عرض مشاركة واحدة
  #22  
قديم 31/07/2010, 07h50
Nabeel Nabeel غير متصل  
ضيف سماعي
رقم العضوية:207337
 
تاريخ التسجيل: avril 2008
الجنسية: عراقية
الإقامة: المانيا
المشاركات: 5
افتراضي رد: هل سيد درويش اقتبس من عثمان الموصلي ؟؟

قيثارة النغم

د.عادل البكري

كان عثمان الموصلي ينبوعاً للالحان وقيثارة للنغمم وعلماً فرداً في الموسقى في بلاد الشرق خلال فترة تمتد من الربع الاخير للقرن التاسع عشر حتى اوائل القرن العشرين وله فضل في تطوير الموسيقى العربية وتجديدها. نشأ هذا النابغة محباً للموسيقى منذ نعومة إظفاره وقد اعجب مربيه محمود افندي العمري بصوته يوم كان طفلاً يقيم في داره مع اطفاله وهو كفيف البصر اذ يأخذ بالإنشاد بصوت مرتفع يبعث على النشوة والإعجاب مما جعل مربيه العمري يعهد به الى أساتذة يعلمونه اصول الإلحان، وعندما شب عن الطوق ورحل الى بغداد اتصل بالمغني رحمة الله شلتاغ المشهور بغناء المقامات، وكذلك بالحاج عبد الله الكركوكي وهما من أساتذة الفن في العراق في القرن التاسع عشر
ودرس عليهما الغناء والموسيقى وقد اشتهر الشيخ عثمان بصوت دافئ بديع من طبقة غليظة حلوة وصفه الأستاذ محمد بهجة الاثري في مجلة لغة العرب (عدد تشرين الثاني عام 1926) بقوله: كان صوتاً معبدياً ينعش الأرواح من كبوات الاتراح وجرساً غريضياً يخرس الأطيار في أعالي الأشجار، فلم يزل يعاني الصنعة حتى جاءت منه آية نسخت آية إبراهيم الموصلي فحلق طائر صيته في سماء العراق واصبح حديث المحافل والنوادي في الأصقاع والآفاق.
وقد عرف عن هذا الفنان انه كان اقدر من يضبط المقام ويميز بين الانغام ويدل على تباين الاصوات مهما تقاربت حتى انه يميز الوتر المختل عن بقية الاوتار اذا سمع وهو في الطريق عزفاً على عود وكان احد اوتاره غير محكم الضبط فيذكر اسم ذلك الوتر المختل، ولم يفعل ذلك سواء غير إبراهيم الموصلي احد كبار الموسيقيين في صدر الدولة العباسية فقد ذكر أبو الفرج الأصفهاني في كتابه (الأغاني) ان إبراهيم الموصلي كان يميز اختلال الوتر من بين مجموعة الاوتار اذا عزفت عليه احدى جواريه.
وكان عثمان الموصلي يدوزن العود والقانون بنفسه ويعزف عليهما بصورة رائعة برغم ما في ذلك من صعوبة لمن فقد بصره وكان لا يستعمل عند عزف القانون العربات التي تستعمل لإخراج انصاف الارباع بل كان يتلاعب بأنامله وأطراف أظافره فيخرج النغمات سليمة شجية مما لم يسبق لغيره ان أتى بمثله، وكان يجيد استعمال الناي ويضرب على الطبلة بسرعة هائلة تدعو الى العجب ويتقن استعمال النوتة الموسيقية الغربية ويحفظ حروفها بالسماع ويخرجها عند العزف بإنصافها وارباعها في ذلك الوقت الذي قل من سمع فيه بالنوتة الموسيقية في بلادنا.
وفي تركيا كان عثمان الموصلي يتمتع بمنزلة رفيعة بين الفنانين الاتراك وقد عينته الحكومة العثمانية مدرساً للموسيقى في احدى مدارس العاصمة استانبول تقديراً لنبوغه وعلو كعبه في هذا الفن، وكان له كثير من المعجبين والتلاميذ من مشاهير الفنانين الاتراك كالموسيقار سامي بك والمغنية الشهيرة (نصيب) فأخذوا عنه فن الموشحات والفنون الموسيقية الاخرى التي مزجوها بالموسيقى التركية.
وبذلك اوجد هذا الفنان العبقري اسلوباً من النغم مازال الاتراك يعترفون به حتى الان ويطلقون عليه اسم (اسلوب الحافظ عثمان الموصلي) ويذيعون اغاني تركية على نمطه من اذاعاتهم بهذا الاسم وقد سجلوا بعضه على اسطوانات تباع في الاسواق.
