عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 14/02/2009, 13h02
إبراهيم حمزة إبراهيم حمزة غير متصل  
ضيف سماعي
رقم العضوية:391628
 
تاريخ التسجيل: février 2009
الجنسية: مصرية
الإقامة: مصر
المشاركات: 3
افتراضي زكريا الحجاوى .. رائد علم الحياة



زكريا الحجاوى .. رائد علم الحياة


- زكريا الحجاوى ركن أصيل فى بناء ثقافى عصامى هائل ومتكامل وجاد ، مع امتلاك رؤية ووضوح وشفافية وإنسانية منحته حبا حقيقيا من بشر صادقوه وأحبوه ، فصار "عمدة " يتلقى التحايا الودودة من اتباعه كل صباح ؛ ويروى " نعمان عاشور " عن الحجاوى انه : " كان يقف ممسكا بجريدة يلوح بها لكل من يحييه من المارة ؛ وأدهشنى – والكلام لعاشور – كثرة الناس الذين يعرفونه "

ابن بحر ...ابن بحر :
أهدت هذه المدينة الصغيرة الثقافة العربية نخلتين مثمرتين فى حديقة الثقافة العربية : زكريا الحجاوى وسيد حجاب ، وكلاهما كما يقول سيد حجاب عن نفسه فى " ديوان صياد وجنية " أنا ابن بحر .. ابن بحر / ابن النسيم اللى رضع / من السما /رضع حليب النجمة حنية وفجر .
فإن خصوصية جغرافيتها المذهلة المنبسطة المفتوحة ، تركت بصمات فى شخصية الرجلين معا بلا شك ، فالمدينة مقسمة فى شوارعها كأنها قطعة شطرنج بديعة التقسيم ، ناسها بالفعل كما وصفهم حجاب " خطوة ناس بلدنا الطيبين / متنغمة / وإنهم / كمة محبة فى الهدوم متقسمة "
ثم ها هى فرق المواوية والقوما والكان كان تطوف بالمدينة كل عام ، والمسحراتية يلقون انعامهم تصافح آذان الفتى الصغير ، فتنفجر الموسيقى بداخله ....
هنا ولد زكريا عبد الرحمن الحجاوى ، أهله كانوا – وما زال معظمهم – من صيادى بحيرة المنزلة ، ويضرب زكريا أوتاد خيمة تفوقه على باب ابتدائية المديرية ويكون الأول ، ويمنحه الملك فؤاد أربعين جنيها من الذهب مع ساعة ثمينة ،
وهكذا تتبدد أول عتمة فى مساره النير ، إذ ينتقل إلى بورسعيد طالبا بمدرسة الصنايع ، لكن روح المقاومة التى تلبسته صغيرا تتأبى عليه إلا الظهور ، فيقود المظاهرات التى تلقيه فى النهاية إلى الشارع ، ومنذ صار الحجاوى فى الشارع لم يخرج منه .. ويروى هذه الواقعة لنعمان عاشور قائلا له " بقيت خلاص موظف صغير لا يحمل إلا الشهادة الابتدائية وشهادة لا إله إلا الله "
نهر البنفسج :
وتبدو فترة التكوين التى عاشها الحجاوى شديدة الخصب والصخب ، فقد كان نهما فى القراءة المتعددة الدائمة ، فضلا عن صخب الفترة ذاتها ، فقد ظهرت فى مصر عدة تيارات أدبية وسياسية مذهلة ، حيث تكونت جماعات متعددة فى شكل نواد ثقافية ، جمعت الأجانب واليهود ببعض المصريين "المتفرنسين " الذين كانوا ينطقون الفرنسية المهشمة بطريقة تشبه نطق الأجانب للغة لعربية بنفس القدر من السوء .
وكانت الماركسية قاسما مشتركا بين غالبية هذه التجمعات وظهرت مجلة " المجلة الجديدة " بما تحمله من أفكار لسلامة موسى وغيره ، ثم ظهرت جماعة الفن والحرية ، وأصدر مؤسسوها – أنور كامل وجورج حنين وكامل التلمسانى – بيانا بعنوان " يحيا الفن المنحط " قالوا فيه أن المجتع الحاضر ينظر باشمئزاز إلى كل جديد طالما يهدد النظم الثقافية المستقرة " وبدت بوادر الوجودية تغزو المجتمع ، وتساندها دعوات كلها يسارية ، فظهرت مجلة