الموضوع: ابتسام لطفي
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 20/09/2007, 21h39
الصورة الرمزية محمد الحمد
محمد الحمد محمد الحمد غير متصل  
أميـر النغـم
رقم العضوية:1070
 
تاريخ التسجيل: avril 2006
الجنسية: عربي
الإقامة: جدة
العمر: 49
المشاركات: 592
افتراضي ابتسام لطفي

إنها كالماء».. كلمتان تلخصان حكاية أسطورة غناء قَدمت من قمم الحجاز الطائفية، حيث ولدت عام 1951، وصدح صوتها كسوسن الفجر رقيقا حينما رتلت في طفولتها القرآن الكريم في الكتّاب، وفاض بأحاسيس إيمانية آسرة لسامعيه؛ تهتدي على إثرها إلى الضوء، والذي أبسط ما يمكن أن تقول عنه، إنه بعيد حد شفافيتها العذبة، تندلق معه القلوب بوداعة المخمل إلى حيث نبضها الذي استوطن الليل طويلا في عينيها.

كان محقا سيد الأغنية السعودية الراحل طلال مداح حينما أسماها ابتسام لطفي فيما اسمها الحقيقي (خيرية قربان)، مبررا ذلك لها «قد يبتسم لك الزمن وتكونين نجمة تتألق في سماء الفن»، وكان حدسه صحيحا بعدما تبنى انطلاقتها في أولى أغنياتها (فات الأوان) للطفي زيني، وتمدد صوتها خارج حدود الخليج، فمن كان يحسبُ يوما أن الكفيفة، قد تقف على أكبر مسارح مصر، وتغني ضمن كبار المطربين العرب؛ أولى أعياد ذكرى انتصار أكتوبر المجيد سنة 1974.
«لا أعرف العجز» و«أغني وأنا جائعة لأن غناء الشبعان لا يصدر من القلب».. هكذا تبدو بكلماتها؛ امرأة لا تملك سوى الحلم الذي يتوسل ظلام عينيها منذ أن فقدت بصرها في الطفولة، وبقيت معها بقايا ألوان وشخوص عبروا سريعا، وأمنية فقط لهذه الفتاة اليافعة التي لم تكمل تعليمها هي نافذة ضوء أخرى تضاهي ضوء الشمس الذي بحثت عنه في رحلتها العلاجية إلى اسبانيا والعمليات الجراحية المستمرة، ولكن الظلام يأبى إلا أن يكون رفيقا لها. ويتسلل إليها ضوء منذ صباها حين كانت تدندن مع أصوات عمالقة الفن الرفيع؛ أم كلثوم.. فيروز.. نجاة الصغيرة.. فايزة أحمد.. حليم.. عبد الوهاب وغيرهم، ولم يدر في خلدها أن يوما سيبتسم لها القدر، وتغدو بينهم في إعلام عربي محدود مقصور على الأسماء الكبيرة فقط. يقول عنها المؤرخ الفني السعودي محمد رجب «ابتسام كانت من الأصوات الرائدة التي نقلت الأغنية السعودية إلى العالم العربي، فأغانيها كانت تبث من الإذاعة المصرية» ويسكت قليل ويعود إلى الوراء «لم تكن مثل بقية المطربات السعوديات في عصرها ممن اكتفين بالغناء فقط في الأفراح والمجتمعات النسائية مثل الفنانة توحة، لكن ابتسام كانت الأولى في الوصول عربيا بصوتها».
ولكن لماذا استطاعت دون غيرها؟ يقول سراج عمر الملحن السعودي الذي لحن لها بعض أغانيها «لقد اعتادت أن ترى الأشياء بإحساسها، لهذا امتازت بأنها سريعة البديهة، ولديها قدرة كبيرة على الحفظ، وأذنها موسيقية مرهفة» فلم تكن متعبة حينما ينفذ معها الملحنون أغانيها.
وما بين أذن مرهفة وذاكرة حافظة، كانت قد أتقنت العزف على العود الذي احتضنته بين يديها، وقد عرفها بهذه الآلة الموسيقية كما تقول في احد حواراتها الإذاعية عام 1984 «شابا يسمى محمود عبد العزيز»، ولكن من الذي علمها؟ تقول «من علمني كيف أعزف على العود هو عبد الرحمن خوندنة، الذي كان يضرب على أصابعي بقوس الكمنجة حتى يعلمني».
