الموضوع: نزار قبانى
عرض مشاركة واحدة
  #30  
قديم 25/05/2008, 18h16
jevaramat
Guest
رقم العضوية:
 
المشاركات: n/a
افتراضي رد: القصائد السياسية لنزار قباني

أنا يا صديقة متعب بعروبتي

يا تونُـــسَ الخَضــــراءَ جئْتُكِ عاشِـــقاً
وعلــي جبيــــني ورْدَةٌ وكِتـــابُ

إني الدِمَشْقيُّ الـــذي احتَرَفَ الهـــوى
فاخْضَوضَـــرَت لغِنــائِهِ الأعشابُ

أحرقْتُ من خلـــفي جميعَ مراكبـــــي
إنَّ الهــوى ، إلا يكـــونَ إيــــابُ

أنا فوْقَ أجْفـــــانِ النِســــاءِ مُكَسَّـــــرٌ
قِطعاً ، فعُمري الموجُ والأخشــابُ

لم أنْسَ أسْمــــــاء النســـــاءِ وإنمـــــا
للحُسْنِ أسبابٌ ، ولـــي أسبـــابُ

يا ساكنـــاتِ البَحْـــــرِ في قَرْطاجَـــــةٍ
جَــــفَّ الشذى وتفَـرَّقَ الأصحابُ

أيــــن اللـــــواتي حُبُــــهُنَّ عبـــــادّةٌ
وغِيابُهُـــنَّ وقُرْبُهُــــنَّ عـــــذابُ

اللابِسَـــــاتِ قصائـــدي وَمَدَامِــــــعي
عاتبتُهُنَّ فما أفــــــاد عِتـــــــابُ

أحْبَبْتُهُــــنَّ وهُــــــنَّ مـــا أحْببنَنـــي
وصَدَقْتُهُنَّ ووَعْدُهُــــــنَّ كِـــــذابُ

إني لأشْعُــرُ بالــــــدُوارِ ، فَناهِــــــدٌ
لي يَطْمَئِنَُ ، وناهِــــدٌ يرْتـــــابُ

هـــلْ دوْلَـــــةُ الحُبِّ التــي أسَّسْتُهــا
سَقَطَتْ عليَّ وَسُــدَّتِ الأبْـــوابُ ؟

تبْكـــي الكـؤوسُ ، فبَعْدَ ثَغْرِ حبيبتي
حَلَفَتْ ، بألا تُسْــكِر الأعْنـــــابُ

أيَصُدُّنـــــي نَهْــــدٌ تعِبْتُ بِرَسْــــــمِهِ
وتخونُني الأقْـــراطُ والأثْـــوابُ ؟

ماذا جــــري للمـــــالكي وبيـــــارقي
أدعو ربابَ ، فلا تُجيبُ ربـابُ ؟

أأحاسِـــبُ امــــرأةً علي نِسْـــــــيانِها
ومتى اسْتقامَ مع النساءِ حسابُ ؟

ما تُبْتُ عنْ عِشْـــقي ولا اسْتَغْفَرْتُـــــهُ
ما أسْــخَفَ العُشَّــاقَ لوْ هُمُ تابـوا

قمــــرٌ دمشْقيٌّ يُســــــافِرُ في دمــــــي
وبلابــــلٌ وسنــــابلٌ وقبــــــابُ

الفلُّ يبـــــدأُ من دِمَشْـــــقَ بياضُــــــهُ
وبِعِطــــرها تَتَطيَـــبُ الأطيـــابُ

والمـــــــاءُ يبـــدأُ من دمشــــقَ فحَيْثُما
أسْنَدْتَ رأْسَكَ ، جَــــدْوَلٌ ينْسابُ

والشِّعْرُ عُصْفــــورٌ يَمُــــدُّ جناحَــــــهُ
فوْقَ الشئآمِ ، وشــــاعِرٌ جــــوَّابُ

والحُبُّ يبْدأُ مــن دمشْــقَ ، فأهْلُنــــــا
عَبدوا الجمـــال ، وذوَّبوهُ وذابـوا

والخيلُ تبــدأُ من دمَشْــــقَ مَسَارُهــــا
وَيُشَدُّ للْفَتْــحِ الكبيــــرِ رِكـــــابُ

والدَّهْر يبـــدأُ من دِمَشْــــقَ وعِنْدَهــــا
تبقي اللُغاتُ ، وتُحْفَـــظُ الأنسابُ

