الموضوع: نزار قبانى
عرض مشاركة واحدة
  #22  
قديم 25/05/2008, 00h20
jevaramat
Guest
رقم العضوية:
 
المشاركات: n/a
افتراضي رد: القصائد السياسية لنزار قباني

ثلاثية أطفال الحجارة

1
بَهروا الدُنيا
وما في يدِهِمْ إلا الحجارةْ
وأضاءوا كالقَناديلِ
وجاءوا كالبشارةْ
قاوَموا وانْفجَروا واسْتَشْهدوا
وبقينا دِبَبَاً قُطْبيْةً
صُفِّحَتْ أجْسادُها ضِدَّ الحرارةْ
قاتلوا عنَّا إلي أنْ قُتلوا
وبَقينا في مَقاهينا
كبُصاقِ المَحارَةْ
واحدٌ
يبحثُ منا عنْ تجارةْ
واحدٌ
يطلبُ ملياراً جديداً
وزواجاً رابعاً
ونُهوداً صَقَلَتْهُنَّ الحضارةْ
واحدٌ
يبحثُ في لندنٍ عنْ قصْرٍ مَنيفٍ
واحدٌ
يَعْمَلُ سِمْسارَ سلاحٍ
واحدٌ
يطْلُبُ في الباراتِ ثارهْ
واحدٌ
يبحثُ عنْ عَرْشٍ وَجَيْشٍ
وإمارةْ
آه يا جيلَ الخياناتِ
ويا جيلَ العُمولاتِ
ويا جيلَ النِفاياتِ
ويا جيلَ الدعارةْ
سَوْفَ يَجْتاحُكَ مَهْما أبْطأَ التاريخُ
أطفالُ الحجارةْ
2
يا تلاميذَ غَزَّةٍ
عَلِّمونا
بعْضَ ما عِنْدكُمْ
فَنَحْنُ نَسينا
عَلِّمونا
بأنْ نكونَ رجالاً
فلدينا الرجالُ
صاروا عَجينا
عَلِّمونا
كيْفَ الحِجارَةُ تَغْدو
بَيْنَ أَيْدي الأطفالِ
ماساً ثَمينا
كَيْفَ تَغْدو
دَرَّاجةُ الطِفْلِ لُغْماً
وَشَريطُ الحَريرِ
يَغْدو كَمينا
كَيْفَ مَصَّاصَةُ الحَليبِ
إذا ما اعْتقلوها
تَحَوَّلتْ سِكِّينا
يا تلاميذَ غَزَّةٍ
لا تُبالوا
بإِذاعَاتِنا
ولا تَسْمَعونا
اضْرَبوا
اضْرَبوا
بِكُلِّ قِواكُمْ
واحْزموا أَمْركُمْ
ولا تَسْألونا
نَحْنُ أهل الحسابِ والجَمْعِ والطَّرْحِ
فخُوضوا حُروبَكُمْ واتْركونا
إنَّنا الهارِبونَ
منْ خِدمةِ الجيشِ
فهاتوا حِبالَكُمْ واشْنقونا
نحنُ مَوْتى لا يمْلكونَ ضَريحاً
ويَتَامى لا يملكونَ عُيونا
قدْ لزِمنا جُحورنا
وطلبنا مِنْكُمُ
أنْ تُقاتلوا التنينا
قَدْ صَغُرْنا أمامَكُمْ ألفَ قرْنٍ
وَكَبُرْتُمُ خلالَ شَهْرٍ قُرونا
يا تلاميذَ غَزَّةٍ لا تَعودوا
لكِتاباتِنا ولا تَقْرؤونا
نحْنُ آباؤكُمْ
فلا تُشْبِهونا
نحْنُ أصْنامُكُمْ
فلا تَعْبُدونا
نَتَعاطى القاتَ السِّياسيَّ والقَمْعَ
ونبْني مَقابِراً وسُجونا
حَرِّرونا منْ عُقْدَةِ الخَوْفِ فينا
واطْرُدوا مِنْ رُؤوسنا الأَفْيونا
عَلِّمونا فَنَّ التَشَبُّثِ بالأَرْضِ
ولا تَتْركوا
المسيحَ حَزينا
يا أحِبَّاءنا الصِّغارَ
سلاما
جعلَ اللهُ يَوْمكُمْ ياسَمينا
