الموضوع: نزار قبانى
عرض مشاركة واحدة
  #23  
قديم 25/05/2008, 16h33
jevaramat
Guest
رقم العضوية:
 
المشاركات: n/a
افتراضي رد: القصائد السياسية لنزار قباني

إفادة في محكمة الشعر

مرحبــــاً يا عـراقُ، جئتُ أغنّيـــكَ
وبعـضٌ مـن الغنـــــاءِ . . بكــــاءُ

مرحبـاً، مرحبـاً .. أتعرفُ وجهـاً
حفــــرتهُ الأيـام والأنــــــــواءُ ؟

أكـلَ الحبُّ مـن حشــــاشةِ قلبــــي
والبقــــــايا تقاسمتـها النســـــاءُ

كـلُّ أحبــــابي القــــدامى نسَــوني
لا نُــــــــوارَ تجـــيـبُ أو عفـراءُ

فالشِّفـاهُ المطيّبــــــاتُ ، رمــــــــادٌ
وخيـامُ الهـــوى رماها الـهــــواءُ

سكـــنَ الحـزنُ كالعصــــافيرِ قلبـي
فالأســــى خمرةٌ ، وقلبي الإنــاءُ

أنـــــا جـرحٌ يمشــــي على قـدميهِ
وخيـولي ، قـد هــدَّها الإعيــــاءُ

فجـــــراحُ الحسينِ بعــضُ جراحي
وبصـــــدري مِـنَ الأسى كربــلاءُ

وأنا الحـزنُ من زمـانٍ صــــــديـقي
وقليـلٌ في عصرنـــــا الأصـــــدقاءُ

مرحبـاً يا عـراقُ،كيفَ العبــــاءاتُ
وكيـفَ المهـــا .. وكيفَ الظباءُ ؟

مرحبــــاً يا عـراقُ .. هل نسيَتني
بعـدَ طـــــولِ السنينِ ســـامـرّاءُ ؟

مرحبـاً يا جسورُ يا نـخلُ يا نهـــرُ
وأهـلاً يا عشــــبُ .. يا أفيـــــاءُ

كيـفَ أحبابُنــــا على ضفــةِ النـهرِ
وكيــــــفَ البســـــاطُ والنـدماءُ ؟

كـان عنـــدي هـنـا أميـــرةُ حــــبٍّ
ثم ضـــــاعت أميرتي الحســـــناءُ

أينَ وجــــــهٌ في الأعظمـــيّـةِ حلـــوٌ
لـو رأتهُ تغــــــارُ منهُ الســـماءُ ؟

إننـي السندبـادُ .. مزّقهُ البحـــــرُ
و عـينـــــا حـبيبتـي المـينـــــــاءُ

مضـغَ المـوجُ مركبي .. وجبينــــــي
ثقبتـهُ العواصــــــفُ الهـوجـــاءُ

إنَّ في داخـلي عصوراً من الحــــــزنِ
فهـل لي إلي العـراقِ التجـــــاءُ ؟

وأنـا العاشــــقُ الكبيرُ .. ولكـــــن
ليـس تكفي دفاتـري الزرقـــــــاءُ

يا حزيـرانُ ، ما الـذي فعلَ الشعرُ ؟
ومـا الـذي أعطـى لنا الشـــعراءُ ؟

الــــــدواوينُ في يدينــــــا طــــروحٌ
والتعــــــابيرُ كـلُّهـــــا إنـشـــاءُ

كـلَّ عـامٍ نأتي لســـــوقِ عكــــــــاظٍ
وعـلينـا العمـــــائمُ الخضــــــراءُ

ونهـزُّ الـرؤوسَ مثــــل الــدراويشِ
.. و بالنـار تكتـــــوي ســــيناءُ

كـلَّ عـــامٍ نأتي .. فهـذا جـــــريرٌ
يتغنّـى .. وهـــــذهِ الخـنـــــساءُ

لـمْ نزَل، لـمْ نزَل نمــصمصُ قشــراً
وفلسـطـينُ خضّبتهــــا الـدمــــاءُ

يا حُـزيرانُ .. أنـتَ أكـبــرُ منّـــــا
وأبٌ أنـتَ .. مـا لـــهُ أبـنــــــــاءُ