ودِمَشْـــقُ تُعطي للْعُروبَــــةِ شَكْلهــــا
وبِأرْضِها تَتَشَـــــكَّلُ الأحقـــــابُ

بدأَ الزِفــــافُ ، فمَنْ تكـــونُ مَضيفتي
هذا المساءُ ، ومن ْ هوَ العَــــــرَّابُ

أأنا مُغَنـــي القَصْـــــرِ يا قرطاجــــــةٌ
كيفَ الحُضورُ وما علي ثيــــابُ ؟

ماذا أقـــــولُ ، ومــــن يُفَتِشُ عن فمي
والمُفْـــــرداتُ حجــــارةٌ وتــرابُ

فمــــــآدِبٌ عربيَّــــــةٌ ، وقصـــــــائِدٌ
هَمَــزِيَّةٌ ، ووســــائِدٌ وحبــــابُ

لا الكأسُ تُنْســـينا مـــرارةَ حُزْننـــــا
يـــوماً ، ولا كلُّ الشــرابِ شرابُ

من أيـــنَ يأتي الشِّـــعْرُ يا قرْطاجـــــة
والدينُ مـاتَ وعــادَتِ الأنْصـــابُ

من أيـــن يأتي الشِّــــعْر حيــنَ نَهارُنا
قَمْـــــعٌ ، وحينَ مســاؤنا إرهابُ

سرقوا أصابعنا ، وعطْـــــــرَ حـــروفنا
فبــأيِّ شيءٍ يَكْتُــــبُ الكُتـــــابُ

والحُــــكْمُ شُرْطيٌّ يســـــير وراءنـــــا
سرَّاً ، فنَكْـــهَةُ خُبزِنا اسْتِجوابُ

الشـــــعرُ رغْـــمَ سيـــاطِهِمْ وسُجونِهِمْ
ملكٌ وهـــمْ في بابِـــهِ حُجَّــــــابُ

من أيْنَ أدخُلُ في القَصـــــيدَةِ يا تُــــري
وحدائِقُ الشِّعْرِ الجميـــلِ خـرابُ

لــــم يبـــقَ في دارِ البـــلابِلِ بُلبُــــــلٌ
لا البُحْتُريُّ هنـــا ولا زريـــــابُ

شُعــــــراءٌ هـــذا اليــــوْمِ جِنسٌ ثالِثٌ
فالقَوْلُ فوْضــي ، والكلامُ ضبــابُ

يتكَلَّمونَ مـــع الفـــــراغِ فمــــا هُــــمُ
عَجَمٌ إذا نطقــوا ، ولا أعْـــــرابُ

يتَهَكَّمـــــونَ علي النبيــــذِ مُعَتَّــــــقاً
وَهُــــمُ علي سَـــطْحِ النبيذِ ذبـابُ

الخَمْــــرُ تبــــقي إن تقــادَمَ عهْـــدُها
خمْراً ، وقـــد تتغَيَّرُ الأكْـــــوابُ

من أيْنَ أدخُلُ في القَصيــــدَةِ يا تُــــري
والشَّمْسُ فـــوْقَ رؤوسِــنا سِرْدابُ

إن القَصيدَةَ ليــــس ما كتبَـــتْ يـــدي
لكِنْها مــــا تَكْتُــبُ الأهْــــــدابُ

نارُ الكِتــــابَةِ أحْرَقَـــــتْ أعْمـــــارَنا
فحياتُنا الكِبــريتُ والأحْطـــــابُ

ما الشِّعْرُ ، ما وَجَعُ الكتابَةِ ، ما الرؤى
أُولي ضحايـــانا هُـــمُ الكُتـــــابُ

يُعْطوننا الفَـــرَحَ الجميــــلَ وحَظُّهُـــمْ
حَظُّ البَغايــا ، ما لَهُـــنَّ ثــــوابُ

يا تونُسَ الخضْــــــراء هــــذا عالـــــمٌ
يَثْــــري بِــــهِ الأمِّـــيُّ والنصَّابُ

فَمِنَ الخليـــجِ إلي المُحيـــــطِ قبـــــائلٌ
بطِـــــرَتْ ، فلا فِكْــــرٌ ولا آدابُ

