الموضوع: نزار قبانى
عرض مشاركة واحدة
  #24  
قديم 25/05/2008, 16h35
jevaramat
Guest
رقم العضوية:
 
المشاركات: n/a
افتراضي رد: القصائد السياسية لنزار قباني

إلي الأمير الدمشقي ( توفيق القباني )

1
مُكَسَّرةٌ كَجُفونِ أَبيكَ هيَ الكَلماتْ ..
وَمَقْصوصَةٌ ، كَجناحِ أبيكَ، هيَ المُفْرداتْ
فَكَيفَ يُغني المُغني ؟
وَقَدْ مَلأَ الدَّمْعُ كُلَّ الدَّواةْ ..
وماذا سَأكْتُب يا بُنَيَّ ؟
وَمَوْتُكَ ألْغى جَميعَ اللُغاتْ ..
2
لِأَيِّ سَماءٍ نَمُدُّ يَدَيْنا ؟
ولا أَحَداً في شَوارِعِ لَنْدنَ يَبْكي عَلَيْنا ..
يُهاجِمُنا المَوْتُ مِنْ كُلِّ صَوْبٍ ..
وَيَقْطعُنا مِثْلَ صَفْصَافَتَيْنْ
فأَذْكُر، حينَ أَراكَ، عَلِيَّاً ..
وتَذْكُرُ حينَ تَراني ، الحُسَيْنْ
3
أَشيلُكَ، يا وَلَدي ، فَوْقَ ظَهْري
كَمِئْذَنَةٍ كُسِرَتْ قِطْعتَيْنْ ..
وَشَعْرُكَ حَقْلٌ مِنَ القَمْحِ تَحْتَ المَطَرْ ..
ورَأْسُكَ في راحَتَي وَرْدةٌ دِمَشْقيَّةٌ .. وبقايا قَمَرْ ..
أواجه مَوْتكَ وَحْدي ..
وَأَجْمَعُ كُلَّ ثيابِكَ وَحْدي ..
وأَلْثُمَ قُمْصانَكَ العَاطِرَاتِ ..
وَرَسْمُكَ فَوْقَ جَوازِ السَّفَرْ
وأَصْرُخُ مِثْلَ المجانينِ وَحْدي
وكُلُّ الوجُوهِ أمامي نُحَاسٌ
وكُلُّ العُيونِ أمامي حَجَرْ
فكَيفَ أُقاوِمُ سَيْفَ الزَّمانِ ؟
وسَيْفي انْكَسَرْ ..
4
سأُخْبركُمْ عنْ أميري الجميلْ
عَنِ الْكانَ مِثْلَ المرايا نقاءً ..
ومثْلَ السنابلِ طولاً ..
ومثُل النَّخيلْ ..
وكانَ صديقَ الخِرافِ الصَّغيرةِ ..
كانَ صديقَ العصافيرِ ..
كانَ صديقَ الهَديلْ
سأُخْبرُكُمْ عنْ بَنَفْسَجِ عَيْنَيْهِ ..
هلْ تَعْرفونَ زُجاجَ الكنائِسِ ؟
هلْ تعْرفونَ دُموعَ الثُّرَيَّاتِ حينَ تَسيلْ ..
وهلْ تعْرفونَ نَوَافيرَ روما ؟
وحُزْنَ المراكِبِ قَبْلَ الرَّحيلْ
سأُخْبركُمْ عَنْهُ ..
كانَ كيوسُفَ حُسْناً ..
وكنتُ أخافُ عليهِ مِنَ الذِّئْبِ
كُنْتُ أخافُ على شَعْرهِ الذَّهبيِّ الطويلْ
.. وأمْس أَتَوا يَحْملونَ قميصَ حبيبي
وقدْ صَبَّغَتْهُ دماءُ الأصيلْ
فما حيلَتي يا قَصيدَةَ عُمْري ؟
إذا كُنْتَ أنْت جَميلاً ..
وحَظِّي قَليلْ ..
5
لماذا الجَرَائِدُ تَغْتالُني ؟
وتَشْنُقُني كُلَّ يَوْمٍ بحَبْلٍ طويلٍ مِنَ الذِّكْرياتْ
أُحاوِلُ أن لا أُصَدِّقَ مَوْتكَ ،
كُلُّ التَّقاريرِ كِذْبٌ،
وكُلُّ كلامِ الأطبَّاءِ كِذْبٌ،
