عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 05/05/2009, 23h34
MAAAB1 MAAAB1 غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:16330
 
تاريخ التسجيل: février 2007
الجنسية: المانية
الإقامة: المانيا
المشاركات: 1,194
افتراضي وديع الصافي صوت تاريخي في الغناء العربي .. إلياس سحاب

صباح الورد

وديع الصافي صوت تاريخي في الغناء العربي

إلياس سحاب


وديع الصافي ليس صوتاً غنائياً عظيماً فقط، فاكتمال نضج تجربة هذا الفنان تزامن مع نضج الحركة الموسيقية العربية في الشرق، وقد أثرى هذا الفن بحنجرته الرائعة التي وهبه الله إياها.
الآن وقد مرّ على انقضاء القرن العشرين ثماني سنوات، نكون قد أصبحنا على مسافة معقولة منه،تسمح لنا بغربلة تفاصيل النهضة الموسيقية التي بقيت مزدهرة فيه حتى ثلاثة أرباعه. ويمكننا بنظرة استعادية لذلك القرن الموسيقي، أن نقسمه إلى ثلاث مراحل: الربع الأول من القرن، والربع الثاني، والربع الثالث. مع ملاحظة أن أخصب هذه المراحل الثلاث هي الربع الثاني، الذي جاء بعد نضج كل المراحل السابقة، وهو نضج توجته في العصر الحديث ثورة سيد درويش التجديدية، وقد توجت ذلك الربع الثاني من التلحين أسماء عباقرة مثل محمد القصبجي ومحمد عبدالوهاب وزكريا أحمد ورياض السنباطي، وفي الغناء أسماء الثلاثة التاريخيين: محمد عبدالوهاب وأم كلثوم وأسمهان.
وإذا كان الثلث الثالث، من منتصف القرن حتى ثلاثة أرباعه، قد شهد استمراراً للنهضة الموسيقية في القاهرة، وازدهاراً مشرقياً لها كانت بيروت مركزاً له، فإننا نلاحظ أن كل عباقرة الموسيقى العربية والغناء العربي في الربع الثالث بالذات من القرن، وقد ولدوا في أواخر ربعه الأول (1915 - 1925)، وترعرعوا وتكونت شخصياتهم الموسيقية والغنائية في حضن الربع الثاني من القرن العشرين، أنضج مراحله الموسيقية - الغنائية.
فإذا ركزنا النظر على الجناح المشرقي من النهضة الموسيقية - الغنائية العربية بشكل خاص، فإننا سنجد عباقرة هذه النهضة قد ولدوا فعلاً فيما بين 1915 و1925، وإن كان العدد الأقل من هؤلاء قد تخطى هذه الفترة بخمس سنوات أخرى. فزكي ناصيف وفيلمون وهبي ولدا قبل العام 1920، أما توفيق الباشا وعاصي ومنصور الرحباني ووديع الصافي فقد ولدوا فيما بين 1920 و1925.
بداية الرحلة
وبالنسبة لوديع الصافي بالذات، فقد ولد في نيحا (قضاء الشوف) في العام 1921.
يروي وديع بشارة فرنسيس (أطلق عليه حليم الرومي فيما بعد لقب الصافي) بنفسه في الكتاب الفريد الذي وضعه عنه فكتور سحّاب أن الينابيع الأولى التي استقى منها وجدانه الموسيقي والغنائي، كانت الغناء الريفي (الفولكلور) والإنشاد الديني في الكنائس المسيحية الشرقية (الموارنة، والروم الأرثوذوكس).
لكنه عندما نزل من قريته إلى بيروت، وراح يحتك بالثمار اليانعة للنهضة الموسيقية - الغنائية في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين، فإن الصوت الذي شده قبل سواه وأكثر من سواه هو صوت محمد عبدالوهاب، الذي كان يفضله في البداية (على حد قوله) على صوت أم كلثوم، لأنه كان يؤدي الغناء بصوت لين مطواع، بينما ظلت أم كلثوم فترة طويلة تجنح إلى الحدة في أدائها، التي لم تصقلها التجارب إلا في أواخر الثلاثينيات، حيث بدأ إعجاب وديع الصافي