الموضوع: مقالات و بحوث
عرض مشاركة واحدة
  #20  
قديم 29/05/2010, 21h35
الصورة الرمزية samirazek
samirazek samirazek غير متصل  
مشرف
رقم العضوية:51
 
تاريخ التسجيل: novembre 2005
الجنسية: مصرية
الإقامة: مصر
العمر: 78
المشاركات: 685
افتراضي مهندس البناء الموسيقي محمد القصبجي..

مهندس البناء الموسيقي محمد القصبجي..


بقلم : ايناس حسنى وسحر طه ود.سيار الجميل وآخرين ( بتصرف)

بعد تسعة وعشرين يوما فقط من مولد سيد درويش ولد الفنان .. محمد علي إبراهيم القصبجي... الذي اشتهر باسم محمد القصبجي وهو الفنان الذي اجمع الكثير من الكتاب والنقاد على أنه لم ينصف في حياته ولا بعد مماته.

ففي الوقت الذي لم نحتف به كما يليق أنشئ في العاصمة التركية اسطنبول معهد للموسيقى باسمه، اعترافا بأهمية هذا الفنان

وفي إيران غنت له المطربة أنموش في سبعينات القرن الماضي لحناً لأم كلثوم : يا طير يا عايش أسير.. كان قد وضعه عام ،1935 كما ذكر فيكتور سحاب في كتابه السبعة الكبار في الموسيقى العربية المعاصرة.

ولد بحي عابدين بالقاهرة في 15 ابريل/ نيسان عام 1892 من أب يعمل في الحقل الفني فوالده الشيخ علي إبراهيم القصبجي، وكان المثل الأعلى بالنسبة له، حيث كان مقرئا للقرآن الكريم ومنشدا دينيا كما كان عازفا ماهرا على آلة العود بالإضافة إلى كونه ملحنا قديرا غنى ألحانه كل من عبده الحامولي، يوسف المنيلاوي، صالح عبدالحي، زكي مراد، محمدالسنباطي ( الأب) ، وغيرهم من مشاهير المطربين والمطربات فلم يكن غريبا أن يتعلق الابن بهذا الجو الفني، ويتجه إلى الموسيقى والغناء.

نشأ القصبجى في وقت لم تكن فيه معاهد موسيقية، وبالتالي لم يدرس التدوين الموسيقي في معهد أو على يد أحد من الأساتذة، لكنه استفاد بحسن خطه وحبه للرسم في تعلمها أثناء تدوينه للنوت الموسيقية لوالده مع الاستفادة من الكتب والمراجع الموسيقية في هذا المجال واستطاع بقوة إرادته وذكائه أن يتعلم فن التدوين الموسيقي.

وبالرغم من معارضة والده اشتغاله بالموسيقى في بداية حياته فإنه عندما اكتشف موهبته الموسيقية الأصيلة ومع اقتناعه الكامل بأن الموسيقا فن رفيع اخذ يشجعه وينمي فيه الحس الفني، كما أهداه أحد أعواده الثمينة، وأخذ في تعليمه أصول العزف والموسيقا العربية، فكان والده خير معلم له في بداية مشواره الفني.

وقد تعلم مبادئ التوزيع الأوركسترالي، الهارموني، والكنترابنط على أيدي قادة الفرق الموسيقية الأجنبية التي كانت موجودة في مصر آنذاك والتي تفد إليها في المواسم الموسيقية، كما كان يحرص دائما على ألا تفوته مشاهدة مواسم الأوبرا الأجنبية وفرق الباليه التي تفد إلى مصر كل عام وكان شديد التعلق بحضور حفلات أوركسترا القاهرة السيمفوني والتي دعمت موهبته الموسيقية.

وعند اكتمال موهبته الموسيقية، بدأ في تلحين بعض الأدوار والموشحات، وبعد احتلاله الصفوف الأولى في مجال تلحين الأغاني الفردية،

ثم اتجه إلى مجال المسرح الغنائي وقدم فيه أروع الأوبريتات التي قدمتها فرقة منيرة المهدية وذلك في الفترة مابين 1924 و1927 وهذه المسرحيات هي (المظلومة) التي اشترك معه في تلحينها كل من كامل الخلعي ومحمد عبدالوهاب، كيد النسا، حياة النفوس، وحرم المفتش.

وفي عام 1928 عهد اليه نجيب الريحاني بوضع ثلاثة ألحان في أوبريت نجمة لصبح وقد اشترك معه إبراهيم فوزي بأربعة ألحان أخرى

ويعتبر القصبجى من أوائل الملحنين الذين اثروا السينما المصرية بالألحان الموسيقية العربية المتطورة وذلك من خلال أغاني الأفلام التي شدت بها كل من نورالهدى،أسمهان، ليلى مراد، سعاد محمد، هدى سلطان، صباح، وشادية.

وقد أحصى محمود كامل في كتابه «محمد القصبجي، حياته وأعماله» 360 أغنية من تلحينه...


كما وضع للمسرح قرابة 35 لحناً موزعاً بين خمس مسرحيات هي «المظلومة» (1926)، و«حرم المفتش» (1926)، و«حياة النفوس» (1928)، و«كيد النساء» (1928)، و«نجمة الصبح» (1929).


