عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 14/02/2008, 12h03
الصورة الرمزية reza_neikrav
reza_neikrav reza_neikrav غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:59077
 
تاريخ التسجيل: août 2007
الجنسية: ايرانية
الإقامة: ايران
العمر: 44
المشاركات: 80
افتراضي كمال الطويل

الملحن المصري الكبير كمال الطويل في ذكرى رحيله الخامسة
ابن الثورة ورائد الأغنية الوطنية
وصاحب الأرض الموسيقية الخصبة والنغمات الشبابية والجديدة
المستقبل - الاثنين 4 شباط 2008



سحر طه
تمر في هذا العام الذكرى الخامسة لرحيل الملحن الكبير كمال الطويل.الموسيقيّ المكافح والموهبة الغزيرة والإنسان العصامي الذي بنى اسمه سنة بعد أخرى بعرق وجهد وبروح وطنية صادقة.
كان رمزاً للكبرياء حتى وصفه البعض بكونه "كبرياء يمشي على الأرض". هذه الميزة أبعدته عن الكذب والرياء والادعاء وحتى عن الدفاع ضد مهاجميه إذ اختار العزلة والرد عبر موسيقاه كي يحتفظ بكرامته وليبقى اسمه نقياً. لكن متغيرات الزمن والمناخ العربي العام كان لا بد لها من تأثير على فنان رقيق وموهبة كبيرة فتوقف أو كاد أن يتوقف عن التلحين والعطاء منذ سبعينيات القرن الماضي وخاصة بعد رحيل عبد الحليم حافظ الذي أسس معه ثنائية فريدة استمرت لأكثر من عقدين، فكانت فترة خصب وانتاج أثمرت أجمل الألحان الوطنية والرومنسية، ما تزال زاداً لنا أينما كنا، رغم مرور أكثر من ثلاثة عقود على آخر تعاون بينهما، لتصبح المثال والنموذج للفن الغنائي الصادق.
محطات كثيرة في مسيرة حافلة بالنجاحات والإخفاقات والصعود والهبوط والفرح والدموع وما بينها من تراكمات ألحان وأفكار وموسيقى فيها الأصالة الشرقية والحداثة معاً، سبقت عصرها ونغمات تفتحت على تيارات ومسارات وتغيرات فنية وسياسية واجتماعية وتعدّ نتاجاتهما في تلك المرحلة مع آخرين مثل محمد الموجي ومرسي جميل عزيز وعبد الرحمن الأبنودي ـ على سبيل المثال ـ ثورة على الأغنية القديمة التي سادت قبلهم.
بداية الوعي الموسيقي
أثناء بعثة والده إلى انكلترا، عاش الطفل كمال في كنف جده لوالده في طنطا، فكان جَدّه يصطحبه إلى جلسات الإنشاد في مولد السيد البدوي، وهناك استمع إلى أساطين التلاوة والإنشاد مثل الشيخ مصطفى اسماعيل. وهكذا بدأ يكوّن مخزونه الموسيقي الذي تراكم عبر السنين في وجدانه وبه كان يواجه وحدته وغربته وحزنه الذي رافقه منذ دراسته في مدرسة الأرومان الداخلية وزاد ذلك كله حنينه الجارف لوالدته. تلك الوحدة زادها إحساسه بالغربة بين مجموعة طلاب أكبر منه سناً. ولم يكن يخفف وطأة الحزن سوى جلوسه وحيداً يدندن بعض الأغنيات. ولعبت المصادفة دورها حين استمع إليه مدرس الأناشيد في المدرسة محمد صلاح الدين وأعجب بصوته وقدمه إلى المفتش العام للموسيقى أحمد خيرت المعروف حينذاك إذ كان التلاميذ يحفظون أناشيده ويتغنون بها. وهكذا أصبح كمال المطرب الرسمي للمدرسة التي قررت إقامة حفل في نهاية العام لتقديم مطربها الموهوب، لكن بديلاً حل مكانه، فما السبب؟؟
بدلة سموكنغ أو لا غناء!!