منْ شُقُوقِ الأَرْضِ الخَرَابِ طَلَعْتُمْ
وزَرَعْتُمُ جِراحَنا نِسْرينا
هذهِ ثَوْرةُ الدَّفاتِرِ والحِبْرِ
فكونوا على الشِّفاهِ
لُحونا
أمْطِرونا بُطُولةً وشُموخا
واغْسِلونا مِنْ قُبْحِنا
اغْسِلونا
لا تَخافوا موسى
ولا سِحْرَ موسى
واسْتَعِدوا
لتَقْطُفوا الزَيْتونا
إنَّ هذا العَصْرَ اليَهوديَّ وَهْمٌ
سَوْفَ يَنْهارُ
لوْ مَلَكْنا اليَقينا
يا مَجانينَ غزَّةٍ
ألفَ أهلاً بالمجانينِ
إنْ هُمُ حَرَّرونا
إن عَصْرَ العَقْلِ السِّياسيِّ
ولَّى مِنْ زمانٍ
فَعَلِّمونا الجُنونا
3
يَرْمي حجراً
أو حَجَرَيْنْ
يَقْطَعُ أفْعى إسرائيلَ إلي نِصْفَيْنْ
يَمْضَغُ لَحْمَ الدَّباباتِ ويَأتينا
منْ غيرِ يدينٍ في لحظاتٍ
تَظْهَرُ ارْضٌ فَوْقَ الغَيْمِ
ويولدُ وَطَنٌ في العَيْنَيْنِ
في لحظاتٍ
تَظْهرُ حَيْفا
تَظْهرُ يافا
تَأْتي غَزَّةٌ في أمْواجِ البَحْرِ
تُضيءُ القُدْسَ
كمِئْذَنةٍ بَيْنَ الشَّفَتَيْنِ
يَرْسُمُ فَرَساً
مِنْ ياقوتِ الفَجْرِ
وَيَدْخُلُ كالإسْكَنْدَرِ ذي القَرْنَيْنِ
يَخْلعُ أَبْوابَ التَّاريخِ
وَيُنْهي عَصْرَ الحشَّاشينَ
ويُقْفلُ سوقَ القوَّادينَ
وَيَقْطَعُ أيْدي المُرْتَزِقينَ
ويُلْقي تِرْكةَ أهل الكَهْفِ
عَنِ الكَتِفَيْنِ
في لَحَظاتٍ
تَحْبَلَ أشجار الزَّيْتونِ
يَدُرُّ حليبٌ في الثَّدْيَيْن
يَرْسُمُ أرْضاً في طَبَريا
يَزْرَعُ فيها سُنْبُلَتَيْن
يَرْسُمُ بَيْتاً فَوْقَ الكَرْمَلِ
يَرْسُمُ أُمَّاً تَطْحَنُ عِنْدَ البَابِ
وفِنْجانَيْن
في لَحَظاتٍ تَهْجُمُ رائِحةُ اللَّيْمونِ
ويولَدُ وَطَنٌ في العَيْنَيْن
يرْمي قَمَراً مِنْ عَيْنَيْهِ السَّوْداوَيْنِ
وقدْ يرْمي قَمَرَيْن
يرْمي قلَماً
يرْمي كُتُباً
يرْمي حِبْراً
يرْمي صَمْغاً
يرْمي كُرَّاساتِ الرَّسْمِ
وفُرْشاةَ الأَلْوانْ
تَصْرُخُ مَرْيَمُ يا وِلداهُ
وتأْخذُه بيْنَ الأحْضانْ
يَسْقطُ ولدٌ
في لحظاتٍ
يولَدُ آلافُ الصِّبْيانْ
يَكْسِفُ قَمَرٌ غَزَّاويٌّ
في لحظاتٍ
يَطْلعُ قَمَرٌ مِنْ بيسانْ
يَدْخُلُ وَطَنٌ للزِنْزانَةِ
يولَدُ وَطَنٌ في العيْنَيْنِ
يَنْفضٌ عنْ نَعْلَيْهِ الرَّمْل
ويَدْخُلُ في مَمْلكَةِ الماءْ
يَفْتحُ أُفُقاً آخر
يُبْدِعُ زَمَناً آخر
يَكْتُبُ نَصَّاً آخر
يَكْسِرُ ذاكرةَ الصَّحْراءْ
يَقْتلُ لُغةً مُسْتهْلَكةً
مُنْذُ الهمْزَةِ حتَّى الياءْ
يَفْتَحُ ثُقْباً في القاموسِ
