عرض مشاركة واحدة
  #18  
قديم 15/03/2014, 14h20
الصورة الرمزية بحري
بحري بحري غير متصل  
طاقم الإشراف
رقم العضوية:31885
 
تاريخ التسجيل: mai 2007
الجنسية: سوري _ حلب
الإقامة: سوريا
العمر: 54
المشاركات: 576
افتراضي رد: عالم مقام الشوق أفزا

الفاصل التركي العريق

يتألف الفاصل التركي من مجموعة قوالب فنية موسيقية مشتركة فيه وضمن لوحة غنائية موسيقيّة مطوّلة , وهو من أطول القطع الغنائية التركية الإستعراضيّة وأكثرهاً شمولاً لباقي الصيغ الغنائية والقوالب الآليّة الموسيقيّة

من بشرف وشرقيات وبستات وموشحات ومن فنّ التقاسيم ومن قالب السماعي واللّونغا والسيرتو وحتى بما يعرف بالمواّل الغزلي والذي ورد تضمينه في نهاية بعض الفصول التركيّة وفيما قبل السماعي أو اللونغا والواردة في ختام أي فصل

فالأتراك فصّلوا تلك القوالب الفنية الموسيقيّة وجعلوا لكل واحداً منها عالماً خاصّا وساحراً , وتفنّنوا فيه إلى حدّ الشموليّة والتفرّد والإبداع , وبما لم يسبقهم إليه أحد

مثل صناعات وفنّ البشارف والسماعيات واللونغا والسيرتو ( والتي هي من أصل يونانيّ ) والبولكا والسلامات والمارشات وفنّ التقاسيم والموشحات والبستات والشرقيات ... إلى آخره

ثم تفنّنوا مرة أخرى في الجهة الإستعراضية لتلك التآليف والقوالب فقدموا بما يعرف بالساز أسار لار , وآخر بما يعرف بالسازلار وآخر بما يعرف بالكلاسييك غوروسّ وآخر بما يعرف بالفصول التركي وهو أطولها وأجملها وأبدعها
والسبب وكما ذكرت هو اشتمالها وضمها لأكثر من قالب تأليفي إبداعي , وهناك غاية أخرى من الفصول التركية يحتاجها الذوق الإنساني ويتعطّش إليها الشعور الفنّي والذوقي والعاطفي لديه

وهي أنّ الإنسان لا يقنع ولا يشبع وحينما تحنّ نفسه للموسيقى , وتتأجج عواطفه للسماع , ويتهيّب إحساسه ويتشّوق للألحان ... بأن يستمع ويكتفي لبشرف أو موشح أو سماعي ( وعلى مقام موسيقي واحد ومن طبقة لحنية واحدة ) بما يقدر زمنه وإن طال لخمسة أو سبعة دقائق ..

بل قد لا يشبع إحساسه من ذلك ولا يرتوي ( وخصوصاً وكما قلت) إن كان إحساسه يتطلب السماع من عين المقام ونفسه ومن طبقة غنائية موحّدة

فقد يتشّوق إحساس إنسان ما وخصوصاً إن كان فنّانا إلى سماع وصلة غنائية أو موسيقيّة على مقام موسيقيّ معين كالراست أو الحجاز كار أو العجم عشيران أو الشوق أفزا أو السلطاني يكاه أو الشد عربان .. إلى آخره
ولزمن لا يقلّ مقداره عن النصف ساعة ويكون ذلك لفرقة موحدة وضمن تلاحين متناسقة ومرتبة ومتدرجة في الإحساس والإيقاعات ومن مقام واحد

فيبحث ذلك ولا يجد , فكيف إذا جاءت النصف الساعة الموسيقية والغنائية تلك وبهاتيك المواصفات وقد حوت ما حوت من أشكال وقوالب التأليف الموسيقية المتنوعة ..

حينها سيطرب الإنسان ويسعد وترتاح أعصابه وينتشي ذوقه وترتقي أحاسيسه ومعانيه , والفصول التركيّة هي أوفى حاجة ولمثل هذه الأغراض والمطالب الوجدانيّة والإنسانية

قديماً وأناصغير , كنت كثيراً ما أتشّوق , وتتوق نفسي إلى سماع وصلة طويلة على مقام الحجاز كار مثلاً
أشبع منها ويرتوي معها إحساسي , وبشرط أن تكون كلها من مقام الحجاز كار

