عرض مشاركة واحدة
  #33  
قديم 06/12/2008, 05h19
الصورة الرمزية MUNIR MUNIRG
MUNIR MUNIRG MUNIR MUNIRG غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:27439
 
تاريخ التسجيل: mai 2007
الجنسية: Egyptian American
الإقامة: الولايات المتحدة
العمر: 84
المشاركات: 568
افتراضي رد: قصص وحكايات الفنانين العرب في مصر

قصص وحكايات الفنانين العرب في مصر(22)-2
محمد القبانجي مطرب العراق الأول '2-2'
كان منزلهم صالون فن اجتمع فيه الشعر والغناء وكان تاجرا غنيا استغنى بثروته عن نفاق الأغنياء
القاهرة - 'القدس العربي' - من عبدالفضيل طه 06/12/2008



القاهرة - 'القدس العربي' - من عبدالفضيل طه: قلنا من قبل أن القبانجي أتى بمقام جديد لم تعرفه الموسيقى العربية من قبل، أطلق عليه اسم مقام اللامي ويؤكد ناقد عراقي انه ناظر المدرسة الرابعة في الموسيقى العراقية وصاحب التجديد الأول منها. لكن من هو القبانجي الذي ملأ الدنيا أنغاما وطربا؟، هو محمد عبدالرازق أما لقب القبانجي فقد جاء له من مهنة أبيه القباني 'الوزان' وفي العراق ينطقونها 'قبنجي' أو 'قابنجي' وكان والده يعمل بهذه المهنة وهي وزن البضائع في الميزان المعروف بهذا الاسم في محلة سوق الغزل ببغداد وهو نفس الحي الذي يسكن به وشهد مولد ابنه الفنان محمد، وتقول المصادر التاريخية الفنية العراقية أن الصغير محمد عمل مع والده في مهنة الموازين هذه، وهو في سن مبكرة، وكان في هذا الشأن مثله مثل أحمد أبو خليل القباني في سورية والذي كان له باع طويل في الغناء والمسرح الغنائي العربي إذ كان هو الآخر ابن رجل يعمل في نفس المهنة وعمل وهو صغير مع والده ومن المعروف أن أبو خليل القباني هو جد الشاعر نزار قباني.

