عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 08/11/2014, 13h54
الصورة الرمزية بو بشار
بو بشار بو بشار غير متصل  
طاقم الإشراف
رقم العضوية:6480
 
تاريخ التسجيل: novembre 2006
الجنسية: كل العرب اخوانى
الإقامة: بلاد العرب اوطانى
العمر: 74
المشاركات: 3,698
افتراضي رد: الفنان عبدالله الفرج 1836 -1901

من قصائد عبدالله محمد فرج

لا أظن أن هذا الشاعر الكبير يحتاج إلى تعريف فإنه – لايزال – منذ مرور أكثر من قرن على وفاته وهو يملأ أسماعنا شعراً وألحاناً، فنجد في شعره جمال التعبير وقوة الشاعرية، ونجد في ألحانه الطرب الجميل الذي يأخذ بالألباب، ويكفيه أن نقول إن ألحانه التي مضى على إبداعها زمن طويل لا تزال حية تنطق عن موهبة عالية، وتمكن بديع في فن الموسيقى على الرغم من أن الأيام التي أبدعت فيها كانت خالية من الوسائل المعينة في مجال الفن الغنائي، فهي أيام على غير ما نحن عليه الآن من توافر الآلات، والفنانين المبدعين والنقاد، ومع كل ذلك فقد ظهرت ألحان عبدالله الفرج وعاشت إلى يومنا هذا يهواها كل محبي الفن ويرددها كبار المطربين من أبناء الكويت وغيرهم.
ناهيك عن شعره الذي جاء في ديوان كبير، يضم عدداً كبيراً من القصائد متنوعة الأغراض، متعددة البحور، ولجمال شعره فإن الفنانين صاروا يغنون حتى الأغاني التي لم يلحنها الشاعر من شعره، وأقرب مثال لذلك هو قيام الفنان القدير سعود الراشد بتلحين عدد من الأبيات التي ابتدأ بها الفرج قصيدته الرثائية التي يقول في مطلعها
مرت بي القدرة ضحى يوم الاثنين
بدْيار خلِّي باللوى والحبايب
وارفض من عيني كما فايض العين
دمع بْمثله ما تجود السحايب

وهي أبيات جميلة ذات لحن جميل رنان على الرغم من أن موضوعها ليس من الموضوعات التي تُغنَّى، ولعلها المرة الأولى التي استمع فيها إلى قصيدة من قصائد النبط الرثائية فأجد أن ملحنا كبيراً استساغ عباراتها فلحنها وغناها فابدع في اللحن وفي الغناء

هذا الذي نذكره هنا يعتبر من الدلالات الواضحة على عبقرية عبدالله محمد الفرج، ورقي فنه، وقدرته على التعبير الصادق

***
للشاعر عبدالله محمد الفرج قصائد جميلة كثيرة، متنوعة الأغراض والأوزان فيها قصائد العرضة والصوت والسامري وفيها الغزل والمديح والهجاء والوصف، وله إضافة إلى الأوزان المعتادة أنواع من الزهيريات وإن كانت أقل من حيث الكم مما انتجه في باقي أوزان الشعر

ومن قصائده الغزلية الجميلة هذه التي مطلعها
جرى الدمع من عيني على الخدِّ وانتثرْ
وبَيَِّح بْسدِّي ياعلي مدمعي الجاري
شجاني حمام ناح بالمورق الخضرْ
وْهيَّض غرامي تالي الليل وأفكاري

والقصيدة في ثمانية عشر بيتا. وقد غناها الفنان سعود الراشد مُغيرا لحن عبدالله الفرج لها، ثم غنتها الفنانة حورية سامى في إحدى الحفلات فأجادت على الرغم من اختلاف لهجتها عن لهجة الأغنية. وغنتها كذلك المطربة وطفة، ولها تسجيل في إذاعة الكويت. وسوف يأتي بيان ذلك

استهلال جميل، وتعبير واضح عما سوف يأتي في القصيدة من ملامح فنية جميلة، سوف نعرضها فيما بعد

