عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 24/02/2009, 18h06
الصورة الرمزية عبد الحميد سليمان
عبد الحميد سليمان عبد الحميد سليمان غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:245929
 
تاريخ التسجيل: juin 2008
الجنسية: مصرية
الإقامة: السعودية
المشاركات: 135
افتراضي الدكتور عبد الحميد سليمان ـ المجموعه القصصيه

البطل


. . طويلا عريض المنكبين شامخا معتدا بقوته الجسدية لا يخفى بساطه الفكر ولا سذاجة الروح ولا يداريهما فهو لا يفتعلهما ولا يتبرأ منهما ولا يدور بخلده أمرهما ، هو كما خلقه الله لا تحمل نفسه عبئا أكثر من مشاغله اليومية البسيطة المرتبطة دوما بعمله كأجير عند الأخوال أو من يستأجره من غيرهم ، أمه المسنة هى موئله ومرجعيته وعالمه وعائلته .

. . لا يكاد يعرف أهله من أعمام وأبناء عمومة أو يصل أحدا من عائلته فهم على قلة عددهم ورقة حالهم وتقلبهم فى البلاد لهثا وراء لقمة عيشهم تتقاذفهم القرى والموردات التى ترسو فيها مراكبهم النيلية الشراعية البسطة الهزيلة إما التماسا لحاجة أو طعام أو بيعا للعدس أو الملح أو الأرز أو العسل أو القلل والأزيار وغيرها من الفخار الذى يجد طريقه إلى بيوت الفلاحين والقرويين ، وهم يخرجون فى رحلتهم الموسمية التى تنهب شهورا طويلة من أعمارهم يبيعون ويشترون ولا يكادون يرزقون فإن عادوا فى موسم الجفاف إلى القرية اختطفتهم بيوتهم الهزيلة التى بدت غريبة عن عيونهم مثلما بدوا غرباء عنها ، ويلبثون بتلك البيوت لا يكادون يبرحونها وكأنهم يعتصرون أيامهم تلك القليلة مع الأبناء والزوجات ويشحنون من ذلك دواخلهم وأنفسهم بما يقتاتون عليه من ذكريات وحنين وشوق فى رحلاتهم المتواصلة المحتومة عبر النيل .

. . . لا أدرى سببا جازما لانقطاع الصلة والتواصل بين صاحبنا وبين أهله لأبيه وانخراطه فى عالم أخواله ومحيطهم ، تفصل بينه وبين انتمائه لأعمامه آماد وآماد فالقرية كانت تقع على ضفة النيل وتعرف افتراقا حرفيا جر علها افتراقا اجتماعيا حيث سوادها من الفلاحين وقليلها من المراكبية النوتية وهم رغم وحدة المكان وعمومية الفقر ومخالب البؤس التى أنشبت أظافرها فى أجسادهم ونفوسهم دون أن ترعى لأحدهم مكانا أو تميزا لا يتعارفون ولا يتصاهرون ولا يتواصلون إلا فيما ندر دون أن ينكر فريق على غيره حالا ولا يرى لنفسه طولا ولا افتخارا .

0 . عزنى إدراك سبب زواج والدته من أبيه وكيف اخترقا تلك الحجب البائسة التى فصلت بين جماعتين كانتا أدعى إلى التقارب والتلاقى والتداخل وهل ثمة ما يجمع مثل أولئك القوم أكثر إيغالا وتأثيرا من الفقر والبؤس ورقة الحال وبراءة القلب وسذاجة الحلم، لا أدرى ولكنى أراه لا يلتفت إلى ذلك ولا يثير له انتباها فليس ثمة ما يدفعه إلى التماس أهله وتقصى أعمامه وعائلته فهو قد نشأ يتيما لا ينزع إلا إلى أمه التى وجدت نفسها غريبة وحيدة تواجه ووليدها غربة النفس والذات بعيد أن نعى الناعى زوجها الذى هوى من أعلى شراع المركب قرب دجوة وهو فى طريقه إلي القناطر مع إخوة له يمتطون مركبا هزيلا ضعيفا مترددا جبانا ان لاح له شبح من عاصف ريح أو نذير من مطر أو تراكم لموج متدافع.

