عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 12/01/2010, 18h53
تحسين عباس تحسين عباس غير متصل  
ضيف سماعي
رقم العضوية:401557
 
تاريخ التسجيل: mars 2009
الجنسية: عراقية
الإقامة: العراق
المشاركات: 5
افتراضي اللامقامية وموسيقى مابعد الحداثة

الكثير من الموسيقيين الذين اعتادوا على سماع وتأليف الموسيقى المقامية التي تعتمد على السلالم الكبيرة والصغيرة عندما يأتون إلى مصطلح الموسيقى اللامقامية يقف استفسارهم على عتبة ِالكيفية بعدما تقولَبَ تعبيرهم على التأليف ألمقامي وهو الذي يعتمد على إشعار المستمع بحلاوة الاستقرار ضمن الدائرة المقامية ، وكما هو الخروج عن هذه الدائرة غير مألوفٍ ذهناً كذلك سيكون التداخل الصوتي (الهرموني) أكثرُ حيرة من الأول.وهكذا فقد اعترض بعض الموسيقيين العرب الكبار على هذا الأسلوب التعبيري واعتبرهُ خروجاً عشوائياً عن المنطق الصوتي المنتظم كما جاء في كتاب (الموسيقى تعبير نغمي ومنطق) لعزيز الشوان بقولهِ: ((إن الجرأة في التجديد ضرورة ولكن تحطيم القواعد والأصول لا يمكن أن يعطي فناً له بقاء.. إنه بدعة سرعان ما تزول دون أن تترك أي أثر ويخطئ من يتصور أن النظام ألمقامي (Tonal System) قد انتهى عصره بفعل التجديدات الكروماتيكية التي ابتكرها ريتشارد فاجنر وسيزار فرانك أو بفعل التأثيرية الفرنسية عند دي بوسي ورافيل، كما أن اللامقامية التي ابتدعها أرنولد شونبرج أو الاثنتي عشرية (Dedecaphon) التي هندسها في اتجاهات متطرفة عرضت الجمال في الموسيقى للاختفاء أو الزوال بل أستطيع أن أقول إنها دمرت الجمال والسلاسة والبساطة وقضت عليها تماماً بحجة التعبير عن أحاسيس جديدة تناسب عصر ما بعد الحروب أو عصر القلق. ولتصوير تلك الأحاسيس يستعمل هؤلاء المجددون كتلا صوتية شديدة التنافر أقرب إلى الإزعاج منها إلى الاستمتاع بحجة اكتشاف أشكال جديدة أو الانصياع دون تروٍ لرغبة التجديد حتى لو كانت النتيجة إلى أسوأ )).
فلو رجعنا إلى الأساسيات العلمية التي تكونت منها الموسيقى البدائية ولا زالت قائمة عليها حتى عصرنا هذا؛لوجدنا أن النغمة والزمن هما المقياس الأوحد في التعرف على سلامة الاستماع ودقة التذوق في الذات البشرية ،أي بمعنى آخر أن موسيقى ما بعد الحداثة (اللامقامية) ما زالت تنطلق من هذا المضمار الفني (النغمة+الزمن)إذن فببساطة نستطيع أن نقول : لا وجود للاستغراب والاستنفار الذهني مادمنا نسمع تنغيماً صالحاً على زمنٍ منتظمٍ. فالموسيقى اللامقامية (Atonality): تعنى القضاء على إحساس المستمع بالمقامات الكبيرة أو الصغيرة ، أي الاستغناء عن الدور الذي تلعبه الأصوات الأساسية للسلالم الموسيقية ، والتي تسيطر على العمل الموسيقي،وكذلك القفلات التي تعتمد على الهرمونية للعودة إلى المقام الأساسي وإعطاء الإيحاء بالنهاية أو الاكتمال أو الاكتفاء وذلك لأن المقامات والأبعاد الموسيقية قد استنفدت أغراضها في العصور السابقة ولم تعد تساير الزمن الذي يسوده القلق والتوتر والحروب . وبهذا سيكون انثيالُ الأصواتِ المـُنغَّمةِ بصورةٍ غيرِ مـُقيدةٍ تعبيراً حداثوياً يفتحُ آفاقاً جديدة في هذا الفن الجميل . ومن روادهِ الأوائل الذين أسسوا لهذا الأسلوب البدايات الناجحة هو ارنولد شونبرغ أحد أعظم المؤلفين الموسيقيين في القرن العشرين ، أحدث بنظريته الموسيقية ثورة حقيقة غيرت وجه الموسيقى في أوائل القرن العشرين ، ألف مقطوعته المتميزة (الليل المتغير) لسداسي الآلات الوترية .
والمؤلف الموسيقي ألبان بيرغ و أنطون ويبرن فبرزوا جميعاً كرواد للموسيقى (اللامقامية) في عام 1907 قدَّم ارنولد نظريتيه في " اللامقامية " و" فن " ( تسمى أيضاً الموسيقى السريالية) وهو الفن الذي يعتمد على أساس لا مقامي ورياضي ، دون اعتماد المؤلف الموسيقى على الإلهام والقريحة ، وبذلك صار بوسع المؤلف الموسيقي أن يستفيد من إمكانية ترتيب وتركيب الأصوات على نحو تراجعي أو جانبي أو مقلوب ، فكانت مقطوعته الرباعية الوترية الثانية أول استخدام لنظرية اللامقامية التي خلصت الموسيقى من سطوة المقام الطبيعي . في عام 1911 نشر كتابه المهم (نظرية الهرموني) ،وقبل بوظيفة مدرس للموسيقى في برلين ، وهناك ألف أحدى روائعه الموسيقية (المهرج الممسوس) Pierrot Lunaire.
((حلماً أسْفرت))
في عصرنا هذا برز عدد قليل من المؤلفين الذين جربوا المغامرة في اللامقامية ونجحوا فيها منهم ( جويل خوري) في مؤلفتـِها«حلماً أسْفرَت» يأتي مبرَّراً في الواقع. وهنا تجب الإشارة إلى أنّ اللامقامية في الموسيقى إنتاجٌ نغمي يغوص في أعماق الذات البشرية، إلىدرجة التحرر من التعبير عن حزنها أو فرحها. هكذا يكون اللجوء إلى هذا الأسلوب في تنغيمِ الكلمة الدّالة عن الاضطراب البشري العميق، دعماً لعملية التعبير عن غموضهذه الحالة. لدى اعتماد المقام في الموسيقى الغربية يُنسَب النغم إلى الفرح أو الحزن إجمالاً. من جهة أخرى، اعتمدت( جويل خوري) الجمل المنغمة الجميلة ذات التعبير المباشر،وبعض الاستعارات الشرقية التي تقرِّب العمل من بيئته الفنية والأدبيةالأصلية،وأخرى من الجاز نغماً وإيقاعاً، تعكس إلمام المؤلفة بهذه الموسيقىوإصرارها على توظيفها بغية توقيع العمل بالاسم الموسيقي الكامل.


التعديل الأخير تم بواسطة : هامو بتاريخ 02/02/2010 الساعة 18h38
رد مع اقتباس