كان شرط المدرسة أن يلبس كمال بدلة سموكنغ كي يقف على المسرح. لكن الحرمان والكبرياء حالا دون تحقيق هذا الشرط التعجيزي، إذ لم يكن يطلب شيئاً من والده وكانت كبرياؤه تمنعه من طلب أي شيء من أحد أعمامه أو أقربائه. وبذلك ضاعت الفرصة حيث استبدل بتلميذ آخر موهبته أقل لكن حالته المادية مكنته من شراء بدلة رسمية فكانت واقعة أدمت قلب الفتى الصغير قرر على إثرها هجر الموسيقى والمدرسة.
وعي سياسي مبكر
ولد كمال الطويل وسط عائلة لها تاريخ طويل في الحركة الوطنية المصرية، عائلة عريقة تجمع تفاصيل شخصية مصر. فعمّه هو توفيق باشا الطويل أحد تلامذة الزعيم سعد زغلول وأحد قادة حزب الوفد القديم الذي كان يتزعم الحركة الوطنية الشعبية في مصر في الفترة الممتدة من ثورة 1919 إلى ثورة 1952.
والده كان شاعراً مشاغباً في شبابه وصوفياً في مراحل حياته المتقدمة. استمع كمال الصغير إلى قصة النشيد الشهير "يا عم حمزة" الذي ألقاه والده عندما كان طالباً في السعيدية الثانوية وفي طياته صرخة ضد الاحتلال الانكليزي والملكية "يا عم حمزة.. إحنا التلامذة.. ما يهمناش الجن ولا المحاكم.. واخدين ع العيش الحاف.. والنوم من غير لحاف.. مستبيعين مستقلين ومصر حرة". وقام محمود الحفني الطالب بنفس المدرسة بتلحين هذا النشيد ليصبح لسان حال كل الطلبة ثم انتشر في كل مصر مما حدا إدارة المدرسة إلى التحقيق مع الطالبين محمود زكي الطويل ومحمود الحفني بتهمة (عشق الوطن) وتم فصلهما لمدة عام.
هكذا تفتح الوعي السياسي باكراً لدى كمال الطويل وبقي الهاجس الوطني كامناً في وجدانه حتى قامت ثورة يوليو عام 1952، لتطفو المشاعر مجدداً على السطح، ومن ثم كان العدوان الثلاثي على مصر، سبب تفجر طاقات الطويل في ألحان دفعته إلى قمة الانتشار عبر كلمات صلاح جاهين وعبد الرحمن الأبنودي وصوت عبد الحليم حافظ الشجي السلاح القوي الذي عبرّ من خلاله عن مشاعره الجياشة.
شهدت فترة الخمسينيات وما بعدها أحداثاً سياسية متتالية وحروباً فكانت الأغنية الوطنية وسيلة تعبير قوية عن مشاعر الجماهير والتي زاد انتاجها بحكم المناخ السائد فباتت الأعلى صوتاً رغم إنتاج أنواع أخرى، وكان كمال الطويل رمز من رموز تلحين الأغنية الوطنية رغم أن هناك من سبقه إليها مثل محمد عبد الوهاب ورياض السنباطي، وكان استعانته بصوت عبد الحليم الشاب، من الأمور التي وضعت الطويل في مصاف الملحنين اللامعين الكبار.
فكيف بدأ التعاون بين الطويل وعبد الحليم؟
الطويل وعبد الحليم، مسيرة حافلة
عام 1947 سافر كمال الطويل إلى القاهرة، وهناك ذهب للسؤال عن صديقه أنور منسى في معهد الموسيقى العربية فقيل له إنه في بروفة مع الأستاذ محمد عبد الوهاب على أغنية "اتمختري واتمايلي يا خيل" لليلى مراد، فتح كمال باب غرفة البروفة بعفوية فغضب عبد الوهاب لكن منسى سارع ليهمس في أذنه (إنه صديق من الاسكندرية وليس له في الموسيقى) فاستأنف عبد الوهاب البروفة، لكن كمال الطويل خجل من الأمر ودفعته كبرياؤه إلى أن يقرر عدم العودة إلى الاسكندرية وأن يواصل دراسته للموسيقى في القاهرة كي يكون مطرباً وبذلك توجه إلى معهد الموسيقى والمسرح وطلب من العميد يومها محمود الحفني أن يسجله لكن الأخير اعتذر منه لأن الدراسة بدأت قبل ثلاثة شهور، وحينها اكتشف الحفني إن الواقف أمامه هو إبن صديقه القديم زكي الطويل فعقد له لجنة فورية قررت قبوله بالمعهد لكنه اكتشف إن زملاءه يفوقونه في المستوى لأن غالبيتهم من متخرجي معهد فؤاد الأول ومنهم: أحمد فؤاد حسن، علي اسماعيل، فايدة كامل وعبد الحليم شبانة.