لـوْ مَلَكْـنـــا بقيّــــــةً من إبـــــــاءٍ
لانتخـينا .. لكــــننا جـبنـــــاءُ

يا عصـــــــورَ المعلّــــقاتِ ملَلنــــــا
ومـن الجسـمِ قد يمـــلُّ الـــــرداءُ

نصــفُ أشعـــارنا نقــــوشٌ ومــاذا
ينفعُ النقشُ حين يهوي البنـــاءُ ؟

المقامـاتُ لعبـــــةٌ .. والحــــريريُّ
حشـيشٌ .. والغــــولُ والعـــنقاءُ

ذبحتنـــــا الفسيـفســـاءُ عصــــوراً
والـدُّمى والزخــــارفُ البلـــــهاءُ

نــرفضُ الشـــعرَ ..كيمياءً وسـحراً
قتلتنـا القصيــــــدةُ الكيـميـــــاءُ

نــرفضُ الشـــعرَ .. مسـرحاً ملكيـاً
من كراسيـهِ يحـــرمُ البســــــطاءُ

نـرفضُ الشعـرَ أن يكونَ حصـــــانـاً
يمتطـــــيهِ الطـــــغاةُ والأقــويـاءُ

نـرفضُ الشعـرَ عتمــــةً ورمـــــوزاً
كيف تستـطيعُ أن ترى الظلمــاءُ ؟

نـرفضُ الشعـرَ أرنبــــاً خشــــــبيّاً
لا طمــــوحٌ لــــهُ .. ولا أهـــــواءُ

نـرفضُ العاطلينَ في قهـــوةِ الشـــعر
دخـانٌ أيّامـهـــــم .. وارتخــــاءُ

شـعرُنا اليـومَ يحفرُ الشمسَ حفـــراً
بيـديهِ .. فكـلُّ شــــيءٍ مُـضـــاءُ

شـعرنا اليـومَ هجمـــةٌ واكتشــــافٌ
لا خطـوطٌ كوفيّــــــةً ، وحِــــداءُ

كـلُّ شـعرٍ معـاصرٍ ليـــــسَ فيـــــهِ
غضـبُ العصـرِ ، نملـــةٌ عـرجــاءُ

مـا هـوَ الشعرُ ، إن غـدا بهلوانـــــاً
يتسـلّى برقـصــــــــهِ الخُـــــلفاءُ

مـا هـو الشعرُ .. حينَ يصبحُ فـــأراً
كِسـرةُ الخبزِ ـ هَمُّــهُ ـ والغِــــذاءُ

وإذا أصبـــــحَ المفكِّـــــــرُ بُـوقــــــاً
يسـتوي الفكرُ عنــــدها والحــذاءُ

