عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 07/03/2007, 22h24
الصورة الرمزية محمد تميمي
محمد تميمي محمد تميمي غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:1453
 
تاريخ التسجيل: avril 2006
الجنسية: فلسطينية
الإقامة: فلسطين
العمر: 59
المشاركات: 347
افتراضي مرح البقاعي -الحوار المتمدن - العدد: 1008 - 2004 / 11 / 5 -

وصلت كلية ماونت هوليوك Mount Holyoke في مدينة ساوث هادلي بولاية ماستشوستس، الكلية العريقة التي تحوطها غابة ويخترقها نهر، في ظهر يوم حار وعالي الرطوبة من أيام شهر آب/أغسطس. واتبعت اتجاه السهم الذي يشير إلى القاعة التي يجتمع فيها المشاركون في الملتقى السنوي لـ"منتدى الموسيقى العربية" Arabic Music Retreat، ذلك التجمع الموسيقي الذي كان يبدو لي غامضا في أول الأمر. أسرعت لاستقبالي إحدى السيدات وهي تقول لي: "أهلا بك في مربع الموسيقى العربية"، ثم أردَفتْ: "أنا كي كامبل المشرفة الإدارية على هذا المنتدى، وقد تحدثنا مرارا على الهاتف ومن خلال رسائل الكترونية عديدة". كانت تحدثني بلهفة وحماس شديدين وتطعَم أقوالها ببعض العبارات العربية مما أثار فضولي فسألتها على الفور عن سبب اهتمامها وانشغالها بالثقافة العربية. أجابت: "أنا أحمل درجة الماجستير من قسم دراسات الشرق الأوسط بجامعة هارفارد. هذا إلى جانب انبهاري المبكر بحضارة الشرق الأوسط وبخاصة التاريخ والموسيقى والأدب العربي. لقد تعرفت على الموسيقى العربية للمرة الأولى من خلال الموسيقى التصويرية لفيلم "لورنس العرب" فسحرتني أجواء الألحان. قررت أن أبدأ بتعلم الموسيقى العربية الكلاسيكية من منابعها الأولى فتعلّمت العزف على آلة العود".
تعلّمتْ كامبل اللغة العربية في تونس ثم انتقلت مع زوجها إلى المملكة العربية السعودية حيث تعرفت هناك وعن قرب إلى الموسيقى الفولكلورية الخليجية وبخاصة أغاني النساء الخليجيات. وجدت نفسها تغوص عُمقا في اتجاه جذور حضارة العرب وشبه الجزيرة وتاريخها الثقافي والفني.
لقد جمعها شغفها هذا إلى سيمون شاهين، الملحن والعازف والمربي الموسيقي، وقررا معا عام 1997 تأسيس هذا المنتدى الموسيقي الوحيد من نوعه في الولايات المتحدة حيث يلتقي هناك في كل عام أساتذة مخضرمون ومختصون بالموسيقى العربية مع طلبة وهواة. وكذلك فإن بعض المحترفين يقصدون المنتدى سنويا ليعملوا على مدى أسبوع كامل في مجموعات تدريبية وحلقات تعليمية من أجل التعرف إلى تقنيات الموسيقى العربية الكلاسيكية، من مفاتيح الإيقاع، إلى مدارج المقامات الشرقية التي تحتوي على المسافات الصوتية الصغيرة أي ربع الدرجة الصوتية، إلى التقاسيم والموشحات والأدوار.
وتخبرنا كامبل عن تطور المنتدى قائلة: "في عام 1997 لم يكن عدد المنتسبين ليتجاوز الـ21، أما اليوم فعددهم يصل إلى ما يقارب الـ75 مشتركا قدموا إليه من نيويورك وتكساس وكاليفورنيا ومنيسوتا ونيوهامشر، وكذلك هناك من قصده قادما من لبنان وفلسطين".
وتتابع: "لقد أردنا لهذا المشروع أن يشكل نواة لملتقى دوري سنوي بين الموسيقيين المحترفين من جهة، وطلاب المعرفة بالموسيقى العربية وهواتها من جهة أخرى، بأمل أن يخرج بنا ذلك من نسق الحياة اليومية الممل ويوحدنا في أجواء الموسيقى الأصيلة وأحلام الشرق الباهرة. ومن هنا أطلقنا على هذا التجمع الموسيقي هذه اسم "ريتريت" وترجمته الحرفية: المنتدى".