. . كان غريبا أن تحس تلك الأرملة هذه الأحاسيس وهى التى لا يفصلها عن أهلها وإخوتها من الفلاحين الذين يسكنون نفس القرية سوى دقائق معدودة لا يهولها فيهن وعر من الطريق أو حئول من بشر ، ولكن فواصل نفسية عميقة ليس لها من سبب ظاهر هى التى فرقت بين عالم المراكبية وعالم الفلاحين فى تلك القرية النائمة على ضفة النيل .

. . صبيا كنت آنذاك تصطرع فى نفسى مشاعر الطفولة وأحاسيسها وبشائر الصبا ونذره ، ألتمس الأشياء والأشخاص والأفكار وأنشد القدوة والنموذج المثالى , وأفرغ فاهى مع عوالم وشخوص جديدة آنس فيها ظلالا لما تعلقت به نفسي الطفلة من صور وشخوص لأبطال وشجعان بهرتنى حكاياتهم وطرائفهم وقدرتهم حينما كنت آنس إلى بعض العجائز من أهلى و الأكبر منى سنا من أبناء عمومتي ,ويخلب لبى ونفسى حكايات وقصص أحتسيها منهم ومن أبى وأعمامى عن الزير سالم أبى ليلى المهلل وعنترة بن شداد وأبو زيد الهلالى سلامة والعلام والسلطان حسن الهلالى وزيد العجاج بن فاضل والتبع اليمانى وأدهم الشرقاوى وغيرهم ، إلى أن فجئتنى الأيام بما لم يخطر لي على بال وما انصرفت إليه نفسى عما سواه حينما رأيت عمى يأخذ طريقه مع بعض من صديقه عصر يوم قائظ فى أوائل السينات من القرن المنصرم يتيهون فى جلابيب من البوبلين إلى محطة السكة الحديد فى القرية ليستقلوا القطار فى طريقهم إلى مولد سيدى أبى المعاطى بدمياط فتعلقت به وبكيت أرتجيه أن يسمح لى بصحبته مختلطا دمعى بقسمى أن لن أزعجه أو أكلفه مالا يطيق من ماله القليل أو وقته الثمين أو متعته التى يرتقبها ويتحسب لها منذ انقضائها عاما بعد عام ويستشرف الأيام والأحلام ويتعجل الوقت حتى تعود كرة الأيام ودورة الليالى فيهرع إلى المولد يغمرة إحساس مفعم بالتشوق والفرح لا يكدره ولا يزعجه إلا ألم وخوف من لحظة آتية لا ريب فى قدومها ولا مناص عنها حينما تنصرم ليلة المولد كأنها خاطر جال فى النفس سريعا ثم ذاب فغاب ,ويعود إلى القرية صباحا يسعى إلى أن يبدد حزنه وشجنه لانقضاء المولد وبطء الليالى القادمات بحكاياته وقصصه لأترابه وإخوته عما شاهد فى دمياط ومولد سيدى أبى المعاطى من غرائب وعجائب وما تذوق من نادر الطعام وطيب الإدام ، ويفغر كثيرهم فاهه عجبا مما يسمع ، ويشفق قليلهم ممن عبر أسوار القرية وعالمها المحدود إلى دمياط أو فارسكور مرة أو بعض مرة على أولئك حينما يتخيلونهم وقد اقتحموا عالم المدينة بلا خوف ولا وجل وإن خالط خوفهم كثير من إعجاب وقليل من حسد ,
00طويت الجوانح من عمى وأصحابه على شوق دفين وأمل بعيد أن يستعيدوا تلك الساعات الخوالى التى انصرمت بهم وغافلتهم بلا رحمة لتنزوى وتترك فى نفوسهم أروع الذكرى وأبعد الأمل فى كر التجربة والرحلة مرة أخرى إلى المدينة ورؤيتها وأهلها والتمتع بخبزها الفينو وطعميتها التى حفرت لنفسها مكانا عليا فى نفوسهم واستأثرت بحظ كبير من نفوسهم وذكرياتهم . أذكر كيف كنت أعتصر الدمعات وأفتعل الألم وأبدع فى التوسل والتزلف كلما أحسست رقة فى قلب عمى يعبر عنها لمعان وحنان خفى يفيض ويفيض يغزوه ويكلأه أمل ورجاء فى نفسى أن أصحبه إلي هذا العالم المجهول الرائع الذى طالما سمعت به ونزعت إليه نفسى إلى أن تحقق لى الأمل والمراد من رب العباد .