يُصـلبُ الأنبيـــــاءُ من أجــــل رأيٍ
فلمـاذا لا يصـلــــبَ الشعــــراءُ ؟

الفـدائيُّ وحـدهُ .. يكتبُ الشـــــعرَ
و كــــلُّ الـــــذي كتبنــــا هــراءُ

إنّـــــهُ الكـاتـبُ الحقيـــقيُّ للعصـرِ
ونـحـــــنُ الحُـجَّــــابُ والأجـراءُ

عنـدما تَبْـدأُ البنــــادقُ بالعـــــزفِ
تمــــوتُ القصــــائدُ العصــــــماءُ

مـالنــا ؟ مالنـا نلـــــومُ حـزيـــرانَ
و فـي الإثــــــمِ كـلُّنـــا شـركاءُ ؟

مـن هُــــم الأبريـاءُ ؟ نحـنُ جميـعاً
حـامـلو عـــــارهِ ولا اسـتثنـــــاءُ

عقـلُنا، فكـــرُنا، هــــزالُ أغانينــا
رؤانــــــا، أقـوالُــــنا الجـــوفـاءُ

نثرُنا، شـعرُنا، جرائدُنا الصفـــراءُ
والحـــبرُ والحــــروفُ الإمـــــاءُ

البطـــــولاتُ .. موقــفٌ مســـرحيٌّ
ووجـــــوهُ الممثلـيــــنَ .. طــــلاءُ

وفلســـــطينُ بينهـــــم كمـــــــزادٍ
كـلُّ شـــارٍ يزيـــدُ حين يشــــــاءُ

وحــــدويّون! والبــــــلادُ شـــظايا
كـلُّ جـزءٍ من لحمهـــا أجـــــزاءُ

ماركسـيّونَ ! والجـماهيرُ تشـــــقى
فلمـاذا لا يشبـــــعُ الفقــــــراءُ ؟

قرشـــيّونَ ! لـو رأتهـــــم قريـــشٌ
لاستـجارت مـن رملِها البيـــــداءُ

لا يمـــــينٌ يجيـــــرُنا أو يســـــارٌ
تحـــتَ حـدِّ السكينِ نحنُ ســـواءُ

لو قرأنا التاريخَ ما ضـــاعتِ القـدسُ
وضاعت من قبـلها " الحمـراءُ" ..

يا فلسـطينُ، لا تزاليـــنَ عطـشــــى
وعلى الـــزيتِ نـامــتِ الصحــراءُ

العبـاءاتُ .. كلُّهـــا من حـريـــــرٍ
واللـيــالي رخيصـــــةٌ حمـــــراءُ

يا فلسـطينُ ، لا تنــــادي عليهــــم
قـد تسـاوى الأمــــواتُ والأحيــاءُ

قتـلَ النفطُ ما بهـم مـــن سجـايـــــا
ولقـد يقتـلُ الثــــــريَّ الثــــــراءُ

يا فلسـطينُ، لا تنـــــــادي قريــشاً
فقـريشٌ ماتـت بهـــا الخيَـــــلاءُ

لا تنـادي الرجالَ من عبـــــدِ شمسٍ
لا تنـادي .. لم يبـــــقَ إلا النساءُ

ذروةُ المـوتِ أن تمـــوتَ المــــروءاتُ
ويمشـي إلي الـــــوراءِ الــــــوراءُ

مـرَّ عامـانِ والغـــــزاةُ مقيمـــــــونَ
و تاريــــــخُ أمـتي .. أشـــــــلاءُ

مـــــرَّ عامـــانِ .. والمســيـحُ أسـيرٌ
في يديهـم .. و مـريمُ العـــــذراءُ

مــــرَّ عامــــانِ .. والمــــآذنُ تبكـي
و النواقيـــــسُ كلُّهــــا خرســـاءُ

أيُّهـا الراكعونَ في معبـــدِ الحـــرفِ
كـفانـا الــــدوارُ .. والإغـمــــــاءُ

مزِّقــوا جُبَّــــةَ الـدراويـــشِ عـنكم
واخلعوا الـصـــوفَ أيُّها الأتقيــاءُ

اتركـــــوا أوليــــــاءَنا بســــــــلامٍ
أي أرضٍ أعادهـــا الأوليـــــــاءُ ؟

في فـمي يا عـراقُ .. مـــاءٌ كـثــــيرٌ
كيفَ يشـكو من كانَ في فيهِ مــاءُ ؟

زعمــــوا أننـي طـعـــنتُ بـــــلادي
وأنــــا الحــــبُّ كـلُّهُ والـوفـــــاءُ

أيريـــــدونَ أن أمُـــــصَّ نـزيــفي ؟
لا جـدارٌ أنــا .. و لا ببـغــــــاءُ!