فهذا شاعر كويتي جميل الشعر، مشهور لدى محبي القصائد النبطية، ومعروفٌ بأنه من الملحنين المشهورين فقد انتقلت إلينا منه ألحان كثيرة ولا تزال تتردد على أسماعنا، لم يغير من قيمتها مرور الزمن بل هي تزداد جمالا لأنها ذات أصالة، ولأنها صادرة من فنان عريق. ولقد كان من حسن حظنا أن أحاط به عدد من الفنانين منهم الفنان خالد البكر الذي حفظ ألحانه كلها، ثم قام بتحفيظها إلى أخيه يوسف البكر، وهذا الأخير كان له الفضل في ايصال هذه الالحان إلينا دون أنْ يلحقها أي تشويه، وكما أن الفضل له في ذلك فإن الأستاذ أحمد البشر الرومي صاحب فضل كذلك لأنه هو الذي سعى إلى تسجيل صوت الفنان يوسف البكر، وقام يحفظ كل ما غناه. مما يجعلنا نؤكد أنه لولا قيام الأستاذ أحمد البشر بهذه المهمة لما وصل إلينا نتاج هذا الفنان العريق الأصيل

ومهمها كتبنا عن فنان الكويت وشاعرها عبدالله محمد الفرج فإن ما قدمناه قليل إذا ما قارناه بحجم انتاجه في كلا الجانبين اللذين خاض غمارهما: الشعر والموسيقى

***
كان تعبير الفرج عن الحب تعبيراً باكياً، جرت له دموع عينيه، وانتثرت على خديه، فكان دمعه دليلاً على عشقه، وكشفا عن سريرته. ولقد تسبب في إثارة شجونه ما سمعه من الحمام النائح على أغصان الأشجار المورقة الخضراء. كان وقت ذلك في أواخر الليل مما افزعه واثار اشواقه، وشغل فكره بالمحبوب الغائب

ثم استأنف حديثه شارحاً وضعه بعد هذا الاستهلال الذي ورد في اول بيتين من قصيدته، فعبر عن شقائه وشقاء قلبه لكثرة الويل الذي يحس به عند ذكر المحبوب الذي جفاه على الرغم من انه مغرم به يردد اسمه في شعره (رنت به اشعار)

ثم يقول ان هذا الحبيب قد جفاني، وَعَرَّضَ روحي للتلف، وسلك بها المسالك الوعرة، وترك جسمي ناحلاً عارياً من اللحم سقيما

وسبب ذلك ان هجره ما كان يخطر على بالي، وكان المنتظر منه أن يرأف بي ويراعي حالتي كما أرأف به واداريه

ألا واشقا قلبي من الويل لي ذكرْ
حبيب جفاني يوم رَّنت بِه أشعاري
جفاني وعرَّض بالجفا روحي الوعرْ
وجسمي دعاه من اللَّحم ناحل عاري
نحل حالتي هجره ويا ليت ما هجرْ
مْحِبٍّ يروفْ بحالته دوم ويداري

لقد اجاد الشاعر في أبياته الخمسة التي تقدمت، وأحسن تصوير حالته بعد فراق من يهواه، فهو يتحسر على أيام مضت حين كان لقاؤهما ممكنا، وكان الزمان مواتيا لهما، وهو يردد بسبب ما يشعر به من هموم الفراق ذكر الدموع المنهمرة من عينيه على خديه، فجعلته كما باح بمكنون نفسه بائساً حزينا

وهذه معاني الكلمات الواردة في البيتين الأولين
مرت بي القدر: مرَّ بي الأمر المقدر الذي لا أستطيع له دفعاً
اللوى: موضع رمال في الصحراء، بقربها منازل من يحب
ارفضَّ: تفجَّر سائلاً
العين الفائضة: هي النبع الذي ينبعث منه الماء

أما الأبيات الخمسة التي تلت ذلك فمعاني كلماتها كالآتي
بيح: باح. بْسَدِّى: بسرِّي
شجاني: هي من قولهم شجاه الهم اي: أحزانه وهي فصيحة
المورق الخضر: الشجر المورق الأخضر
هيَّض: أثار. واشقا: ما أشقى
رَنَّتْ: سمع صوتها في كل مكان
الوعر: الأماكن الوعرة: أي الصعبة المسالك، وهي فصيحة
دَعَاهُ: جعله. يروف: يرأف
يداري: يراعي ويهتم