بصوتها حسب قوله، لكن مطربه المفضل بقي على ما يبدو هو محمد عبدالوهاب، وله في ذلك قول واضح: لم أكن أسمع من الأغاني لغير عبدالوهاب وأم كلثوم، إلا لأسمهان. وهو بذلك يقدم دليلا إضافياً على الرأي القائل بأن هذه الأصوات الثلاثة (عبدالوهاب وأم كلثوم وأسمهان) هي الأصوات التاريخية في الغناء العربي الحديث في القرن العشرين، ليس لأنه لم يظهر بعدها أصوات ذات شأن فني كبير، ولكن لأن الغناء العربي كان يسير في طريق آخر وأسلوب آخر، سمي فيما بعد «مدرسة القرن العشرين في الغناء العربي».
ظلت الشخصية الفنية لوديع الصافي تتكون وتختزن ما أمكن من التراث القديم والحديث، الديني والدنيوي، القروي والمدني، حتى منتصف القرن العشرين على ما يبدو.
لكنه في عقد الأربعينيات، تعرض لرحلتين كان لهما أثر مباشر وغير مباشر، في إنضاج شخصيته الفنية، وإيصالها إلى الصورة الكاملة التي استقرت عليها بعد ذلك.
فكما جرّبت كل من نور الهدى (ألكسندرا بدران) وصباح (جانيت فغالي) ولور دكاش حظوظهن الفنية بالانتقال من بيروت إلى القاهرة، فقد خاض وديع فرنسيس (قبل أن يصبح اسمه الصافي) هذه التجربة وشد الرحال إلى القاهرة، حيث خاض سلسلة من التجارب السينمائية الفاشلة، لأنه بطبيعته لا يحب التمثيل، ويعتبره نوعا من الكذب (على حد قوله).
لكن اللافت للنظر في هذه الرحلة القاهرية الأولى القصيرة وغير المثمرة في عمر وديع الصافي الفني، أن والد نور الهدى قد جمعه بمطربه المفضل محمد عبدالوهاب، حيث استمع إليه هذا الأخير مندهشاً يؤدي مقطعاً من أنشودة الفن (الدنيا ليل والنجوم طالعة تنورها)، وذلك بعد أن كان وديع قد استمع إليها مرة واحدة فقط.
بعيداً عن المغتربين
أما رحلة الصافي الثانية بعد عودته من القاهرة، فقد كانت إلى البرازيل، حيث قضى ردحاً من الوقت يغني للمغتربين الألوان الفولكلورية اللبنانية، التي كان قد أصبح أستاذاً في أدائها، إضافة إلى أغنيات لبنانية كان قد لحنها على قصائد زجلية لشعراء لبنانيين كبار، كان قد تعرف إليهم في دواوينهم المنشورة فقط (مثل قصيدة «طل الصباح وتكتك العصفور» لأسعد السبعلي).
ولما عاد وديع الصافي إلى بيروت في مطلع عقد الخمسينيات، كان الفنان الكبير حليم الرومي قد تسلم مسئولية إدارة الإذاعة اللبنانية (الفرقة الموسيقية والمكتبة الموسيقية. ولم يكن تغيير اسم وديع فرنسيس إلى وديع الصافي هو الشيء الوحيد المهم الذي قام به حليم الرومي، فقد قام بعمل أهم هو توجيه وديع الصافي من لون الطرب (المتأثر باللون المصري)، إلى الغناء بالألوان اللبنانية ذات الطابع المشرقي. ومع أن لوديع الصافي تفسيرا خاصا لتصرف حليم الرومي هذا، لكن هناك من يعتقدون أن المبرر الفني كان هو الأقوى وراء نصيحة حليم الرومي المبكرة هذه، لأن الأيام أثبتت أن وديع قد تبوأ بأداء الألوان اللبنانية المشرقية موقعاً تاريخياً طليعياً، لم يكن مهيأ لتبوؤ موقع مثله في أي مجال غنائي آخر. والحقيقة أن وديع الصافي كان قد وصل عند هذا الحد (اختيار الصافي لقباً فنياً له، وتخصصه بغناء الألوان اللبنانية المشرقية)، إلى ذروة نضجه في هذا الاتجاه الذي سيصنع له مجده الفني الذي يتربع فيه على عرش راسخ لا تهزه رياح العمر والتحولات الغنائية والموسيقية الجامحة في أواخر القرن العشرين.
رد مع اقتباس