أنا حريَّتي .. فــــــإن سـرقوهـــــا
تســـــقطِ الأرضُ كلُّهـــا والســماءُ

مـا احترفتُ النِّفـــاقَ يومــاً وشعري
مـا اشتـراهُ الملـــــوكُ والأمـــــراءُ

كـلُّ حـرفٍ كتبتـــهُ كـــانَ ســـيفاً
عـربيّـاً، يشـعُّ منــــهُ الضــــــياءُ

وقليـــــلٌ من الكـــــلامِ .. نقــــــيٌّ
وكـثـيرٌ من الكـــلامِ .. بغـــــــاءُ

كــــم أُعـــاني ممـا كتبـتُ عــــذاباً
ويعـــــاني في شـــــرقنا الشـرفاءُ

وجـعُ الحــرفِ رائعٌ .. لـوَ تشــكو
للـبســـــاتينِ وردةٌ حمـــــــراءُ ؟

كـلُّ من قـاتلوا بحــــرفٍ شجـــــاعٍ
ثـم ماتـوا .. فإنـــــهم شهــــداءُ

لا تعاقـب يا ربِّ مـــن رجمـــــوني
واعـــفُ عنهـــم ، إنّـهم جهــلاءُ

إن حبّـــــي للأرضِ حـبٌّ بصيـــــرٌ
وهواهــم عــــــواطـفٌ عميــــــاءُ

إن أكُـن قــــد كويتُ لحــــمَ بـلادي
فمـــن الكــيِّ قـد يجـيءُ الشفـــاءُ

من بحـارِ الأسى، وليـلِ اليتـــامــى
تطلـــعُ الآنَ زهـــــرةٌ بيضـــــــاءُ

ويطـلُّ الفـداءُ شمــــــساً عـلينــــــا
ما عسـانا نكونُ .. لـــولا الفــداءُ

من جـراحِ المناضليـــــنَ .. وُلدنــــا
ومـــنَ الجــــرحِ تـــولدُ الكـبرياءُ

قبلَهُـــــم، لم يكـــن هـنـاكَ قبــــلٌ
ابتـداءُ التاريـخِ من يومِ جـــــاؤوا

هبطـوا فــوقَ أرضـنــــــا أنبيــــــاءً
بعـد أن مـاتَ عندنــــا الأنبيــــاءُ

أنقـذوا مــــاءَ وجهـــنا يومَ لاحــوا
فأضـاءت وجوهُنــــــا الســـــوداءُ

منحـونا إلي الحـيـــــــاةِ جـــــوازاً
لـم تكُـن قبلَهم لنــــــا أسمــــــاءُ

أصدقاء الحـــــروفِ لا تعـــــذلوني
إن تفجّـرتُ أيُّهــــا الأصـدقـــــاءُ

إننـي أخـــــزنُ الرعـــــودَ بصـدري
مثلمـا يخزنُ الرعــــودَ الشـــــتاءُ

أنا مـا جئـتُ كي أكـــونَ خطيبـــــاً
فبـلادي أضاعَـهــــا الخُـطبــــــاءُ

إننـي رافـضٌ زمانــــي وعصـــــري
ومـن الـرفضِ تولــــــدُ الأشيــــاء

أصدقائي .. حكيتُ ما لـيسَ يُحكى
و شـفيعي .. طـفــولتي والنـــقاءُ

إننـي قـادمٌ إليـــــكـم .. وقلـــــبي
فـوقَ كـفّـي حمـــــامـةٌ بيضـــــاءُ

افْهمـوني .. فمـا أنــا غـيرُ طــــفلٍ
فـــــوقَ عينيـهِ يسـتحمُّ المـســــاءُ

أنا لا أعـرفُ ازدواجيّـــةَ الفكــــــرِ
فنفســي .. بحـــــيرةٌ زرقـــــاءُ

لبـلادي شعـــري .. ولستُ أبـــالي
رفضــــتهُ أم باركتـهُ الســـماءُ ..
رد مع اقتباس