ويُعْلنُ موْتَ النَّحْوِ
ومَوْتَ قصائِدنا العصْماءْ
يَرْمي حجراً
يبْدأُ وَجْهُ فلسطينَ
يَتَشَكَّلُ مثلَ قصيدةِ شِعْرٍ
يَرْمي الحجرَ الثاني
تَطْفو عكَّا فوقَ الماءِ قصيدةَ شِعْر
يَرْمي الحجرَ الثالثَ
تَطْلُعُ رامَ الله بنفْسَجةً منْ ليْلِ القَهْرْ
يَرْمي الحجرَ العاشرَ
حتَّى يَظْهرَ وَجْهُ اللهِ
ويَظْهرُ نورُ الفجْر
يَرْمي حَجَرَ الثَّوْرةِ
حتَّى يَسْقُطَ آخرُ فاشِسْتيٍ
مِنْ فاشِسْتِ العَصْرْ
يَرْمي
يَرْمي
يَرْمي
حتَّى يَقْلَعَ نَجْمَةَ داوودٍ
بِيَدَيْهِ
وَيَرْميها في البَحْرْ
تَسْأَلُ عَنْهُ الصُّحُفُ الكُبْرى
أي نَبيٍ هذا القادِمُ مِنْ كَنْعانْ ؟
أي صَبيٍ
هذا الخارِجُ مِنْ رَحِمِ الأحزان ؟
أي نَباتٍ أُسْطوريٍّ
هذا الطَّالعُ مِنْ بَيْنِ الجُدْرانْ ؟
أي نُهورٍ مِنْ ياقوتٍ
فاضَتْ مِنْ ورقِ القُرآنْ ؟
يَسْألُ عَنْهُ العَرَّافونَ
ويَسْألُ عَنْهُ الصوفِيُّونَ
وَيَسْألُ عَنْهُ البوذِيُّونَ
وَيَسْألُ عَنْهُ مُلوكُ الجانْ
مَنْ هذا الولَدُ الطَّالعُ
مِثْلَ الخَوْخِ الأَحْمَرِ
مِنْ شَجَرِ النِّسْيانْ ؟
مَنْ هوَ هذا الوَلَدُ الطَّافِشُ
مِنْ صُوَرِ الأجْدادِ
ومِنْ كَذبِ الأحفادْ
وَمِنْ سِرْوالِ بني قَحْطانْ ؟
مَنْ هوَ هذا الباحِثُ
عَنْ أَزْهارِ الحُبِّ
وَعَنْ شَمْسِ الإنسان ؟
وَمَنْ هوَ هذا الوَلَدُ المُشْتَعِلُ العَيْنَيْنِ
كآلِهَةِ اليونانْ ؟
يَسْألُ عَنْهُ المضْطهدونَ
وَيَسْألُ عَنْهُ المقْموعونَ
وَيَسْألُ عَنْهُ المنْفيُّونَ
وَتَسْألُ عَنْهُ عصافيرٌ خَلْفَ القُضْبانْ
مَنْ هوَ هذا الآتي
مِنْ أوْجاعِ الشَّمْعِ
ومِنْ كُتُبِ الرُّهْبانْ ؟
مَنْ هوَ هذا الوَلَدُ
التَبْدَأُ في عَيْنيهِ
بِدايَاتُ الأكْوانْ ؟
مَنْ هوَ
هذا الولَدُ الزَّارعُ
قَمْحَ الثَّوْرةِ
في كُلِّ مكانْ ؟؟
يَكْتُبُ عَنْهُ القَصَصِيُّونَ
ويَرْوي قِصَّتهُ الرُكْبانْ
مَنْ هوَ هذا الطِّفْلُ الهارِبُ مِنْ شِلَلِ الأَطْفالِ
وَمِنْ سوسِ الكَلماتْ ؟
مَنْ هوَ ؟
هذا الطَّافِشُ مِنْ مَزْبَلَةِ الصَّبْرِ
وَمِنْ لُغَةِ الأَمْواتْ ؟
تَسْألُ صُحُفُ العالمِ
كَيْفَ صَبيٌّ مِثْلُ الورْدةِ
يَمْحو العالَمَ بِالمِمْحاةْ ؟
تَسْألُ صُحُفٌ في أَمْريكا
كَيْفَ صَبيٌّ غَزَّاوِيٌّ
حِيفاوِيٌّ
عَكَّاوِيٌّ
نَابُلْسِيٌّ
يَقْلبُ شاحنَةَ التَّاريخِ
وَيَكْسرُ بلْلَوْرَ التَّوْراةْ ؟؟
رد مع اقتباس