وكنت أبحث فلا أجد سوى بما طوله الزمني 15 دقيقة فقط وهو لا يبلُ أوامي , ولا يذهب بشوقي وغرامي
مما حدا بي الأمر إلى أن اجمع عدة موشحات من الحجاز كار مثلا ومن نفس الطبقة على ( السي ) مثلا ثم أسجلهم بجانب بعضهم البعض على شريط كاسيت حينها ولأتحصّل من بعد هذا على زمن من الحجاز كار وبما مقداره 45 دقيقة
وفعلتُ مثل هذا في مقام الراست والهزام والحجاز .. إلخ


وكنتُ في كلّ يوم وحينما تحنُّ نفسي للتشبُّع من مقام ما , أذهب إلى تلك المكتبة الصغيرة المصطنعة وأنتقي منها المقام الذي يحتاجه ذوقي اليوم وتتوق نفسي للتروي منه , وكنت أفعل هذا في كلّ يوم


لكن ما كان ينقصني ويُنَغّص عليّ تمتّعي واستماعي هو اختلاف صوت المغني من واحد لأخر واختلاف طبيعة التسجيل بين وصلة وأخرى وموشح وآخر , حتى ولو كانوا من نفس المقام والطبقة


ولكن بعد اكتشافي للفصول التركيّة وأنا ابن 16 عاما حينها , ذهبت وساوسي , وانقضت مناغصي , وتلاشت نواقصي

وفرحت فرحاً عظيماً بهذا النوع التقديمي للفن الموسيقي الغنائي والذي لم يدع لنفسي حاجة في شيئ ..

فشددتُ الهمّة , ووطنتُ العزيمة على اقتفاء أثرها , ولَمّ شزرها , وجمع قيودها , واقتناء شذراتها , ومن كلّ مقام منها

حتى توفّر لي وبعد طول سنين , وجهد جهيد ما تشكّل عندي روضة غنّاء , وبقجة فيحاء , لا أملٌّ زيارتها , ولا أسأم الجلوس بين رياحينها وأزهارها

أما من الآلي الإستعراضي المطوّل فهو الساز أسار لار

وأما الغنائي الإستعراضي المطوّل فهو الفاصل التركي العريق , وهو بالنسبة لي وللفنّ الموسيقيّ الشرقيّ ( نهاية ما يتوصّل إليه ذوق الفنان ) فليس من بعده بَعد , وليس لحدّ إبداعه حدّ


أما ما يشتمله الفاصل التركي عادة , وما تتألف منه أجزاؤه وتتكون منه فُلْكه فهو :

1- الإستهلال فيه ببشرف من المقام المتناول نفسه , ولا يعزف كاملا بخاناته الثلاث أو الأربع , بل على الكثير خانتين وتسليم له فقط وبحسب كمية البستات والتواشيح التي ستغنى بعده

2- البستات والموشحات الملحنة على هذا المقام

3- تقاسيم على آلة موسيقية معينة وعلى نفس المقام يتم اختيارها من قبل الشيف الموسيقي ويكون زمنها في أغلب الأحيان

بما يقدّر 5 دقائق وعلى الأكثر وينبغي على العازف فيها أن يحيط بشخصية المقام ويبرز ملامحه ويبيّن هيكله ونكهته وبأقوى تعبير أفصح لسان وبيان مع تنوع في قلب تلك التقاسيم ببعض الحُليات الفنية والإنتقاليات العذبة الجميلة ولبعض المقامات المجاورة لذلك المقام

4- تتمة الفصل بمتابعة غناء ما تبقى من الموشحات والبستات والشرقيات

5- اختتام الفصل إما بسماعي وهو الغالب أو بلونغة أو بسيرتو

مع الإنتباه إلى التدرج الإيقاعي والمتناغم والمتناسب مع الذوق حال الترادف والتتابع ومن الأبطأ إلى الأسرع , ويقدّر هذا ويرتبه عادة المايسترو أو بما يعرف عند الأتراك بالشيف


أما مدة الفصل وعلى الأغلب هي 30 دقيقة , يستهلك فيها البشرف والموشحات التي تليه إلى حين بداية التقسيم 15 دقيقة والتقاسيم على 5 دقائق وعلى أكثر طول وما تبقى من الزمن فهو لبقية التواشيح والبستات والتي تعقب التقاسيم وبما فيها السماعي أو اللونغا أو السيرتو
وهناك فصولا تجاوزت 45 دقيقة ولكنها قليلة ولا تعطى الحكم العام , وهناك فصولا نادرة وثقت وبلغت مدتها الزمنية 75 دقيقة .

والّله تعالى أعلم
__________________

الموسيقى رسالة سماوية مقدسة
تخرج من أفواه الملائكة
لا من أفواه الشياطين

التعديل الأخير تم بواسطة : بحري بتاريخ 15/03/2014 الساعة 14h40
رد مع اقتباس