الفجر الجديد ، عام 1945م ورأس تحريرها أحمد رشدى صالح ، وكان يحرر فيها كتيبة من كبار مفكرى مصر مثل لطيفة الزيات ونعمام عاشور وعبد القادر القط ومصطفى مشرفة وسعد مكاوى والحجاوى وغيرهم واستطاعت ان تحرك مياهً راكدة فى المحيط الثقافى والفكرى ، ثم كانت مجلة الغد " التى أخرجها حسن فؤاد وصلاح حافظ ، وعلى صفخاتها صافحت أعين القراء قصص الحجاوى وكانت أول قصة كتبها بعنوان «محاكمة قاع النهر» عام 1948 التي ضمها إلى مجموعته «نهر البنفسج"
ويصف الحجاوي الليل وصفا لا أعتقد أنك سمعته من قبل «الليل عبيط يتجول في القرى ناشرا عليها الكآبة والمخاوف" ويشير الكاتب سامى كمال الدين إلى سحر أسلوبه وينقل من قصته قوله : " الغاب تافه طويل، وهو يهتز مع الريح، مقلدا الفروع المثمرة التي يحق لها أن تهتز، وكلما وثبت فوقه نسمة تريد الاستلقاء في النهر، انحنى لها الغاب انحناءة ثقيلة الدم، وهو يصفق بأوراقه العجاف"
ولهذا فقصص الحجاوى كانت فرشة مبكرة لسرير الواقعية الجديدة وقد أكد يوسف إدريس أن مجموعة الحجاوى كانت رائدة فى التبشير بالواقعية .
- ا لعمدة :
لا يمكن بحال من الأحوال فصل شحصية " الحجاوى " الإنسان عن الحجاوى الفنان ، لأنه لم يصنع هذا الفصل الشائع بين الذاتين : ذات الفنان وذات الإنسان العادى ، ويكفى تأمل سيرة أحبابه وهم يؤرخون لمجالس قهوة " عبد الله " بالجيزة. ولنشاهد عن قرب وصف خيرى شلبى له : " يأخذ شكل الدلتا .. ملامح بارزة ،واخرى مضغمة ومضمرة ، النقطة الباهتة الحجم من بعيد ، ربما كان طريقا وكل أذن تشبه بحيرة المنزلة " .
وتبدو هذه الثقافة الموسوعية خادمة للعمدة الذى يتوسط ناسه ويبدأ مجرى نهر الجكى فى التكون على يديه ، فيطرح الحجاوى نظرياته النابعة من فكره الخاص كفكرة " تمويد الأدب " التى يشير إليها "نعمان عاشور " وهو ما يعنى تحويله إلى أدب مشبع بالمفهوم المادى عوضا عما يسميه الاشتركيون أيامها " الواقعية الاشتراكية " ثم نظريته عن معابر الوصل " أى الربط بين مادية الاشتراكيين وما ينادى به الدين من التمتع بطيبات ما رزقناكم " ..
وهكذا تتحول قهوة عبد الله إلى ساحة فكر افتقدناها ، لأنه اختار فن الحياة لا حياة الفن ، وربما كانت هذه الطبيعة تمهيدا تلقائيا لعاشق المداحين كما أطلق على " أبو الزيك " كما كان يلقبه أصحابه .
ولذلك فقد بهرته شخصية " سيد درويش "17 مارس 1892 وتوفي في 10 سبتمبر 192 وكتب عنه كاتبا بديعا اختار له اسما ذا دلالة " دكتوراه من الله " ليدل على أن التعليم ليس حكرا على الجامعات فقط إ
وها هو سيد درويش ينال الدكتوراه من الله تعالى ..
كما أصدر مسرحية " بيجماليون " عام 1946م مستوحاة من التراث اليونانى ،

كان برسيفال مصاحبا للحملة الفرنسية ، ووضع غراماطيق اللغة العامية المصرية وطبعتها مطبعة الحملة الفرنسية ، ثم بدا الاهتمام بنشر السير الشعبية ، وقام ادوارد لين بنشر سيرة عنترة وأبى زيد الهلالى وغيرهما فضلا عن كتابه الذائع الصيت عن المصريين وعاداتهم ..ثم قام يعقوب أرتين بنشر ست قصص شعبية جرت فى القاهرة ، حتى نصل لكتاب ماسبيرو " الأغانى الشعبية فى صعيد مصر " والذى طيع حديثا بمشروع مكتبة الأسرة وأشرف عليه الفنان محمود الهندى والدكتور أحمد مرسى ..