عبد الحليم لفت نظر كمال الطويل لصغر سنه ونحول جسمه وهنا يقول الطويل عنه:
ـ خلال دراستي بالمعهد كان عبد الحليم يأتي إلي قسم الأصوات ويواظب على حضور محاضرة التمثيل وفي يوم سألته عن ذلك فقال: أنا بقسم الآلات وأحب التمثيل.
فارتاح الطويل له وأخبره بأنه ينوي ترك الدراسة في المعهد لأنه يجد صعوبة في اللحاق بزملائه فطلب منه حليم التروي وكان يمر عليه يومياً لمراجعة ما فاته من مناهج. وتكررت اللقاءات بينهما وتوطدت الصداقة وكل منهما يتحدث عن أحلامه، كمال في عالم الغناء وحليم في عالم الموسيقى. لكن كل منهما اكتشف موهبة معاكسة لدى الآخر.
فعبد الحليم اكتشف لدى الطويل ملحناً أكثر منه مطرباً فسأله ذات يوم: لماذا لا تلحن فاستحسن الطويل الفكرة وراح يبحث في أشعار والده فوجد قصيدة تقول: "إلهي ليس لي إلاك عوناً.. فكن عوني على هذا الزمان"، أعجب حليم باللحن واتفقا على اختيار زميلتهما فايدة كامل وكانت مطربة معتمدة في الإذاعة، لغناء القصيدة التي نجحت إلى حد بعيد ما دفع كمال إلى اختيار قصيدة أخرى لوالده تقول: "قل ادعُ الله إن يمسسك ضرّ" غنتها شادية وفي المعهد ساعده استاذه بالمدرسة محمد صلاح الدين في معرفة معالم المقامات الشرقية.
يقول الطويل: اكتشفت صوت عبد الحليم خلال دراستنا بالمعهد فعبد الحليم هو الذي حفّظ فايدة كامل أغنية "إلهي ليس لي غيرك عونا"... وبعد تخرج عبد الحليم في المعهد كان مرشحاً لبعثة دراسية إلى روسيا ولكنه عمل في طنطا فكان همّي أن يعمل بالإذاعة ولكن آلة الأوبوا التي تخصص فيها عبد الحليم لم تكن مدرجة في فرقة الإذاعة يومذاك، ومع ذلك وافق حافظ عبد الوهاب على التحاق عبد الحليم بالفرقة الموسيقية للإذاعة وكان الأخير مستشار الموسيقى التصويرية للعديد من الأفلام ومدير موسيقات الجيش.
ويكمل: بعد تخرجنا من المعهد ذهبت للعمل في الاذاعة بينما عمل حليم مدرساً براتب 8 جنيهات. لكن بعد سعي حثيث تم اعتماد عبد الحليم كعازف بفرقة موسيقى الإذاعة في العاشر من كانون الثاني عام 1949، أصبح راتبه الشهري 25 جنيهاً وهذا يعد نقلة مهمة في حياة عبد الحليم.
أما أول أغنية غناها عبد الحليم من ألحان الطويل فكانت في العام 1954 وعنوانها "لقاء" وهي من كلمات صلاح عبد الصبور. فيما كان أو لقاء وطني بينهما مع صلاح جاهين في العام 1956 وقصيدة "إحنا الشعب" أو أغنية يتغنى بها الثنائي للرئيس عبد الناصر بعد انتخابه من قبل الشعب لرئاسة الجمهورية.
