عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 15/02/2008, 10h04
الصورة الرمزية samirazek
samirazek samirazek غير متصل  
مشرف
رقم العضوية:51
 
تاريخ التسجيل: novembre 2005
الجنسية: مصرية
الإقامة: مصر
العمر: 78
المشاركات: 685
افتراضي رتيبة الحفني تزوِّر تاريخ محمَّد القصبجي

رتيبة الحفني تزوِّر تاريخ محمَّد القصبجي

أحمد الواصل
الرياض - قبراير 2007
اغتيال رومانسية موسيقى القرن العشرين!

إن كتابة سيرة شخصية فنية هي كتابة سيرة مجتمع، وقبل ذلك فإن أيَّ كتابة عن شخصية في فن الغناء والموسيقى لهي كتابة عن مجموعة تكون مجتمعاً صغيراً: الشاعر، والحنجرة، والملحن، فريق العمل من موزعين ومنفذين وعازفين، ومن ثم هي كتابة عن مجتمع كبير.

وما حاولت أن تقدمه رتيبة الحفني في كتابها الجديد عن محمد القصبجي ( 1892- 1966) الذي وضعته: محمد القصبجي الموسيقي العاشق، دار الشروق - 2006، كان أشبه بعملية تزوير لهذه السيرة الاجتماعية، دون أن نغفل الجانب المدرسي في التأليف، وهذا ما سنكشفه عندما نتحدث في هذه المقالة التي تكشف في الكتاب تحركه عبر عدَّة محاور :

1- إعادة تدوير أو سرقة كتابات سابقة عن محمد القصبجي سواء من كتب أو مقالات .

2- الانطلاق من أفكار مسبقة حول أبرز ملامح التجربة الغنائية والموسيقية للقصبجي .

3- إغفال التحليل الاجتماعي للدور الثقافي الذي تركه القصبجي .

عموماً، يحتوي الكتاب على أحد عشر فصلاً: أولها نشأة محمد القصبجي، وثانيها بداية حياته الفنية، وثالثها ألحان القصبجي للمسرح الغنائي، ورابعها لقاء القصبجي مع أم كلثوم، وخامسها ألحان القصبجي في القوالب الغنائية، وسادسها القصبجي وصوت أسمهان، وسابعها أسلوب القصبجي في التلحين، وثامنها لقاء القصبجي والشاعر أحمد رامي، وتاسعها حياة القصبجي الأسرية، وعاشرها قالوا عن القصبجي، وأخيرها أعمال القصبجي الغنائية .

وضعت المؤلفة مقدمة لتتحدَّث بها عن علاقة والدها محمود الحفني (رائد التربية الموسيقية في مصر) بمحمد القصبجي وتخلص منها إلى تعلمها على يده العزف على العود وتلقيها دراسة نظامية في المعهد العالي لمعلمات الموسيقى (كلية التربية الموسيقية، حالياً)، وإلى مشاركة القصبجي والدها الحفني ووالدتها الألمانية هواية استماع الموسيقى الأوروبية، وإشارتها إلى أن ذلك كان سبباً في ولادة لحن: يا طيور، الذي سجلته أسمهان 1939، والذي يعد تحولاً في المنتج الغنائي العربي خصوصاً، وربما الغناء المشرقي عموماً، وترى أن سبب تأليفها الكتاب شعورها بأنه لم يأخذ حقه من الإعلام، لا في حياته ولا في وفاته (وهذا ما فكرت في تحليله اجتماعياً)، واضعة مسبباً وسبباً ساذجين لأنه لم يغنِّ لكونه لم يملك صوتاً جميلاً (على أنه غنى عدة مرات في السينما والمسرح)، والسؤال: ما معيار الجمال الصوتي وتنتهي إلى أنه أيء: القصبجي، مدرسة شامخة استحدثت ثورة في عالم النغم تخرجت فيها أجيال من أهل الفن، وسنرى كيف كان الكتاب نفسه أول من يغمط هذه المدرسة حقها

القصبجي السيرة المنتحلة

وإذا كنا قد قلنا السيرة الخاصة بمحمد القصبجي، فهي معروفة منذ أن وضع محمود كامل أحد أصدقائه كتاباً عنه نهاية الستينيات الميلادية من القرن الماضي، وصدر عن الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر (1971م) بعنوان: محمد القصبجي حياته وأعماله، وبما أن ذلك الكتاب كان سيرةً لحياته وأعماله، على أنه زخر بمعلومات حول علاقة محمد القصبجي مع بعض معاصريه من خلال مناظرات موسيقية، مثل: سيد درويش وزكريا أحمد إلا أنه روَّج تفسيراً مضلاً حول أمرين: توقف محمد القصبجي عن التلحين بعد عمله: رق الحبيب - 1940(وهذا كذب مكشوف) حيث استمر إلى ما قبل وفاته (1966م)، فقد كان يعد لحناً جديداً لفايزة أحمد بعد أن سجل لحناً دينياً لوردة: إياك نعبد ما حيينا، من شعر أحمد مخيمر، والأمر الثاني: أن علاقة عاطفية كانت سبب بقائه عواداً في فرقة أم كلثوم أو (وراء أم كلثوم) كما هو التعبير الدارج .

وإذا كان هناك من توقف، وهذا ما لم يكن بالأصل، فلا أعتقد أن سببه المباشر لا رفض أم كلثوم أعماله ولا سدنتها، ولا ذلك الرأي الجديد الذي طلع به أحد المحللين النفسيين ممن يرون سبب التوقف هو حال اكتئابه لفشل زيجاته الأربع وعقمه، ولا أبخِّر لرأي - ربما يداعب انحيازي وعصبيتي - بأنه تضامنٌ مع أسمهان، ولكن أسبابه متعددة سنكشفها لاحقاً .