***
كانت تلك هي الفقرة الأولى من القصيدة، وهذه هي الفقرة الثانية التي استأنف بها شكايته وبث الآمه؛ ولكنه ابتدأها بوصف صاحبته التي كانت ذوائب شعرها طيبة الرائحة، زكيَّة وعطره، ثم قال لصاحبه علي: انه كلما مر على بالي ذكر هذا الحبيب أذهل التذكار فكري، وأخذني الوجد كل مأخذ

خنين الذوايب يا علي كل ما خطرْ
على البال ذكره سَبَّهْ البال باذكاري
أنا كيف باسلا عنه واصبر كما صبر
وأنا اللي بْحبَّه للملا شاعت اخباري
تلفني على فرقاه وجدي مع السَّهر
فهل – يا علي – عن حالتي متلفي داري؟

هكذا نراه في تساؤله الموجه إلى صاحبه عليِّ فهو تساؤل مستنكر، وكان صديقه علي قد طلب منه أن يصبر وهو يقول: كيف أسلو عنه، وأصبر كما صبر عنّي، وأنا الذي أحبه محبة شاعت أخبارها بين الناس. وهو فوق ذلك قد أوردني موارد التلف بسبب فراقه لي، لأنني صرت أعاني الوجد والسهر الطويل، وكل ذلك يحدث لي ومن أهواه لا يدري عن حالي شيئاً

ثم عاد إلى وصفه قائلاً
ضحوك اللمى له غرة كنها القمر
إلى شعشعت يسري على نورها الساري
حسين سواته ما حَّدٍ شاف أو نظر
غزال بزينه يخجل البيض ويماري
يقول الشاعر: إنه ضحوك اللَّمى، واللمى لون جميل في اللثة يظهر عند الضحك أو الكلام، وله غُرَّة كأنها غرة القمر إذا انتشر نورها سار عليها الساري ليلاً، والمحبوب مضيء بسبب ذلك النور المشع من محيَّاه، وهو جميل لم ير الشاعر أحداً مثله في جماله، وهو شبيه بالغزال، بل إنه ليُخْجِل الحسان حين يفاخر بحسنه بينهن

ثم ماذا؟ يقول إن سبب ما حل به هو
أنا من سبب شوف الغضي في شهر صفر
نطحني عْصيرٍ ساطع نورها واري
نطحني وحيرني بها صافي النحر
وسبَّه دليلي عقبما تَيَّه أفكاري

إذن فمشاهدته لمن يحب بصورة مباغتة (نطحني) هو سبب إثارة الكوامن، فهو يقول إنني رأيت المحبوب في شهر صفر، وقد قابلني في عصر يوم مشرق من ذلك الشهر العربي فحيَّرني بنحره الصافي الجميل، وتاهت لمرآة أفكاري، ولم أتمالك نفسي ذلك اليوم

ولفظة نطحني لها معنى لقيني فجاءة وهي من ألفاظ اللهجة التي كانت تستعمل فيما مضى من الزمان. وَصَغَّر لفظ العصر فقال عصير، وهو يقصد (عصرية) وهذا اللفظ مستعمل في اللهجة وهو يشابه قولهم صبحية وظهرية ولذا فإن الشطر الثاني من البيت الذي نتحدث عنه هنا يقول: «قابلني فجأة في عصرية نورها ساطع، وكأنه يشتعل لقوة نوره. وفي كلمة صبحية يقول الفنان عواد سالم
صوت السهاري يوم مرّوا عليه
صبحية العيد
وهي أغنية مشهورة غناها الفنان عوض دوخي بكلمات أخرى ولحن آخر

