شكراً أستاذ عبد القادر مكّي ..
يشرفني تعقيبك دوماً ، وهو لا يقلّ أهمّية عن الأعمال المقدّمة كتحليل عميق ، ونظرة فنية ثاقبة ، لا تحيد ولا تعزُب
بالنسبة للبشرف فنحن كنذا مضطرين لقواعد وضوابط قالب الفصل وتكوينه الإستعراضي والتأليفي ، ولم يرد عن فصل في عالم الفصول أنهم عزفوا البشرف كاملاً في الفصل ، لأنه ليس فيما ها هنا محله ، أو غرضه وإنّما عرضه في قالب استعراضي خاص به وهو ما يعرف ( بالسّاز أثار لار ) حيث يعزف البشرف كاملاً وتامّا مع التفنن في أدائه ثم يليه تقسيم ومن نفس المقام وبعد ذلك يختتم العمل بالسماعي ..
لذلك فقد اقتصرنا على عزف خانة وتسليم من البشرف ، وهناك في الذهن إن شاء الله أن يعزف ساز عجم كردي والمؤلف من بشرف الأستاذ عبد الباسط بكار وسماعي المعلم اسماعيل حقي بك
وحينها سنستعرضه هنا وضمن قالب الساز أسار لار
هذا ما يتعلّق بجانب البشرف ، أما بالنسبة للسماعي فمعك حقّ ، ولقد أكثرت من الإلحاح على الأستاذ عبد الباسط بأن يعزفه كاملا وتاما ولكنه شكى من ضيق الوقت ضمن اللقاء المسرحي معه والذي تم من خلاله الحديث عن حياته الفنية ومن خلالها قدموا الفصل
شيء هام أريد الإفصاح عنه :
أنا ليس في نيتي العمل من أجل حشد الجمهرة أو صرف وجوه النّاس إليّ ، لأن الناس في جهل عظيم من شؤون الموسيقى والفنّ الراقي الصحيح ، ومن يطلب الشيء من غير موضعه كمن يستجير من الرمضاء بالنار ..
لذلك فانا أعمل على تلاحين هذه الفصول وتوثيقها وأرشفتها للمكتبة العربية الموسيقية :
1- خدمة لرسالة الفنّ النّبيل والتي حملتها على عاتقي وأثقلته ومنذ أن كنت فتى يافعاً تشرّب من معينات وحارات وسقاقات حلب القديمة
2- الأرشفة من أجل العلم والأجيال القادمة والتّاريخ
3- لأساهم بوضع لبنات خالدة في سمعة وشأن بلدي الحبيب سوريا ، حتى ولو لم أحظ في حياتي بجني يانع ثمار ما أعمله وأبذل كل جهدي وأعصابي وروحي وقلبي ودمي في تلاحين هذه الفصول وأرشفتها الدقيقة وضمن معايير وضوابط المقامات الموسيقية النادرة ، والتي افتقرت موسيقانا وألحاننا العربية الأصيلة منها ، اللهم سوى ما يذكر في الكتب الموسيقية وضمن نواحي نظرية عنها ، تقلّبت فيما بين الصحيح والخاطئ ، والمختصر والمخلّ
4- من أجل أن يكون في المكتبة الموسيقية العربية أرشيفاً منظماَ ودقيقاً في صناعات المقامات الموسيقية وبكونه مشرّفاً وفيما لو أقيمت سوق ومعرض للنتاجات العالمية ضمن هذا المجال ، وحتى لا نخرج من ذاك المعرض صفر اليدين أو بما يدعونا للخجل من قلة ما لدينا
5- طمعي في هذه الأرشفة ، وحينما تزول الغمّة عن هذه الأمة أن تصبح هذه الفصول منهجاً علمياً ونماذج تلحينية دقيقة تتبع الشروحات النظرية عن علم وفن صناعة المقامات الموسيقية ولكل طالب مجتهد أو باحث مجدّ أو موسيقي أو مغن أو ملحن أو منشد أو قارئ ..
كما ذكرتَ حضرتك فقد ولد هذا الفصل ضمن ظروف حرب عويصة وشرسة ، وفي غاية الصعوبة والضغط النفسي والإجتماعي والمادي ولكل الأطراف .. أضف إلى ذلك البعد وفيما بيني وبين الأستاذ عبد الباسط ومجموعة العازفين والفرقة المؤدّية .. فأنا في تركيا وهم في حلب ، والأستاذ عبد الباسط كان يقوم بالتنويط على ضوء الشمعة وأصوات القذائف تنهال من حوله ، وبعض هذه التسجيلات فيما بيني وبينه والتي كانت من أجل اصلاح لبعض العلامات الموسيقية في اللحن .. كنت أسمع صوت القذائف واضحاً وهو يتكلم معي في التسجيل أو حين يعزف المقطع اللحني للتأكد منه ومن ثم توثيقه بشكل صحيح .. ناهيك عن ظروف باقي المجموعة ..