من قرطبة إلى نيويورك

حين وصل سيمون شاهين إلى الولايات المتحدة عام 1980 قادما من مدينته ترشيحة في الجليل الأعلى حاملاً في حقيبته القليل من المتاع والكثير من الهواجس الفنية
الخالصة،لم يكن ليدرك أنه سيذكّرنا، دونما قصد، بمسيرة "زرياب"، أهم المحدثين في تاريخ الموسيقى العربية، الذي عاش في الفترة ما بين 777 إلى 852م ونقل فنون بغداد الموسيقية إلى قرطبة حاضرة بني أمية، قبلة الموسيقى في دولة الأندلس التي ما فتئت تُثري أوروبا علماً وفناً على مدى خمسة قرون خلت.
كان من المتعثر الانفراد بشاهين لكثافة العمل في الندوات الموسيقية وحلقات البحث والتدريب الخاصة والجماعية التي كان ينظمها لمريدي المنتدى مع مجموعة من الأساتذة المختصين. إلا أنه سرق بعضا من الزمن ليجلس إلي ويحدثني قائلا: "الهدف من هذا الملتقى السنوي هو إحياء التراث الموسيقي العربي والتعريف بالموسيقى العربية الكلاسيكية في الغرب. إن الثقافات العربية كانت على مر العصور ثقافات انفتاح وقبول واستيعاب لثقافة الآخر. والموسيقى العربية لا تشذ عن هذه القاعدة. هناك تراث جامد وتراث متحرك. وأنا من أنصار الاجتهاد على الأصل. هذا هو محور توجهي من خلال هذا المشروع".
أما عن ظروف ولادة منتدى الموسيقى العربية فقال: "راودتني طويلا رغبة ملحة في تأسيس معهد للموسيقى العربية في أميركا. وفي صيف 1996 ركبت سيارتي واتجهت شمالا باتجاه ولاية ماستشوستس موئل أعرق الكليات والجامعات الأميركية عاقدا العزم على إيجاد مساحة مناسبة في أحدها يكون بإمكانها استيعاب هذا النوع من النشاط الموسيقي. التقيت بكي كامبل ووجدت عندها حماسا مرادفا لتحقيق هذا المشروع. وكان لنا أن فتحت كلية ماونت هوليوك أبوابها لاحتضان هذا الملتقى على مدى أسبوع من كل عام. واستطعت أن أقنع بعضا من أصدقاء موسيقيين أن يساهموا بجهودهم وخبراتهم في السنة الأولى لهذا اللقاء عام 1997. وكان على رأسهم الأستاذ الدكتور جهاد راسي أستاذ مادة "موسيقى الأجناس" Ethnomusicology في جامعة لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا UCLA الذي رافق تأسيس الملتقى منذ البداية وحتى هذه اللحظة، والأستاذ الدكتور جورج سوا مدير مركز دراسات الشرق الأوسط للموسيقى في تورونتو - كندا".
وقد حدثني الأستاذ سوا عن تجربته مع الملتقى قائلا: "انضممت إلى مجموعة منتدى الموسيقى العربية في عام 1998 بدعوة من سيمون شاهين وكي كامبل. كان الأمر مغريا بالنسبة لي لأنه يقع في القلب من اهتماماتي، فأنا أولا أعشق مهنة التدريس، ولقاء الطلبة متعة حقيقية بالنسبة لي، وثانيا أنا أقوم هنا بتسويق أثمن مادة ابتكرها الذهن البشري وهي الموسيقى. وأنقل معارفي في فنون الموسيقى العربية وتاريخها الثري الذي يعود إلى الفترة العباسية وأساطينها الموسيقيين من الفارابي والأصفهاني وإسحق الموصلي إلى أسماع الغربيين وأفئدتهم في آن واحد".
ويردف شاهين قائلا: "لقد اعتمدنا في إرساء قواعد منهج العمل التدريبي في المنتدى على أُسِسٍ منهجية لنشاطات أخرى في الولايات المتحدة متوازية مع أهداف منتجعنا. ويجمع المنهج بين المعرفة النظرية من جهة، وبين الحلقات التدريبية للمشاركين من جهة أخرى بهدف تعريفهم على أصول وقواعد تقنيات العزف على الآلات العربية الأساسية كالعود والقانون والكمان والناي والدف. لقد بلغ مجموع المشاركين هذا العام 75 مشاركا أتوا إلى هنا بلهفة عارمة لخوض غمار التجربة، ومعظمهم ليس لديهم أية معرفة مسبقة عن الموسيقى أو الثقافة العربيتين. ودافعهم هو الفضول المعرفي والرغبة في الانضواء في أجواء الموسيقى العربية التي انتشرت إيقاعاتها في الأغاني الغربية بشكل نوعي ومتواتر مؤخرا، وهو الأمر الذي يعكس اهتمام الغرب الجدي بالتعرف على وجوه الثقافة العربية واعتمادها لونا من ألوان ثقافة العالم".
لقد اشتهر سيمون شاهين بإبداعاته التأليفية ودراساته المعمقة للموسيقى العربية ومناهج تطويرها، وأسوق مثالا على ذلك ألبومه الأخير الذي يحمل عنوان "Blue Flame، وكذلك الموسيقى التصويرية التي ألّفها للعديد من الأفلام الغربية ونذكر منها "شالترنغ سكاي" The Sheltering Sky و"مالكوم أكس" Malcolm X.

لقد استطاع سيمون شاهين أن ينقل هيئة الموسيقى العربية الأصيلة إلى الغرب محاورا موسيقاه دونما المساس بصيغة اللحن الشرقي أو تركيبته الأم ومؤسسا للغويات موسيقية عالمية جديدة يكون العود فيها هو القائد الأوحد على المسرح مثل الحال في فرقته الموسيقية "قنطرة".
__________________
لوكانت غزه تخشى موج البحر
.......ما سكنت عنده
رد مع اقتباس