وهذه معاني بعض ما مر في الأبيات من كلمات
خنين: طيب الرائحة
الذوائب: خصلات الشعر
سَبَّهَ: أذهل
الملا: الناس. اللَّمى: لون محبب في اللثة، وهي فصيحة
غرة: غرة الشهر أوله، وغرة المحبوب هنا: جبهته
شعشعت: ظهر شعاعها. الساري: الماشي ليلاً
سواته: مثله
شاف: رأى. يماري: يفاخر
الغضي: المحبوب. نطحني: قابلني ولقيني على غير تَوَقُّع
واري: أصلها مُتَّقد. ويقصد بها هنا: ساطع
صافي النحر: ناعم الرقبة وأعلى الصدر. عقبما: بعدما

***
ويستمر الشاعر عبدالله الفرج في شكواه، معبرا مرة بعد مرة عن حالته البائسة مع من يحب. وعن امله الخائب في اعادة العلاقة التي انقطعت بينهما الى ما كانت عليه. انه يتمنى ان لو عرف حبيبه عن حاله واخذ الخبر عن شكواه التي زادت على كل شكوى مرت به في حياته. انه يردد في شعره قائلاً: ليته يعلم بحالي (خذ الخبر) اذن لادركني وسعى الى ان يزيل عني هذا الهول والجزع اللذين جعلا الدموع تنتثر من عينيَّ كأنها الرمال التي تذروها الرياح (الذراي). ثم يتساءل: ما شأنه كلما راني مقبلاً صدَّ عني، ونفر من ملاقاتي، اما اذا كلمته فإنه سرعان ما يرد عليه بقوله: إنك طويل اللسان، كثير الكلام (بيعاري):
ألا ليت عن حالي حبيبي خذ الخبرْ
ولا هال من تذري همومه كما الذاري
علامة إلى من شافني مقبل نفَرْ
وإلى قلت قول قال: والله بيعاري
ثم يختم القصيدة بالتوجه الى أهل المعروف قائلا لهم: انتم تحاولون الاصلاح بيننا، وتسعون الى اعادة المياه الى مجاريها بيني وبين من أهوى، ولكني علمت ان ذلك لا يفيد، وان الحذر لا يقرب البعيد. وان الله قد قضى عليَّ بما قضاه من امره الجاري، وتحقق قضاؤه سبحانه، وبليت بحب هذا الجميل الأعفر. ولقد تأكد في يقيني أن هذه البلوى انما جاءت بارادة الله وبحكمته تعالى

لقد صار هذا المحبوب الذي اهتم به، وارعاه طوال عمري، نافراً عني، يصدني عنه ولا يسأل عن اخباري، بل ولا يهتم بشأن من شؤوني وهو يعلم ما أعاني، كما يعلم سبب معاناتي وهو جفاؤه وبعده

انني يا اهل الهوى قد ايقنت ان روحي بسببه في خطر، فاذا ما مت فعليكم ان تأخذوا منه بثأري:
ألا يا أهل المعروف ما ينفع الحذر
قضى الله ربي ما قضى بامره الجاري
بلاني الهوى وأبليت بالجادل العفر
وهذا المقدر – يا علي – حكمة الباري
هواي الذي عنه اتحفّى مدى الدهر
وهو ما يسل عني ولا هوب في كاري
أرى منه روحي يا هل الغي في خطر
إذا مت فاخذوا منه يا اهل الهوى ثاري
أما معاني كلمات هذه الفقرة من القصيدة فهي:
الذاري: الرمل الذي تذروه الرياح أي تنشره وتدفعه
علامَه: ما شأنه. نفر صد وابتعد
بيعاري: سليط اللسان كثير الكلام
الجادل: الجميلة، وهذا من صفات الظباء
العفر: الأعفر، ذو اللون الأبيض المشوب بحمرة، وهذا من صفات الظباء
أبليت: بسكون الباء وكسر اللام: بُليت، من البلاء
اتحفَّى: اهتم به وأرعاه وأسأل عن حاله
ولا هوب في كاري: ولا هو في شأني أي لا يهتم بشأني. وفي اللهجة إذا أردت أن تقول لشخص: لا شأن لك بهذا قلت: ما كارك
أهل الغي: هم أهل الهوى، وهي معادة في البيت بهذا اللفظ