وله 91 أغنية وضعها لـ38 فيلماً سينمائياً، أغلبها ينتمي إلى الطقطوقة التي يأخذ طابعها الأدائي شكل الأوبريت. إذ كان معروفاً عن القصبجي أنه يستمد مادة الطقطوقة من أجواء المشاهدالسينمائية.

أما بالنسبة لأفلام ام كلثوم فقد كان للقصبجي نصيب الأسد من أفلامها الستة إذ لحن خمسة منها هي: وداد، نشيد الأمل، دنانير، عايدة، وفاطمة.


لكنّ أعماله حظيت بشهرة لم يحظ بها هو شخصياً، وتلك ظاهرة غريبة، وخصوصاً إذا ما قارنّاها بما حظي به رفيقه الشيخ سيد درويش وزكريا أحمد، إضافة إلى شهرة الشاعر أحمد رامي التي تجاوزت بكثير شهرة القصبجي...


وتزداد دهشتنا لدى المقارنة مع الشهرة التي كانت من نصيب تلميذه محمد عبد الوهاب.

وقد عزا بعض النقاد تلك الظاهرة إلى أن القصبجي ابتعد عن أداء أغانيه بصوته، كما كان يفعل سيد درويش وزكريا أحمد أو عبد الوهاب.


فمن منا لايعرف أغنية «فرّق ما بينا ليه الزمان» و«امتى حاتعرف امتى» و«يا طيور غني حبي» بصوت أسمهان؟
وأغنية «يا صباح الخير» أو «رق الحبيب» أو «يلي جفاك المنام» بصوت أم كلثوم؟ وتلك المداعبات الغنائية الجميلة بصوت ليلى مراد مثل «يا ريتني أنسى الحب» و«حبيت جمالك» و«أنا قلبي دليلي» التي سمعها الجمهور لأول مرة عام 1948.

فالقصبجى يعتبر من الشخصيات الموسيقية اللامعة التي شاركت في نهضة الغناء العربي منذ العشرينات وحتى الستينات وظل ينبوعا متدفقا للألحان التي تحمل طابع الابتكار فكان له شخصية مستقلة وله مدرسة خاصة في التلحين والعزف على آلة العود

وتتلمذ على يده بعد ذلك في آلة العود كل من محمدعبد الوهاب الذي تعلم عنده العزف على العود، ودرس له علوم الموسيقى لمدة خمس سنوات، ثم رياض السنباطي وفريد الأطرش ومحمد الموجي ومحمد فوزي وغيرهم.

كما امتد تأثيرالقصبجي إلى بلدان عربية أخرى، فطال زكي ناصيف وتوفيق الباشا فى لبنان.

ولم يكن هذا فحسب هو فضله الوحيد ,فلقد اكتشف الكثير من الفنانين والفنانات نذكر في مقدمتهم المطربة ليلى مراد، إذ قدمها في أول أعمالها الفنية عام 1933 حينما غنت له يوم السفر.. في فيلم الضحايا. وحين قدّمت ليلى مراد «أنا قلبي دليلي» عام 1948، يومها، قال عنها محمد فوزي «إنّها أغنية العام ألفين!»، ظناً منه وهو يعايش تطور الأغنية العربية آنذاك بأنّ الموسيقى العربية والأغنية العربية ستستمران بتجاربهما وتجددان فرسانهما.

لكنّ ملحّنها مات في الظلّ، وبقيت أغنياته أشهر منه.

وكما يقول فكري بطرس صاحب كتاب أعلام الموسيقى والغناء العربي فإن ألحان محمد القصبجى تميزت بطابع خاص عرفت به بين جميع ألحان معاصريه أمثال داود حسنى وكامل الخلعي وزكريا احمد، فألحانه تجمع بين المدرسة القديمة مع وضعها في قالب حديث متطور فيه لمسات وتعبيرات ناضجة وتصوير صادق أمين.

فقدا كان مايشغل محمد القصبجي، هو ضرورة إيجاد لغة هارمونية جديدة تتلاءم مع السلّم الموسيقي اللحني العربي، بحيث تبقى الأغنية العربية محتفظة بروحها ومميزاتها.
وإليه يرجع الفضل في تهذيب الألحان الشرقية وقد ظل طوال حياته الفنية على نفس هذا الخط، لم ينحرف ولم يتلون عنه، إذا استثنينا تجربته الفريدة في لحن واحد.. وهو يا طيور للمطربة أسمهان والذى لحنه بعد سماعه فالس "غابات فيينا" ليوهان شتراوس بصوت مغنية السوبرانو النمساوية إرنا زاك وهي تقلد صوت تغريد الطيور في ختام الفالس.دأ الاغنية بمقدمة موسيقية تعبّر عن تحرك اسراب الطيور في اشكالها المختلفة، مستعينا بالسلّم "الكروماتي" صعودا، ما يعطي الايحاء بصعود الطيور الى اعلى الفضاء، مع زيادة في السرعة. ثم أدخل ايقاعا جديدا على المقدمة يوحي بحركة اجنحة الطيور، وفي ختام المقدمة مهّد اللحن للغناء بإعطاء المستمع إحساساً بأن الطيور تحطّ على الاشجار.