وكُلُّ الأكاليلِ فَوْقَ ضَريحِكَ كِذْبٌ ..
وكُلُّ المَدَامِعِ والْحَشْرجَاتْ ..
أُحاوِلُ أن لا أُصدِّقَ أنَّ الأمير الخُرافيَّ تَوْفيقَ ماتْ ..
وأنَّ الجَبينَ المُسافِرَ بَيْنَ الكَواكِبِ ماتْ ..
وأنَّ الذي كَانَ يَقْطُفُ مِنْ شَجَرِ الشَّمْسِ ماتْ ..
وأنَّ الذي كانَ يَخْزُنُ ماءَ البِحَارِ بِعَيْنيْهِ ماتْ ..
فَمَوْتُكَ يا وَلَدي نُكْتةٌ ..
وقَدْ يُصْبِحُ المَوْتُ أَقْسى النِّكاتْ
6
أُحاوِلُ أن لا أُصدِّقَ ،
ها أَنْتَ تَعْبُرُ جِسْرَ الزَّمالِكِ،
ها أنْتَ تَدْخُلُ كالرُّمْحِ نادي الْجَزيرَةِ،
تُلْقي على الأَصْدِقاءِ التَّحيَّةْ،
تَمْرُقُ مِثْلَ الشُّعاعِ السَّماوِيِّ بَيْنَ السَّحابِ وَبَيْنَ المَطَرْ ..
وها هِيَ شَقَّتُكَ القاهِريَّةُ، هذا سَريرُكَ، هذا مَكانُ جلوسك،
ها هِيَ لَوْحاتُكَ الرَّائِعاتْ ..
وأَنْتَ أمَامي بِدِشْداشَةِ القُطْنِ، تَصْنعُ شايَ الصَّباحِ،
وتَسْقي الزُّهورَ على الشُّرُفاتْ ..
أُحاوِلُ أن لا أُصَدِّقَ عَيْني ..
هُنا كُتبِ الطِّبِّ ما زالَ فيها بَقِيَّةُ أَنْفاسِكَ الطَّيِّباتْ
وها هُوَ ثَوْبُ الطَّبيبِ المُعلَّقِ يَحْلُمُ بالمَجْدِ والأُمْنياتْ
فيا نَخْلةَ العُمْرِ ..
كيفَ أُصدِّقُ أنَّكَ تَرْحَلُ كالأُغْنياتْ
وأنَّ شِهادَتَكَ الجامِعِيَّةَ يَوْماً .. سَتُصْبحُ صَكَّ الوَفاةْ!!
7
أَتَوْفيقُ ..
لوْ كانَ لِلْمَوْتِ طِفْلٌ، لأَدْرَكَ ما هُوَ مَوْتُ البَنينْ
ولوْ كانَ للموْتِ عَقْلٌ ..
سَأَلْناهُ كيْفَ يُفَسِّرُ مَوْتَ البلابِلِ والْياسَمِينْ
ولوْ كانَ للمَوْتِ قَلْبٌ ..
تَرَدَّدَ في ذَبْحِ أوْلادِنا الطَّيِّبينْ ،
أَتَوْفيقُ يا مَلَكِيَّ الملامِحِ .. يا قَمَرِيَّ الجَبينْ ..
صَديقاتُ بَيْروتَ مُنْتَظِراتٌ ..
رُجُوعَكَ يا سَيِّدَ العِشْقِ والعاشِقينْ ..
فَكَيْفَ سَأَكْسِرُ أَحْلامَهُنَّ ؟
وأُغْرِقَهُنَّ بِبَحْرِ الذُّهولْ
وماذا أقولُ لَهُنَّ حَبيباتِ عُمْرِكَ، ماذا أقولْ ؟
8
أَتَوْفيقُ ..
إنَّ جُسورَ الزَّمالِكِ تَرْقُبُ كلَّ صباحٍ خُطاكْ
وإنَّ الحَمَامَ الدِّمَشْقيَّ يَحْمِلُ تَحْتَ جَنَاحَيْهِ دِفْءَ هَواكْ
فيا قُرَّةَ العَيْنِ .. كيْفَ وَجَدْتَ الحَياةَ هُناكْ ؟
فَهَلْ سَتُفَكِّرُ فينا قَليلاً ؟
وتَرْجعُ في آخرِ الصَّيْفِ حتَّى نَراكْ ..
أَتَوْفيقُ ..
إني جَبانٌ أمامَ رِثَائِكَ ..
فارْحَمْ أباكْ ..
رد مع اقتباس