عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 02/11/2008, 19h01
الصورة الرمزية د أنس البن
د أنس البن د أنس البن غير متصل  
نهـر العطاء
رقم العضوية:688
 
تاريخ التسجيل: mars 2006
الجنسية: مصرية
الإقامة: مصر
المشاركات: 8,297
افتراضي

.. فى دار إدريس كانت أم حبيبه جالسة وحدها على حصير فى ركن الردهة الخارجية .. تسند ظهرها على حاشية من الليف وهى شبه نائمة تنظر بعينين نصف مفتوحتين إلى السقف وعلى جبينها وخديها تتحدر حبات باردة من العرق .. وبينما هى على تلك الحال من الوهن والجهد إذ دخل عليها إدريس وهو يحمل فى يمناه زنبيل التمر وعلى وجهه بدت علامات التعب والارهاق من سهر الليل الطويل فى موقع الحراسه بينما يتساقط العرق غزيرا على جبهته .. كان يحاول جاهدا ما استطاع أن يخفى أمامها ما يعانيه جسده النحيل من ضعف ووهن وأن يحجب عنها ما سطرته الأيام بجفائها وقسوتها على صفحة وجهه من هموم وأحزان . خفف منها بعض الشئ وأزاحها من حياته قليلا فرحته وترقبه للمولود القادم الذى ظلا ينتظرانه معا فى شغف ولهفة تسعة أعوام كامله ..
أخذ يتلفت من حوله باحثا عنها .. لم تقع عينه عليها فى بادئ الأمر .. النافذة مغلقة والمكان شبه معتم .. ما الحكاية يا ترى !. إعتاد أن يأتى من عمله كل يوم فى هذا الميعاد ليجدها دائما فى استقباله وعلى شفتيها ابتسامتها الحانية الدافئه التى يجد فيها الدواء والبلسم لما يعانيه وهى تنتظره ليتناولا معا طعام الغداء .. لم يكن إلا طعاما زهيدا لا يزيد عن كسرات من الخبز اليابس وقليلا من الإدام يقيمان به أودهما ..
مد يده إلى النافذة باحثا عن مصدر للضوء . فتحها قليلا حتى يسمح لبعض شعاعات النهار أن تتسلل إلى قلب المكان المعتم .. وأخيرا لمحها فى هذا المكان الذى لم يعتد من قبل أن يراها فيه . كانت على غير عادتها المعهودة فى ركن الدار على هذه الحال . لم يستيقن من هيئتها وهو يتفرس فيها محملقا إن كانت نائمة أم أنها مستلقية فحسب ..
أخذ يحدث نفسه وهو يتأمل ملامحها ........ ما بال المرأه .. يبدو أنها متعبه !. أجل إنها تبدو كذلك . هل أوقظها يا ترى أم أتركها على حالها !. بل سأتركها على حالها ربما تنتبه بنفسها لوجودى ..
كان حريصا فى قرارة نفسه أن يتركها وشأنها .. وأخيرا حزم أمره وقرر أن يقطع الشك باليقين مستطلعا حقيقة أمرها . تقدم منها خطوات . نادى عليها بصوت خافت مرتعش حرص فيه ألا يزعجها ......... أم حبيبه .. أم حبيبه .. أنائمة أنت ؟!.
ما إن تناهى صوته الخافت إلى مسامعها حتى فتحت عينيها وهى تحاول أن تعتدل فى جلستها . إعتدلت قليلا لتراه واقفا أمامها يحملق فيها بعينين كليلتين بينما يحمل فى يمناه زنبيل التمر . أجابته متثائبة فى وهن وتكاسل وقد بدا على نبرات صوتها الإعياء والوهن .......
ــ من !. إدريس ؟!.

أجابها فى لهجة باسمة لم تخل من روح الود والدعابه ......
ــ أجل أيتها الكسولة .. إدريس .. زوجك .. إيه هل أفسدت عليك نومتك .. أم ضيعت عليك راحتك .. أرجو ألا أكون فعلت ؟!.

ردت متكاسلة وهى تتثاءب ،بينما تفرك عينيها وجبهتها براحتيها .......
ــ لا أبدا .. لكن ... متى قدمت ؟!.

أخذت تلتقط أنفاسها بين كل كلمة وأخرى قبل أن يرد عليها ......
ــ جئت منذ لحظات قليلة .. غير أنى وجدتك على تلك الحال وفى هذا المكان . لم أتأكد بعد إن كنت مستغرقة فى النوم أم أنك مستلقية فحسب .. صدقينى .. كنت على وشك ألا أوقظك من رقادك ..