. . أخذ عمى بيدى مع وعد بتكرار تلك الصحبة إن وفيت بما وعدت به من عدم تكدير تلك الرحلة ولزوم الصمت والطاعة والالتصاق الدائم به حتى لا تضل قدماى فى ذلك التيه إلى المجهول من العوالم والأشخاص والصور .

. .و دون ذلك الحشد من البشر والملاهى والمنشدين والسحرة والعوالم والقرادتية وبائعى السوبيا والعرقسوس وروائح الطعمية والفول والترمس والزلابية والبوظة وغيرها بقى فريد شوقى وبطولاته وقوته فى مواجهة محمود المليجى وغيره من الأبطال فى فيلم سواق نص الليل هم العالم السحرى الذى دلفت إليه وانساحت فيه نفسى وتمثلت فى أهله نماذج البطولة والقوة التى ما برحت خيالى صورا ورؤى لا تعرف طريقها إلى الواقع الذى تجسد وتمثل أمامى حتى كدت أتحسسه وأمسكه بيدى فى فريد شوقى الذى دانت له الأبطال وخر لصولته عتاة الرجال , وظلت من بعده سينما اللبان بدمياط تحتل مكانا بكرا عليا في ذاكرتي تعتلج إليه ويخفق لها قلبى وتتسارع دقاته كلما مررت عليها أو جالت صورتها فى خاطرى .

. . آذنت تلك الساعات الفارقة فى عالمى المستهل الجديد بعلاقة واقتراب من صاحبنا الذى كان الأقرب شبها وجسما بفريد شوقى ، ولما حدثته افتعلت كرما وأريحية زائفة حينما وجدته جالسا فى القيلولة تحت شجرة يلتمس خلالها ظلالا واهنة قريبا من حقلنا فأسرعت إليه بقلة الماء فشكرنى وحادثته فأصغى إلى فى اهتمام وشكر عميق فشجعنى ذلك على أن أقدم له زرا من القثاء كنت قد احتفرت له أخدودا ضمه إلى الأرض إخفاء له عن أعين المتلصصين والمتشوفين على نحو ما رأيت من فعل غبر واحد .