في عصْرِ زَيْتِ النِفْــــطِ يَطْلُبُ شــــــاعِرٌ
ثوْبـــاً ، وَتُرْفَلُ بالحريرِ قِحــابُ

هـــــل في العيــــونِ التونِســـيَّةِ شاطِئٌ
ترتاح فوق رمـــاله الأعصــــاب ؟

أنا يا صديـــقة متــــعب بعروبتـــــي
فهل العروبة لعنـــة وعقــــاب ؟

أمشـــي على ورق الخـــريطة خائــفا
فعلى الخريطة كلنــــا أغـــــراب

أتكلم الفصحــــى أمـــــــام عشيرتـــي
وأعيــــد .. لكن ما هنـاك جواب

لولا العبـــــاءات التــي الْتَفـــــوا بها
ما كنـت أحسب أنهم أعــــــراب

يتقاتلـــــون على بقايـــــــا تمــــــرة
فخنـــــاجر مرفوعــــة وحــراب

قبلاتهـــــم عربيـــــة .. مــن ذا رأى
فيمــا رأى قبلا لهــــا أنيـــــاب

يا تونس الخضـــــــراء كأسي علقـــــم
أعلى الهزيمة تشـرب الأنخاب ؟

وخريطـــة الوطن الكبيــــر فضيحــــة
فحواجز .. ومخــافر .. وكلاب

والعـــــالم العــــربي ..إما نعجـــــة
مذبوحة أو حــــــاكم قصــــــاب

والعــــالم العربي يرهــــــن سيـــــفه
فحكاية الشرف الرفيع ســــراب

والعــــالم العــــربي يخــــزن نفطـــه
في خصيتيـــه .. وربك الوهــاب

والنــــاس قبـــــل النفط أو من بعـــده
مستنزفـــون .. فســــادة ودواب

يا تونس الخضراء كيف خلاصنــــــا ؟
لم يبق من كتب الســماء كتــــاب

ماتت خيـــول بني أميــــــة كلهـــــا
خجلا .. وظل الصرف و الإعراب

فكأنما كتــــب التــــراث خـــــــرافة
كبرى .. فلا عمر .. ولا خـطاب

وبيارق ابـن العاص تمســـــح دمعهـــا
وعزيز مصر بالفصــــام مصــــاب

من ذا يصـدق أن مصــــــر تهــــــودت
فمقام سيدنا الحســــين يبـــــاب

ما هــــذه مصــــر .. فان صــــــلاتها
عبرية .. و إمامهــــــا كــــذاب

ما هـــــذه مصــــر .. فــان ســـماءها
صغــرت .. وان نســاءها أسلاب

إن جــــاء كافــــور .. فكم من حاكــم
قهـــر الشعوب .. وتاجه قبقاب

بحـــرية العينيـــن .. يا قرطاجـــــة
شاخ الزمان .. وأنت بعد شبــاب

هل لي بعرض البحر نصف جزيــرة ؟
أم أن حبي التونــــسي ســـــراب

أنا متعب .. ودفاتـــري تعبت معـــي
هل للدفاتر يا تـرى أعصـــــاب ؟

حزني بنفســـــجةٌ يبللــها النــــــدى
وضفاف جرحي روضــــة مِعْشاب

لا تعذليني إن كشـــــفت مواجــــــعي
وجه الحقيقة ما عليـــه نقـــــاب

إن الجنون وراء نصـــــف قصائـــــدي
أوليس في بعض الجنون صواب ؟!

فتحــملي غضبي الجميـــــل فربمـــــا
ثارت على أمر السماء هضــــــاب

فإذا صــــرخت بوجــــه من أحببتهم
فلكي يعيش الحـــب و الأحبـاب

و إذا قسوت على العروبـــــة مــــــرة
فلقد تضيق بكحــلها الأهـــــداب

فلربما تجــــد العروبـــــة نفســــــها
ويضيء في قلب الظــــــلام شهاب

ولقد تطير مـــــن العقـــــال حمـــامة
ومــــن العبـــــاءة تطلع الأعشاب

قرطاجة ..قرطاجة .. قرطاجـــــــة
هــل لي لصدرك رجعة و متاب ؟

لا تغضــبي مني .. إذا غلب الهــــوى
إن الهوى في طبعــــه غـــــــلاب

فذنوب شعــــري كلهــــا مغفــــــورة
والله جـــل جـــــلاله التــــواب
رد مع اقتباس