تبدأ الاغنية بعبارة "يا طيور"، بالمد وبحرف الواو، ترافقها لازمة موسيقية تتميز بالضغوط القوية على كل نغمة، توحي برد فعل الطيور للنداء. وتتوالى المقاطع الغنائية، وفيها نلاحظ تغيير القصبجي للموازين الموسيقية والايقاعات، عبر الانتقال بين المقامات، ليصوّر اطوار الطيور في فرحها وحبها وعذابها، ، مترجما معاني الكلمات، لتختتم اسمهان الاغنية بمحاكاة بين صوتها وآلة الكمان التي تعبر عن صوت الطير....
بيد ان أن القصبجي لم يقتبس أي لوازم موسيقية من شتراوس او من غيره من المؤلفين الموسيقيين العالميين كالذي فعله كل من عبد الوهاب وفريد وغيرهما .. لم يفعل القصبجي ذلك ليسخّرها عربيا ، فتذيع وتنتشر إعلاميا وإبداعيا .


وبعدها جاء كل لحن انجزه حاملاً شكلاً موسيقياً جديداً، بعدما تيقن من أنّ المعرفة العلمية هي ما كان ينقص الموسيقى العربية.

اطّلع على تجارب من سبقه من المجددين ، خاصة داوود حسنى وكامل الخلعى ، وألمّ بالموسيقى العالمية.

بيد أن القصبجي في الحقيقة لم يكن متفرنجا، ولكنه كان جريئا في الاستفادة مما يسمعه من الألحان الأوروبية.

محمّد القصبجي تمتّع بفكر موسيقي سيمفوني، لا يقترب من الارتجال اوالجمل اللحنيةالمتداولة والبسيطة.

واتخذ من دار الأوبرا المصرية مدرسةً له، حيث كانت الأعمال الأوبرالية والسيمفونيات العالمية تساعده في فضح الأساليب البسيطة التي سادت عالم الأغنية العربية حينذاك.

كما درس الموسيقى الغربية، والصولفيج وركز خصوصاً على المرحلة «البوليفونية» التي تعتمد تعدد الأصوات الموسيقية.

عاش القصبجي أربعة وسبعين عاما قضاها في محراب الفن تعاقبت عليه فيها ثلاث مراحل متناقضة:


المرحلة الاولى :مرحلة التلحين لمطربات صالات الغناء قبل ظهور أم كلثوم، واستغرقت هذه المرحلة قرابة اثني عشر عاما من عمره.
عرف القصبجي بشقاوته وعلاقته العنيفة مع ابناء حارته، في الحي الذي سكن فيه، وفي شبابه انفصل عن السكن مع اسرته، واستأجر مسكنا صغيرا، في "حارة الكلاب" الفقيرة، المتفرعة عن شارع محمد علي، وكان لهذا الشارع شهرة كبيرة، اذ يسكنه اكبر عدد من الفنانين والعوالم، وصاحبات الاسماء الغريبة مثل "نعيمة شخلع" و"زوبة الكمسارية" و"انوس المصرية"، ومنه خرج ألمع فناني مصر، بينهم صالح عبد الحي، محمد حلمي، شكوكو، عمر حمزاوي، شفيق جلال، وعبد الحليم حافظ، الى جانب عدد من الممثلين والممثلات بينهم امينة رزق.

اقتصر عمل القصبجي في تلك الايام على عزف العود ضمن تخت "العوالم" (بنات الهوى)، وكان يقوم بغناء الأدوار القديمة كلما طلب منه ذلك في الافراح والليالي.واصبح زميلا لمطربى هذا العصر امثال على عبد الهادى واحمد فريد وعبد اللطيف البنا
وكانت "عوالم" شارع محمد علي اكثر مغنيات ذلك العصر عملا ورزقا، فكانت الواحدة منهن تغني وترقص، لأن الرقص والغناء كانا متلازمين.

من اللافت ان نقرأ عن "عوالم" هاتيك الايام، ففي ذلك شيء من السحر والحكاية، وخصوصا انها حكاية الجسد والموسيقى، اذا يشكلان ليلة من ليالي "الف ليلة وليلة".

وكان اول لحن من تاليفه هو دور (وطن جمالك فؤاى يهون عليك ينضام)من كلمات الشيخ احمد عاشور ،ثم انضم الى تخت العقاد الكبير عازف القانون بعد ان اهجب به هو ومصطفى بك رضا رئيس نادى الموسيقى الشرقية .


وكان القصبجي في البداية مطربا اكثر منه ملحنا حتى تعرف الى مطربة اسمها توحيدة كانت تغني في صالة ألف ليلة وليلة وقدم لها لحن :الحب له أحكام.. فغنته وصفق لها الجمهور

وبعد ذلك تعرف الى منيرة المهدية وكانت آنذاك تشتغل مع كامل الخلعي الذي شجعه على عرض لحن من ألحانه عليها وحاز القبول وغنته له

وتلتها فتحية احمد وهي التي أطلقت عليه اسم (قصب).

ويرجح ان تكون عدم شهرة القصبجي كملحن في بداياته، أدت إلى فشله في أن يقنع بألحانه مطربات تلك الفترة، مثل منيرة المهدية

وتوحيدة، (هي اللبنانية لطيفة إلياس فخر ) غنّت له عام 1917 "الحب له في الناس أحكام" من مقام الزنجران، "ويعتبر القصبجي أول من استخدم هذا المقام.
فسيد درويش لم يلحن "في شرع مين" من مقام الزنجران إلا بعدما استرعى انتباهه الدور الذي تغنت به توحيدة ولحنّه القصبجي". وبعده لمع اسم القصبجي ملحنا.