هذا الفصل ولد في أحلك الظروف وأصعب الحالات وهو جهد المقل وكل ما كان في القدرة والإستطاعة
ولذلك فليغضّ الطرف عنه ، وليكُفّ سهامَ العذل من عرف حالنا وأدرك خطورة ظروفنا جميعاً
نحن الآن نعمل على إخراج فصل مطول من الشوق أفزا :
1- خانتين وتسليم من بشرف الشوق أفزا للطنبوري جميل بك
2- يا طوير الحمام
3- موشح قده الأهيف
4- موشح ما ضر لو أنك لي راحم
5- موشح قلي يا عيني يا حلو القوام
6- تقاسيم عود شوق أفزا
7- موشح في ثغره الرحيق
8- أنتم روحي وقلبي
9- أنا انا يا اهل الهوى
10- سماعي الشوق أفزا للنايازي محمد سعيد دده
ويتضمن الفصل 7 موشحات كلها من تلحيني ويبقى موشحين سأقوم بتلحينهما يكونان من النفس الطويل وبما يصلح معهما أن يكونا في الإستهلال في الفصل ، وسيصبح المجموع حينها 9 موشحات من مقام الشوق أفزا ، وستقدّر مدة الفصل الزمنية التقريبية إلى 45 دقيقة
وأما عن قولك يا صديقي لماذا لا أختار من التلاحين ومن موشحات لغيري ، فقد أجبتَ عنه حضرتك بأنه لا يوجد ، وهذا هو السبب ، ولو وجد لكنت قد سارعت من فوري لضمه لتلاحين الفصل
على الشوق أفزا مثلاً لا يوجد غير موشح يتيم هو موشح ( كيف لا أصبو لمرآها الجميل ) من تلحين الشيخ أحمد أبو خليل القباني - أصوله أقصاق
ولكننا امتعنا من ضمه للفصل بسبب ابتعاده اللحني والمذاقي عن الشوق أفزا وضمن قسم دوره الأعلى ، حيث يتوسع في الكردي المبني على المحير وبما يغرب ويشذ عن لوحة المقام ، ولاحظنا بأننا لو وضعناه مع تلاحين الفصل ، لخلخل طور الفصل وابتعد بخط مساره عن جادّة الإنفعال النفسي الحاصل لدى متابع الفصل ومستمعه ، وجوده لم يعطي تناسقا وانسجاما وتناغما مع باقي التلاحين والمتطابقة بدقة على شخصية المقام ، بالرغم من جمالية اللحن وبدعه
ولكن هناك الكثير من الموشحات التي تكمن جماليتها بغنائها منفردة ولا تصلح للضم مع تلاحين أخرى وضمن الفصل ، وهذا وارد أيضا في التلاحين التركية ، فليس كل موشح أو شرقي من المقام يصلح لأن يضم للفصل
وإنما ينتقي الشيف أو المايسترو بما ينسجم ويتلائم مع لوحة الفصل وجماليته وكماله
أما لماذا أهتم فقط بإثبات الفصول على مقامات نادرة دون غيرها فلأسباب كثيرة منها :
1- أنا أقوم بما يصعب على الآخرين القيام به وبإنجازه ، فإنك لو بحثت في معظم الوطن العربي فلن تجد ملحناً يستطيع أن يلحن موشحاً على مقام الأويج آرا أو الشوق دل أو الشوق طرب أو السوزدلارا وبمثل ما أقوم به أنا
ولذلك انشغالي بالغير مهم هو إزراء بالمهم ، ولدي 60 مقاما نادراً على الأقلّ ينبغي ارشفتهم وتوثيق فصول عليهم ، تاركاً الطريق لغيري ممن أراد توثيق الفصول على المقامات الشهيرة كالرايت والبياتي والحجاز والصبا والنهاوند والهزام والكردلي حجاز كار ... إلى آخره
أما التلحين على مقامات نادرة كنحو ما ذكرت لك آنفاً بعضها فإنّك لن تجد أحداً يستطيع أن يلحن موشحات أو غيرها وبالمعايير العلمية والموسيقية الصحيحة للمقام وشروطه وتركيباته
2- والعمر والزمن وتردي الصحة والعافية التي أنا فيها لا يتسع كل ذلك ليشما 100 مقام موسيقي ، ولذا فأنا تركت 40 مقاما موسيقياً لغيري ولمن هم بعدي ووطنت العزم على العمل بأرشفة 60 مقاماً موسيقياً وضمن عالم ولوحات الفصول الغنائية الموسيقية
العمل يجري الآن على فصل من مقام الشوق أفزا وقد بدأنا نقترب من الإنتهاء منه ،
والذي سيليه وبمشيئة الله هو فصل على مقام الدلكش حوران ، ثم فصل على مقام الزاويل أو الشوق طرب
إن كان في العمر انفساح وفي الحياة بقية