ما قبل انت عمري وما بعدها
دَرَج َ أهل الصَّناعة من الموسيقى أن يعدوا مقدمة أنت عمري هي الفاصل بين زمنين من المقدمات الكلثومية طويلها وقصيرها ، زاعمين بذلك أنها أطول مقدمة صيغت ، وأرى أن هذا الرأي يتعاوره شيء من اللادقة .
فمتى نظرتم إلى المقدمات السنباطية -مثلا-ظفرتم بما يفوق دقائق عبدالوهاب في مقدمته ، خذوا مثلا المقدمة الرائعة لقصيدة ذكريات ، إن بها من فنون التصرف ما يجعل االمرء يتوضأ بماء الانبهار لفرادتها .
إلا أن ما يسجل في صحيفة ابداع عبدالوهاب في لحنه تلك الدقة التي جعلت الالات تسير متناغمة دون أن تسبح كل آلة على هواها ،ثم إنه استطاع بحنكته تليين رأس أم كلثوم في تقبل فكرة وجود آلة غربية في تختها ، أضف إلى ذلك براعة اللزم الموسيقية أثناء الغناء ، ولن أطوي صفحة هذه الفكرة دون أن أشير إلى تلك " البروزة " اللحنية لعبدالوهاب الذي فوت على ام كلثوم فرصة الاستئثار بجو المسرح ، فتراه حاضرا في الاذهان مع كل نغمة تغنيها له ام كلثوم.
كل هذه الانجازات الوهابية في لحن انت عمري دفعت بالملحنين الكلثومين أن يسايروه حذو النعل بالنعل حتى السنباطي نفسه الذي خرج من قوقعته ورام النطوير ، ومثال ذلكم أقبل الليل ومن أجل عينيك
__________________
وفي تعب ٍ من يحسد الشمس نورها ** ويجهدُ أن يأتي لها بضريب ِ
|