***
انتشرت هذه القصيدة، وأحبها عشاق الشعر النبطي وتداولوا إنشادها في مجالسهم، وأصبحت في فترة وجيزة على كل لسان. كما صار للحنها الجميل الذي وضعه الشاعر نفسه وهو: عبدالله محمد الفرج؛ دور كبير في نجاحها وانتشارها فغناها عدد من المطربين ذكرنا منهم الفنان سعود الراشد، والفنانة حورية سامي، وما لم يأت ذكره هنا أكثر من ذلك بكثير بحيث لا نجد مجالا لسرد أسماء الجميع

ولم يكن غريباً أن ينحو بعض الشعراء نحو شاعرنا الفرج فيقولوا شعراً على منوال قصيدته، وقد جاء من ذلك ما قاله الشاعر أحمد مبارك العصفور برواية السيد عبدالله الدويش في كتابه: «الفن والسامري» وإذا اطلعنا على الأبيات التي قالها أحمد العصفور وجدناها متشابهة إلى حد كبير مع أبيات عبدالله الفرج في المعاني والألفاظ ناهيك عن الوزن والقافية فهو يقول فيها:
أحب الخضر من حيث لي صاحب خضر
وماري بزينه جميلة البيض ومارى
نطحني اضْحيّ العيد وأحدث معي الكدرَ
ومن شوفته- يا حمود- أنا ضاعت أفكاري
نطحني اضْحيّ العيد بمْشَجَّر خَضَرْ
يتل الردليف تلَّة الحصن للقاري
أبو لبة عفرا كما دورة القمرْ
إلى شعشعت يسري على نورها الساري
فهذه أبيات جميلة لا يخفى على من يقرؤها مدى تأثر هذا الشاعر بمن سبقه وهو عبدالله الفرج. وبخاصة استعماله لبعض الألفاظ مثل (نطحني)، مثل ما جاء في البيت الرابع الذي غيَّر فيه كلمات في الشطر الأول فبدلا من كلمة (غُرّة) عند الأول، نجد كلمة لبّه عند العصفور. واللبّة هي موضع النحر من الرقبة ويقصد بها الشاعر أعلى الصدر، وهي فصيحة هذا وفي هذه الأبيات عدد من الكلمات التي لابد من شرحها وهي:
نطحني: قابلني وقد شرحناها آنفا
اضْحىّ: تصغير ضحى. مْشجَّر خَضَر: ثوب عليه ألوان الشجر الأخضر فهو بكامله أخضر اللون
الراديف: الأرداف. الحصن: جمع حصان، وقوله جرة الحصن للقاري، مع نطق القاف جيماً قاهرية معناه يجر أردافه كما تجر الجياد القاري وهو العربة
ولا أريد أن أشير هنا إلى ما أشرت إليه في كتابي «دروس في اللهجة الكويتية من خلال الشعر النبطي الكويتي» حيث ذكرت فيه خطأ فادحا ارتكبه أحد الكتاب عند تفسيره لهذه العبارة. ولم يأت خطأه إلا لأنه اعتمد على رأيه الخاص دون بحث أو مراجعة أحد

***
وفي الختام فإننا نود أن نضيف في النهاية ما لابد من إضافته هنا وهو أن بعض الأبيات قد تداخلت بين القصيدتين أثناء الغناء، فنجد الأغنية الواحدة قد اشتملت على أبيات واردة في كل منهما. ولكن الذي يؤكد لنا صحة الأبيات التي ذكرناها منسوبة إلى عبدالله الفرج هو أنها موثقة في ديوانه الذي طبع لأول مرة بالهند في سنة 1919م برعاية خالد محمد الفرج الذي كان حريصاً على العناية بشعر عبدالله واتقان طبعه، وتحقيق نسبة القصائد إليه

