عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 11/04/2007, 21h10
الصورة الرمزية ben arfa
ben arfa ben arfa غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:12029
 
تاريخ التسجيل: janvier 2007
الجنسية: تونسية
الإقامة: تونس
العمر: 65
المشاركات: 139
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركانه
أميـــر الشـعـراء أحمــد شــوقي
ولد أمير الشعراء أحمد شوقي عام 1870م في مصر التي صبغته بعروبتها وإسلامها، فقد تحدّر من أعراق مختلطة، فكان جدّه لأبيه كرديّا، وكانت جدّته لأبيه يونانية تعمل في قصر الخديوي، لكن أبويه وُلدا بمصر وتربّيا في رحابها.
نشأ شوقي في القاهرة، وضمن له تفوقه الدراسي مجانية تعليمية في مدرسة الحقوق، وعندما تخرج منها عام 1887م، عيّنه الخديوي توفيق في قصره، وأرسله إلى فرنسا في بعثة لدراسة الحقوق والترجمة طالت حتى عام 1893م، وقد حسمت تلك الرحلة الدراسية الأولى منطلقات شوقي الفكرية والإبداعية، واشترك خلالها مع زملاء البعثة في تكوين جمعية التقدم المصري التي كانت أحد أشكال العمل الوطني ضد الاحتلال الإنجليزي وربطته حينئذ صداقة حميمة بالزعيم مصطفى كامل، وتفتّح على مشروعات النهضة المصرية، وطوال فترة إقامته بأوروبا كان فيها بجسده بينما ظل قلبه معلقًا بالثقافة العربية وبالشعراء العرب الكبار وعلى رأسهم المتنبي.
الرحلة الحاسمة
بعد عودته إلى مصر، تعدّدت رحلات شوقي إلى تركيا والدول الأوروبية، إلا أن رحلة منها كانت مثل رحلته الدراسية الأولى، حاسمةً في تشكيل مصيره، فقد كانت تلك الرحلة عام 1915م إلى برشلونة الإسبانية التي اختارها الشاعر منفىً له عندما أُمر بمغادرة مصر بعد خلع الإنجليز للخديوي عباس حلمي، وتأمل شوقي مشاهد الحضارة العربية والإسلامية في الأندلس، كما تعززت نزعته الوطنية الغلابة في عشق مصر والتغني بأمجادها، وشهدت سنواته التالية ذروة تألقه الإبداعي في التعبير عن الضمير القومي، وشحذه لإمكاناته الإبداعية، وتوجيه طاقاته الخلاقة لتجديد روح الشعر العربي وتمكين صياغته.
وبلغ حنينه لمصر أوجهه فأرسل إلى الشاعر حافظ إبراهيم أبياتاً ثلاثة قال فيها:
يا ساكني مصر إنــا لا نزال على عــــــــــــهد الوفاء وإن غبنا مقيمينا
هلا بعثتم لنا مــن ماء نـــــــهركم شيئاً نبل بـــــــــــــه أحشاء صادينا
كل المناهل بعد النيل آســـــــــــنة ما أبعد النيل إلا عــــــــــــــن أمانينا
فأجابه حافظ بهذه الأبيات:
عجبت للنيل يدري أن بلـــــــــبله صــــاد ويسقي ربا مصر ويسقينا
والله ما طاب للأصحاب مـورده ولا ارتضوا بعدكم من عيشهم لينا
لم ننأ عنه وإن فـــــارقت شاطئه وقـــــد نأينا وإن كـــنا مـــــــقيمينا
ويتغذى أسلوبه من رصيد ثقافي واسع يمثل عصارة مصفّاة من التراث العربي الغني ومن المعارف الإنسانية، وتميز بالتوازن بين الفكر والفن، واعتمد شوقي على توظيف عدد من التقنيات الشعرية الفعالة لتوليد الدلالات الكلية، ومن أهمها تجانس التراكيب والاشتقاقات، ومفارقات الصياغة، وآليات التكرار وطرائق التصوير والتجسيد، مع قدرة فائقة على إشباع الحس الجمالي للقارئ العربي والاستجابة لتوقعاته.
إمارة الشعر
أصبح شوقي شاعر الأمة المُعبر عن قضاياها، لا تفوته مناسبة وطنية إلا شارك فيها بشعره، وقابلته الأمة بكل تقدير، وأنزلته منزلة عالية، وبايعه شعراؤها بإمارة الشعر عام 1346هـ/1927م في حفل أقيم بدار الأوبرا بمناسبة اختياره عضواً في مجلس الشيوخ، وقيامه بإعادة طبع ديوانه "الشوقيات"، وحضر الحفل وفود من أدباء العالم العربي وشعرائه، وأعلن حافظ إبراهيم باسمهم مبايعته بإمارة الشعر قائلاً:
بلابل وادي النيل بالشرق اسجعي
بشـعر أمـــــيـر الدولتيـن ورجعي