جارى القصبجي تياراً سادت فيه "الأغاني الشديدة الإسفاف والركاكة" حيث لحّن من تأليف محمد يونس القاضي وغناء أشهر المطربات منيرة المهدية الملقبة بـ"سلطانة الطرب" أغاني، منها "بعد العشا يحلى الهزار والفرفشة. انس اللي فات وتعال بات ليلة التلات"، و"والله زمان يا دلعي ما شفنا ليلة زي دي"و" شال الحمام ..حط الحمام".

الا انه في عام 1924 سمع القصبجي باسم أم كلثوم لأول مرة، ثم استمع إلى صوتها في الكشك الذي تغني فيه بحديقة الازبكية «تياتروبايلوت باسك» لحنا للشيخ أبو العلا محمد بالإضافة إلى عدد من الأدعية الدينية والموشحات، بلا تخت وبلا إيقاع.

ومنذ ذلك الحين لم يفارق القصبجي أم كلثوم وتبين له الفارق بين هذه المطربة الجديدة آنذاك وبين طائفة مغنيات الصالات، وكانت هذه بداية إحياء طرائق الغناء العربي المتقن على حناجر المطربات المصريات ونهاية غناء مغنيات الصالات.

المؤرخ الموسيقي الراحل كمال النجمي يتحدث عن ملحني ام كلثوم في بداياتها واستغلالهم طاقات صوتها في "قمته" العليا و"سفوحه" الخضراء الفاتنة، ويقول: "...هكذا اسمعتنا ام كلثوم في الثلاثينات الحان محمد القصبجي ذات النغمات المديدة والترجيعات الطويلة. ولم يكن هذا اول عهد ام كلثوم بالمد والترجيع الطويل.. فقد كانت أغانيها التي لحنها لها احمد صبري النجريدي وما أنشدته من قصائد للشيخ ابو العلا محمد في العشرينات حافلة بالنغمات العالية التي تمس الاطراف العليا للصوت ولا تهبط الى السفح لتستقر فيه، بل تحتشد وتتأهب الى القمم مرة اخرى. كانت اغاني ام كلثوم في تلك الفترة اشبه بتمرينات صوتية وصقل للمادة الذهبية في صوتها.

المرحلة الثانية: وفيها اخذت الحانه تتطور مع أم كلثوم والمطربات اللاتي ظهرن في عصرها ونسجن على منوالها، وغنين من ألحانه منذ العشرينات إلى قرب نهاية الأربعينات.
ويرجع له الفضل في نجاح أم كلثوم في مطلع حياتها الفنية.. فقد شاركها بألحانه على مدى اكثر من ثلاثين عاما، وغالبية أغانيها من ألحانه هى التي أجلستها على عرش الطرب العربي.
مدحت عاصم يصف اسلوب كتابة محمد القصبجي ألحانه لام كلثوم في احدى مقالاته: "... القصبجي ببساطة هو المعلم، والاستاذ المتيم بتلميذته، وهو اول من قاد ام كلثوم الى الشهرة والنجاح وفضله لا بد ان يذكر

ومن اشهر ألحانه لها في مطلع حياتها أغنية: إن كنت أسامح وانسى الأسية... وذلك عام ،1928
وقد بيع من هذا اللحن اكثر من مليون اسطوانة آنذاك وهى الأغنيه التي أجلست فنّ المونولوج على عرش الثبات والتجدد، لتتخلص الأغنية العربية من شكلهاالتقليدي.

هكذا صارت المقدمة الموسيقية المستوحاة من عالم الأغنية نفسه مدخلاًمهماً يمهد للمستمع الولوج إلى عالم الموسيقى وسحر الكلمات المغناة.

وذلك المونولوج يعتبر فتحا جديدا في تلحين قالب المونولوج بصفة خاصة وفي الألحان الموسيقية العربية بصفة عامة. ففيه خرج على الأسلوب التقليدي في التلحين، واستغل فيه إمكانات أم كلثوم الصوتية بجانب المقدمة الموسيقية التي استهل بها اللحن على طريقة الغناء الأوبرالي، كما ادخل طريقة التظليل والترديد بالصدى.

وفي مونولوج (يا ما ناديت من أسايا) استخدم آلة التشيللو لأول مرة مع أم كلثوم.

وبعدها بدأ الناس في الحديث عن لونه الخاص الذي انفرد به ولم يشاركه فيه أحد من معاصريه وبفضله خطت الموسيقى خطوات واسعة نحو الرقي والتهذيب

ولقد تجلت عبقريته في الانتقال بالمقامات، فهو يستطيع في أغنية قصيرة لا تتجاوز دقائق خمس أن ينتقل لأكثر من مقامين ،مما يبعد المستمع عن الملل ويجعله عصريا وحداثيا كما في منيت شبابي، الذي يعبر عن أسلوب القصبجي المتسارع المتصاعد .