حب الغناء

كانت بغداد في ذلك الزمن تموج بأنواع الغناء الشعبي ومسامرات شعراء الربابة ومطربي الموال العراقي - وكان والده ميسور الحال محبا للغناء، فكان منزله يرحب بأساطين فن المقام العراقي وكان يشاركهم الغناء لأنه كان يملك صوتا جميلا قال عنه بعض من كتب عن القبنجي انه لم يكن يقل علما بالموسيقى عن النابغة ابنه.
كان منزلهم في محلة سوق الغزل إذن مسرحا للغناء، فوجد الصبي ميلا شديدا للغناء واستطاع أن يحفظ كل ما كان ينشد في منزلهم في ليالي السمر ويردد الشعر والغناء وما سمع، بين أقرانه الذين وجدوا فيه فنانا كبيرا.
في سن 12 سنة، بدأ مطربنا في الغناء بعد أن أتقن عشرات المقامات العراقية والموشحات الأندلسية والطقاطيق العراقية أو على الأصح الأهازيج، وكانت بدايته وهو صغير السن موضع اعجاب كل من سمعه وخاصة، والداه الذين كانوا أول من استمع إليه وعرفوا إمكاناته وموهبته. الموهبة وحدها في عالم الموسيقى لا تنفع فلابد من أن يكون هناك من يصقل هذه الموهبة بالدروس العميقة في بحور النغم وهذا ما فطن إليه المطرب الصغير محمد القبانجي، فكان ان أصر على تلقي علم موسيقى المقام العراقي على اساطينه وعلمائه في ذلك الوقت قدوري العيشة ومحمود الخياط وولي بن حسين، واستطاع ان يستوعب علم كل واحد منهم فأصبح استاذا في مجاله لا يشق له غبار، في نفس الوقت عكف على دراسة الشعر العربي قديمه وحديثه وعلى كتب الأدب عند الأقدمين فأصبح راوية للشعر مثقفا ثقافة عربية عالية فاصبح ثقة في تاريخ الأدب العربي فكان ان جمع بين الحسنين اتقان فن الموسيقى واتقان فن القول، وهذه الثقافة صقلت من امكاناته حتى اصبح واحدا من ظرفاء العصر في بغداد محدثا لبقا ونديما يسعى الكبار للجلوس معه لينهلوا من فيض ثقافته وهو بذلك يذكرنا بموسوعية كامل الخلعي الذي لم يكن يشق له غبار في عالم الموسيقى في نفس الوقت الذي كان فيه أديبا عظيما نظم كثيرا من الأدوار التي تغنى بها رفاقه من الموسيقيين مثل دور 'شرف حبيب القلب' ودور 'حسن طبع اللي فتني'، وهذا يؤكد أن وطننا العربي كثيرا ما يقدم العباقرة في شتى الميادين.
والقبانجي مثل الخلعي، كان يقول الشعر باتقان ويجيد اللغة العربية اتقانا مذهلا لأنه كما قلت سابقا رجل محب للثقافة، وبجوار كل هذه المحاسن الثقافية، كان محمد القبانجي رجلا ملتزما لم يعرف عنه انحرافا وكان متدينا لا يحب الإسراف في شيء، كما انه لم يكن في حاجة إلى التكسب من فنه لأنه أجاد فن التجارة وكان من أغنى تجار العراق فلم يكن في حاجة إلى نقود الفن، ولعل غناه هو الذي جعله فردا منفردا في البحث عن الأحسن واتصافه بعزة النفس وعزوفه عن تقبل السهر في بيوت الأغنياء لأنه كان مثلهم.
وفي حديث صحافي له كتب المحرر يقول:
التقيت به فطافت بخياله حياته التي تتصف بالنبل والانسانية العميقة والتواضع الذي يخجل من يجلس أمامه، فهو الفنان الكبير والرجل التاجر الثري أي أنه جمع المال والشهرة لكنه في نفس الوقت كان التواضع بعينه، وعلى الجدار في مكتبه علق لوحة مكتوب عليها:
مسائل مالها حل ولكن إذا نسيت... فالنسيان حل
وقال الكاتب الصحافي أن القبانجي جمع بين الفن والأدب فكان كالنحل في خليته يضع الشهد للناس. ولأنه كان موهوبا دارسا فقد أعاد للمقام العراقي رونقه بعد ان كاد يضع نتيجة اختراق الموسيقى العربية موسيقانا باسم التجديد والتطعيم، لكن القبانجي كان يؤمن بأن تطوير موسيقانا يجب أن كون من داخلها وليس عن طريق تشويهها بغناء ومقامات غربية تفقد الشخصية العربية واحدا من أهم مقوماتها وهي الموسيقى التي تعبر عن حياتنا فعلا.
وقديما قيل اسمعني موسيقى قوم أقول لك، من هم.
من هنا وايمانا بهذه القيم، أخذ القبانجي يعالج أوجه النقص في المقام العراقي ويهذب بعض مقاماته ويضيف الجديد من اسلوب غنائه حتى أعاد لهذا الفن رونقه وتبعه الكثيرون من الفنانين الموهوبين كان أقدرهم الراحل ناظم الغزالي الذي كانت له مساهماته هو ايضا في تطوير الاغنية العراقية العربية دون ان يطعمها بموسيقى الآخرين.
من هنا، كان محمد القبانجي يقول عنه انه خليفته في الغناء، لكن ناظم مات قبل استاذه بسنوات طوال.
استطاع القبانجي بفنه أن يكون المطرب الأول في العراق ونستطيع بشيء من المبالغة أن نقول، أنه كان مطرب الدولة، الدليل على هذا ان الحكومة العراقية اختارته هو بالذات ليكون ممثلها في مؤتمر الموسيقى العربية الأول في القاهرة، وعندما عرض عليه نوري السعيد رجل الدولة القوي في العهد الملكي رئاسته وفد العراق، أراد الاعتذار لأن المقام العراقي فن لا تعرفه الشعوب العربية الأخرى، كما ان الجالغي وهي الفرقة الموسيقية التقليدية في العراق تعزف على آلات عراقية بحتة لم تخرج من القطر الشقيق الى باقي البلدان العربية، لكن نوري السعيد لم يقبل اعتذار مطربنا وقال له، استعن بمن تريد بعازفين تعرفهم البلدان العربية.
أو على الأصح تعرف الآلات التي يعزفون عليها، فكان ان استعان القبانجي بعازف القانون يوسف بصون وعزوري عازف العود وسافر الوفد الى القاهرة ومعه فرقة الجالغي البغدادي برئاسة يوسف حكومي بتو وكان يوسف هذا من أمهر العازفين على آلة السنطور، وفي القاهرة نالت هذه الفرقة كل اعجاب وهي تصاحب ملك المقام العراقي في حفلاته او تسجيلاته التي نستمتع بها من خلال الحصول عليها من دار الأوبرا بعد اعادة طبعها.