كما ان لهذا الموسيقار قطعاً موسيقية كثيرة وضعها اثناء وجوده في تركيا وهي مسجلة الان في دار الاذاعة التركية في استانبول وقد اطلع عليها بعض الموسيقيين العراقيين وتعزف في دار الاذاعة المذكورة، نذكر منها قطعة موسيقية من نغم (شرقي نهاوند) اطلع عليها الموسيقار جميل بشير في احدى سفراته الى تركيا فنقلها كما هي واثبتها في كتابه المسمى (العود وطريقة تدريسه) ج2، ص130.
اما في مصر فقد كا الملا عثمان نجماً لامعاً بين اساطين الموسيقى والفن فقد التفوا حوله واعجبوا به وكان يتربع على عرش الموسيقى والطرب في مصر آنذاك المغني عبده الحمولي فكان الالتقاء بين الرجلين حافلاً حيث اعجب كل منهما بصاحبه وكانت بينهما صلات توثقت على ارهاف فني حتى انهما كانا يجتمعان الليالي الطويلة يستمع كل منهما الى صاحبه في حفلات موسيقية خاصة وما زالا كذلك حتى يدركهما الصباح.
ويذكر ادهم الجندي في كتابه (اعلام الادب والفن) ان عبده الحمولي اخذ عن عثمان الموصلي فن الموشحات ومزجها بالادوار المصرية وان الملا عثمان ادخل الى مصر نغمات الحجاز كار والنهاوند وفرعهما حيث كانت غير معروفة هناك.
وقد درس على موسيقارنا الكبير عدد من موسيقيي مصر المشهورين نذكر منهم الموسيقار كامل الخلعي وهو ملحن ومؤلف موسيقي اخذ عنه الموشحات التي على الاوزان التركية والشامية وقد اشار في كتابه (الموسيقى الشرقي) الى دراسته على عثمان الموصلي في عدة مواضع من الكتاب.
ومن الذين درسوا عليه كذلك الشيخ على محمود مغني الأدوار المصرية والموشحات المشهور والذي تتلمذ عليه الملحن المعروف الاستاذ زكريا أحمد ومنهم كذلك الشيخ أحمد أبو خليل القباني وهو من اقطاب الموسيقى والمسرح في مصر وغير هؤلاء من الذين اخذوا عنه فنون الموشحات والإلحان.
ومن اشهر الموسيقيين المصريين الذين درسوا على عثمان الموصلي هو الموسيقار النابغة سيد درويش فقد التحق هذا الفنان في مطلع عام 1909م بفرقة أمين عطا الله واخيه سليم عطا الله الفنية التي كانت متوجهة الى بلاد الشام لتقديم بعض الفعاليات الفنية فيها، وكان الشيخ عثمان في سوريا آنذاك في اثناء عودته الاخيرة من استانبول الى بلاده ومكثت الفرقة هناك عشرة اشهر اتصل سيد درويش خلالها بالشيخ الموصلي وظل ملازماً له طوال تلك المدة، وقد كان نجاح الفرقة في مهمتها ضئيلاً او معدوماً فرجعت الى مصر لتجند كفاءات فنية اخرى وتهيئ نفسها لرحلة ثانية بعد ثلاث سنوات ثم سافرت في رحلتها هذه وكان سيد درويش ضمن اعضائها هذه المرة أيضاً فقدمت فعالياتها في بلاد سوريا ولبنان وكان نجاحها احسن من المرة السابقة وكان سيد درويش في خلال ذلك يواصل دراسته على استاذه عثمان الموصلي الذي كان مازال مقيماً هناك وقد بقيت الفرقة مدة طويلة خلال عامي 1912-1913 استطاع فيها النابغة المصري ان يأخذ الكثير من فنون الموسيقى والموشحات من عثمان الموصلي وقد حفظ عنه كل ممتع رائع من الالحان مما جعله يتصرف كثيراً بالنغم ويدخله في اغان مصرية مبتكرة.
وقد اشاد المؤلفون المصريون الذين بحثوا في تاريخ حياة سيد درويش بالدور الذي قام به عثمان الموصلي في توجيه الموسيقار المصري وتزويده بالالحان التي اقتبس منها اغانيه بعد عودته من الشام.
ولندع الاستاذ محمد البحر وهو ابن الموسيقار سيد درويش يحدثنا عن اثر عثمان الموصلي في تعليم ابيه سيد درويش اثناء رحلته الأولى والثانية فقد قال انه (تعرف خلال الرحلة الأولى بالأستاذ عثمان الموصلي واخذ عليه من التواشيح ما استطاع حفظه في تلك الفترة القصيرة)، اما عن الرحلة الثانية فقد قال عنها انها الاسكندرية بعد ان امتلأت جعبته الفنية من فن الاستاذ عثمان الموصلي، وقد حفظ الكثير من الاغاني والموشحات).