وفيما استطاعت أن تحفظ الكثير من الشعر؛ ظلّت أيضا تقرض الشعر بأسماء مستعارة، واستطاعت بأدائها الغنائي المرهف؛ أن جعلت كبار الملحنين والشعراء يتعاونون معها، ويذكر علي فقندش المسؤول الفني في إحدى الصحف السعودية تعاونها مع «أحمد رامي وإبراهيم ناجي في (ساعة لقاء)، وفاروق شوشة في (نداء)، وطاهر زمخشري وبدر بن عبد المحسن وغيرهم». ومن الملحنين «رياض السنباطي ومحمد الموجي وأحمد صدقي و طلال مداح ومحمد عبده وسراج عمر وعمر كدرس وطارق عبد الحكيم». كما غنت من الشعر القديم (يا غائبين) ليزيد بن معاوية؛ التي اختارها لها فاروق شوشة؛ القصيدة المفضلة لديه، وبرر اختياره بقوله «هزني صوتك وملأ نفسي بأشياء كثيرة، وسبق أن قال لك رامي أنك تغنين بدموعك قبل صوتك».
ولكن تظل للحظات عطرها وللقصائد حكاياتها، وحينما يتذكر تاريخها قصيدة (وداع) التي غنتها بشفافية عالية عام 1973، أرسلت خلال كلماتها صوتها بعيدا حد الغسق، حتما سيذكر العملاق السنباطي والرومانسي رامي، الذي كتبها لها خصيصا بعد أن آثر السفر إلى القاهرة من دون وداعها، بعد لقائهما في بيتها بجدة عندما قدم لأداء فريضة الحج.
ولكن لماذا رفض توديعها؟ تقول عبر حوارها القديم «عندما أراد أن يغادر مدينة جدة وأردت أن أودعه قال: لا أستطيع أن أودع؛ لأنني أمتلك رومانسية حمقاء قد تؤذيك، وكتب قصيدة وداع؛ لأنه لا يحب الوداع»، وفي هذه القصيدة يقول لها: يا حبيبي وأنت أغلى من الروح... وأشهى من الحياة للصادي لست أنساك راحلا ومقيما... كيف أنسى في العيش مائي وزادي ورامي الذي ارتبطت به ابتسام من قبل أن تراه كما قالت ذات مرة من خلال صوت أم كلثوم وأغنياتها جعلها شديدة الإعجاب به كشاعر، لكن هذا الإعجاب ازداد في نفسها الآملة إلى رؤية بريق الضوء، وهي المرأة الكفيفة التي لا تملك سوى إحساسا يخبرها بمن تعرفهم، لتصفه بقولها «لم أكن أعلم أنه يحمل قلب إنسان إلا عندما التقيته في منزلي بجدة».
وحملت وداع أيضا ذكرى لقائها بالسنباطي ليسجلها لها، والذي لم يكن حينها مقتنعا بها كونها آتية من الخليج، وكما يذكر الصحافي عبد الرحمن الناصر في تقرير أعده حولها، موقفه من تلحين (وداع) ورفضه لها في بادئ الأمر، حيث تعاقده مع شخصية سعودية أخرى لأداء المهمة. لكنه كما يقول الناصر نقلا عن مذكراته «لا توجد هناك مطربات بهذه الإمكانية في السعودية وبعد دخولي إلى الاستوديو سمعت صوتها وأداءها وأوقفت التسجيل وأرجعت المبالغ لهذا الشخص، واستبدلت اللحن ليوافق هذه الإمكانية الخرافية، ولهذا تعاونت معها مراراً لأنها بالفعل من أفضل مطربات ذلك الجيل، جيل أم كلثوم وفيروز وسعاد محمد».
أما الملحن الكبير محمد الموجي فهو الآخر ممن لحنوا لها، ومن أقواله أنها «نافست الكثير من النجوم، وأصبحت حديث الأوساط الفنية في مصر، ومن وجهة نظري اعتبرها كوكباً آخر يطل علينا من الجزيرة العربية»، ترى هل كان يقصد كوكبا آخر بجانب كوكب الشرق أم كلثوم؟
ربما كذلك، وكان رامي الصديق القريب من كوكب الشرق أم كلثوم قد أطلق على ابتسام مسمى أم كلثوم الصغيرة عام 1970، وذكرت هي في إحدى حواراتها الصحافية أنه وصفها بـ(كوكب الجزيرة وشادية العرب) في خطاب خطي احتفظت به.