أعيدي على الأسماع ما غردت به
يراعة شـوقي في ابتـداء ومقطع

أمـــــــيـر القوافـي قد أتيت مبايعـاً
وهذي وفود الشرق قد بايعت معي

المسرحيات الشعرية
بلغ أحمد شوقي قمة مجده، وأحس أنه قد حقق كل أمانيه بعد أن بايعه شعراء العرب بإمارة الشعر، فبدأ يتجه إلى فن المسرحية الشعرية، وكان قد بدأ في ذلك أثناء إقامته في فرنسا، لكنه عدل عنه إلى فن القصيد، وأخذ ينشر على الناس مسرحياته الشعرية الرائعة التي استمد اثنتين منها من التاريخ المصري القديم، وهما: "مصرع كليوباترا" و"قمبيز"، والأولى منهما هي أولى مسرحياته ظهوراً، وكتب واحدة من التاريخ الإسلامي هي "مجنون ليلى"، ومثلها من التاريخ العربي القديم وهي "عنترة"، وأخرى من التاريخ المصري العثماني وهي "علي بك الكبير"، كما أن له مسرحيتان هزليتان، هما "الست هدى" و"البخيلة"، ولأمر غير معلوم كتب مسرحية "أميرة الأندلس" نثراً، مع أن بطلها أو أحد أبطالها البارزين هو الشاعر المعتمد بن عباد، وقد غلب الطابع الغنائي والأخلاقي على مسرحياته مع ضعف الطابع الدرامي، غير أن هذه المآخذ لا تُفقِد مسرحيات شوقي قيمتها الشعرية الغنائية، ولا تنفي عنها كونها ركيزة الشعر الدرامي في الأدب العربي الحديث.

مكانته
منح الله شوقي موهبة شعرية فذة، وبديهة سيالة لا يجد معها عناء في نظم القصيدة، فدائماً كانت المعاني تنثال عليه انثيالاً وكأنها المطر الهطول، يغمغم بالشعر ماشياً أو جالساً بين أصحابه، حاضراً بينهم بشخصه، غائباً عنهم بفكره، ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، إذ بلغ نتاجه الشعري ما يتجاوز ثلاثة وعشرين ألفاً وخمسمائة بيت، ولعل هذا الرقم لم يبلغه شاعر عربي قديم أو حديث، وكان مثقفًا ثقافة متنوعة الجوانب، فقد انكب على قراءة الشعر العربي في عصور ازدهاره، وصحب كبار شعرائه، وأدام النظر في مطالعة كتب اللغة والأدب، وكان ذا حافظة لاقطة لا تجد عناء في استظهار ما تقرأه، حتى قيل بأنه كان يحفظ أبواباً كاملة من بعض المعاجم، وكان مغرماً بالتاريخ، تشهد على ذلك قصائده التي لا تخلو من إشارات تاريخية لا يعرفها إلا المتعمقون في دراسة التاريخ، وتدل رائعته الكبرى "كبار الحوادث في وادي النيل" التي نظمها وهو في شرخ الشباب على علمه بالتاريخ قديمه وحديثه، وكان ذا حس لغوي مرهف وفطرة موسيقية بارعة في اختيار الألفاظ التي تتآلف مع بعضها لتحدث النغم الذي يثير الطرب ويجذب الأسماع، فجاء شعره لحناً صافياً ونغماً رائعاً لم تعرفه العربية إلا لقلة قليلة من فحول الشعراء.

