عرض مشاركة واحدة
  #24  
قديم 24/04/2008, 12h26
الصورة الرمزية Karim Samaali
Karim Samaali Karim Samaali غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:487
 
تاريخ التسجيل: février 2006
الجنسية: تونسية
الإقامة: كند
العمر: 54
المشاركات: 143
افتراضي «حبيبة مسيكة» بين الواقع والأسطورة (3)

* بقلم الموسيقار: د. محمد القرفي

«فوجئ الأفق المسرحي بنكبة مريعة وفاجعة مؤلمة هي أفول أسطع نجم في سمائه وأبهر كوكب بعث في الفنون الجميلة روح الحياة والنمو، فشاهد العالم بمضض نجاح رواية (الفظاعة الحيوانية والوحشية الكاسرة) على مسرح الحياة الرهيب». بهذه الصرخة الرومانسية المأساوية نعى شاعر الشباب محمود بورقيبة ممثلة تونس الاولى وبطلة المسارح النابغة حبيبة مسيكة وأضاف الى ألقابها لقبا جديدا: «فنانة شمال افريقيا الوحيدة».
في الرابعة من صبيحة يوم 20 فيرفي 1930 عادت المطربة الى بيتها الواقع بـ 22 نهج دوران ـ كلاي (دفتر خانة الحالي) بعد أن أن أحيت سهرة في بيت العائلة الاسرائيلية «لومبروزو» وارتمت على الفراش منهكة من فرط التعب والسهر. وفي الثامنة صباحا أفاقت فجأة لتجد نيران اللهب تحيط بها من كل جانب وعشيقها «إيلياو ميموني» يغطيها برنسه. وحاولت الهرب لكنه كان يمنعها ويدفعها نحو الفراش. وفجأة لاذ بالفرار وفقدت كل قواها ولم تتمكن من النهوض حتى وصل رجال المطافئ.
وميموني هو ثريّ يهودي له تجارة بمدينة تستور الاندلسية متزوّج وله ابناء، ربطته بالفنانة علاقة عشق وجنس دامت خمس سنوات أنفق فيها على الغانية ماله حتى أنه ا ضطرّ يوم الحادثة الى «بيع ساعته ليسدد ثمن تذكرة عودة ابنه الى تستور» وقد تعوّد على زيارتها في بيتها دون كلفة ربما لأنه هو ا لذي اشتراه لها. وتروي صاحبة فندق بنبارون بنهج قسنطينة الذي كان يؤمه ايلياو عند قدومه الى تونس أنه غادر الفندق في السابعة ثم عاد في الثامنة النصف من صباح نفس اليوم مضطربا وقد بدت على رأسه ويديه آثار حروق، ودخل الى غرفته وأحكم اغلاق الباب.
وبدافع من الفضول تسللت صاحبة الفندق مع أحد العمال الى الغرفة المجاورة فشاهداه من ثقب الباب وهو يحاول أن يخنق نفسه بلحفته واستطاعا أن يتدخلا في الوقت المناسب لمنعه من الانتحار. لكن العاشق المخدوع نفى كل ما نُسب إليه وتوفي مُصرا على الانكار وهو ما يدعو الى التخمين بأن الحقيقة قد تكون مغايرة لما صرّحت به الغانية «فقد كان لشذوذ الطفلة يد كبيرة في موتها كما كان هو سر عظمتها وضخامة الضجة يوم موتها».
توفيت مرغريت مساء يوم 21 فيفري 1930 بعد احتضار رهيب وشيعت جنازتها بعد يومين. ونذكر أن أحد مغنيي ذلك الزمن كان «يغرّد» (ينوح) في مقام «الصبا» أغنية يقول طالعها.
حبيبة ماتت ليه قتلها ميموني حرام عليه
وجاء في احدى المجلات الفرنسية ان سكان العاصمة ظلوا زمنا يرتادون احدى دور السينما لمشاهدة شريط جنازتها والبكاء عليها. وقد استمرّ سينما تريانون Trianon لمدة طويلة يعلن عن بثه للشريط التوثيقي الذي تضمّن: «الموت وجنازة الآنسة حبيبة مسيكة ـ تكريم الجموع ـ الموكب ـ في بيت آحيّم ـ في مقبرة بورجل ـ الضحية والمتهم، إلخ...» والذي صُوّر خصيصا لحساب صاحب القاعة اليهودي سارج مواطي.
وكتب فيها عشيقها الاول الشاعر محمد السعيد الخلصي (1898 ـ 1962) مرثية مطلعها:
عشت عيش الأزهار في الجنات وتولّيت في ربيع الحياة
وصف فيها عملية إحراقها:
أحرقوا جسمك اللطيف فليت النار هبت عليك بالنسمات
بينما كنت في نعاس رغيد تستطيبين لذة الغفوات
لدغة الحر أيقظتك فألفيت لديك النيران مستعرات
فالتمست النجاة لكن فضّا حال تبّت يداه دون النجاة
لهف نفسي ما كنت أحسب ذاك القد يغدو فريسة اللهبات
إن صوت حبيبة بما فيه من عيوب فاضحة لم يكن أردأ من عدة أصوات نسائية أخرى اشتهرت في أواخر حياتها او بعدها مثل فضيلة خيتمي وشافية رشدي ورتيبة الشامية وغيرهن من مسلمات ويهوديات، باستثناء فتحية خيري التي كانت ـ دون منازع ـ سيدة الغناء العربي في تونس في النصف الاول من القرن العشرين. ولعل ما غفل عنه المؤرخون هو أن حبيبة مسيكة كانت بالخصوص راقصة مُجيدة الشيء الذي ساعدها على تسلّق الشهرة بسرعة مذهلة بالرغم من صوتها المتواضع الذي لو غنت به واحدة اليوم لضحك الناس منها ومن تفاهتها.
قد تكون نهايتها المفجعة هي التي لـمّعت صورتها وأعطتها هذه الهالة من الاعجاب والتمجيد وكأنها بطلة قصة غرام رومانسية أراد لها القدر أن يكون فراش الحب هو فراش موتها ولكن حذار من القول اعتباطا إنها نموذج المغنية التونسية أو أن أغانيها تمثل العصر الذهبي للاغنية التونسية. لقد كان الثلث الاول من القرن العشرين أردأ فترات التاريخ الغنائي في تونس جمعت نهاية حقبة فراغ وبداية نهضة محتملة. فأغلب المغنيات كن كمن يؤدي دورا بالاكراه وينتظر نهايته حتى يقبض أجر ما قدم ولا يختلفن في شيء عن نظيراتهن في مجال اللهو والمتعة وهو ما دعا المثقفين في الثلاثينات الى شن حملة شعواء قصد تنقية الجو الفني من المتطفلات اللائي يجمعن بين الرقص والغناء والتمثيل ويلبين رغبات مجتمع متخلف لا يمتلك بعد الآليات الضرورية ليفصل هذا عن ذاك.
رد مع اقتباس