وبعد العدوان الثلاثي على مصر كانت الأغنية الأكثر انتشاراً "السد العالي" أو "حكاية شعب" التي كتبها أحمد كامل وغناها حليم في حفل أضواء المدينة في أسوان لمناسبة وضع حجر الأساس لبناء السد العالي وبحضور الرئيس عبد الناصر واستقبلت بعاصفة من التصفيق والتشجيع غير مسبوقين، وكان ذلك عام 1960.
وبسبب ازدياد حركات التحرر والاستقلال في البلدان العربية ازداد إنتاج الأغنية الوطنية بسبب إقبال الشعوب العربية عليها فكانت أغنية "الجزائر" عام 1962 إحدى أغنيات المرحلة لحليم والطويل.
وفي عام النكسة أقام حليم والطويل والأبنودي في مبنى الإذاعة ولم يخرجوا إلا بعد إنتاج عشر أغنيات تتعلق بالحدث أهمها "أحلف بسماها".
وفيما بعد أصبح الثلاثي الطويل وجاهين وحليم رموز الثورة الإعلامية الأولى. إذ عبروا عن طموحاتها في كل أوقاتها وعن مطالب الناس في الحرية والتنمية والوحدة العربية، وهي ألحان نالت شهرة وانتشاراً، حفظها الشباب عن ظهر قلب على امتداد ارض الوطن العربي. خاصة أن الطويل وضع مشاعره في نغمات وإيقاعات شعبية قريبة إلى الأذن العربية مثل "حكاية شعب" أو (السد العالي) التي كتبها أحمد شفيق كامل. وأغنيات: "المسؤولية"، "بستان الاشتراكية"، "صورة"، "يا أهلاً بالمعارك"، "بلدي يا بلدي"، "وجميعها كتبها صلاح جاهين وغناها عبد الحليم حافظ، الذي كان من حسن حظه غنائها إذ أسهمت بصعود نجمه كمطرب الجماهير. وفي كل عام كان الثلاثي يقدم واحدة من هذه الأغنيات في شهر تموز أي في مناسبة عيد الثورة واحتفال مصر بها.
ويعزى نجاح الأغنيات أيضاً إلى بساطة اللحن الغنائي وروحه الشعبية المندفعة والكلمة الجديدة، حملت في طياتها الأحلام الوطنية والاجتماعية، ما دفع الملايين إلى الالتفاف حولها واحتضانها، كما أن الطويل قدمها في قالب تطريبي بسيط مع سمة الهتاف الجماعي في بعض الجمل اللحنية كل ذلك مغلف بضخامة موسيقية وتوزيع أوركسترالي وآلي يعتبر حديثاً في ذلك الوقت، ابتكره الطويل واستمر على منواله إلى الستينيات حين قدم لحليم أغنيات رومنسية شجية مثل "بلاش عتاب" في فيلم "معبودة الجماهير" حيث دمج أفكاراً شرقية وغربية معاً في إطار تعبيري درامي حالم.
لكن يبدو أن المشوار الطويل بين علمين بدأ يتأثر بالتغيرات العديدة المحيطة بهما، خاصة بعد نهاية عهد الثورات والانتصارات أو الانكسارات وتغير مناخ الأغنية ورغبة عبد الحليم ربما أو تطلعه إلى أسماء أخرى بارزة في عالم التلحين أمثال الموجي وبليغ حمدي وآخرين فكانت الشرارة الأولى خلافاً على قيادة الفرقة الموسيقية، حيث كان عبد الحليم يرغب دائماً بإعطاء التعليمات وقيادة الفرقة الموسيقية بوجود الطويل الذي لم يعجبه الأمر، في حين كان الموجي لا يمانع في قيادة حليم للفرقة في الحفلات، فكان ابتعاد الطويل عن حليم الذي بدوره التجأ إلى الملحنين المذكورين اللذين أوصلاه إلى النجاح، كما كانت ألحان محمد عبد الوهاب في الأفلام.


المستقبل - الاثنين 4 شباط 2008 - العدد 2866 - ثقافة و فنون - صفحة 20

التعديل الأخير تم بواسطة : غازي الضبع بتاريخ 05/09/2009 الساعة 12h32
رد مع اقتباس