليدي لتأخذ شكلا ومضمونا مختلفين))

ويأتي تميز معلومة وسط غيرها من الفنانات والفنانيين الموريتانيين في ملمحين: الاول هو تمردها الفني على الاشكال التقليدية للألحان والاداء في الاغنية الشعبية الموريتانية؛ وخصوصا الاغنية النسوية؛ المعتمدة على المقامات والآلات التقليدية ؛ ومن ضمنها آلة التيدينيت العريقة. وادخالها الايقاعات الافريقية ضمن اغانيها؛ بل تلمس ايقاعات الجاز والبلوز الأفرو الامريكية؛ بل حتى الغوسبل واقتباسها في اعمالها.

كما يأتي الملمح الثاني لتمردها في الشق السياسي والاجتماعي؛ وذللك بوقوفها ضد مختلف الدكتاتوريات العسكرية وانتمائها للقضايا الاجنماعية – من خلال انتماءات يسارية سايقة وديمقراطية حالية- والانحياز للمرأة حين رفضت الطلاق العشوائي مثلا؛ وهي النضالات التي اوصلتها لعضوية مجلس الشيوخ كأول مغنية عربية –افريقية تصل للبرلمان؛ ممثلة لحزب تكتل القوى الديمقراطية - عهد جديد بزعامة أحمد ولد داده.

ثورة في الغناء:
واذا كانت معلومة قد بدأت حياتها بالانحياز السياسي والاجتماعي لتنظيمات ثورية؛ فأن ثورتها الكبرى قد كانت في مجال الفن؛ حيث تجاوزت آلات الطرب التقليدية وغناء المقامات الشعبي الرتيب؛ الى غناء استلهم التغيير الشامل في الايقاعات؛ وشكل ثورة في الغناء الموريتاني؛ وواجهته معارضة عنيفة في ذلك المجتمع التقليدي المحافظ؛ مما دعا بعض الفنانين للدعوة لاحراقها مع آلاتها الجديدة؛ والاساءة اليها بشكل مخيف؛ كانت أبسط الاتهامات لها في ذلك هي الجنون.

وتمثل شكل آخر من اشكال تمرد معلومة في خروجها عن النص الشعري الحساني (الحسانية هي لهجة دارجة لعرب موريتانيا هي خليط من العربية والامازيغية) ؛ وذلك بتبسيط الكلمات واخراجها للغة أوضح من محلية الحسانية؛ والتي عبرت في انغلاقها اللغوي عن الانغلاق الطبقي والعرقي للمجتمع الحساني التقليدي في موريتانيا؛ وتحيزه ليس فقط ضد السود والبربر في البلاد؛ بل حتى ضد بقية العرب؛ باعتبار ان بعض الحسانية ينظرون لأنفسهم أنهم ارقى عروبة من بقية اخوانهم في المغرب العربي بل وفي كل البلدان العربية!.

لهذا السبب لم تجد معلومة في بداية حياتها الفنية وتمردها دعما من الشعراء؛ بل تهربا منهم؛ ذلك انهم كانوا يتخوفوا من جموحها الفني والحانها الجديدة؛ مما اضطرها لكتابة اغانيها بنفسها؛ ومن اهمها اغنية (حبيبي حبيته.) والتي تحكي فيها عن حبها لطبيب يعالج المرضي الفقراء؛ والتي كانت في 1986 ثورة على كل التقاليد الفنية والشعرية والإجتماعية في موريتانيا؛ كسرت بها معلومة كل الحواجز؛ واستحقت بها غضب وحقد المحافظين؛ ودعم الشباب والطلاب؛ ولم ينقذها من محاولات الاغتيال المعنوي الا تغنيها بالاغنية في مهرجان قرطاج بتونس عام 1988؛ واكتسابها شعبية لا باس بها في المغرب العربي دعمت موقفها في موريتنانيا.

عموما لم تتوقف جهود معلومة التثويرية للتراث الفني الموريتاني في الالحان والكلمات فحسب؛ بل امتدت للاداء والمولتميديا؛ حيث شاركت معلومة في فكرة و انتاج أول فيديو كليب لفنانة موريتانية بشكل محترف؛ وهو لأغنية "يودن يودن" من البوم "دنيا". كما يتبدى التجديد في حيويتها الفائقة في حفلاتها الجماهيرية والتي تجذب مئات والاف من الشباب من الجنسين؛ يرقصون على انغامها؛ مما جعل الاداء مغايرا تماما لجلسات غناء المقامات التقليدية .

معلومة والسياسة:
وتشكل علاقة معلومة بحزب تكتل القوى الديمقراطية - عهد جديد وزعيمه ولد داده علامة فارقة ايضا؛ فقد تصدت معلومة بفنها ومواقفها ومشاركتها في المظاهرات ضد حكم الرئيس معاوية ولد الطايع العسكري منذ بداية التسعينات؛ مما عرضها لحملات مضايقة وعزل رهيبة من السلطة؛ شملت منع اذاعة اغانيها ومنعها من اقامة الحفلات؛ قاومتها معلومة بتضامن الشباب وبالتمرد على قرارات المنع وعن طريق الكاسيت؛ وقد صدر البومها الاشهر "دنيا" في قمة حملة حصارها تلك ؛ مشكلا إنتصارا جديدا للفن على الطغيان.