ــ لا عليك يا زوجى العزيز آثرت أن أنتظرك فى الردهة الخارجية حتى ترانى عند قدومك من عملك . أدركنى التعب فاستلقيت فى مكانى هذا ..
أردفت متسائلة وهى تشير بيمناها ناحيته ......
ــ ما هذا الذى تحمله فـى يمناك ؟!.

ــ إيه .. هل نسيت طلب الأمس منى قبل أن أخرج لعملى ؟!.
ــ آه تذكرت لابد أنه التمر الذى كنت أشتهيه .. وطلبت إليك أن تشترى لنا بعضا منه . شكرا لك يا إدريس على اهتمامك بى .. هكذا عهدى بك دائما .. أيها الزوج الوفى .. لا تنسى شيئا أبدا .. ولا تكاد ترد لى طلبا !.
ــ وبمن أهتم إذن أيتها الأزدية السمراء ؟!.
سكت قليلا ثم استأنف كلامه مبتسما ومداعبا للمرة الثانيه .....
ــ لكن ... لكن مالى أراك مستلقية هكذا .. كسل يا ترى أم ،تكاسل ؟!.

لم ينتظر إجابتها .. أردف قائلا وهو يضع الزنبيل إلى جواره على الأرض جالسا قبالتها وبينهما طاولة خشبية أعدت عليها طعام الغداء .....
ــ على أية حال تلك آثار الحمل ومتاعبه ..

ــ أجل .. صدقت والله يا إدريس .. كنت أشعر حقيقة ولا زلت بشئ من الكسل والتراخى مع رغبة فى النوم .. لم أستطع مقاومتها فغفوت إغفاءة قصيرة غير أنـى .…..
صمتت قليلا فاستحثها قائلا .....
ــ غير أنك ماذا يا أزديه ؟!.

ــ آه . غير أنى رأيت أثناءها ما حيرنى . كان أمرا عجيبا ذلك الذى رأيته والله !.
ــ ماذا تقولين !. رأيت أمرا عجيبا ؟!.
ــ أجل والله ما أعجب ما رأيت ؟!.
ــ أى أمر عجيب هذا رؤيا أم أحلام يقظه ؟!.
ــ بل رؤيا . أجل والله رأيتها واضحة جلية .. كما أراك الآن جالسـا أمامى !.
ــ هيا إذن قصى علينا رؤياك لعلنا نجد فى تأويلها ما تنشرح له صدورنا إن شاء الله تعالى ..
راح إدريس ينظر إليها منتبها وقد أعارها كل سمعه وهى ترجع برأسها قليلا إلى الوراء تحاول أن تستعيد رؤياها ثم أخذت تقول فى صوت حالم وعلى شفتيها إبتسامة ملائكيه .....
ــ رأيت كأنى جالسة فى ضوء خافت هنا . أجل هنا فى هذا المكان إذ انفتحت نافذة الردهة مرة واحده . هذه النافذه ( وأشارت بيدها ) . ما لبث أن خرج منها كوكب درى كبير له نور يخطف الأبصار ويخلب الألباب . تعلق به بصرى وأخذت أتبعه وهو يخرج من النافذه حتى رأيته يدور دورة كاملة حول مكه كل ذلك وأنا لا أزال أتابعه بعينى هاتين .. ثم رأيت ما هو أعجب من ذلك ..

زادت دهشته وهو يهز رأسه منصتا ...........
ــ رأيت .. كأن بعض الشظايا المضيئة خرجت منه .. نزل بعضها فى اليمن والعراق .. والبعض الأخر فى يثرب والشام وأخيرا حط الكوكب فـى .............
صمتت برهة أخذت خلالها نفسا عميقا وأردفـت .....
ــ أتدرى أيـن يا إدريـس ؟!.

ــ أين يا أزدية بالله عليك .. تكلمى ؟!.


يتبع إن شاء الله ........................
__________________
إذا ما الطائر الصداح قد هدهده اللحن
ورفت نسمة الفجر على أشجانه تحنو
هناك السحر والأحلام والألحان والفن
نجيب سرور

التعديل الأخير تم بواسطة : د أنس البن بتاريخ 24/02/2010 الساعة 15h49
رد مع اقتباس