وفي هذه المرحلة الخصبة من حياة القصبجي اسهم في تطوير الغناء العربي والموسيقى العربية وأوشك أن يغالي في طلب التطوير والتجديد حتى قيل على سبيل الفكاهة إنه كاد يجعلها مطربة ارمينيه او تركية ....قيل ذلك حين لحن الفصل الأول من "أوبرا عايدة" الذي غنته أم كلثوم في فيلمها عايدة في أوائل الأربعينات
الملحن داود حسني قال "لا يجوز أن يلحن مونولوغ ومحمد القصبجي موجود". أقنع القصبجي أم كلثوم بالانتقال من الإنشاد إلى الغناء بمصاحبة تخت، وأسس لها أول فرقة موسيقية ولم يفارقها منذ حفلتها الأولى عام 1926 حتى وفاته بعد أربعين عاما، مشيرة إلى فضله في تخليصها من الذبذبات الصوتية في أعمالها الأولى، "وكانت تحول دون تحديد النغمات الثابتة"

المرحلة الثالثة : التي امتدت منذ الخمسينات حتى نهاية مشواره الفني في منتصف الستينات فقد كان إنتاج القصبجي فيها من الألحان بسيطا، واكتفى بالعزف على العود في فرقة أم كلثوم.

وتتميز مدرسته في التلحين كما قال د. سعيد رجب الشهير بـسعيد القصبجي، بهندسة البناء والجمل الموسيقية التي تبنى على أساس علمي وذوق فني رفيع، كما تتميز بالمسافات الصوتية المتباعدة وظهرت عبقريته الموسيقية الفذة والتي تحمل هذا الطابع
فهوأول من توسع في اللزمات الموسيقية التي تتخلل الغناء ...بين الموسيقى الخالصة في المقدمات وبين فقرات الغناء .كما تتميز ألحانه بالعمق التعبيري والثراء اللوني، كما تحفل بالتجديد والحداثة في طبيعة الجملة الموسيقية المكتوبة، ذات اللحن المشرق المعتمد على قدرة الصوت المؤدي وثقافته وطلاوته، فقد حوّل الصوت البشري إلى آلة موسيقية تؤدي دورها المكتوب بدقة.

وقد سبق القصبجي عصره في بنائه للجملة الموسيقية واستخدامه للانتقالات اللحنية التي تبنى على أساس علمي وذوق فني رفيع، مع الإحساس العربي المرهف.

ومن العوامل التي ساعدته على الارتقاء بقالب المونولوج التقاؤه بالشاعر أحمد رامي وصوت أم كلثوم، وقد أثرى قالب المونولوج بخصائص وسمات لم تكن موجودة من قبل.

كما كان له أسلوب مميز في تلحين قالب الطقطوقة الذي أثراه بأكثر من 220 طقطوقة خلال مشواره الفني.

وبالرغم من نجاحه الذي حققه في تلحين الأغاني العاطفية والاجتماعية فإنه لم يفته خدمة الحركة الوطنية آنذاك حيث لحن عشرات الألحان الوطنية التي شدا بها اعظم المطربين والمطربات بداية من منيرة المهدية مرورا بصالح عبدالحي وفايدة كامل والمطربة نازك عام 1958.

ولحن من الأدوار ثلاثة عشر كتب معظم كلماتها، ومن الموشحات واحدا ومن القصائد اكثر من 40 قصيدة

وتأثر بمدرسته في الألحان والعزف على العود كل من عبدالوهاب ورياض السنباطي وفريد الأطرش

وكان آخر ألحانه لأم كلثوم في فيلم (فاطمة) عام 1947.

يعترف الموسيقار محمد عبد الوهاب بأنّ القصبجي كان سبّاقاً في استخدام الهارموني والبوليفوني، بأسلوب علمي صحيح... كما يعترف بأنه تأثر بما أنجزه القصبجي في مجال المونولوج، ومنه جاءت أعماله «اللي يحب الجمال» و«الليل يطوّل عليّ» و«بلبل حيران» وغيرها.

هذا الموسيقي الفذ القدير ....رضي بأن يكون عواداً في فرقة أم كلثوم، مفضّلاً العزلة والوحدة حتى الرمق الأخير.

العلاقة الصعبة مع أم كلثوم





كانت العلاقة غريبة بين القصبجي وأم كلثوم. سمعها للمرّة الأولى عام 1923 تغني في مسرح «تياتروبايلوت باسك». كانت حينذاك ترتدي العقال، وتنشد قصائد في مدح الرسول. أعجب القصبجي بصاحبة الحنجرة الذهبية المتمكنة من الغناء الكلاسيكي.

وفي العام التالي قدّم لها،من خلال شركة «أوديون»، طقطوقة «قال حلف ما يكلمنيش» من دون أن تعرف ـ في البداية ـ أنه مؤلفها.


وكانت الانطلاقة الأولى لمغامرة استثنائيّة أعطت كوكب الشرق بعض أجمل ألحانها، قبل أن تؤدي إلى إحباط الموسيقي الكبير وانهياره.


احتل القصبجي موقع الأستاذ الثالث في حياتها، بعد والدها وأبو العلا محمد. وكوّن لهاالفرقة الموسيقية، وطورها بان ادخل فيها على التخت الشرقى التقليدى آلتى الشيللو والكونترباص .
وظل لسنوات يزوّدها بالألحان التجديدية التي مكنتها من الانتصارالكامل على فنانتين كانتا تتقدمان على أم كلثوم: منيرة المهدية وفتحيه أحمد.