ولا يفوتنا أن نذكر أنه للشاعر ضويحي بن رميح قصيدة مشابهة للقصيدة التي عرضناها نقلا عن عبدالله الدويش، مع وجود اختلافات بسيطة، وزيادات واضحة بين الجانبين. وإذا كانت قصيدة العصفور قد وصلتنا وهي أربعة أبيات فقط، فإن قصيدة ابن رميح جاءت في أربعة عشر بيتاً كما وردت في الكتاب الذي أصدره عنه الأستاذ الشاعر عبدالرزاق محمد صالح العدساني.
وأخيراً فإن هذه المصادر الثلاثة كافية، وهي تنفي ما زعمه أحدهم من نسبة بعض الأبيات إلى شخص آخر وهذا أمر تعودناه من الجماعة فقد اعتادوا نسبة كثير من القصائد إلى أصحابهم.
وهناك إضافة أخرى تنبغي الإشارة إليها في هذا الختام، وهي أن نسبة اللحن إلى الشاعر الفرج ليست مؤكدة، وإن كانت الأبيات من إنشاده بالتأكيد، وقد اختلف في مسألة اللحن فهناك من قال إن اللحن لعبدالله الفرج، وجاء سعود الراشد فطوره وأدخل عليه الآلات الحديثة، وقيل إنه هو الذي لحن هذا الغناء منفرداً، ولم يكن قد جرى تلحينه من قبله، ولا نعلم على وجه اليقين حقيقة الأمر

ولكننا بالرجوع إلى مكتبة الأغاني في إذاعة الكويت، والاستماع إلى التسجيلين المتاحين فيها نستطيع أن نستخلص ما يلي:
-1 لا يوجد تسجيل محفوظ لهذه الأغنية بصوت المطربة حورية سامي وإن كانت غنتها في حفلة
-2 هناك تسجيل للأغنية بصوت الفنانة وطفة على إيقاع السامري، وهو الذي نظن أنه من ألحان عبدالله الفرج
-3 وهناك تسجيل آخر للأغنية بصوت الفنان سعود الراشد على الإيقاع النقازي، وذلك من تلحينه

بدأت الفنانة حورية سامي مشوارها الفني في وطنها: مصر، وكانت تغني الأغاني الخفيفة في ملهى كوبانا، ثم التحقت بالمسرح العسكري – قسم التوجيه المعنوي، وسافرت – بعد ذلك إلى لبنان، فعملت هناك في بعض الملاهي، وتزوجت لبنانياً، وبعد زواجهما حضرا إلى الكويت، وعند ذلك التحقت حورية سامي بالإذاعة الكويتية – قسم الموسيقى وكانت ضمن أعضاء المجموعة الغنائية (الكورس) ولقد عرض عليها الغناء لموهبتها فيه، ولما كانت ذات صوت جميل، ولأنها صارت تجيد اللهجة الكويتية، فقد تهافت عليها الملحنون لعدم وجود أصوات نسائية آنذاك

ولقد لحن لها أكثر من عشرين ملحنا منهم الأستاذ ابراهيم الصولة، والمايسترو سعيد البنا، والفنان سعود الراشد ومحمود الكويتي وعبدالله فضالة وأحمد علي وخالد الزايد وعبدالحميد السيد ويوسف المهنا. وآخرون

وقد سُجِّلت لها أغان كثيرة منها هذه الأغنية التي تحدثنا عنها في مقالنا هذا. ومنها:
سامرية: يا روح روحي، وصوت: والله والله ما دريت، وأغنية تاج حسنك علمك… ويا بو فهد مني غدا الشوق، ويا فرحتي مهري ربع دينار وغيرها من الأغاني

توفيت هذه الفنانة المبدعة قبل أن تكْمِلَ طريقها مع الأغاني الكويتية، ولكنها تركت ذكرى طيبة ومستمعين لا يزالون ينتظرون إذاعة أغنياتها

***
هذه إشارات لابد من ذكرها حول أغنية من الأغنيات الكويتية الشهيرة اشترك في تقديمها لنا الفنان الشاعر عبدالله الفرج والفنان الموسيقار سعود الراشد والفنانة القديرة حورية سامي، رحمهم الله

=========

ملحاق خير:
مما يلفت النظر أن اسم شهر صفر قد تردد في عدد من القصائد، منها قصيدتان سبق أن أوردناهما في مقال سابق من مقالات: «الأزمنة والأمكنة» إحدى هاتين القصيدتين للشاعر القديم الراعي النميري الذي عاش في العصر الأموي مترددا على أرضنا، وذكر منطقة الرحية (الرحا) في شعره كما بينا سالفا، والقصيدة الثانية لشاعر آخر معاصر لنا هو فهد العسكر الذي لا يحتاج إلى تعريف لكثرة ما كتب عنه

