عرض مشاركة واحدة
  #26  
قديم 06/07/2011, 16h05
محمدخلاف محمدخلاف غير متصل  
ضيف سماعي
رقم العضوية:518411
 
تاريخ التسجيل: mai 2010
الجنسية: مصرية
الإقامة: السعودية
المشاركات: 5
افتراضي رد: لايق عليك الخال ... رائعة حزينة

لم أستطع أن أمر على هذه الصفحة مرور العابرين بعد العزف الشجي الذي قدمه لنا حسن كشك وهدى دولت ومعهما أخونا الآلاتي، على خلفية من رائعة عبد الحليم حافظ الحزينة. الحكاية بدأت معي عندما اكتشفت في سن مبكرة أنني أنتمي إلى صنف مجنون من الناس يمكن أن يربطوا مصيرهم بل ووجودهم كله بأغنية. نعم، هكذا ببساطة، بأغنية. وقد دفعني ذلك إلى استقصاء الموضوع حتى أعرف نفسي أكثر. ولما كنت مهووسا بالفلسفة، فقد عثرت بالصدفة على نص غامض، عندما تمكنت من فك شفرته، بعد تجارب وتمارين طويلة، وجدت فيه تفسيرا للمسألة. النص لهيجل من مؤلف له بعنوان "فينومينولوجيا الروح". وخلاصة النص بعبارة مبسطة بعيدا عن عبارة هيجل المعقدة هي إن الذات الإنسانية تقضي معظم عمرها مغتربة عن نفسها حيث يظهر لهذه الذات كل ما يمكن أن يجعل لها قيمة ومعنى كموضوع خارجي أو كشىء بعيد المنال. وفقط في التجربة العاطفية أو الجمالية أو الدينية تستطيع هذه الذات أن تقضي على اغترابها وتعثر على معناها الضائع من خلال الله الذي تعبده أو الآخر الذي تحبه أو الأغنية التي تحرك وجدانها. ذلك أنه في كل تلك التجارب يتم القضاء على الإنفصال بين الذات والمعنى وتتمكن الذات لأول مرة من التفكير مباشرة في نفسها كأنها تنظر في مرآة، وتصبح فجأة مشبعة بالمعنى. هذا المستوى العالي من تحقيق الذات لنفسها بلغه حسن كشك وعبرت عنه برهافة هدى دولت، بسبب أغنية. حدث لي شىء من ذلك وأنا جالس ذات مرة في قطار عويطة الذي كان يقطع المسافة بين الدار البيضاء وبين الرباط. كنت أمر بتجربة الحب الأول وكانت حبيبتي تجلس إلى جواري عندما انبعث صوت خوليو إيجليسياس فجأة من مذياع القطار الداخلي يصدح بأشهر موسيقا التانجو الغربي لا كومبارسيتا والبالوما. في البداية أصغيت للموسيقا بسمعي ثم بوجداني ثم بجسمي كله. وتبادلت أنا وحبيبتي نظرة حب وحنان وقد عكست وجوهنا ووضعياتنا حكاية اللحن والأفكار والمشاعر التي كان يستحثها فينا. لقد كنا ندلف سويا إلى عمق الموسيقا الذي يفوق الوصف حيث تتولد كل عواطف وجودنا الأعمق. وهكذا استسلمنا سويا لنشوة الموسيقا بينما كان القطار يخترق حاجز الزمن ويقطع بنا مسافات روحية شاسعة. أن تنصت إلى معزوفة موسيقية هو بالضبط أن تخرج من عالم، وتدخل في عالم آخر. وباستمرار تجربة الاستماع، يتواصل "الخروج - الدخول" إلى أن يصل المستمع إلى درجة يصبح فيها هو الموسيقى التي تعزف بلا أدنى فاصل أو مسافة. أي يصبح في لحظة واحدة "موسيقا تفكر في الموسيقا" أو بالتعبير الهيجلي يصبح الفرد مسكونا بالروح. وبقدر ما تأسرنا الألحان المسموعة بعذوبتها، فإنها تهييء أرواحنا لاستقبال ألحان غير مسموعة أعذب منها. (مريت على بيت الحبايب) مثلا لعبد الوهاب. وخصوصا عند آخر مقطع في الأغنية (قلت يمكن اللي هاجرني / يكون وقوفي على غير مراده) وهو بالمناسبة على إيقاع التانجو وعزف الأكورديون. وأيضا قصيدة (سهرت) لعبد الوهاب والتي يعتبرها البعض المحاولة الأكثر اكتمالا ونجاحا في تلحين أغاني عربية على إيقاع التانجو. (سهرت منه الليالي / ما للغرام ومالي ؟ / إن صد عني حبيبي / فلست عنه بسال / يطوف بالحب قلبي / فراشة لا تبالي). أغنية يتضوع منها عطر الحب الرومانسي. حب يقطر من أغنية. أما الأغنية التي تضربني بأجنحة روعتها وخفتها غير العادية فهي أغنية (أنا قلبي دليلي) لليلى مراد. وهي أغنية على وزن الفالس ظهرت فيها ليلى مراد وهي تراقص أنور وجدي في حفلة تنكرية وتغني من ألحان محمد القصبجي (أنا قلبي دليلي / قال لي ح تحبي / دايما يحكي لي / وبا اصدق قلبي). وبعض أنواع الموسيقا له قدرة فائقة على استثارة إحساسات متنوعة داخل أنفسنا، ونحن نصغي. كأن نرى ونتذوق ونشم في نفس الوقت. وثمة أغنية من هذا النوع، لا أسمعها في الحقيقة بل أشمها شما هي أغنية (في قلبي غرام) لمحمد عبد المطلب. تجعلني هذه الأغنية أشم رائحة أبي وأمي و"أتذكر أشياء مضت" حسب تعبير مارسيل بروست. وأبلغ من خلال التذكر، لحظة الخشوع والذوبان وتوحد الذات مع الموضوع. وإذا كان صحيحا، كما يقول أوليفر ساكس في كتابه "نزعة إلى الموسيقى" أن بعض الناس لديهم القدرة على أن يحددوا فورا درجة النغم لأي نغمة موسيقية من دون تفكير أو مقارنة بنغمة قياسية خارجية. فيقولون مثلا: "إن السماء ترعد في G" أو "إن الريح تصفر في D" فإنني أستطيع أن أقول على نفس المنوال، "إن العالم بل الكون كله ينتهي نهاية رائعة بالحب في أغنية أم كلثوم (ودارت الأيام) خاصة في ذلك المقطع الذي تقول فيه:

وصفوا لي الصبر لقيته خيال وكلام في الحب يا دوب ينقال


أهرب من قلبي أروح على فين ليالينا الحلوة في كل مكان


مليناها حـب إحـنا الاتنين وملينا الدنيا أمـل وحـنان



وبعد
أنا مبسوط وسعيد جدا بكم
لأنني أتفتح وأزدهر إنسانيا معكم وبكم
يلزمنا هواء نقي
يلزمنا المزيد من الهواء النقي
تقبلوا محبتي

التعديل الأخير تم بواسطة : الألآتى بتاريخ 06/07/2011 الساعة 19h42
رد مع اقتباس