لقد حقق القصبجي تجديداً نادراً مع «كوكب الشرق»، على امتداد عقدين (1925ـ 1945)، منذ «إن حالي في هواها عجب» و«إن كنت أسامح»... إلى الذروة التي تجسدها أغنيات مثل «مادام تحب بتنكر ليه»، أو «رق الحبيب»، جامعاً بين تربيته في تربة المقامات العربية،وانفتاحه على إنجازات الموسيقى الأوروبية الكلاسيكية.

ويقال ان ام كلثوم طلبت منه الأقتصار على التلحين لها الا انه رفض واستمر يلحن لغيرها وعلى الأخص لأسمهان.
ثم وقعت الأزمة بعد النجاح العارم لقصيدته الطويلة "هل تيم البان" التى غنتها اسمهان ..اى انه جعلها بقصيدته تلك تلعب فى ملعب ثومة الأثير. ولعل علاقة محمد القصبجي بأسمهان، وقبل ذلك معرفته بوالدتها المغنية والعازفة علياء المنذر، ولكونه صديق الأسرة، اتسعت إلى مشروع ثقافي مهم مع حنجرتها وشخصيتها، ولم يذكر أن فكرة زواج محتمل أشيع بينهما، ولم يكن في تعاونهما ما يوحي بين أب وابنته وهذا يمكن أن تنطوي عليه علاقة الأستاذ بالتلميذة بل إن قول فريد الأطرش بأنه: "لو قدر لأسمهان أن تبقى لكانت تشكل منافسة (أو تهديداً) لأم كلثوم بألحان محمد القصبجي"،.

فجأة وبعد رحيل اسمهان ,أخذت أم كلثوم ترفض ألحان القصبجي، وتفضل عليها أخرى من تأليف السنباطي والموجي... الى أن قالت له ذات مرّة: يبدو يا «قصب» أنك محتاج إلى راحة طويلة!
وتقول الحفني: "... لم يعرف حتى الان سبب اقلاع ام كلثوم عن غناء الحان القصبجي في وقت كانت تشجعه على التلحين للاصوات الاخرى". لكن حسب علمنا فإن مصادر اخرى ذكرت ان ام كلثوم غضبت كثيراً حين لحن لأخريات وبخاصة لأسمهان ومن ثم لليلى مراد ما جعلها تأخذ قراراً نهائياً بعدم غناء ألحانه. واعتبرت أم كلثوم ابتعاد القصبجي عنها خلال هذه الفترة إهمالا وعدم اكثراث بمستقبلها.
لكن من جهة اخرى تسرد الحفني وقائع عن محاولات القصبجي العديدة للتلحين لسيدة الغناء وكانت في كل مرة تفشل، ففي عام 1949 وضع لحناً في تكريم ام كلثوم غنته الكبيرة سعاد محمد واعجبت ام كلثوم باللحن كثيراً، وفي عام 1954 اختارت السيدة قصيدة من الشاعر احمد رامي مطلعها "يا دعاة الحق هذا يومنا" لكي تسجلها بالاذاعة في اعياد الثورة وعهدت بها الى القصبجي لكن بعد جهود عديدة لم يعجبها اللحن فاعتذرت عن غنائها وآلت الى المطربة فايدة كامل، واستعاضت عنها بأغنيتها "مصر التي في خاطري" من الحان رياض السنباطي الذي كان ملحنها المفضل في تلك الفترة حيث لحن رائعته "سهران لوحدي" التي كان القصبجي بدأ بتلحينها بالفعل على نغمة جديدة اطلق عليها "ما وراء النهرين" لكنها رفضت اللحن ومنحته للسنباطي مما سبب جرحاً كبيراً للملحن القدير وإحباطاً. وايضا كان المفترض ان نستمع الى "نشيد الجلاء" و "للصبر حدود" بألحان للقصبجي لكن رفض ام كلثوم ايضاً زاد من آلامه مما دفعه الى التصريح في احدى الصحف ان ام كلثوم لو اتاحت له الفرصة لأثبت لها ان الحانه افضل من السنباطي مما اثار غضب ام كلثوم وجعلها تعزله عن رئاسة فرقتها الموسيقية واسناد القيادة الى احمد عبده صالح ،

وهكذا تتوالى الاقاويل والتعليلات والاسباب منها ما يضع الحق على ام كلثوم في رفضها ومنها ما يعلل فتور العلاقة بحالة الملحن الكبير الصحية وغيرته من الملحنين الذين تتعامل معهم ام كلثوم او غير ذلك من الاسباب

لكن السبب الاخر الذي أبدته رتيبه الحفني: "...انه نتيجة لرواسب قديمة تتعلق باهتمام القصبجي بصوت اسمهان التي كانت تعتبر منافسة لأم كلثوم في فترة ما والتي خصها بالكثير بالكثير من ألحانه فالمعروف ان اسمهان ماتت في العام نفسه الذي ظهرت فيه رائعته الاخيرة لام كلثوم "رق الحبيب" .
واعتبرت ام كلثوم ابتعاد القصبجي عنها خلال هذه الفترة اهمالاً وعدم اكتراث بمستقبلها فقد كانت اسمهان جميلة، جذابة، محبوبة لدى الجميع تتمتع بصوت دافئ ومتمكن. أعطاها القصبجي الحاناً جديدة في تكوينها وصياغتها كبرت معها إمكاناتها الفنية مما زاد من لمعان صوتها وشهرتها".