وقد وقفت معلومة ضد الطغيان حين تراجع الاخرون؛ وكان لها دور مقدر في فضح ولد الطايع؛ مما اسهم في انهيار نظامه من بعد؛ رغم الفشل في ايصال ولد الدادة لسدة الحكم؛ وهو السياسي الذي دعمته معلومة بكل قواها؛ وغنت في حملاته الانتخابية؛ وكتبت وغنت عنه واحدة من اقوى اغانيها السياسية (حبيب الشعب).

وقد رد ولد داده الجميل حين دعم طلب ترشيحها لعضوية مجلس الشيوخ وسط معارضة عارمة من القوى التقليدية بل من عناصر نافذة في حزبه في اول عام 2007 ؛ حيث فازت بعضوية المجلس. ووقالت معلومة ان الرفض لترشيحها هو رفض فعلا لدور الفنان. حيث أكدت أن إن الرفض الذي قوبلت به يعود إلي أنها تنتمي لطبقة الفنانين في مجتمع طبقي. وقالت أن المجتمع الموريتاني القديم يعتبرالفنانين "مجرد ألسنة تمدح هذا الشيخ أو ذاك أوهذه القبيلة أو تلك". وأنهم لا يمنحون دورا سياسيا، و"دورهم الوحيد هو حفظ تاريخ القبيلة، وترسيخ مجدها، من خلال فنهم". وأنها الآن تكافح "من أجل أن يكون للفنان دور في صنع القرار السياسي".

وتلخص معلومة دورها في عموم التمرد على السائد ؛ حين تقول: " وأنا (يعني) تمردت على القبيلة وعلى قضايا المجتمع التقليدي وأصبحت (يعني) أغني باسم الشعب وللشعب وللقضايا الوطنية والقضايا الاجتماعية".

الإنتماء الاساس للفن:
ورغم انتماءات معلومة القديمة لليسار واليوم للتيار الليبرالي؛ الا ان دافعها الحقيقي للدخول لحلبة العمل العام يبدو انه يقوم على تطوير دور الفن ونظرة المجتمع للفنان في موريتانيا. ففي لقائها مع فضائية الجزيرة تقول عن بداية انخراطها الفعلي في السياسة " كان في عهد معاوية في كثير من المسؤولين مثلا لا يهتمون بالموسيقيين ولا بالموسيقى وكان هنالك نوع من الإهمال للموسيقى بشكل رهيب جدا" .

أما هيئة الإذاعة البريطانية فتنقل عنها قولها " أنا أمتطي السياسة من أجل الفن؛ لأني أري أن السياسيين الموريتانيين بحاجة إلي وجود فنان إلي جانبهم يضع لبنة لصالح الفنانين والفن في مجتمع ما يزال قيد التأسيس". كما تجاوب معلومة عن سؤال التناقض المفترض ما بين دور الفنان والسياسي حيث تقول:" لا تناقض، فإذا كان هناك حفل خيري سأكون موجودة وإذا كان هناك ما يهم الوطن أنا موجودة، وإذا كان هناك أمر علي الصعيد القومي فأنا موجودة كفنانة".

وترفض معلومة تجميد نشاطها الفني؛ كما فعل الكثير من الفنانين الذين دخلوا حلبة العمل العام؛ ولكن يبدو أن إنخراطها في العمل السياسي والعام قد جعلها تضع مع ذلك حدودا لنشاطها الفني حين ترفض الغناء في الاعراس والمناسبات الاجتماعية التقليدية؛ وتغني فيالحفلات الجماهيرية او التورز؛ بل حتى في التنازل عن العاطفي حين تقول: " سأغني فقط للقضايا الإنسانية والقومية والإجتماعية الكبري".

حصادها الفني:
انتجت معلومة اربع البومات؛ يشكل كل منهم نقلة فنية؛ وان كان احدهم يكرس سقطة سياسية؛ وهو البومها الثالث المكرس للتضامن مع "صدام حسين" ابان حرب الخليج الثالثة. عموما فان البومها الاول "أدن" كان هو باكورة اعمالها – في الثمانينات- ؛ وفيه اغنيتي أدن وحبيت حبيبي الجميلتان. ثم جاء البوم "دنيا " في عز الحصار الاعلامي لها من قبل النظام؛ وفيه اغاني ملتزمة ومرمّزة . ثم كان الالبوم الرابع نور (2007) وقد خرج ابان حملتها الانتخابية؛ ويحمل اناشيد صوفية وغوسبل واغاني اجتماعية.

وقد غنت معلومة بعض اغاني فيروز؛ ووجدت تشجيعا ودعما منها؛ حين وصفتها فيروز انها صوت صادق. كما دعت الفنان راغب علامة لزيارة موريتانيا؛ وقام بتلبية الدعوة . قد نفذت معلومة رحلات فنية كثيرة "تورز" داخل وخارج موريتانيا؛ كما ساهمت في مهرجانات عدة؛ وعرضت اغانيها في فضائيات مختلفة؛ مما حقق لها شهرة كبيرة في المغرب العربي ومعرفة لا باس بها في البلاد العربية؛ وتكاد تعتبر اليوم الفنانة الموريتانية الأشهر خارج بلادها.

التحية اذن لمعلومة في جهدها الفني والسياسي؛ ولكل شبيهات معلومة؛ ممن يحملن راية التغيير والتجديد ؛ في الفن او في الحياة الاجتماعية.



عادل عبد العاطي
10/9/2008
رد مع اقتباس