وليس معنى ذلك خلو المكتبة العربية من كتب التراث الشعبى ، فقد وضع الشيخ إبراهيم الأحدب (ت 1891م) كتابا فى الأمثال ، وألف الشيخ إبراهيم الحورانى (ت1916م ) كتابا فى الألغاز ، ووضع إبراهيم زيدان كتابا باسم " المستطرف من النوادر " كما أخرج إلياس بن بقطر ( ت1821م ) بعض الحكايات الشعبية ، كذلك هناك ترجمات رفاعة وكتاب شهير محمد شهاب الدين وأحمد تيمور وليس انتهاء بقاموس أحمد أمين فى العادات والألفاظ الشعبية ولدى طبعة منه لم تذكر اسمه عليها ……

ولهذا فمسيرة الحجاوى هى استمرار لمن سبقه بالجهد والبحث ، وكانت رحلاته بحوثا فى الأصالة المصرية .

وأبرز ما ميز هذه الرحلات هو عدم الفصل بين عناصر الإبداع الشعبى ، فلم يبحث عن الأغنيات ويترك السير الشعبية ، أو يهتم بالمديح النبوى وينكر الرقص الشعبى ، إنما احتوى العبقرية الشعبية – كما يشير خيرى شلبى – فأصبحت دراسته للأغنية الشعبية ترتبط بدراسة الأغنيات والمواويل والبكائيات والنقش والرقص الشعبى والابتهالات والتواشيح والمديح النبوى والعمارة والملاحم الشعبية "

ورغم ما ذاع خطأ عن الحجاوى من أن رحلاته لجمع التراث بدأت مع عام 1954م إلا أن الحقيقة الواضحة والتى أشار إليها الحجاوى ذاته فى كتابه " حكاية اليهود " تقول إن أولى رحلاته كانت إلى شمال سيناء والقنطرة والبردويل ورفح وغزة ثم فلسطين ، زكان ذلك عام 1941م ، ثم كانت رحلته الثانية فى عام 1949م وكانت إلى الصحراء من إسنا إلى القصير ، إلى دير سانت كاترين ، ثم كانت فترة عمله فى مصلحة الفنون والتى بدأت عام 1954م فرصة سانحة للطواف بأقاليم مصر لجمع بعض الرقصات الشعبية وعرضها على مسارح البلاد عام 1956م وفى العام التالى قدم أوبريت " ياليل يا عين " الذى خصه أستاذنا الكبير يحيى حقى بكتاب كامل بنفس عنوان الأوبريت ، وذلك حين تحولت إلى أوبريت متكامل بهر من رآه فى مصر وسورية
وقام" الحجاوى" بتجميع بعض اعمالها فى ألبوم واحد عام 1958م وانطلق صوتها صداحا فى " أيوب المصرى " : يا مسعد ياللى تصلى ع النبى / الصبر طيب للأمارة يصبروا / ياما اللى كان صابر ينول المغفرة / واللى معاه صبر يلاقيه فى الآخرة "
ويتزوجها الحجاوى ، الذى عاش عمره مع زوجة اخيه الذى رحل ، وتحمل زكريا حملا ثقيلا بترك زوجته من اجل الزواج بأرملة اخيه ، والتى أنجب منها الحجاوى أولاده " سوزان وأسامة ونعمة وحسنات وتشرح " سوزان زكريا الحجاوى الأمر قائلة : " والدتي كانت متزوجة من عمي قبل والدي، وكانت قد أنجبت فوزية وعزت وسميرة وسهير وكان والدي طيلة عمره شهما وفارسا فقد ترك زوجته ليتزوج أمي وعن سر زواجه من خضرة محمد خضر أضافت سوزان: تزوجها سنتين وكانت والدتي موجودة، وكنت طالبة بالجامعة وسألته عن هذا الزواج فقال: لما تكبري سوف تعرفين، لقد طلقت من زوجها وكانت معي ليل ونهار في الموالد، ولدي بنات ولا أريد أن يتقول عليها أحد فتزوجتها "