ما ان رحلت أسمهان ذات الصوت الاوبرالي الواسع إلى السماء قبل أن يبدأ النصف الثاني من القرن العشرين صفحاته ، فان القصبجي ـ كما اعتقد ـ اعتبر ذلك الرحيل علامة شؤم كبيرة لما سيحدث من متغيرات تاريخية في الحياة .. فرحل بموهبته الخصبة في أعماقه ، والتي لم تستطع أم كلثوم أن تنتشلها ، كي تترجمها بفعل تأقلمها مع الصفحات الجديدة التي خلقتها عوامل وظروف عقد الخمسينيات ، فسببّت محنة نفسية وإبداعية حقيقية للقصبجي ..
علما بأنه لم يبخل على فنانات أخريات بأرق الألحان الرائعة ، ومنهن : سعاد محمد ، ونور الهدى وغيرهن .. ولم يكسر صمته إلا في تلحين ثلاث قصائد وطنية غنتها كل من شهرزاد ، ونازك ، وفايدة كامل ، ولكن بالحان عادية .. فماذا حدث ؟
وبعد الراحة الطويلة،ومحاولات «قصب» غير المجدية في العودة إلى التلحين، تحوّل إلى مجرد عازف عندها ليحتفظ بمورد رزقه. واستمر القصبجي يعمل في فرقة أم كلثوم عواداً... إلى آخر يوم في حياته.
لقد بقي جسمه شاخصا أمامنا مع كل معاناته ، ولكنه أبقى نفسه عن عمد وسبق إصرار عظيما ، ولم يهمّه أبدا أن يجلس عازفا على عوده في فرقة الست على امتداد السنوات المتبقية من حياته ! ولا ندري كيف كان يفكر موسيقيا في تلك المرحلة الأخيرة من حياته ، وهو يعزف بهدوء على أوتار عوده تلك الألحان الشجية المؤطرة التي كان يضعها زملائه وطلبته الفنانين الكبار ، ومنهم ، السنباطي وعبد الوهاب وبليغ ؟؟ نعم ، كان يتقّبلها ليس على مضض بل على استحياء كونه احتفظ لنفسه بموهبته وقريحته في أعماقه ، وربما كان الرجل يبكي في أعماقه ليس على ما يسمع من شدو الست الكبيرة أمامه ، بل على ما حدث من انقلاب فاضح في مفاصل الحياة كاملة !

ولكن هل كان من السهل عليه أن يتقّبل الجمل اللحنية والموسيقية التي كان ينسجها غير السنباطي ؟ وإذا كان يتقّبل كلمات شوقي وبيرم ورامي واخيرهم ناجي في القصائد الرائعة التي شدت الست بها ، فهل كان يتقبّل منها كلمات بقية أغانيها بكل تجّرد ؟ .


وعن اخلاصه للست يقول المؤرخ محمود كامل: "...كان القصبجي لا يخشى على شيء انئذ، إلا على ام كلثوم وعوده. ويروي في احدى الحفلات، قامت مشادة بين الحاضرين، وعلى الفور امسك القصبجي بإحدى يديه يد ام كلثوم، ورفع عوده باليد الاخرى وفرّا مسرعين الى خارج المكان".
استمر القصبجي في العزف في فرقة ام كلثوم لم يفارقه حتى اخر ايامه. فأولى حفلاته معها كانت عام 1926 وآخر حفلة شارك فيها معها كانت عام 1966.


تبدي رتيبة الحفني دهشتها من نهاية القصبجي كمجرد عازف وقبوله "هذا الوضع غير اللائق... صعد هذا الملحن الكبير من قمة النجاح والشهرة ثم تدحرج إلى السفح وعجز عن الصعود فخسر فن الغناء العربي عشرين عاما على الأقل كان القصبجي قادرا على أن يملأها بالإنتاج الغزير".
ولكن ليس في اليد حيلة ، كما يقول د. سيار الجميل، ما دام الأمر يتوقّف على رزقه الذي يقوم بسد متطلبات حياته وأسرته !
إن الفرق المدهش بين هذا الرجل وهذه المرأة إنهما يختلفان في تفكيرهما حقا ! لقد كان يريد لنفسه من خلال موهبته أن تسمو متجلية في الأعالي ، فيسبح من يسمع موسيقاه في عالم ملكوتي صعب غير موجود .. في حين أرادت الست لنفسها أن تنزل من عليائها التي كانت عليها في الأربعينيات ، لتسيطر على عالم سهل موجود ، فعلا كالذي توّفر عندها ببساطة وبين يديها في عقدي الخمسينيات والستينيات !

لقد أراد القصبجي أن يبقي مجده معلّقا في السماء .. في حين أرادت أم كلثوم ، أن تبقي مجدها على الأرض ، فتسيطر على الأخضر واليابس !