ويأتي صوتها شجيا وهي تتغنى بكلمات طاهر زمخشري عام 1977، التي لحنها لها محمود جميل حين تتدفق أحاسيسها بـ«هواك أعاد لي ثقتي بنفسي... وراب المنى أعماقي... ونور درب آمالي وأحيا... بموت مشاعري بالأماني»، فـ«بابا طاهر ليس مجرد ذكريات بقدر ما هو حقيقة ساطعة في حياتي».. هكذا تقول عنه في حوارها الإذاعي المأرشف.
لتكمل «هو صورة نطقت بالحب الإنساني الذي ملأ جوانحي بعد يأس الظلام»، فيما وهبها الدكتور محمد عبده يماني وزير الإعلام الأسبق «اللمسة الإنسانية التي ساعدتها في تجاوز العقبات بمشوارها الفني».
ابتسام التي لم تتزوج كما هو معروف رغم تطاير إشاعة هنا وهناك عن زواج سري، سرعان ما فشل، كانت قد غنت مختلف الألوان وبكافة الأشكال لما تمتعت به من قدرة ساحرة، وتجاوزت أعمالها 150 عملا، ما بين الموشحات والأغنيات الطويلة والفلكلور والقصائد والأناشيد والوطنية، ومنها «لا.. لا يالخيزران، آنستنا، يا سارية خبريني» وغيرها. ورغم أن هذه الأسطورة لا تزال على قيد الحياة وتتمتع بـ55 سنة من عمرها، إلا أنها اختفت عن الأنظار والإعلام منذ أواسط الثمانينات وحتى 1998 حين أطلت باكية في حوارها عبر جريدة الجزيرة السعودية، يقول صلاح مخارش الصحافي الذي أجرى معها الحوار حينها «كانت في حالة نفسية سيئة جدا وتبكي بحرقة، وأذكر ما قالت لي: أنها حبيسة جدران حجرتها وأنها حتى لا تمتلك أثاثها، بل أن ملابسها لا تجد لها مكانا سوى حقائب قديمة». كان الحوار مؤلما بحجم ألمها من الإفلاس والظلام والوحدة التي بدأت تعانيها بعد أن فارقت والدتها الحياة وانكسرت عصاها بها فكان سببا لانقطاع مسيرتها الفنية، وكانت على حد قول سراج «الأكثر قربا منها، وهي التي ترافقها في أسفارها وتعتني بها»، فيما كان والدها قاسيا عليها كما تناقلت ذلك الألسن، يقول مخارش «بعد نزول ذلك الحوار مباشرة الذي تشكي فيه ظروفها المادية السيئة، جاء أمر الأمير فيصل بن فهد الرئيس العام لرعاية الشباب، بشراء منزل تختاره بكلفة 800 ألف ريال، وأمر لها بـ100 ألف ريال لتأثيثه». وتطايرت الصحف بنقل الخبر المفرح، لكن صوتها بعدها جاء حزينا في محادثتها لمخارش الأخيرة، ويقول «لامتني لأنني ذكرت المبلغ تحديدا في الخبر، يبدو أنها كانت خائفة من سلبها إياه»، وانقطعت تماما أخبارها وسيرتها، فتطايرت الإشاعات بين موتها وإصابتها بالاكتئاب، أكد ذلك كله أن الوصول إليها واللقاء بها ليس سهلا، ورغم انتظاري ردا من أحد اخوتها على ما يزيد عن ستة أشهر ليتحدث عن حياتها، ويسهل عملية اللقاء بها إلا أن كلمة «مشغول وحاليا في اجتماع» كانت دائما ما تقف حائلا لأخذ دقائق من وقته لأجل تاريخ قيثارة الجزيرة العربية». لهذا كان الجميع ممن عرفوها يوما مضيئة كالشمس أجمعوا على «لا نعرف عنها شيئا منذ انقطاعها»، ويقول سراج عمر «أظن أنها حبيسة جدران بيتها، بسبب والدها الذي يرفض عودتها إلى الغناء مرة أخرى»، وبكل سهولة تعود إلى الظلام والجدران التي أخرجها منها الراحلون ممن امنوا بها، ويرغم التاريخ على نسيانها، لكن إبداعاتها تبقى «رغم رداءة التاريخ» على حد قول عبد الرحمن الناصر في إحدى مقالاته عنها، لماذا؟ لأنها صافية كالماء
منقول..
الملفات المرفقة
نوع الملف: wma سافرو ماودعوني سيبوني وراحو.wma‏ (658.8 كيلوبايت, المشاهدات 389)
__________________
ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا
رد مع اقتباس