مدرسته الأولى

كانت مدرسته الأولى في الغناء كما قلنا مع والده الذي كان يعمل وزانا أي قبانجي بلغة العراق في الأكخانة في شارع المتنبي وورث محمد مهنة والده وزانا والتحق مع عمه بنفس المهنة في حي الشورجة في خان الشاهبندر.
وفي هذا الحي أخذ يتردد على المقهى الذي اشتهر بتقديم فن المقام وكان أساطينه أو قل اساتذة هذا اللون من الغناء من رواد المقهى والذين يحيون لياليه ومن هؤلاء قدوري العيشة وسيد ولي ورشيد القندرجي ومحمود الخياط وتوثقت الصداقة بين هؤلاء الأساتذة والمطرب الصغير الذي استوعب الكثير من أعمالهم الفنية وطور فيها كما قلنا حتى فاق الجميع وحفظ للعراق تراثه الرائع، في اسطوانات قام بتسجيلها ابتداء من عام 1926 كما سافر إلى المانيا وسجل العديد من الاسطوانات هناك وهي تؤرخ للمقام العراقي في أحسن صوره النغمية وهي نفس التسجيلات التي أعيد طبعها على شرائط، وأذكر وأنا في زيارة للعراق كما ذكرت انني قمت بشراء العديد منها حيث كانت تباع في شارع الرشيد في عاصمة الرشيد أعادها الله إلى ما كانت عليه.
وحكى المطرب الراحل في احدى مقابلات الصحافية، انه اختار مقام الحسيني عند تسجيله اول اسطوانة سنة 1926 يقول مطلعها.
جاد الحبيب بما أراد وباحا
فجنيت من وجناته تفاحا
اتبعتها بعدة مقامات أخرى وحتى سنة 1949 سجلت 80 اسطوانة، واثناء رحلته في المانيا جاءه نبأ وفاة والده فنظم أبياتا ولحنها على مقام اللامي الذي ابتدعه يقول مطلعها:
علام الدهر شتتنا وطرنا
عقب ذاك الطرب بالهم وترنا
ألف يا حيف ما كفينه وطرنا
وهي كما ترى أبيات شعبية فيها من الألفاظ العامية العراقية الكثير وتذكرنا حادثة وفاة والده وهو في الغربة ما حدث لموسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب عندما تلقى خبر وفاة والده وهو في لبنان وغنى في حفل هناك قصيدة حزن تماما كما فعل القبانجي، والطريف في الأمر هنا، أن وفاة والد كل منهما كان في نفس العقد تقريبا!
مع عبدالوهاب وأم كلثوم
ولما كان الشيء بالشيء يذكر، فقد التقى القبانجي في القاهرة أثناء مؤتمر عام 32 بموسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب وأم كلثوم والقصبجي وزكريا أحمد وغيرهم من كبار الفن والموسيقى وقوالب الغناء في مصر والعراق واستمع أبناء مصر منه واستمع اليهم كما كانت له ليال معهم ومع شاعر العربية أحمد شوقي الذي كثيرا ما كان يسأل عن الشعر الشعبي العراقي ويطلب سماع أغنيات بهذه اللهجة التي أحبها شوقي وأيضا شاعر الشباب أحمد رامي الذي كثيرا ما كان يحضر هذه الأمسيات القليلة التي صحبت إقامة القبانجي في القاهرة.
وكان الفنان القبانجي ملتزما بقضايا وطنه، عربي اللسان، قومي الهوى وقد عرضته هذه المواقف الى كثير من المتاعب مع السلطة العراقية نظرا للتقلبات السياسية في ذلك الوقت وموقفه الواضح من التزامه العربي.
وعندما شعر بالمرض أو أعراض الشيخوخة تدب في جسده أعلن اعتزالـــه الغناء لكن الإذاعة العراقية أبت الا أن تقيم حفلا لوداعه ليكون فيه هو المطرب الأول، وبالفعل أقيم الحفل وغنى الرجل لآخر مرة أمام جمـــاهيره ثم اعتزل لكنه لم يعتزل الحياة وظل يستقبل تلاميذه ومحبيه وزواره من البلدان العربية في منزله بالكرخ حتى ودع هذه الحياة في يوم 2 نيسان (أبريل) سنة 1989 عن عمر ناهز الـ 88 سنة، رحمه الله.


__________________
عايزنا نرجع زي زمان....قل للزمان ارجع يا زمان.

عودة الي الزمن الجميل. منير
رد مع اقتباس