ومن خلال عقد مقارنة بين الست وخمسة من أعظم الملحنين لها ، اكتشفت منذ زمن طويل ، إن الشيخ زكريا أحمد جعلها تنطلق مغردة على هواها كما في رائعته " الاولّه في الغرام .. " .. في حين جعلها القصبجي تطرب سارحة في حديقة غّناء وهي تقطف زهورها .. أما السنباطي ، فلقد خلق لها مسرحا معينا لا تخرج منه في تلك الحديقة الغناء .. وإذا كان بليغ قد ضّيق حجم المسرح عليها كثيرا ، فان عبد الوهاب قد جعلها ، تغّرد في قفص لم تستطع الخروج منه حتى رحيلها !

وفي مارس عام 1966 توفي القصبجي لكن أعماله الفنية العظيمة بقيت حية لا تموت، وهي ماثلة فيما خلفه من ألحان بالغة الرقي والجمال، أسهمت في تطوير الغناء العربي المتقن.

وتقول ابنة شقيقته كوثر الصفتي أن والده كان يخاف عليه من التعلق بالفن في البداية فكان يخبئ العود بعيدا عنه ولكن القصبجي احضر مجموعة من الأخشاب ودق عليها المسامير وركب لها أوتارا من عود والده القديم وبدأ يدندن عليها وكان يخبئه من والده تحت السرير.
وفي مدرسة المعلمين ألف فرقة موسيقية صغيرة وكان يقوم بإحياء حفلات مجانية داخل المدرسة إلى أن طلب منه أحد زملائه إحياء حفل عرس، فوافق ودفع له مبلغا من المال وهذه كانت البداية.
وتقول كوثر إنه كان يعتبر السيارة رفاهية وكان يحب المشي حتى لا يصاب بتضخم في القلب أو بذبحة صدرية وكان سائق الترام يقف له في غير الأماكن المحددة للمحطات.
وتضيف أنه كان متواضعا لا يحب المظاهر أو البذخ وانه كان لا يمكن أن يشرب أو يأكل أي شيء في الحفلات وكان يمكن أن يأخذ كأس الشراب ويلقيه في الأرض.

وانه كان لا يدخن ولا يشرب شايا أو قهوة أو أيا من المنبهات، ولكنه كان يشرب منقوع البلح أو الفول كل يوم في الصباح والثوم المجفف بدلا من اللبن ولكنه عندما مرض بقرحة الاثني عشر كان يشرب اللبن ويأكل المسلوق والأرانب والفراخ الصغيرة بدون دسم وكان لا يحب اللحوم ويقول إنها تأتي بأمراض كثيرة، كان دائم المحافظة على صحته.

كان لا يحب الزيارات ولم تكن لديه أي علاقات فكان يرجع إلى البيت يقرأ، يكتب، يلحن، وإذا زاره صديق يقدم له أي مشروب يريده ثم يعتذر بعد ذلك لارتباطه بعمله.

كان بيته مثل متحف، ساعات كثيرة، وأجراس جميع الأحجام، وراديوهات، لديه أنتيكات نادرة حتى علب الأدوية يحتفظ بها، كانت من هواياته إصلاح الأجهزة الكهربائية فقد قام بتركيب أجراس إنذار كثيرة في المنزل لأنه تعرض لحادثة سرقة وبهذه الإنذارات كان يريد إمساك الحرامي إذا عاد مرة أخرى.

وكان رحمه الله له العديد من الأعواد معلقة على الجدران، عود لتلحين المونولوج، وآخر للقصيدة، وآخر للطقطوقة وآخر للمقطوعة الموسيقية وكثير من الناس كانوا يتمنون شراء عود من أعواده ولكنه كان دائما يرفض مهما عرض عليه من أموال.

وتستطرد كوثر أنه عندما مرض أعلنوا خبر وفاته في الإذاعة والتلفزيون بطريق الخطأ وبعد ذلك جاءت الإعلامية أماني ناشد للتسجيل معه فرفض وقال لها :أنت فين قبل المرض.
وقالت له إننا سجلنا مع زكريا احمد وصالح عبد الحى .. قال لها قعدتوه على كرسي فأنا لا اقدر أن أسجل وأنا على فراش المرض لأنني ضعيف الآن يمكن أن أسجل وأنا قوي فقط ورفض التسجيل.
ومات بعد ذلك بحوالي شهرين في هدوء تام وكان قبلها يتحدث مع الطبيب ولم يدخل في غيبوبة ولم يمت في عملية جراحية كما اشيع حينذاك .
وسيسأل التاريخ عن أسراره التي كان يخفيها ؟ عن سر صمته الرهيب الذي جعل الدنيا كلها تتساءل عنه ، وهو يشخص بهيئته الساكنة وهو يعزف العود وراء الست.
وبعد هذا وذاك ، هل عرفنا حقا سر صمت القصبجي .. الفنان والإنسان ؟ دعوني أحيّي ذكراه الطيبة بحرارة شديدة .

سمير عبد الرازق

وصلة تسجيلية عنه فى اليوتيوب
http://article.wn.com/view/WNATdfbdd...111b79eae6362/
__________________
مع تحيات سمير عبد الرازق

التعديل الأخير تم بواسطة : samirazek بتاريخ 09/06/2010 الساعة 14h32
رد مع اقتباس