وأما الأمر الآخر فإنني أشكِّك أن سبب بقائه عوَّاداً في فرقة أم كلثوم لعلاقة عاطفية تجمعه بأم كلثوم من طرفه وتتجاهلها، أولاً: لفارق العمر، وثانياً: عدم خلط الشأن الخاص بالعام، وثالثاً: زواج أم كلثوم من شريف باشا صبري وإنجابها?! (خال الملك فاروق وشقيق الملكة نظلي)، ورابعاً: السبب الذي لا يريد أن يجهر به أحد، وهو ذات السبب الذي يريد الكثيرون أن يحفظوه لسيرة عبد الحليم حافظ كي تبقى الذاكرة مشعة بالمعجبات هو السبب ذاته لتبقى سيرة أم كلثوم معمية بالمعجبين، ولكن لن يطول ذلك، فليس في الأمر فضيحة أو تشهير، ولكن ربما الصدمة يفيق منها السادرون والسادرات!

وما غاب عند محمود كامل، هو ما لا توقعناه منه، وإنما حاول القيام به بعض الباحثين والباحثات، لتحليل الدور الثقافي الكبير لفن محمد القصبجي، وهذا ما حاول أن يقدمه المايسترو سليم سحاب في مناسبة مرور تسعين عاماً على ولادته مقالة مجزأة نشرها في مجلة المصباح عنوانها: محمد القصبجي المجدد الخطير في الموسيقى العربية (1)، وتحدَّث فيها عن الأسلوب التلحيني ممثلاً بنماذج محللة موسيقياً، واجترح مصطلحاً نقدياً رائداً باعتباره مؤسس (السرد الموسيقي) من خلال تلحينه قالب المناجاة(2)، والكاتب والناقد اللبناني إلياس سحاب في مقالات قدمها منذ السبعينيات الميلادية حتى الآن، خاصة مقالته في الذكرى الثلاثين لوفاته: محمد القصبجي أستاذ محمد عبد الوهاب وأم كلثوم وفريد الأطرش وأسمهان(3)، وضع فيها تلميحاً إلى عقلية التخلف الموسيقي عند أم كلثوم في عدم قبولها المغامرة الموسيقية والشوفينية المصرية بكره الأجانب سواء عرباً كانوا أو من غير العرب حيث ورد أن أم كلثوم تستخدم صفة تحقير للمطربات غير المصريات فيذكر عنها عبارة: البنت الشامية!، وأكد بكثير من الرهافة أن سبب توقف أم كلثوم عن الغناء لألحان القصبجي عقليته الحداثية ونجاحه المدوي مع أسمهان وليلى مراد ونور الهدى، والكاتب والناقد السوري صميم الشريف في كتابين: الأغنية العربية (1981م)، والسنباطي وجيل العمالقة (1988م)، قدم مقالتين في الكتاب الأول تضمنت الأولى التي بعنوان: القصبجي والمونولوج والغناء العربي الكلاسيكي، تحليلاً عن الابتكار الغنائي المهم في اجتراح فن المناجاة في تراث الموسيقى العربية وأثره على تطور أساليب الأداء الغنائية، والمقالة الثانية التي وضعها بعنوان: القصبجي وأسمهان والأصوات الجميلة، وتحدث فيها عن الدور الكبير الذي لعبه في حياة أسمهان والعكس كذلك من خلال مجمل أعمال، ولو كانت قليلة نسبياً إلا أن قيمتها الثقافية عالية في مستواها ودورها، وقدَّم في كتابه الثاني فصلاً عن حالة الغناء في الأربعينيات الميلادية مشيراً فيها إلى دور هام لعبه القصبجي وذاكراً دور أساتذته الموسيقيين، غير والده، كميل شمبير وجميل عويس السوريين اللذين كانا وراء تذليل مصاعب إدماج العلوم والتقنيات الموسيقية التي سعى القصبجي لوضعها في موسيقاه لأثرها اللاحق على الموسيقى العربية كذلك ما قدمه المؤرخ اللبناني فيكتور سحاب من خلال كتابه: السبعة الكبار في الموسيقى العربية المعاصرة (1987م)، حيث احتوى على فصل كامل عن القصبجي لكونه أحد السبعة الكبار، وفيه مرور حول أبرز القضايا ومنها دوره في تحديث الموسيقى والغناء العربي، وأستاذيته لكثير من الملحنين (محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش) والحناجر (أسمهان وليلى مراد ونور الهدى)، وعلاقته بآلة العود أستاذاً وعازفاً سواء في عزف الأغاني أو التقاسيم، وهناك فصل: مع القصبجي، وضعته الباحثة والناقدة سهير عبد الفتاح في كتاب: حياة صوت أم كلثوم (1994م) عن محمد القصبجي وأشارت محللة تجربته الموسيقية التي تجاوزت الوسط المصري إلى حدود عربية، وربما أبعد من ذلك، وعززت هذا ما بين السطور بأن ألحانه لأم كلثوم كانت تفوق صوتها وتجاوزها، خاصة، إلى دوره الهام مع أسمهان حيث استطاعا معاً هز الأوساط الموسيقية المصرية بما قدماه .
__________________
مع تحيات سمير عبد الرازق
رد مع اقتباس