ولقد قال الراعي النميري في مطلع قصيدته:
يا أهلُ ما بال هذا الليل في صفر
يزداد طولا ولا يزداد من قصر
في إثر من قطْعت منى قرينته
يوم الحدالى بأسباب من القدر
(الحدالى: موضع في بادية الشام)

ومعنى البيتين اللذين ذكرناهما هنا أن الشاعر يدعو أهله ثم يسألهم عن ذلك الليل من شهر صفر، ويقول إنه ليل طويل يزداد طوله ولا يقصر، وهذا بسبب سهره وانشغال فكره بمن انقطعت صلته به منذ اليوم الذي لقيه فيه آخر مرة في منطقة (الحدالى) وكان ما حدث مقدرا عليه بأسباب من القدر لا يستطيع تجاوزها

أما فهد العسكر فقد قال في بداية قصيدة له:
يا ميُّ ناب السمع عن بصري
في الليلة الظلماء من صفر
ذهبت فلا رَجَعَتْ مُخَلِّفَة
في غور روحي أسوأ الأثر

يُبلغ مَيّا بأنه لم يعد يرى شيئا في ذلك الظلام الدامس الذي خيَّم عليه في شهر صفر، وقد ناب سمعه عن بصره آنذاك، ويقول: لقد ذهبت تلك الأيام التي أسهرني تذكرها فلا رجعت، وقد خلفت في أعماق روحي أسوأ الأثر، وأصعب ما يشعر به المرء في حالة مثل هذه الحالة

وكلا الشاعرين أورد اسم الشهر، تحدث الأول منهما عن طول الليل فيه، ولعله صادف – يومذاك – شهرا من شهور الشتاء. وأما الثاني – فهد العسكر – فلم يذكر إلا ظلام الليل في هذا الشهر، وهو ظلام يأتي خلال كل شهر من شهور السنة الهجرية وقت أفول القمر، ولم يذكر العسكر أية علاقة لمعاناته مع طول الليل، بل كانت تلك المعاناة بسبب الظلام الذي خيم عليه، وقد تكون لذلك صلة بما حدث لعينيه إذ فقد البصر بهما كما نستوحي من بعض أبيات هذه القصيدة، وبخاصة ما جاء في آخرها حيث يقول:
حسناء والأجفان قد ثقلتْ
هاتي الدواء وكحِّلي بصري

والعجيب في الأمر أن الشاعر عبدالله محمد الفرج قد ذكر في قصيدته التي أوردناها مع المقال المرافق لهذا الملحاق شهر صفر فقال:
أنا من سِبَبْ شوق الغضي في شهر صفر
نطحني عْصيرٍ ساطعٍ نورها ساري

وقد يكون هذا اللقاء الذي يصفه شاعرنا الفرج مصادفة، أي أن حصوله صادف مرور هذا الشهر

إذن فما هو السر في تكرار اسم (صفر) عند هؤلاء الشعراء الثلاثة؟ إن المبرر الوحيد لذكره عند الراعي النميري هو ما أشار إليه من أن العناء الذي ألم به في ذلك الليل الطويل؛ ذلك الليل الشتائي الشديد البرودة كان ليلا من ليالي شهر صفر

ومع ذلك فلا يزال السؤال قائما عن سبب ذكر الشهر لدى فهد العسكر، ولدى عبدالله الفرج إلا أن يكون ذلك بسبب المصادفة عند الأخير كما سبق أن ذكرنا، وبسبب شدة الظلام عند غياب القمر في اللحظة التي كان يتكلم فيها إلى (ميّ) عند الأول، وأيضاً فإن المصادفة تلعب هنا فتضع الحادثة ضمن أحداث شهر صفر بالنسبة للشاعر


منقول من جريدة الوطن
http://alwatan.kuwait.tt/articledetails.aspx?Id=148928
__________________
http://www.sama3y.net/forum/signaturepics/sigpic6480_1.gif
رد مع اقتباس