كان الشاعر محمود سامي البارودي على ضفة النيل ينظم الشعر، ولكنه حينما نظم شطر البيت الأول وهو: أتغلبني ذات الدلال على صبري، أمسك ولم تسعفه القريحة حينذاك لإكمال القصيدة كعادة معظم الشعراء، وكان شوقي حاضراً فأتمه بقصيدة طويلة يقول مطلعها:
أتغلبني ذات الدلال على صبري
إذاً أنا أولى بالقــــناع وبالخدر

تتيه، ولي حـــــــلم إذا ما ركبته
رددت به أمر الغرام إلى أمري

وما دفعي اللوام فيها ســــــآمة
ولــــــكن نفس الحر أزجر للحر

وإلى جانب ثقافته العربية فقد كان أمير الشعراء متقنًا للفرنسية التي مكنته من الاطلاع على آدابها والنهل من فنونها، وهذا ما ظهر في بعض نتاجه وما استحدثه في العربية من كتابة المسرحية الشعرية لأول مرة، وقد نظم الشعر العربي في كل أغراضه من مديح ورثاء وغزل ووصف وحكمة، وله آثار نثرية كتبها في مطلع حياته الأدبية، مثل: "عذراء الهند"، ورواية "لادياس"، و"ورقة الآس"، و"أسواق الذهب" الذي حاكى فيه كتاب "أطواق الذهب" للزمخشري، وما يشيع فيه من وعظ في عبارات مسجوعة.

وقد جمع شوقي شعره الغنائي في ديوان سماه "الشوقيات"، ثم قام الدكتور محمد صبري السربوني بجمع الأشعار التي لم يضمها ديوانه وصنع منها ديواناً جديداً في مجلدين أطلق عليه "الشوقيات المجهولة".

خصوبة وثراء وإبداع
ضم ديوانه "الشوقيات" 11.320 بيتًا، وبلغت "أرجوزة دول العرب" و"عظماء الإسلام" 1365 بيتًا، كما وصل شعره المسرحي إلى 6179 بيتًا، بالإضافة إلى الشوقيات المجهولة التي نشرها الدكتور السربوني والتي وصل عددها إلى ما يقرب من 4700 بيت مما يشهد بخصوبة شوقي وثراء منجزه الإبداعي في الشعر وبجدارته ليكون شاعر العروبة والإسلام في العصر الحديث.

وحين توفى حافظ إبراهيم أيقن شوقي أن أجله قد اقترب فاغتم وحزن وسافر إلى الإسكندرية كأنما يهرب من المصير المحتوم، ورثاه بقصيدة رائعة يقول في مطلعها:

قــــد كنت أُوثر أن تقول رثائي
يا منصف الموتى من الأحياء

لكن سبقت وكل طول ســـــلامة
قــــــــــــــدر، وكل منية بقضاء

الحق نادى فاستجبتَ، ولم تزل
بالـــــــــحق تحفل عند كل نداء

وانتقل أميــر الشـــعراء إلى رحمـــة الله مخلفــاً للأمة العربية تراثـــاً شعــرياً خالداً بتـــاريخ 14 أكتوبر 1932م وهـــو نفس العــام الذي مـــات فيه حافظ إبراهيم.

مع تحياتى بن عرفة

تمثّال امير الشعراء أحـمـــــد شوقي
الصور المرفقة
نوع الملف: jpg تمثّال امير الشعراء أ شوقي.jpg‏ (138.3 كيلوبايت, المشاهدات 45)

التعديل الأخير تم بواسطة : د أنس البن بتاريخ 17/07/2009 الساعة 07h23
رد مع اقتباس