عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 02/11/2008, 18h42
الصورة الرمزية د أنس البن
د أنس البن د أنس البن غير متصل  
نهـر العطاء
رقم العضوية:688
 
تاريخ التسجيل: mars 2006
الجنسية: مصرية
الإقامة: مصر
المشاركات: 8,297
افتراضي رد: عالـم قـريش ـ السـيرة الشافعـيه ـ أنس البن

الفصل


الأول




(1)



الـرؤيـا والمولود

تسعة أعوام مضت بحلوها ومرها على زواج إدريس لم تنجب خلالها أم حبيبه .. بدأت تظهر عليها علامات غريبة وتعتريها أشياء لم تعهدها لها من قبل . كانت تعاودها بين الحين والآخر نوبات دوار وغثيان لم تعرف لها فى البداية سببـا . حاولت جاهدة أن تخفيها عن عين زوجها على أنها وعكة صحية لا تلبث أن تزول كغيرها . لم تحدثها نفسها أبدا أن تقص عليه من نبأها شيئا .. كانت تعلم أنه لن يدخر جهدا فى إحضار الطبيب لها وهذا يكلفه الكثير مما لا يتحمله راتبه الضئيل .
لم تجد أمامها أخيرا إلا جارتها خديجه أم عبد الرحمن وزوجة الأنبارى زميل إدريس فى عمله فى الثغر .. كانت صديقتها الوحيدة فى تلك البلاد التى كتب عليها أن تعيش فيها سنوات من عمرها . فزعت إليها وقصت عليها ما تعانى منه وما حل ببدنها من تغيرات لا تدرى لها سببا . سألتها صاحبتها سؤالا بعد الآخر واستفسرت منها عن أشياء .. لم تلبث بعدها إلا أن ابتسمت ابتسامة عريضة وهى تحتضنها قائلة : أبشرى يا أم حبيبه ..
قاطعتها فى دهشة قبل أن تكمل : ماذا دهاك يا أم عبد الرحمن أشكو إليك علتى فتضحكين منى وتقولين لى أبشرى ؟!.
ردت والإبتسامة لا تزال ملئ فمها : أجل أبشرى .. ألم أقل لك إن الله لن يخيب رجاءكما ..
ردت والدهشة لم تفارقها غير مصدقة بعد أن أدركت ما ترمى إليه : ماذا تقصدين أتريدين أن تقولى أنـى ….
قالتها وهى ترنو إلى بطنها . قاطعتها فى لهجة مرحه وهى تحتضنها : أجل هو ذاك أيتها الحبيبه . الولد الذى طال انتظاركما له آت عما قريب بإذن الله . بضعة أشهر ويملأ الدار صراخا وضجيجا .. لكن إياك أن تنسى البشاره ..
أخذت أعراض الحمل تظهر واضحة جلية عليها مع الأيام بعد أن استجاب الله تعالى دعاء زوجها أن يهبهما قرة العين . كانت تلك أمنيته الوحيدة التى صبت إليها نفسه من كل متاع الدنيا وزينتها . لم يطلب من ربه سواها .. كم تمنى أن يحققها لهما قبل أن يفارق الدنيا . ظل يلح عليها كثيرا وهو يدعو ربه فى كل صلاة شاعرا فى قرارة نفسه أنه لن يعمر كثيرا وأن أيامه لن تطول ..
أمنية جاءت بعد طول انتظار وشوق .. لكن زادته مشقة وجعلت ظهره ينوء بأثقاله وهى تتراكم عليه واحة تلو أخرى .. وما حيلة الرجل وهو معتل الصحة سقيم البدن يعانى من نوبات سعال وضيق فى صدره لأقل جهد بدنى .. كان فى أحيان كثيرة يبدو غير قادر على مواصلة العمل المكلف به وفى أخرى يمنعه من مجرد الحركة اليومية العاديه ..
ورغم المعاناة والضيق والمشقه لم يكن يدخر جهدا أثناء الليل أو فى أوقات فراغه . كان يتحامل كثيرا على نفسه ليمارس بعض الأعمال اليدوية الخفيفة إلى جانب وظيفته بالثغر . كل ذلك فى سبيل الفوز بقليل من الدراهم حتى يوفر لامرأته بعضا من الأطعمة الضرورية التى تحتاجها المرأة فى حملها ..
وذات يوم من أيام شهر المحرم للعام الهجرى الخمسين بعد المائه فى بداية موسم الصيف والحرارة على أشدها والهواء الساخن يلفح الوجوه . كان إدريس فى طريقه إلى الدار بعد أن انتهى من نوبة عمله فى حراسة الثغر بصحبته زميله وصديقه أبو عبد الرحمن الأنبارى الذى يرافقه فى وردية العمل ..
كان عراقيا من أعمال الموصل نقل منذ ثلاث سنوات من موقعه السابق فى عسقلان إلى ثغر غزه . ومنذ ذلك الحين صارت بينهما صداقة وموده بحكم تواجدهما فى مكان واحد وتلازمهما نصف ساعات اليوم إلى أن ينتهيا من وردية العمل ويتسلم إثنان آخران منهما موقعهما فى الحراسه وعلى ذلك يتناوب الحراس عملهم فى الثغر كل يوم وليله ..
مكثا يتبادلان حديثا ذا شجون وهما فى طريقهما إلى دارهما . كانا يسكنان فى دارين متقاربتين فى زقاق واحد . أخذ كل واحد منهما يبث الآخر شكواه وهمومه وما يضيق به صدره ويتناولان معا الأحداث الجسام التى كانت تجرى فى دار الخلافه وفى الأقطار المجاورة التى كان يأتيهم ذكرها من القادمين من تلك البلدان للتجاره ..
وبينما كانا فى طريقهما عرجا على السوق .. لم ينس إدريس أن يشترى بعضا من التمر الشامى اشتهته أم حبيبه فيما يقال عنه وحم الحمل . ترددت أياما أن تبوح له برغبتها فى بعض منه وهى تعلم رقة حاله وندرة الدراهم فى جيبه . وأخيرا لم تجد بدا أن توصيه قبل خروجه أن يحضر لها قليلا منه من السوق عند عودته . مد يده فى جيبه وناول البائع ثمن التمر بعد أن وضعه فى زنبيل صغير من خوص النخيل معد لهذا الغرض . ثم مضيا بعد ذلك لحالهما يقطعان الطريق على مهل إلى داريهما بالقرب من السوق وأخيرا إفترق الصاحبان أمام دار أبى عبد الرحمن ..


يتبع إن شاء الله ........................
__________________
إذا ما الطائر الصداح قد هدهده اللحن
ورفت نسمة الفجر على أشجانه تحنو
هناك السحر والأحلام والألحان والفن
نجيب سرور
رد مع اقتباس