. . ازدرد صاحبنا الماء البارد الذى ذهب بروعته طعم القثاء ورغيفا من الخبر الجاف تناثرت على استحياء بعض من قطرات المش على أطرافه ، ودشن ذلك لحديث وأحاديث وصداقة طويلة وأخذت أنهل من قصصه عن الأفلام وسينما النيل بفارسكور التى يعتادها كل أسبوع وكنت أخاله وهو يتحدث عن فريد شوقى أنه قد انسكب فيه وتماثل معا فتناسخا روحا وجسدا . ومثل تلك الصداقة الناشئة التى كانت تقتحم بى عالم الكبار والأبطال ما كان لى أن أهدرها أو يهتبلها منى الوقت وتبعدنى عنها نوازع الطفولة وأتراب الصبا ، واقتربت إلى صاحبنا وعالمه وأصدقائه رويدا رويدا وتحينت إلى ذلك الفرص للتحبب إليهم بما كنت أختلس لهم من قطع الجبن أو قليل من أرغفة الخبز أو ثمار ضنينة إلى أن دفعوا إلى كتابا أقرأ لهم فيه بطولات الإمام على كرم الله وجهه فى حروبه فى اليمن ضد رأس الغول البطل المهول كما عنون لذلك الكتاب ليفتح لى ذلك عوالما جديرة دلفت منها إلى ساحات وساحات وارتدت منها آفاقا وفضاءات سحرية رائعة .
. . دارت الأيام وتقلبت بى وبهم ودخلت الجامعة وانقطع سبيلى عن هذه النخبة التى تختص بمعان جديدة بائسة لمفهوم النخب إلى أن فوجئت بصاحبنا وبعض رفاقه يهرعون إلى حينما قدم إلى قريتنا أحد المتنفذين من أصحاب السلطان والجاه راجين منى أن أكتب التماسا لهم أدفع به إلى ذلك المسئول يلتمسون فيه زيادة عرض أفلام فريد شوقى فى التلفزيون الذى حل بالقرية فأقام أحوالا وهدم أحوالا واقتحم بهم عوالم وأهوال ، كان ذلك الجمع يمخر عباب ثلاثينيات عمره وأن ظلوا يتلمسون ويحاكون فريد شوقى فى ملابسه ومأثوراته ويتخذون من عناوين الأفلام تعابير وجملا لازمة لا تضل طريقها إلى ألسنتهم ولا يستغربها من يداخلهم ويعاشرهم , , وأصغيت لهم في اهتمام زائف وتفهمت همومهم وأمانيهم ومسعاهم ودوافعهم على سذاجة ذلك ، دون أن أفجعهم فى عالمهم وأفجأهم بما اتسع لى وبى من مدارك وعوالم وأقنعتهم بأنه سوف أكتب ذلك الالتماس إلى مدير التليفزيون بالقاهرة وأسلمه له يدا بيد فانصرفوا وقد اطمأنت نفوسهم واطمأنوا إلي أنهم قد وفقوا في إدراك مبتغاهم من مسعاهم .

. . شغلتنى الدنيا وأهلها وانصرمت سنون عددا وإن ظلت ذكرى ساحة البراءة والعفوية التى رتع فيها صاحبنا وأترابه فى قلبى وذاكرتى وقد توسدت تلك الذكريات من عقلى مقاما قصيا بعد أن تكالبت عليه هموم الحياة وتنوع وسعة الخبرات والمعارف والعوالم والشخوص وتبدل الأحوال والأولويات , إلى أن زرت قريتى بعد أن نأت بى وبها الأيام والآماد فسألت عن صاحبنا فنبئت بأنه يجهد مع الموت بعد أن دهي بمرض عضال , فأسرعت إليه وكنت لم أره من عشرين عاما أو يزيد فلما أبصرته مسجى على فراشه هالنى أن أرى شبحا واهنا ضعيفا يصطرع في جسده ونفسه المرض والبؤس والفاقة والوحدة كل منهما يدأب إلى أن يستأثر منه بالحظ الأوفر والنصيب الأكبر .
. . اعترتنى رعدة واعتصرنى إشفاق وألم حين رأيته على حاله هذا يكاد لا يبين على سرير الموت وآثرت أن أيقظ فى نفسه كوامن عالمه وذكرياته التى أعلم مداها وكنهها ومكانها فى قلبه ونفسه عله يأنس بها ويستظل بها من هاجرة المرض ومخاوف النهاية فقلت له مشجعا شد حيلك يا بطل سوف تشفى إن شاء الله وتعود فريد شوقى من جديد فجاءنى صوته بعيدا وئيدا واهنا خافتا

ومضى كطا ااااااااااااا العمر 00عليه العوض يا أستاذ00000
رد مع اقتباس