وقد عرف ان لسيد درويش في مصر نحو 38 موشحاً بعضها موشحات دينية في مدح الرسول وان هذه الالحان لم تظهر في فن سيد درويش الا بعد رجوعه من الشام بعد ان التقى عثمان الموصلي وهو استاذ الموشحات الاول في بلاد الشرق.
وهناك شك في نسبة هذه الموشحات لسيد درويش حتى من النقاد المصريين انفسهم كما جاء في احد المصادر المهمة عنه حيث يشير الى ان هذه الموشحات قد تكون مما اتى به سيد درويش في رحلتيه المشهورتين الى سوريا ولبنان بعد تعرفه الى الموسيقار الكبير عثمان الموصلي.
وجاء في هذا المصدر أيضاً قوله نصاً انه ليس غريباً ان يسجل سيد درويش نوتات ما حفظه من الموصلي بخط يده حفظاً عليه من الضياع والنسيان.
وقد استطاع سيد درويش ان يطور الموسيقى المصرية حتى بلغ بها المكانة الرفيعة وكان كثير من الالحان مما اقتبسه من استاذه الموصلي يأخذ شكلاً جديداً وينتشر بشكل اغان خفيفة في طول البلاد وعرضها مثل اغنية: (طلعت يا محلى نورها) التي كانت في الاصل موشحاً دينياً من نغم الجهاركاه مطلعه: (يهوى المختار المهدي) وكذلك اغنية (زوروني بالسنة مرة) التي كانت هي الاخرى موشحاً في مدح الرسول مطلعه (زر قبر الحبيب مرة) وهكذا.
وقد درس على هذا الشيخ في العراق عدد كبير من الطلاب الذين اختصوا بالالحان والمقامات والغناء نذكر منهم محمد علي خيوكه المتوفى سنة 1908م وحسين علي الصفو المتوفى سنة 1911م وعبد الرزاق القبانجي المتوفى سنة 1931م والحاج سلو الجزمجي المتوفى بالموصل سنة 1933 والسيد أحمد عبد القادر الموصلي المتوفى بالموصل سنة 1941م والملا مبارك المتوفى سنة 1330هـ والحاج أحمد بن الملا كاظم بن دبيس المتوفى سنة 1335هـ وأحمد بن شعبان المولود سنة 1898م والحاج محمد بن سرحان المتوفى بالموصل سنة 1949 وعبد الفتاح معروف المولود سنة 1891م وحسين النمنم بن علي المولود ببغداد سنة 1880م والسيد محمود الهاشمي المولود سنة 1897م والحاج عبد القادر بن عبد الرزاق المولود ببغداد سنة 1895م والحاج محي الدين مكي المتوفى سنة 1362هـ والسيد محمد وحيد الدين بن الشيخ أحمد القادري والملا الكور رشيد ومحمود بن الطحانة ورشيد أبو ندر وشهاب بن شعبان وغيرهم، وقد اختص عدد من هؤلاء بقراءة الموشحات والمواليد فقط.
وقد نهض الملا عثمان بفن الموشحات وعمل على تطويره وهو الذي تربع على عرشه خلال فترة طويلة من الزمن ولم يزاحمه فيه احد وكان لهذا الفن عشاقه الكثيرون وما يزال العراقيون يذكرون حفلات المولد التي يقيمها هذا الفنان فكانوا يتزاحمون لسماعه ويتوافدون عليه من كل حدب وصوب.
والموشحات او التواشيح او التنزيلات فن قديم من فنون النغم يختلف عن الاغاني والمقامات والموالاة والأدوار بأشياء منها ان الموشحات تعتمد على نوع خاص من النظم هو (الموشح) ذو الاوزان القصيرة والقوافي المختلفة وتكون له بالعادة اسماط واغصان، اما الحانها فهي معقدة لا تعتمد على الاسترسال الغنائي بل على اختلاف الخانات، ويبرز فيها الايقاع بشكل ظاهر وتستعمل الموشحات غالباً في الغزل والمديح.
وقد كان الملا عثمان في فن الموشحات مدرسة كاملة بحد ذاته فهو الذي ينظم الموشحات ويلحنها لطلابه ومريديه لينشدوها في الحفلات والمجتمعات ثم تتناقلها الافواه في كل مكان وتنتشر في سائر البلاد مع القوافل الساري


منقول
رد مع اقتباس