ولكن دوام الحال من المحال ، لم يستمر الزواج كثيرا وتم الاتفاق على الانفصال ، وقد أقيم احتفال كبير في إمبابة، وجرح فيه نقيب الصعاليك زكريا الحجاوي أصبعه.. وكذلك فعلت خضرة وشرب كل منهما من دماء الآخر وأصبحا أشهر عاشقين أخوين ، وهو ما يؤكد إيمانه بكافة التقاليد الشعبية ، ليس مجرد ترديد أفكار فقط

وفى اليوم التالى للطلاق ، انطلق زكريا يتغنى بهذا الموال :

زرعت فدان جمايل وأربعة معروف

ورويتها يا ما شهامة بزوق وبالمعروف

واللي حماها أنا بالجدعنة ومعروف

وقلت هلبت تزرع م الجميل قيراطين

أتاريها أرض طين وبتنكر المعروف

واستمرت رحلة الحجاوى الإبداعية ، لتتصل السينما بالإذاعة التى كان رائدا حقيقيا من كبار روادها ، مثلما تميز الفكر السينمائى الذى قدم من خلاله الحجاوى فيلمى سيد درويش وأدهم الشرقاوى ، وهو ما يعنى ولعه بالبطل الفرد المنتظر ولذا فقامة الحجاوى تمتد سامقة فى ميادين كثيرة ، رغم أنه لم يكن من أصحاب المؤهلات الدراسية العليا ….. وربما لهذا قدم نهرا فياضا من الإبداع الشعبى .

أملٌ لدى الدكتور نوّار :

وكما رأينا ما قدمه الحجاوى لصديقه أنور السادات ، رأينا السادات أيضا يرد الجميل بأحسن منه ، فطارد الحجاوى فى رزقه وفصله من عمله ، ولا أجد مبررا سوى رغبة السادات فى التخلص من ماضٍ يرهقه ، مثلما فعل محمد على مع زملائه من الجنود الألبان ، فترك الحجاوى مصر إلى قطر ، وبدا جهده يشرق فى قطر فأنشأ مركزا للفنون الشعبية ، وبدأ يمارس نفس الدور العظيم الذى قضى عمره يؤديه فى مصر ، ثم انتقل إلى رحاب ربه ، ويبدو أن السادات قد فوجىء بالخبر الذى آلمه بصدق ؛ فأصدر قرارا بعمل جنازة عسكرية للرجل ، وتعيين ابنه أسامة فى الحرس الجمهورى ، واعترف للمرة الأولى بفضل زكريا عليه ، وشهامته حين استضافه فى بيت نحند السودانى الريس والد زوجة زكريا …. وتمر الأيام ويزور السادات مدينة المطرية ، يوم الأربعاء 28نوفمبر 1979م وفى حضور سعد الشربينى محافظ الدقهلية وقتها ، وكذا أرملة زكريا وشقيقه ، يصدر السادات قراره بتحويل البيت الذى أواه وزكريا إلى متحف ، ويبدو أن السادات لم ينبهه أحد أن هذا البيت لم يكم ملك زكريا ، إنما ملك أسرة زوجته ، ولذا لم يتم المشروع وبالطبع لن يتم ، فقد تحول المنزل الآن إلى عدة منازل وبيع إلى عدد كبير من الملاك الجدد ، ولذا لم يعد لدينا امل سوى مطالبة الفنان أحمد نوار بإطلاق اسم زكريا على قصر ثقافة المطرية دقهلية ، وهو ما سبق وطالب به الفنان أحمد عميرة قبل توليه منصبه مديرا لمديرية الثقافة بالسويس ، وأثناء شغله لمنصب مدير قصر ثقافة المطرية دقهلية ,,,

لقد عاش الحجاوى بين الناس ، ومات وما زال فى قلوبهم يحيى .


رد مع اقتباس