الموضوع: صبري مدلل
عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 01/09/2006, 09h34
adham006
Guest
رقم العضوية:
 
المشاركات: n/a
افتراضي صبري مدلل ... المؤذن الصغير

صبري مدلل
خلال زيارتي إلي المانيا (الشرقية) عام تسعين، صحبت الروائي عبدالرحمن منيف، منذ أن عرفته كان له صلة خاصة بالطرب، كما أن زوجته تتمتع بصوت جميل وتتقن الغناء، حدثته عن هيامي بمدرسة الغناء العربي في حلب، خاصة صباح فخري، وافقني وقدم لي شريطا يحوي حفلة في هولندا لمطرب، قال رحمه الله إنه اسطورة في الغناء العربي الكلاسيكي، قال لي بلهجته المختصرة، الدالة: لابد أن تسمع صبري مدلل..
هكذا بدأت صلتي بهذا الفنان الكبير والانسان الجميل، اقتنيت المتاح من تسجيلاته، وفيلما تسجيليا رائعا أخرجه الفنان محمد ملص، وجدت متعة اضافية في رؤيته، عندما يغني يتحول جسده إلي موسيقي، إلي نغم، إلي ان رأيته شخصيا علي مسرح الاوبرا عام 1996 في بواكير مهرجان الموسيقي العربية الذي بدأه الدكتور ناصر الانصاري، سافرت خلفه بصحبة يوسف القعيد ويوسف ابورية وعزت القمحاوي إلي قصر بنها الثقافي، حيث تقرر احياء حفلة هناك، قبل اللقاء اجتمعنا به، حاورته، سألته عن الشيخ علي الدرويش الموسيقار الحلبي الذي جاء إلي مصر نشرت دراسة عنه في أخبار الادب، والموسيقار محمد البطش أحد من علموه، تطلع إليٌ بنظرة جانبية وطربوشه الاحمر مائل قليلا، قال 'الله.. أنت بتفهم..' ثمة شيء ربط بيننا، حضور الرجل عتيق، أصيل، فريد، هو نفسه مجموعة مقامات تجسدت بشرا، انسانا.
في حوار له مع محمد ملص، يقول ان والده عندما تزوج رحل إلي مكة للحج وهناك دعا الله ان يهبه عشرة اصواتهم جميلة، غير أنه لم يرزق الا بطفلين، أحدهما توفي ولم يعش الا صبري الذي اتضحت موهبته منذ سن مبكرة، خاصة عندما بدأ يعتلي المئذنة للأذان، بلغ من جمال صوته ان الناس كانوا يجتمعون في الطريق لسماعه. تعلم الموسيقي والمقامات من الموسيقار محمد البطش، الا أنه ظل حتي الثمانينات لاينشد الا الموشحات الدينية، بدأ غناء الادوار والقدود الحلبية بعد سن الستين، ثم ذاع صيته وطبعت اغنياته في اسطوانات عرفت جيدا في مختلف أنحاء العالم.
منذ عامين زرت حلب، وأقام حارس تراثها الفني والمعماري الصديق محمد قجة حفلا خاصا في بيته، فاجأني عندما وصلت قائلا إن صبري مدلل عندما علم بقدومي قرر أن يأتي تكريما لي، جاء الرجل بصحبة بعض أفراد فرقته، لقد نقل خبرته إلي كل منهم، والآن أصبح بعضهم ذائع الصيت ومنهم عمر سرميني. قال لي الرجل انه لم يغن منذ عامين، لكنه جاء خصيصا من أجلي، وأنه سيغني، من حسن حظي ان صديقي الكبير محمد قجة قام بتسجيل تلك الليلة كاملة، وارسل لي قرصين مدمجين اعتز بهما كثيرا، وفي أوقات فراغي أحن إلي صبري مدلل، فأجلس للفرجة والاستماع معا، لرؤيته والاستمتاع بصوته وقدرته الرائعة علي اداء الادوار الصعبة، وإضفاء شخصيته الخاصة عليها. استمعت منه إلي ادوار سيد درويش، وعبده الحمولي، وأم كلثوم، وبالطبع اشهر ما في التراث الحلبي، انه حامل تراث طويل تختلط فيه عناصر شتي منذ العصور القديمة، في الموسيقي التي أحبها، في الاداء الخاص له، تأثيرات سريانية، بيزنطية، عربية، مصرية، امتزجت كلها عنده، هو سليل اعظم من اثروا الغناء العربي، والموسيقي العربية.
صحيح اننا لم نلتق الا مرات معدودات، لكن الرجل ادرك حبي وتقديري له، يكفيني فخرا أنه غني لي رغم مرضه. لكن للصلة أبعاد أعمق بكثير، صوته معي، أعمل عليه عند جلوسي في البيت للقراءة، أو الكتابة، صحيح ان المحبة كانت علي البعد، لكن خلو العالم منه مس مني وترا، وبث في روحي شجنا.

جمال الغيطانى
المصدر :
أخبار الأدب
akhbarelyom.org


التعديل الأخير تم بواسطة : هامو بتاريخ 11/05/2009 الساعة 21h25
رد مع اقتباس